يَعتبِر المؤرخ خالد فهمي أن محاولات فتح الأرشيف على ميدان التحرير ونقل الثورة إلى هذا الأرشيف؛ كانت "قصة فشل انتهت دون نتائج تُذكر". فهمي الذي شغل منصب رئيس اللجنة الرسمية لتوثيق أحداث ثورة يناير قبل أن تحل اللجنة نفسها بعد سنتين من تأسيسها، يحاول في هذا الحوار قراءة ما يحدث الآن في مصر استنادًا إلى ما رصده كباحث في تاريخ الجيش المصري وتأسيس دولة، الباشا، محمد علي، وصولًا إلى مرحلة ما بعد يوليو 1952، رابطًا بينه وبين يوليو الآخر من عام 2013، مفندًا محاولات الربط بين جمال عبد الناصر والسيسي، معترفًا في الوقت نفسه، رغم نقده اللاذع لفشل تجربته، بمناطق تميزه عن السيسي.
المنصة التقت فهمي، أستاذ كرسي السلطان قابوس بن سعيد للدراسات العربية الحديثة بجامعة كامبريدج البريطانية، في العاصمة الألمانية برلين نهاية الشهر الماضي على هامش فاعلية نظمها بيت ثقافات العالم، HKW، لمناقشة علاقة الأرشيف بالثورات العربية.
كبوة.. نكسة.. لم تحدث
سخر فهمي من موقف الدولة من ثورة 25 يناير، التي اعتبرتها "كأنها لم تحدث"، قائلًا "توجد عملية حثيثة لأرشفة الثورة بمعنى مسح ذاكرتها (...). الدولة تمسح أرشيفات الصحف، وتمنع الناس من الكتابة، وتقوم بحملة إعلامية لتشويه الثورة. أما رموز الثورة أنفسها؛ فاتسجنوا، يا إما اتنفوا أو قُتلوا. وبالتالي معنى الثورة بيُطمس، وبيتم تفسيرها على إنها كبوة، أو نكسة".
یرى فهمي أن تلك الممارسات تتم بناء على وعي تام من قبل مؤسسات الدولة، ولكنها تلقى أیضًا قبولًا لدى قطاع كبير من الشعب. يفسر ذلك قائلًا "بأمانة الناس تعبت وخافت واترعبت. وفيه جزء كبير عاوز ينسى ده، ويقول إنها كانت غلطة، وإن أحسن حاجة هو إن نداريها، ونغطّي عليها، وإننا كمجتمع ودولة نتصرف كأنها محصلتش".
يحاول فهمي من خلال دراسته وعمله كمؤرخ إيجاد روابط تاريخية لمثل هذه المواقف "كل ما أقرأ في وثائق 1967 باكتشف اللحظة الراهنة اللي بنقف فيها، وهو ما يقال عليها في علم النفس "تروما"، أي الصدمة. المجتمع لما بيجي له تروما بيتشلّ، ويحاول التغطية على مصدر الألم، لأن التعامل معه بشكل مباشر أقسى من القدرة على تحمله، فيتصنع أن الألم غير موجود".
يحدد فهمي مصدرين للألم؛ الأول تضرر المصالح المالية والتجارية لقطاع كبير من الشعب، وهو ما عملت الدولة على "إنها تعظّم منه وتكبّره". والمصدر الثاني للألم هو "اكتشاف اختلافات عميقة بيننا" بالتزامن مع الانفراجة في المجال العام في أعقاب الثورة، حيث "الناس اتكلمت وعبرت عن آراء ماكانتش بتتسمع قبل كده من كل الأطراف"، وبدورِه "منعنا هذا الخوف من النظر إلى القواسم المشتركة بيننا"، رغم التجانس الذي يرى فهمي أنه صفة تصبغ المجتمع المصري مقارنة بدول المنطقة مثل لبنان وسوريا وليبيا.
من بين قطاعات الدولة المختلفة، يقول فهمي "الجيش كأقوى قطاع بجانب المؤسسات الأمنية التابعة ليه، كانوا على وعي بمصالحهم، وأن الثورة فرصة ذهبية لاستعادة هيبة الجيش ومركزيته في السلطة التى فقدها بعد عام 1967".
يتطرق فهمي إلى لعبة الكراسي الموسيقية بين أجهزة الأمن في 2011، إذ يوضح "كانت الشرطة متصدرة المشهد لمدة 30 عامًا، إن لم يكن أكثر. في تلك اللحظة؛ الشرطة سقطت، وكذلك الرئاسة بقت فارغة. وموضوع التوريث (في عهد مبارك) كان جزءًا صغيرًا من نظرة الجيش الكلية على الأمور".
