أعلنت اللجنة اﻷمنية العليا السودانية، اليوم الخميس، إزاحة عمر البشير عن رئاسة البلاد، بعد عقدين قضاهما في منصبه، وفي أعقاب مظاهرات تواصلت على مدار 113 يومًا في ولايات السودان.
خرجت حشود من المواطنين في مختلف مُدن السودان، للاحتفال بإزاحة البشير، في وقت لاقى إعلان اللجنة اﻷمنية رفضًا من تجمع المهنيين السودانيين، أحد الأطراف الفاعلة في الاحتجاجات، وعضو "قوي إعلان الحرية والتغيير"، الذي وصف في بيان له اﻷمر بأنه " انقلابًا عسكريًا، يعيد إنتاج ذات الوجوه والمؤسسات التي ثار الشعب العظيم عليها".
وطالب "قوى إعلان الحرية والتغيير"، في بيانه، الشعب بـ"المحافظة على اعتصامه أمام مباني القيادة العامة للقوات المسلحة وفي بقية الأقاليم والبقاء في الشوارع، حتى تسليم السلطة لحكومة انتقالية مدنية".
وانطلقت المظاهرات في عدة ولايات سودانية ضد البشير، منذ 19 ديسمبر/ كانون الأول 2018، احتجاجًا على ارتفاع الأسعار وتردي مستوى المعيشة، ولم تفلح إجراءات اتخذها البشير في تهدئة المحتجين.
اقتلاع النظام
أعلن وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف، في بيان قرأه عبر التليفزيون الرسمي، عما اتخذته اللجنة اﻷمنية من إجراءات اليوم، كان على رأسها "اقتلاع النظام والتحفظ على رأسه بعد اعتقاله في مكان آمن، وتشكيل مجلس عسكري انتقالي يتولي إدارة الحكم لفترة انتقالية عامين، وتعطيل العمل بالدستور، وإعلان الطوارئ لمدة ثلاث شهور وحظر التجول لمدة شهر وذلك من العاشرة مساءً إلى التاسعة صباحًا".
وفي بيانه، أوضح عوف أن هذه اللجنة الأمنية "مُشكّلة من القوات المسلّحة والشرطة وجهاز الأمن والمخابرات وقوات الدعم السريع".
وشملت القرارات التي اتخذتها اللجنة "إغلاق المعابر والمنافذ الحدودية لحين إشعار آخر، وحل مؤسستي البرلمان والرئاسة وحكومات الولايات وتكليف وزراء بتسيير اﻷعمال، واستمرار العمل بصورة طبيعية للسلطات القضائية والنيابية والسفارات، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، وتهيئة المناخ لانتقال سلمي للسلطة، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين الوحدات العسكرية والمناطق الحيوية".
وانتقد البيان ما مرّ به السودان من "سوء إدارة وفساد حكم وانسداد أفق أمام الشعب، خاصة الشباب.. مع ازدياد الفقير فقرًا، وانعدم اﻷمل في تساوي الفُرص".
وترددت صباح اليوم أنباء عن اعتقال الفريق عوف، نائب البشير وفي الوقت نفسه رفيق رحلته السياسية منذ انقلاب 1989، وهي اﻷنباء التي نفاها ظهور عوف على الشاشة الرسمية للتليفزيون السوداني وقرائته لبيان عزل الرئيس.
وتأتي الإطاحة بالبشير اليوم، على الرغم من خطوات بدأها حزبه الحاكم (المؤتمر الوطني)، في أكتوبر/ تشرين اﻷول، تمثلّت في موافقة مجلس شورى الحزب على إدخال تعديلات على نظامه الأساسي، ليسمح باختيار البشير مرشحا رئاسيًا لولاية ثالثة عام 2020.
خُبز ووقود
من عطبرة، المدينة ذات الطابع العمالي، انطلقت احتجاجات ديسمبر ضد ارتفاع ارتفاع أسعار الخبز والوقود.
يُعاني السودان من ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والسلع الأخرى، إذ ارتفعت بأكثر من الضعف السنة الماضية، في ظل تراجع قيمة العملة السودانية بشكل كبير مقابل الدولار، بعد أن خفّض البنك المركزي السوداني سعر الجنيه مرتين، وأصبح الدولار يعادل 41 جنيهًا سودانيًا في السوق السوداء بينما حدد سعره رسميا بـ 28 جنيها.
ونظّم محتجو عطبرة مسيرات شارك فيها طُلاب وأهالي، وانتهى بعضها إلى حرق مقرّ الحزب الحاكم في المدينة، لتعلن لجنة أمن الولاية فرض حظر التجول من السادسة مساءً وحتى السادسة صباحًا.
