يتعرض الكثير من الأطفال لانتكاسات صحية بسبب ضعف مناعتهم مقارنة بالبالغين، ولكن مع كل ميكروب يتعرضون له، يكتسب جهازهم المناعي قدرة أكبر على المقاومة إلى أن يكتمل نمو الجهاز المناعي.
ويلعب المضاد الحيوي دورًا كبيرًا في علاج الأطفال من الأمراض التي يتعرضون لها، ولكن على الرغم من ذلك فإنه سلاح ذو حدين، إذ يؤدي الإفراط فيه أو إساءة استعماله دون إشراف طبي، أضرارًا فادحة حسبما يؤكد الكثير من الأطباء في تخصصات مختلفة.
المضاد الحيوي ليس علاجا لجميع الأمراض
"الواقع أن طريقة استعمال المضاد الحيوي في مصر كارثية للأسف".. بهذه الكلمات يبدأ الدكتور خالد إبراهيم أخصائي طب الأطفال حديثه حول الاستعمال الخاطئ للمضادات الحيوية، مضيفًا "كان أول اصطدام لي بهذا الواقع عندما عملت بعد تخرجي بالوحدة الصحية بإحدى القرى حيث وجدت الناس يعتبرون المضاد الحيوي حلا سحريا يعالج جميع الأمراض، يعطونه لأطفالهم عند الإصابة بأي مرض من دون استشارة الطبيب".
ويشرح أن المضاد الحيوي وظيفته قتل البكتيريا المسببة لبعض الأمراض فحسب، و هناك العديد من الأمراض التي لا تسببها البكتيريا كالأمراض الفيروسية والطفيلية "وبالتالي فإن إعطاء المضاد الحيوي لا يعود بأي فائدة في تلك الحالات بل يثبط مناعة الجسم".
ويتحدث إبراهيم عن إحدى الحالات التي تابعها بنفسه، إذ كادت سيدة أن تتسبب في وفاة طفلها الذي تجاوزت حرارته 39 درجة مئوية بسبب اعطائه مضادًا حيويًا دون استشارة الطبيب "أعطت السيدة ابنها الذي كان عمره أقل من سنتين جرعات من اللبوس خافض الحرارة ثم ذهبت إلى صيدلية بالقرية التي تسكن بها لإعطاءه حقنة مضاد حيوي".
وتابع "لم تكن السيدة تعلم أن المضاد الحيوي لا يعطي أي مفعول مع ارتفاع درجات الحرارة عن 39 درجة مئوية".
الحل الأمثل في تلك الحالة، بحسب إبراهيم، هو الكمادات أو الحمام البارد، وعندما تعود حرارة الجسم إلى طبيعتها يمكن تناول الخافض.
يحذر إبراهيم من أن تناول المضادات الحيوية دون إشراف طبي لا يقتصر على الأميين من أهل القرى "لكنه يمتد مع الأسف ليشمل المتعلمين ومن يحملون الشهادات الجامعية كمدرس الفيزياء الذي أتى بابنه الطفل الذي يبلغ عمره عشر سنوات إلى عيادتي من أجل الكشف عليه بعد استمرار أعراض البرد على الطفل وعدم تحسنه رغم حقن المضاد الحيوي التي اعتاد أن يعطيها له كلما أصيب بالبرد.
يتابع "معلومة خاطئة انتشرت بين الناس هي أن المضاد الحيوي الموجود في صورة حقن هو الوسيلة الأسرع للعلاج المرض"، ويستطرد "الحقن استخدامها محدود جدًا كما في المستشفيات، ولهذا فإن إعطاء حقن المضاد الحيوي دون استشارة الطبيب، يؤدي إلى تثبيط قدرة جهاز المناعة على المدى البعيد، فلا يستطيع مقاومة الأمراض إلا به".
ويؤكد ضرورة أن يستكمل علاج الطفل الذي يعطى مضادًا حيويًا عن طريق الحقن، بمضاد حيوي شراب، يحتوي على نفس المادة الفعالة، موضحًا أن تكرار نفس المضاد الحيوي يعطي البكتيريا مناعة ضده ويصبح استعماله بلا فائدة.
من جانبه يعبر الدكتور عبد الله حسين استشاري أمراض العيون عن استياءه من الاستعمال الخاطئ لقطرات العيون التي تحتوي على مضادات حيوية دون استشارة طبية "احمرار العين ليس معناه أن الطفل بحاجة إلى قطرة مضاد حيوي، لأن الإصابة البكتيرية ليست السبب الوحيد الذي يؤدي لاحمرار العينين، ولكن الناس يسارعون بوضع قطرات المضاد الحيوي لعيون أبنائهم المصابين بالاحمرار دون محاولة معرفة السبب الحقيقي من خلال عرض أبنائهم على طبيب العيون".