ابتداءً من هذه اللحظة يرى فهمي أن "المؤسسة العسكرية والمؤسسات الأمنية التابعة ليها بدأت عملية قوية لترسيخ السلطة في يد المركز الجديد: وهو مركز مؤسسة الرئاسة، اللي بيمتلئ بعناصر من الجيش". وأنه في سبيلها لتحقيق ذلك " طمأنت عناصر الدولة الأخرى، مثل الشرطة والقضاء والمؤسسات الأمنية المختلفة، وكبّرت من قاعدتها بقدر معين. وقالت لهم إنها ستضمن حمايتهم وأمنهم مقابل تفويض".
"الثورة (بالنسبة لهم) كانت خطأ فادح لن يسمحوا بتكرراه" هكذا وصف المؤرخ المصري سردية المؤسسات الثلاث: الجيش والشرطة والرئاسة لما حدث في 2011 ، أو حسب تعبيره "هذه هي الرسالة والدرس الأساسي الذي تعلمته السلطة الجديدة". موضحًا "هما شايفين إنها (الثورة) كانت نتيجة مجموعة من الأخطاء التي ارتكبتها السلطة السابقة، حين فتحت المجال العام، وهو ما أدى إلى الثورة"، وبناء عليه "يتم حاليًا إسكات الصحافة والبرلمان ومؤسسات المجتمع المدني".
التوثيق كمواجهة بين الشعب والسلطة
في ذلك السياق، يعوّل فهمي على عملية التوثيق في حد ذاتها باعتبارها ممارسة مهمة من الممارسات الديمقراطية في المجتمعات المضطربة بعد الثورات. موضحًا "إن الناس تقعد مع بعض وتفكر فيما حدث، وتكتب عنه وتختلف عليه، ثم تجد وسائل للتأقلم والتفاهم".
يشدد على أن "عملية التوثيق ليست مطلوبة فقط لحفظ الوثائق والشواهد للأجيال القادمة لكي تقرأ؛ ولكنها مطلوبة أيضا للحظة الآنية (..)، فالتوثيق شيء أساسي. هدف ووسيلة في نفس الوقت. بمعنى أن الناس اللي بیقولوا إن الناس في مجتمعنا لیست جاهزة للدیمقراطیة، فالناس في كل المجتمعات دائما غیر جاهزة للديمقراطية، لكنهم يصبحون جاهزين (عن طريق) الممارسة".
في سياق التجربة والاستعداد للديمقراطية؛ يرى فهمى أن تونس مثالًا يحتذى به في التعامل مع اضطراب ما بعد الثورة، مشيدًا بـ "جلسات المكاشفة (التي) لم يكن الغرض منها الوصول إلى مَن الجاني، أو تحديد تعويضات، ولكن الممارسة نفسها، مثل تحديد مَن يُجري هذه الجلسة وأين سيكون مقرها، (كل) هذه مهارات تُتكسب، ولم نولد بها. منها مهارات الاستماع إلى الآخر. وأهم مهارة هي عمل الموائمات".
عن علاقة ذلك بالتأريخ "الأرشفة والتوثيق والمكاشفة وجلسات الصلح، تاخد أشكال وطقوس مختلفة، ولكن القاسم المشترك بينها إنها بتخلق مجال عام يسمح للناس إنها تسمع بعض وتشوف بعض، زي ما أنا شايفك دلوقتي، وتتولد بين الناس علاقة شخصية أهم من العلاقة المؤسسية، وهو ما يخلق فيما بعد المؤسسات الحاكمة".
فيه ناس شافت إن إحنا القصة، وبالتالي نتكلم عن إحنا بنعمل إيه، وعايزين نعيش إزاي، ورايحين فين.
في المقابل، كانت الأجهزة الأمنية في مصر ضد عملية التوثيق لأنها تساعد على خلق هذا "الحوار المفتوح" بين جميع الأطراف، حسب فهمي، الذي أشار إلى أن "المؤسسات الأمنية في بلادنا تدرك خطورة هذا، وأول ما توجد محاولة (للحوار) تتدخل الحكومة، لأنها ترفض أن يكون للناس آليات لحل المشكلات فيما بينهم، بل إنها بتقضي على المحاولات دي".
رغم فشل اللجنة الرسمية لثوثيق الثورة التي ترأسها فهمي نفسه عام 2011 قبل أن تحل اللجنة نفسها عام 2013، حسبما ورد في هذا الحوار؛ تأسست العديد من المبادرات الفردية للتوثيق، و التي خرجت إلى الوجود في الأيام الأولى من الثورة ونهاية بموقع أرشيف 858.