ومن عطبرة، انتقلت حُمى الاحتجاجات إلى ولايات ومدن أخرى، كان منها القضارف التي خضعت لحالة الطوارئ وفرض حظر التجول أيضًا، وكذلك بورتسودان عاصمة ولاية البحر اﻷحمر، التي كانت من أوائل المدن التي طالتها الاحتجاجات، إذ تظاهر مئات الطلاب والمواطنين في مختلف أحيائها وكذلك في سوقها الكبير بالتزامن مع زيارة البشير لها في 20 ديسمبر 2018.
ولم يفت قطار الاحتجاجات عاصمة البلاد الخرطوم، التي انطلقت فيها مظاهرات، بعضها توجّه إلى القصر الجمهوري؛ فشهدت شوارعها مواجهات بين المجتجين وقوات الشرطة التي أطلقت الغاز المُسيّل للدموع، فيما قررت السلطات تعليق الدراسة في كل جامعاتها ومدارسها بمختلف المراحل التعليمية.
وبالمثل انخرطت أم درمان في الاحتجاجات على الرغم من مواجهة الشرطة لها بالقوة التي شهدها درافور أيضًا، وهو الإقليم الواقع غرب البلاد ويعاني منذ سنوات من اضطرابات، لم تمنعه من اللحاق بالمحتجين في 13 يناير/ كانون الثاني 2019، بخروج المواطنين تلبية لدعوات "تجمع المهنيين السودانيين" للتظاهر الذي لم يفلح في إخماده ما اتخذه البشير من قرارات وإجراءات حاول من خلالها استرضاء مواطنيه الغاضبين.
محاولات للتهدئة
في 16 سبتمبر/ أيلول 2016، وقبل شهور من اندلاع الاحتجاجات، قرر البشير تشكيل حكومة جديدة، في ظل ما يعانيه السودان من أزمة اقتصادية وارتفاع في الأسعار، وهو ما لم يمنع وقوع الاحتجاجات الشعبية بدءً من عطبرة وبورتسودان.
وعلى الرغم من فرض حالة الطوارئ، استمرت الاحتجاجات وشهد السودان سقوط عشرات من المصابين والقتلى. وكان أول قتيل بين المتظاهرين سقط في مدينة القضارف في 20 ديسمبر 2108، وبعد يوم واحد فقط من بدء التظاهرات.
وفي سبيل تحجيم آثار الاحتجاجات، بدأت مساعي البشير الخارجية بحثًا عن دعم، فكانت أول زياراته منذ بدأ الاحتجاجات إلى قطر وذلك في 21 يناير 2019، ليُلحق بها بعد أسبوع واحد زيارة سريعة للقاهرة. واﻷخيرة سبق وأن أوفدت للخرطوم في 27 ديسمبر 2018، وزير الخارجية سامح شكري ورئيس المخابرات اللواء عباس كامل، لبحث تطورات اﻷوضاع مع نظيريهما السودانيين.
ومن بين محاولات البشير للتهدئة، كان اتخاذه قرارًا مطلع يناير 2019 بـ"تشكيل لجنة تقصّي حقائق حول أحداث العنف التي شابت الاحتجاج"، لكنه قرر في 22 فبراير إعلان حالة الطوارئ لمدة عام وحلّ الحكومة، كما دعا البرلمان لتأجيل طرح التعديلات الدستورية.
وسبق محاولات التهدئة، إجراءات عنيفة اتخذها النظام السوداني ضد المعارضين، فبخلاف مواجهة المحتجين في الشوارع بالأسلحة وقنابل الغاز، نفّذت السلطات اﻷمنية في 28 ديسمبر 2018 حملة اعتقالات لقيادات في أحزاب معارضة هي الحزب الشيوعي السوداني والبعث والناصري.
وبين المواجهة العنيفة والتهدئة، تأرجح تعامل النظام السوداني مع المحتجين، إلى أن بلغ اﻷمر مع تصاعد المظاهرات أن خسر البشير حتى بعض من حلفائه، كما وقع في 2 يناير 2019، حين وجّه تحالف يضم 22 حزبًا سودانيًا- أغلبهم متحالف مع الحكومة- دعوة للبشير تطالبه بالرحيل عن الحٌكم، وتشكيل حكومة انتقالية.
لكن الرئيس، الذي حكم السودان لعقدين بعد إزاحة سلفه حسن الترابي بانقلاب عسكري، لم يستجب لمطلب الرحيل، فكان وأن تفاقمت حدّة الاحتجاجات حتى انتهت اليوم بالتحفظ عليه وقيادات من حكومته وحزبه تحت يد الجيش، والذي صار أيضًا مُسيطرًا الإذاعة والتليفزيون، وعبر شاشته أعلن للشعب بدء عامين انتقاليين ستعيشهما البلاد تحت حُكم مجلس عسكري.