ويتابع "العديد من الأطفال يصابون باحمرار العينين بسبب الحساسية خاصة في الربيع، وهو ما تؤثر قطرة المضاد الحيوي عليه بالسلب كما رأيت في العديد من الحالات التي كانت تعرض عليّ، سواء في المستشفى أو العيادة". ويوضح أن هذه السلوكيات تؤدي إلى مضاعفات كالتهاب إنسان العين أو الجفون.
إرضاء الناس أم صحة أبنائهم؟
"تتمثل المشكلة الأكبر في رغبة الناس أن يفكر الأطباء مثلما يفكرون هم، فالطبيب الذي لا يكتب مضادا حيويا في روشتة الطفل المريض هو طبيب فاشل لا يفقه شيئًا حسب اعتقاد الكثير من الناس" بحسب إبراهيم الذي يتحدث عن سيدة عادت إليه منزعجة بعد أن صرفت الروشتة التي كتبها لابنها مريض حساسية الصدر، لأنها لم تجد مضادًا حيويًا.
ويتابع "كان العديد من زملائي الأطباء و لا يزالون حتى الآن بعد أن صرت أخصائيا ولي عيادتي الخاصة يحاولون إقناعي بأن استسلم لإرضاء الناس وأكتب المضاد الحيوي في روشتتى للطفل حتى وإن لم يحتجه".
أما الدكتور محمد حسانين أخصائي أمراض الأنف و الأذن و الحنجرة فيقول إن "بعض الأطباء أصبحوا لا يهتمون بعمل الفحص الطبي للمريض بشكل كافٍ ليتعرفوا مسبب المرض الحقيقي، ولكنهم يكتبون روشتة متكررة لكل المرضى، بها مضاد حيوي ومضاد التهاب ومضاد للطفيليات، وهذه أدوية تعالج أغلب المسببات، فإذا كان المريض مصابًا بسبب إحدى هذه المسببات سيعالجه العلاج الخاص به والباقي يعتقدون أنه لن يضر المريض ويغفلون عن حقيقة أن العديد من الأدوية لها تأثيرات سلبية إذا لم يكن الجسم بحاجة لها".
الاستعمال الأمثل للمضاد الحيوي
يقول إبراهيم "بعد أن صرت مديرا للإدارة الصحية بالواسطى (إحدى مدن محافظة بني سويف) حرصت على عقد اجتماع شهري لأطباء الوحدات الصحية في مختلف القرى التابعة للإدارة نتناقش فيه فيما يعوقهم من مشكلات داخل الوحدة، كانت أغلب مشاكل الأطباء مع الناس في القرى هي عدم إكمالهم جرعة المضاد الحيوي كاملة التى يكتبها الاطباء فبمجرد اختفاء الاعراض يوقفون باقي الجرعة بدعوى أنه يثبط الطفل ويجعله خاملا ويفقده الشهية، وبما أن الاعراض اختفت فلا حاجة لاستكماله".
ويتابع أن "هذا الأمر هو الذي يجعل أعراض المرض تعود بعد أقل من أسبوع مع وقف المضاد الحيوي لأن البكتيريا تكتسب مناعة ضد المضاد الحيوي فيضطر الأطباء لتغيير النوع مع توصية بضرورة الالتزام هذه المرة حتى لا يتكرر الأمر مع نوع آخر من المضادات الحيوية وإلا لن يستطيع جسمه أن يحارب أي مرض و لن يكتسب أي مناعة".
الإهمال القاتل
تشير طبيبة صيدلانية إلى ظاهرة شديدة الخطورة في الريف المصري، وهي تشغيل مساعدين من حملة الدبلومات كمساعدين في الصيدليات، يقضون أوقاتًا طويلة وحدهم في الصيدلية دون وجود صيدلي كما ينص القانون، وذلك في ظل غياب التفتيش الصحي على الصيدليات.
تقول الصيدلانية سارة شاويش إن الكثير من المساعدين "لا يملكون معلومات طبية كافية تؤهلهم لتعريف الناس بكيفية تناول المضاد الحيوي على سبيل المثال، كما يحقنون المرضى والأطفال خصوصًا بحقن المضاد الحيوي داخل الصيدلية دون روشتة طبية وهذا يخالف القانون وعقوبته غرامة تصل إلى 1500 جنيه".
و تتابع : تسبب الاهمال في موت عدة أطفال فى بني سويف نتيجة تعاطيهم حقنة سيفترياكسون (من الجيل الثالث للمضادات الحيوية السيفالوسبورينية) داخل الصيدلية لأن لديه حساسية من مادة المضاد الحيوى الفعالة إذ تحدث الوفاة فى خلال نصف ساعة.