يرى فهمي أن مبادرات الأرشفة تعكس علاقة جديدة بين المواطن والدولة تولدت من رحمة الثورة "أظن إن فيه ناس شافت إن إحنا القصة، وبالتالي نتكلم عن إحنا بنعمل إيه، وعايزين نعيش إزاي، ورايحين فين"، مستطردًا "أعتقد أيضًا إن الناس لفترة معينة نسيت وجود الدولة، من واقع إن الشارع بتاعها والأحياء بتاعتها، وإنهم في مرحلة ما شعروا أن الدولة مش هي النقطة اللى هنبتدي بيها. طبعا الدولة مش عاوزه ده وتعتبره تهديدا لها، وبالتالي تلعب على عنصر الخوف، من باب "شوفتوا البلاد التانية اللى مفيهاش دولة بيحصل فيها إيه".
يصف فهمي عمل لجنة توثيق الرسمية للثورة بأنه كان محاولة لتحدى سلطة الدولة من خلال احضار أصوات المواطنين وتسجيلها في دفاتر التاريخ، الدولة التي بنيت على أنها "بتتكلم على لساننا في أحسن الأحوال، أو تخرسنا وتنفينا في أسوأها".
يشرح فهمي أهمية التوثيق كشكل من أشكال مقاومة السلطة، من خلال استحضار مقارنة تاريخية بين تعامل النظام مع مظاهرات يناير، وتعامل نظام عبد الناصر مع مظاهرات الطلبة والعمال في عام 1968، قائلًا "محاضر اجتماع الدولة برئاسة عبد الناصر في ذلك الوقت، والتي نشرها مصطفى بكري في كتاب صدر حديثًا، توثّق أن عبد الناصر الزعيم الأسطوري اللي الناس بتعشقه وحاسس بتواصل وتماهي مع الناس، بقى مش فاهم الناس (المتظاهرين) دول مين، لإنه متعود الناس يتظاهروا لصالحه، وليس ضده".
يضيف فهمي "في المحضر الذي نشره بكري، فعبد الناصر قال إن الجماعة دول قاعدتنا الشعبية من الطلبة والعمال اللي علّمناهم وأعطيناهم الحقوق. فإذا بأحد الحاضرين في الاجتماع يذكّر لعبد الناصر أنه بمرور المظاهرات في شارع قصر العيني، خرجت السيدات من البيوت تزغرد وتحيي المتظاهرين"، ودا اللي شوفناه في مظاهرات 2011. ودي كانت الطامة الكبرى. في هذا الاجتماع تحوّل النقاش إلى إن دول ستات مش فاهمين، دول عُبْط ومضحوك عليهم، وهل (المتظاهرين) إخوان ولّا شيوعيين".
يشرح"مجرد إننا نحضر صوتنا ده عمل ثوري. الزغرودة عمل ثوري وتسجيلها عمل ثوري، والكلام عليها عمل ثوري، لإن الدولة مش عاوزه تعترف بوجود الناس دي، هي تعترف فقط بوجودهم لما يكون مصطفين كتلة واحدة وراها".
السيسي vs عبد الناصر
في تعليقه على المقارنات التى يعقدها البعض بين شخصيتي ناصر والسيسي، يؤكد فهمي على وجود فروق كبيرة جدا بينهما.. "عبد الناصر في النهایة كان قارئًا للتاريخ. قرأ السیرة الذاتیة لتشرشل ونابليون، وفي دراسته الابتدائية مثّل دور يوليوس قيصر في مسرحية شكسبير الشهيرة، أما السیسي فمعلوماته مستمدة من التقارير الأمنية اللي بيتلقاها كل يوم بحكم عمله بالإضافة لمصادر دينية يشترك فيها مع قطاع كبير من الطبقة الوسطى".
في المقابل يرى فهمي أن الفارق الأهم بين الرجلين هو الموقف من الجيش. يشرح ذلك بالقول "عبد الناصر كان عنده هاجس أساسي، إن عبد الحكيم عامر، صديق عمره، (يكون) هو اللي مسيطر على الجيش. المؤسسة العسكرية عمرها ما دانت بالولاء لعبد الناصر، وعمرها ما غفرت لعبد الناصر اللى عمله في المشير".
يشرح أبعاد هذا الاختلاف "عدم سيطرة ناصر على الجيش كان سمة أساسية من سمات الحكم في عهده، ودا كان سبب رئيسي، إن لم يكن هو السبب الرئيسي، من وجهة نظري في هزيمة 67. لكن دلوقتي الوضع مش كده. وده فارق أساسي بين عبد الناصر والسيسي. إن الأخير مسيطر سيطرة قوية جدًا على الجيش وقياداته، من يوم ما جاء (إلى الحكم)، وده يعتبر اختلاف تاني ما بينهم".
