"محافظة المنيا تحتاج معاملة خاصة فيما يتعلق بمشروعات التنمية والثقافة والتعليم"، بهذه الكلمات عبر البابا تواضروس الثاني، بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عن أزمة محافظة المنيا التي تتجدد فيها التوترات الطائفية، التي تصل في كثير من الأحيان إلى عنف تجاه الأقباط والتعدي على مملتلكاتهم، بالإضافة لوقوع عدد من الاعتداءات المسلحة من متشددين ضد الأقباط من زوار الأديرة.
المنيا التي تعد واحدة من أكبر محافظات مصر، وتبلغ مساحتها أكثر من 32 ألف كيلو متر مربع، أصبحت بيئة حاضنة للعنف الطائفي منذ سنوات، ولكن خلال العام الحالي 2018 تخطت الأحداث الطائفية 6 وقائع - بحسب إحصاء المبادرة المصرية للحقوق الشخصية-، بخلاف اعتداء مسلح جديد استهدف زوار دير الأنبا صمويل.
كانت آخر الجرائم المسجلة في حق الأقباط، مقتل أب ونجله بعدما أطلق أمين الشرطة المكلف بحراسة كنيسة نهضة القداس بمدينة المنيا النار عليهما مستخدما سلاحه "الميري"، على خلفية خلاف بينه وبين الضحيتين، وفقا للبيان الرسمي للمطرانية.
ماذا فعل نواب المحافظة؟
ستة من نواب المنيا في البرلمان نجحوا في الحصول على مقاعدهم عبر قائمة في حب مصر، لتمثيل المحافظة. ومعهم 25 نائبًا آخرين، يمثلون 10 دوائر في المحافظة الأكثر عرضة للتوترات والعنف الطائفي في مصر.
وعلى الرغم من هذا العدد الكبير الذي يمثل المنيا في البرلمان؛ إلا أنه على مدار أكثر من أسبوع منذ جريمة قتل أمين الشرطة المكلف بحراسة كنيسة نهضة القداس لاثنين من سكان المحافظة المسيحيين، لم تظهر ردود أفعال تذكر لنواب المنيا، أو تدخلات إيجابية.
6 أحداث في 2018
إسحاق إبراهيم الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أكد ارتفاع معدلات العنف الطائفي في محافظة المنيا على حساب غيرها من المحافظات. موضحا أن الاعتداءات الطائفية بالمحافظة بلغت 6 وقائع خلال عام 2018 فقط. وأشار إبراهيم الذي يعمل على التقارير المتعلقة بالحريات الدينية ويرصد الأحداث الطائفية، إلى أن المنيا كانت وتظل حتى الآن مركزًا للعنف الطائفي في مصر.
أحصى الباحث المتخصص في الحريات الدينية للمنصة الاعتداءات على الأقباط في 2018 مسترجعًا استهداف زوار دير الأنبا صموئيل، ومقتل الأب ونجله على يد شرطي، وغلق كنيسة كوم الراهب، والاعتداء على منازل الأقباط في قرية دمشاو هاشم بعد محاولة الأهالي إنشاء كنيسة، والاعتداء على منازل وكنيسة بقرية منبال على خلفية بوست لشاب مسيحي على فيسبوك، اعتبره الأهالي "مسئ للإسلام". ومن بين الأحداث كذلك خلاف بسبب إطلاق اسم شهيد للجيش على اسم مدرسة بقرية أغلب قاطنيها مسيحيين، وأزمة كنيسة الأنبا كاراس بعزبة سلطان، هذا بخلاف منع الرحلات الدينية لدير الأنبا صموئيل قبل الحادث الأخير.
وعن تقييمه ومتابعته لدور النواب في المنيا، قال إسحق "عادة ما يلعب نواب البرلمان دورًا في تنظيم ورعاية الجلسات العرفية التي تستخدم كبديل لتطبيق القانون، وينتج عنها حلولاً قد تنتهك حقوق دستورية، وهذا الدور كان موجودًا منذ أيام مبارك ومستمر حتى الآن".
نواب الجلسات العرفية
أكدت ثلاثة مصادر مطلعة بمحافظة المنيا أن أعضاء مجلس النواب لم يتدخلوا بأية أشكال "إيجابية" تساعد على تطبيق القانون أو إنصاف الضحايا، بل تلخصت تدخلات بعضهم في المشاركة في جلسات عرفية ورعاية اتفاقات الصلح.
