مطلع اﻷسبوع الجاري، قرر النائب العام التحقيق في بلاغ مُقدّم من المجلس القومي للطفولة والأمومة ضد زوجين متهمين بـ"الإساءة لطفلتهما الرضيعة" عبر فيديوهات على يوتيوب وفيسبوك، تضمنت ارتكاب مخالفات تعاقب عليها مواد في قانوني العقوبات والطفل.
قبل هذه الواقعة بعام واحد، شهد مقرّ يوتيوب بولاية كاليفورنيا اﻷمريكية هجومًا أسقط قتلى وجرحى برصاص أطلقته عشوائيًا فتاة غاضبة بسبب فرض يوتيوب رقابة على محتوى فيديوهاتها، وبالتالي تقليل العائد المادي الذي تربحه من الإعلانات التي تصحب هذه الفيديوهات.
فكيف يعمل إذن خليط الشهرة والمال؟
بين الواقعتين المصرية والأمريكية قاسم مشترك رغم اختلاف نتائج هذه الجرائم. في البداية كان الأمر بهدف الرغبة في الشهرة والشعور بالتأثير على "المتابعين/ الفولورز". وعندما دخلت الأموال في المعادلة؛ انفجرت قنوات تقدم ما يشبه برامج تليفزيون الواقع، في مقابل رغبة متزايدة من "المشاهدين/ الفولورز" في التلصص وبالتالي استهلاك هذا المحتوى، بما يتبعه من إضافة إعلانات لسلع إستهلاكية.
كثير من براءة الأطفال
أحمد وزينب، الزوجان الفلوجرز، vloggers، المتهمان بـ"الإساءة لطفلتهما وتعريضها للخطر"، يمتلكان قناة Ahmed Hassan Vlogs التي يتابعها 3.2 مليون مستخدم، ويتخطى إجمالي مشاهداتها 385 مليون مشاهدة منذ انطلاقها في 11 أغسطس/ آب 2017.
بدأ الزوجان مشوارهما مع يوتيوب بفيديوهات تستعرض مواقف يومية أسمياها "فيديوهات هادفة" و"مقالب"، فيما يُشبه ما انتشر قبل أعوام من فيديوهات وبرامج تحت مُسمى تليفزيون الواقع.
كان يوتيوب بمثابة أرشيف لرحلة أحمد وزينب بمختلف مراحلها، وصولًا لزواجهما وإنجاب طفلتهما آيلين، التي لم يمر على ميلادها سوى شهر واحد حتى أشركاها في الفيديوهات بصورة اعتبرها عدد من المُعلّقين "لا تتناسب مع عمر الرضيعة، وتعرضها للخطر"؛ لينتهي الأمر مؤخرًا ببلاغات لخط النجدة بالمجلس القومي للطفولة والأمومة، ومنه انتقل اﻷمر ليد النائب العام.
https://www.youtube.com/embed/LqbC3PFMWEcتواصلت المنصّة مع الزوج عبر الإيميل المنشور في القناة على يوتيوب، للرد على بعض الاستفسارات، إلاّ أنهما لم يردا حتى موعد نشر التقرير رغم قراءته (عبر برنامج تتبع الإيميل).
وفي حال أدين الزوجان بهذا الاتهام؛ فإن العقوبة الخاصة بتعريض الطفل للخطر هي الحبس لمدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد عن 5 آلاف جنيه وفقًا لما نصّت عليه المادة 96 من قانون الطفل، فيما تصل عقوبة "الاستغلال التجاري" للطفل إلى السجن المُشدد بما لا يقل عن 5 سنوات وغرامة بين 50 إلى 200 ألف جنيه وفقًا للمادة 291 من قانون العقوبات.
أطفال تدر أرباح
قناة أحمد وزينب مجرد قمة جبل الجليد، إذ يزدحم فضاء يوتيوب المصري بعشرات القنوات التي تعرض يوميات الأطفال مع الأهالي. واحدة من القنوات تدعى عالم نور ونادين، تنشر فيديوهات لطفلتين، ولا يخل الأمر من بعض التحديات التي يعتبرها هؤلاء مضحكة، مثل تناول الفاكهة بقشرها، والطفلة التي خسرت التحدي أجبرتها أمها على شرب عصير فضلات الخضار والفاكهة.
ما يحدث للطفلات الثلاث في الفيديوهات التي ينشرها أولياء أمورهم، في رأي الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، هو "نتيجة للبحث عن الشهرة والأرباح المادية، حتى لو وصل الأمر إلى إيذاء الطفل".