العقد الأمني بديلًا عن العقد الاجتماعي
يشرح فهمي كيف تغييرت فلسفة الحاكم عن العقد الاجتماعي مع الشعب من عبد الناصر إلى السيسي؛ قائلا "الواقعة اللى حكيتها عن مظاهرات 1968، بيقول إن عبد الناصر شايف إنه هيديهم حقوق اقتصادية واجتماعية في نظير إنهم (الشعب) يتخلوا عن الحقوق الدستورية والقانونية. مفيش قانون.. مفيش دستور.. مفيش حريات. الحرية هي حرية اقتصادية وأنا مديها لكم.
يشرح "ده كان العقد الاجتماعي الضمني اللى عرضه عبد الناصر على الشعب المصري، والشعب المصري قبله. العقد اللى معروض دلوقتي مش كده. ده عقد اجتماعي بيقول إنكم معندكمش حقوق اقتصادية ولا سياسية، أنا بديكم بس أمن. أنا هوفّر لكم الأمن والاستقرار في نظير إنكم تتخلوا عن كل حقوقكم الدستورية والقانونية، وكمان العدالة الاجتماعية، والحقوق الاقتصادية. فمفيش عقد اجتماعي، فيه عقد أمني".
يعتبر فهمى "السياسة الخارجية" ملفًا آخر يعكس الاختلافات الجوهرية بين الرجلين "عبد الناصر هو الزعیم العربي الوحید في القرن العشرین اللي كان رافض الانصياع للغرب، مهما الواحد قال عليه. وأنا بأنتقده نقد لاذع في شغلي؛ لكن في الحتة دي الواحد لازم يعترف إن هو فعلًا الزعيم الوحيد اللي كان شايف إن المنطقة العربية لازم يحكمها عرب.. طبعا هو نفسه (كحاكم) مش أي حد عربي تاني. بس المخيلة الأكبر؛ إن أنا مش هروح لجونسون ومش هروح لكينيدي".
يضيف "عبد الناصر هو الوحيد اللى عمره ما راح واشنطن (...)، وطول الوقت شايف مين مِن غرمائه في المنطقة، أهمهم نوري السعيد والملك حسين والملك فيصل، اللى ممكن يتعاملوا يتواطؤوا مع أمريكا ضد المصالح الإقليمية العربية. جزء من صراعاته معاهم كان نابع من ده، وجزء تاني كان لإن هو عاوز الصدارة والزعامة".
يقف السيسي على النقيض من سياسة ناصر الخارجية، حسب فهمي "السيسي هو امتداد خط عبد الحكيم والسادات، طبعا إحنا مش عارفين التاريخ، بس كان فيه إتجاه تاني من جوه دولة عبد الناصر كان شايف إن المواجهة مع الغرب هتودينا في داهية. ولما ودتنا في داهية في 67 كانوا شايفين إن آن الأوان إن نلم الدور وننضوي بقى تحت المظلة الأمريكية".
يقول فهمي "عبد الحكيم قال لعبد الناصر كده في يونيو "سيبنى أروح واشنطن أتفاوض وأشوف همّا عاوزين إيه ونمضي"، لكن عبد الناصر قاله "لأ أنا مش همضي". ولما تقري كلام عبد الحكيم، اللي الواحد صعب إنه يلاقيه، كلام عبد الحكيم هو نفسه كلام السادات اللي قال قبل كده "إحنا مالناش دعوة بالصراع العربي-الإسرائيلي ده، إحنا عاوزين أرضنا. لو أخدنا أرضنا، نروح نتصالح مع الأمريكان، ونطرد الروس، ونبقى حبايب مع إسرائيل وخلاص".
يضع فهمي سياسة السيسي الخارجية تحت لواء المدرسة الواقعية في الجيش المصري، الذي يرى "إحنا نلم الدور، إحنا دولة فقيرة، ضعيفة خانعة ذليلة، فإحنا نعترف بده لساداتنا في المنطقة وساداتنا في العالم. وإن إحنا نديهم اللى هما عاوزينه، وأي حد يحاول إنه يطرح بدائل تانية، فاحنا هانفّهمه بأشكال مختلفة إن ده مش مسموح بيه".