وأوضحت 3 مصادر مختلفة فضلت عدم نشر أسماءها أن النائب علاء السبيعي حضر عدة جلسات عرفية في عدد من الأحداث، سواء خلال السنوات الأخيرة، أو قبل تخلي مبارك عن السلطة عقب ثورة 25 يناير 2011. المنصة حاولت الاتصال بالسبيعي عدة مرات إلا أنه لم يجب على الهاتف.
لكن باستخدام محرك البحث جوجل تجد اسم السبيعي ضمن بعض الأسماء التي شاركت في جلسة صلح عرفية في أغسطس 2013 لاحتواء أحداث قرية بني أحمد الشرقية في المنيا، وبحسب المصادر هذه ليست المرة الوحيدة وليست الأخيرة التي شارك فيها النائب في جلسات عرفية.
يشغل السبيعي الآن منصب أمين عام حزب مستقبل وطن بمحافظة المنيا، وكان عضوا في مجلس الشعب عن الحزب الوطني قبل ثورة يناير.
يعلق الباحث في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على نتائج الجلسات العرفية قائلا "كوم الراهب حصل فيها تدخل عرفي، وفيه جلسة حصلت وقررت غلق المبنى الكنسي لحين موافقة الأمن عليه وإجبار الأهالي إلى الذهاب للصلاة في القرية المجاورة"، مضيفا "بعد تقديم الصلح للنيابة لم يتم محاسبة المحرضين والمعتدين، وقررت النيابة الإفراج عن 19 شخص كان مقبوضًا عليهم 10 مسلمين و9 أقباط".
وبحسب دراسة للمبادرة المصرية بعنوان "في عرف من؟"؛ انعقدت في 2013 جلسة صلح عرفي في أحداث قرية بني أحمد الشرقية بمنزل علاء السبيعي وبحضور اللواء أسامة ضيف السكرتير العام للمحافظة وممثلين عن 5 قرى هي بني أحمد الشرقية وبني أحمد الغربية وريدة والعربان والعوام، وعدد من القيادات الدينية والتنفيذية بالمحافظة.
بيت العيلة المنياوي
بعد يناير 2011 تجمع عدد من القساوسة والشيوخ وشكلوا مبادرة "بيت العيلة المنياوي" وبحسب المصادر تتدخل هذه المبادرة لتسوية الخلافات في النزاعات ذات الطابع الطائفي.
يقول عادل مصيلحي، مقرر بيت العيلة المنياوي، "إحنا مجموعة أصدقاء مسلمين ومسيحيين شكلنا المجموعة بعد الثورة، ولما حصل حرق كنائس كنا ننزل الشوارع وإيدنا في إيد بعض وحصل مضايقات بيننا وبين الإخوان".
وأوضح مدير العلاقات العامة السابق في جامعة المنيا أن بيت العيلة المنياوي يتشكل من شيخ من وزارة الأوقاف وشيخ من الأزهر الشريف وقس كاثوليكي، وقس إنجيلي، وقال "كان معانا قس عن الأرثوذكس واعتزل".
يعتبر مصيلحي أن مبادرته لا تجري صلح عرفي بمعنى الجلسات العرفية التي تصدر قرارات موازية لحكم القانون وقال "ما ذنب قرية تعيش في صراعات؟ إحنا ننزل نهدي الجو بينهم والقانون ياخذ مجراه وربنا نصرنا في أكتر 80% من الأماكن، في قرى رفضت تفتح فيها كنايس ونجحنا في فتحها".
وبشأن دور نواب محافظة المنيا قال مصيلحي "ليس لهم دور على الساحة العامة فقط يظهروا في المناسبات والأعياد فقط".
الحل في زيارة الرئيس
كان اسم النائب مجدي ملك عضو مجلس النواب عن قائمة "في حب مصر" أحد الأسماء المترددة على لسان المصادر، التي أكدت مشاركته في جلسات عرفية منذ كان عضوا في المجلس المحلي قبل ثورة 2011، إلا أن المصادر قالت أن ملك تراجع عن المشاركة في هذه الجلسات بعد قتل عدد من الأقباط من قرية العور في ليبيا على يد تنظيم الدولة الإسلامية.