يقول فرويز للمنصّة "بالنسبة لشخص مشغول بالشهرة وجني الأرباح فقط فإن كل شيء مباح؛ ما قد يحوله مع الوقت إلى شخصية سيكوباتية لا تشعر بالمسؤولية أو تأنيب الضمير، ولا تبالي بتبعات قراراتها وأفعالها على الآخرين".
ويحذر استشاري الطب النفسي من أن هذه الأفعال "قد يترتب عليه مع الوقت تأثيرات نفسية على الضحية تتمثل فيما بعد النضج وفهم ما كان يحدث بأن يشعر بالدونية وربما كراهية الأهل".
بكم تؤجر طفلك؟
المشاهدات العالية التي تحظى بها الفيديوهات لا يقتصر أثرها على الشُهرة فحسب والتي نالها بالفعل "يوتيوبرز" مصريين مثل شادي سرور الذي يعرض فيديوهات عن المفاهيم المجتمعية "المغلوطة"، لكن العوائد المالية دخلت على الخط إذا حقق محتوى القناة رواجًا بين المستخدمين وذلك بعد توسيع دور يوتيوب من نشر المحتوى المصور إلى وسيلة لتحقيق الأرباح أيضًا.
لا يُفصح يوتيوب عن المقابل المادي الذي تجنيه الفيديوهات مقابل المشاهدات والإعلانات، إلاّ أن هناك مواقع لتحليل بيانات قنوات يوتيوب، تُقدّم أرقامًا تقديرية عن الأرباح استنادًا للمشاركات في القناة ومشاهدات كل فيديو.
يقدّر موقع social blade المتخصص في تحليل بيانات وأداء قنوات يوتيوب دخل الطفلتين نادين ونور بين 4.1 إلى 65 ألف دولار شهريًا، فيما كان ما يجنيه أحمد وزينب من دخل شهري لا يقل عن 27.8 ألف دولار.
هذا التفاوت الكبير يعود إلى الاختلاف بين فيديو يشاهده مليون مستخدم من مصر، وفيديو آخر يشاهده مليون مستخدم أيضًا لكن من أوروبا أو الولايات المتحدة أو دول الخليج.
في نقاش بين "يوتيوبرز" مصريون على موقع reddit، قال أحد المستخدمين ممن يطلقون قناة على يوتيوب، إن كل 30 ألف مشاهدة في 28 يومًا يستطيع الحصول على 28 سنتًا أمريكيًا فقط، بينها سنتين اثنين من إعلانات مصر، قائلًا إن "الإعلانات المدفوعة من مصر أقل في عوائدها عما إذا كانت من جهات أخرى كالإمارات أو أوروبا".
رقابة لاحقة
تنتشر بعض الفيديوهات بكثافة حد جلب عوائد مادية أحيانًا؛ وذلك على الرغم مما قد تنطوي عليه من "انتهاكات" تدفع لتقديم بلاغات ضدها ليوتيوب، الموقع الذي لديه بالفعل معايير للنشر.
حددت إدارة يوتيوب في دليل سياساتها للنشر، عددًا من الأمور المحظور نشرها في الفيديوهات ومنها "المحتوى الضار والخطير"، وخصّت بالذكر فيه الأطفال، ولهؤلاء ذكر الموقع في قسم آخر من السياسات أنه "لا يسمح بنشر محتوى يُعرّض الصحة النفسية والجسدية للقاصرين للخطر"، ويطالب يوتيوب مَن يصادفه مثل هذا المحتوى بالإبلاغ عنه، فيما يعني تعامل الموقع بسياسة الرقابة اللاحقة وليس السابقة على المحتوى.
عن مدى ملائمة هذه السياسات للمستجدات المتعلقة بانتشار فيديوهات تنطوي على مخالفات، وإذا ما كان هذا النوع من الرقابة أنسب من غيره، يقول محمد عبد السلام، مدير وحدة اﻷبحاث بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، إن الحق في حرية التعبير يجب حمايته، وأنه في حالة وجود انتهاك يحمله محتوى منشور على يوتيوب، يتم الإبلاغ عنه وحذفه، وهذا ضروري لتحقيق التوازن بين الحق في حرية التعبير وباقي حقوق الإنسان، مثل الحق في الخصوصية.
على المستوى النفسي، يرى الدكتور جمال فرويز أن الحل يتمثل في "تقليل المتابعة لمثل هذه الفيديوهات وما سيترتب عليها من خسارة معنوية ومادية؛ ستشعر ناشرها أن عمله بلا فائدة، وذلك مع محاسبته على ما فعله من جرائم بحق أطفاله".