الفزع يمهد للحكم العسكري
يعود فهمي مجددًا للمقاربات التاريخية لفهم سياق صعود السيسي بالمقارنة مع وضع المجتمع المصري قبل 23 يوليو 1952، بالقول "كان فيه حالة عدم الاستقرار في مصر في الأربعينات، وأوائل الخمسينات، كان عندنا تغيير أربع حكومات سنة 1952، بخلاف المظاهرات والاغتيالات السياسية. وبناء عليه ناس كتير بتقول هو ده كان دور واحد زي عبد الناصر. واحد جاي يعيد الاستقرار. بس الأهم من كده ودي المقارنة مع 2011، إن فيه قطاع كبير من المجتمع كان خايف من ثورة حقيقية، لأن الاتجاه كان إن العمال والحركات الشيوعية والطلبة ممكن يعملوا ثورة يسارية بلشفية في مصر، وجه عليها هزيمة 1948، دي كلها عوامل تؤدي لثورة بلشفية".
يضيف فهمي "تدخل الجيش هو اللى وأد الثورة دي. أنور عبد الملك في كتابه، قال إن حالة الفزع اللي قطاع كبير من المجتمع كان حاسس بيها، هو اللي مهّد لواحد زي جمال عبد الناصر إنه يتدخل ويقمع الحركة الثورية، ويعيد الاستقرار، ثم يعيد إنتاج نفسه على إنه ثورة".
يصل فهمي لموضع المقارنة "أظن السيسي عمل بالظبط كده. فيه قطاع كبير من المجتمع شايف إن اللي كان بيحصل في الأيام الأخيرة من حكم مبارك (فتح المجال العام) شيء خطير، وما حدث في 2011 شيء مرعب، وفي 2012 لما الإخوان مسكوا الحكم شيء مرعب أكتر، (بالتالي) فإحنا محتاجين حد يعيد الاستقرار ويعيد ترتيب الأمور، وبعدين يعرض السيسي نفسه على إن ده ثورة يونيو".
من جانبه أبدى المؤرخ المصري تفهمًا لموقف شريحة من المجتمع مستعدة للتغاضي عن قمع المعارضة مقابل الاستقرار "طالما إنها عايشة ومكملة يومها، ولسان حالها إن إحنا جرّبنا وفشلنا. فإذا كانت الديمقراطية دي مُكلفة؛ فإحنا مش عاوزين ناخد المجازفة دي تاني، والناس دي (المعارضة) ناس غير مسؤولة وهي اللى بتجني على نفسها".
لكن هذا التصور يصطدم بالواقع حسب رأي خالد فهمي "السؤال بقى؛ هل الناس دي مبسوطة، ما أظنش. لإن حتى الناس اللي مش مبسوطة من السیسي مش مستعدة تتخلى عنه، وده شيء لازم نقدره (التناقض ده)، ولا يجب أبدًا التقليل من أهميته، لأن ده حتى بيحصل في أعتى الديمقراطيات. يبقى الناس بتلعن في الحكومة لكن مش عاوزة البديل، مش عاوزة تستبدلها (بالمعارضة)".
ثورة قادمة أم إرهاب منخفض التكلفة
لا يرى فهمي ثورة جديدة في الأفق، ولكن في المقابل يقرأ "استمرار لموجة إرهاب منخفض التكلفة"، لافتًا إلى أن "سياسة الحكم الحالي لن تقضي على الإرهاب ولكنها تهيئ البيئة له"، مستطردًا "مفيش إرهاب هيقضي على الدولة ولا هيقضي على المجتمع، لكنه طول الوقت هيفضل مزعزع استقرار البلد. هايبقى طول الوقت سينا منعرفش نروحها. هايبقى طول الوقت فيه كماين أمنية في السكة. هايبقى طول الوقت الواحد خايف إن موجة الإرهاب تزيد، وإن ممكن طيارة روسية تانية تقع، أو إن السياحة تنضرب. أو إن ممكن النائب العام يتقتل، أو إن طول الوقت يبقى فيه وتيرة للعنف موجودة ضد الأطراف الأضعف في المجتمع، زي الأقباط أو المرأة أو المثليين.. على حسب بقى الشريحة المستهدفة".
يختتم فهمي "أنا في رأيي إن ده بديل وحش، وإن إحنا كمجتمع نسأل ده نهايته إيه. دي حرب مالهاش نهاية. تعريفًا ده مالهوش نهاية لإن الإرهاب بالطريقة اللي بنشرحها دي شيء مش محدد، ولا جماعة بعينها، ده اتجاه وبيئة، والاتجاه موجود والبيئة خصبة والحل المطروح حل أمني. المشكلة إن الحل الأمني ليه تكلفة، تكلفة على حياتي اليومية، لأنه بيصادر حقوق كتير زي كل الممارسات اللي الدولة بتعملها حاليًا باسم الحفاظ على استقرار البلد".