دافع النائب مجدي ملك عن أدائه، وقال في تصريحات خاصة للمنصة إنه تقدم بطلب إحاطة، أشار له الكاتب سليمان شفيق في مقال على موقع أقباط متحدون، موضحا أن طلب الإحاطة موجه لرئيس الوزراء ووزيري الداخلية والتنمية المحلية بشأن واقعة قتل أمين شرطة لمواطنين قبطيين.
وأضاف "لا أشارك في جلسات صلح عرفية، بل أفضل ترسيخ دولة القانون، وتطبيق القانون سيكون رسالة ردع لكل من يرتكب أية جريمة تهدد الأمن المصري".
واستطرد "بعد استقرار الدولة من 2014 نعلي صوت القانون، لكن البعض يرى أنها إحدى السبل للم شمل بعض البلدان الصغيرة. والجلسات العرفية في الفترة الأخيرة تتم مع تطبيق القانون ما لم ترتكب جرائم جنائية".
وردا على تساؤل لماذا أصبحت المنيا مركزا للتوترات الطائفية، قال ملك "الأحداث االمتتالية تؤكد وجود خلل في تعامل بعض مؤسسات الدولة مع الملف الثقافي والتنموي والخدمي". وأضاف "67% من خسائر الدولة بعد فض اعتصام رابعة كانت في المنيا"، مشيرا إلى أقسام الشرطة والمحاكم والوحدات المحلية والكنائس التي جرى حرقها.
واعتبر ملك أن الأزمة تكمن في "تحمل الأمن وحده أخطاء مؤسسات الدولة في التعامل مع ملف المنيا على مدى 50 سنة"، محملا وزارات أخرى مثل الثقافة والأوقاف المسؤولية، ومتهمًا إياها بالتخلي عن مسؤولياتها.
قال ملك في تصريحاته "لدينا 7000 مسجد ولا يوجد إلا 2000 رجل دين أزهري"، مضيفا "يعتلي المساجد أشخاص غير مؤهلين وغير متعلمين"، كما أوضح أن الأمية في المنيا تصل نسبتها إلى نحو 50%.
المنيا تضم 2187 قرية وتابع بها 158 مركز شباب فقط، بحسب ملك، بخلاف غياب البنية التحتية والفقر، فهي المحافظة الأفقر بحسب وصفه. وقال نائب المنيا "سنتين ونصف لم يتم توصيل صرف إلا في 6 قرى".
السبيل الوحيد لإنقاذ المنيا الذي يراه ملك هو التخطيط لعقد منتدى الشباب عام 2020 في بالمحافظة، يقول ملك "مؤتمر الشباب في المنيا 2020 سيكون انتعاشة في المنيا وكل أجهزة الدولة ستعمل".
تحركات برلمانية محدودة
التحركات البرلمانية الرقابية التي اتخذها نواب بعد الحادث الأخير أو حادث دير الأنبا صمويل أو قرية كوم الراهب محدودة.
عقب قتل أمين الشرطة للأب ونجله، تقدم النائب هيثم الحريري، بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس النواب، موجه إلى كل من رئيس الوزراء ووزير الداخلية ووزير التنمية المحلية، بشأن تكرار حوادث الاعتداء على مواطنين مصريين وإغلاق كنائس بعد جلسات عرفية بالمخالفة للقانون.
وأشار الحريري في بيانه إلي أن "تكرار الحوادث الإرهابية والطائفية في محافظة المنيا، وما ينتج عنها من شهداء وضحايا ومصابين أمر خطير، ويحتاج إلى سرعة تدخل كل الأجهزة المعنية في الدولة، والأهم محاسبة المقصرين من المسؤولين"، مطالبا بسرعة مناقشة طلب الإحاطة.
أما النائب محمد فؤاد فتقدم ببيان عاجل إلى رئيس مجلس الوزراء، بشأن تكرار الأحداث الطائفية بالمنيا. وأوضح في البيان تكرار أحداث العنف الطائفي بشكل ملحوظ خلال الفترات الأخيرة تحديدًا بمحافظة المنيا التي "تربعت علي قمة مشهد العنف الطائفي في مصر"، بحسب تعبيره في البيان. وطالب بوضع حلول "أكثر استدامة بعيدًا عن المبادرات الشخصية، والحلول شبه الرسمية لضمان عدم تكرار تلك الحوادث مجددا".
أما النائبة نادية هنري فتقدمت بطلب إحاطة موجه لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية ووزير العدل ووزيرة الصحة، بشأن استمرار تكرار الأحداث الطائفية في المنيا، وتأخر إسعاف القتيلين.