تفاقمت خلال الأشهر الأخيرة أزمات نقص عدد الأطباء في عدة مستشفيات حكومية مع عزوف خريجي كليات الطب عن التقدم لاستلام نياباتهم مثلما حدث في المستشفيات التابعة لكلية الطب بجامعة عين شمس، فيما يعكس حجم المشاكل اليومية التي يعاني منها الأطباء ومنها سوء وتهالك المرافق التي يجدون أنفسهم مضطرين للتعايش معها خلال ساعات عملهم.
ولم يكن حادث موت الطبيبة سارة أبو بكر أخصائي طب الأطفال المبتسرين في مستشفى المطرية إثر تعرضها لماس كهربائي وهي تستحم في الحمام الملحق بسكن الأطباء بسبب وجود عدة سلوك كهربائية عارية بالسخان الموجود في الحمام سوى حلقة من حلقات تهالك وسوء ظروف المرافق الموجودة بالمستشفيات الحكومية.
ولم يتقدم أي خريج لنيابات قسم المسالك البولية بمستشفى الدمرداش التابعة للكلية، أما نيابات التخدير فقد تسلم تسعة أطباء فقط عملهم من أصل 50 طبيبًا طلبتهم المستشفى.
عضو مجلس نقابة الأطباء وأستاذ جراحة القلب في الكلية خالد سمير يرى أن "تدني الأجور والإهانات المتكررة والاعتداءات، وتشوية صورتهم (الأطباء) واتهامهم بالاهمال والسرقة، كلها أمور دفعتهم إلى التفكير بالهجرة".
وبينما تقدم نائب برلماني بمشروع قانون يحظر على الأطباء الجمع بين العمل في القطاعين الحكومي والخاص مع رفع رواتب الأطباء العاملين بالمستشفيات الحكومية، فإن وزيرة الصحة هالة زايد ستناقش مع وزراء الصحة العرب تغيير شروط قبول المصريين للعمل في الدول العربية من أجل ما تسميه "تقنين سفر الأطباء" إلى خارج مصر.
ولكن الأطباء العاملين في مستشفيات القطاع العام يتحدثون عن الكثير من المشاكل التي يبدو صعبًا التعايش معها خاصة في المستشفيات الموجودة في قرى ومراكز صعيد مصر.
الحمامات قذرة
محمود طلعت طبيب التخدير الذي يعمل في مستشفى أحمد ماهر يوضح أن"حمامات سكن الأطباء قذرة جدًا، فيه مشاكل في الصرف الصحي والأدوات الصحية متهالكة لدرجة إن زميل ليا كان كل ما يحتاج يقضي حاجته يدخل الحمام في منزل أخته التي تسكن بجوار المستشفى".
ويتساءل طلعت حول كيفية تمكنه وزملائه من رعاية المرضى جيدًا وهم محرومون من حقهم في قضاء حاجتهم بشكل إنساني.
طبيب آخر يعمل بمستشفى المطرية تحفظ على ذكر اسمه، يحكي عن الحمامات فى المستشفى قائلًا "أحواض المياة متآكلة. الحمامات مهمة بالنسبة للطبيب ليس فقط ليقضى حاجته بشكل صحى لكنه يستخدمها كذلك في تعقيم أدواته لمصلحة المريض".
و يتابع "بعد كارثة وفاة الزميلة سارة أبو بكر صعقا بالكهرباء بسبب ملامسة أسلاك السخان العارية لمواسير المياة في حمام سكن الطبيبات، قررت المستشفى إجراء حملة تفتيش وصيانة على أسلاك وأجهزة الكهرباء في المستشفى، وبينما كان الكهربائي يفحص حمام الأطفال في المستشفى أمام لجنة التفتيش تكهرب هو الآخر ولم يسلم من المرافق المتهالكة".
جنوبًا في الصعيد لا يبدو الوضع أفضل، الصيدلانية منى أحمد لم تستطع طوال فترة عملها في مستشفى الواسطى المركزي بمحافظة بني سويف دخول حمامات المستشفى طوال فترة عملها وأخيرًا تقدمت بطلب لنقلها.
ولكن بعد نقلها إلى الوحدة الصحية بقرية صفط الشرقية، كما تقول لـ المنصة، فإن الأحوال لم تكن أفضل "فالحمامات قذرة أيضًا، ومع قلة عدد العمال فى الوحدة يزداد الأمر صعوبة في إمكانية تنظيفها على فترات متقاربة".
منى التي تحلم بأن يتم توفير عشرة آلاف جنيه في الإدارة الصحية لتطوير حمامات الوحدة لا تعلم أنه تم إنفاق 5.5 مليار جنيه على تطوير المستشفيات من موازنة وزارة الصحة للسنة المالية 2016/2017.
المياة ممنوعة.. لا مقطوعة
أزمات حمامات المستشفيات الحكومية لا تقف عند تهالك الصرف الصحي فقط، ولكنها تمتد أحيانًا لتشمل قطع المياه عمدًا عن المستشفى لأن الموظف المسؤول عن كارت الكهرباء مسبق الدفع يتعرض للمساءلة إذا انتهت حصة المستشفى من الكهرباء قبل الموعد المحدد.
الصيدلانية سالي جمال التي تعمل في مستشفى قرية قمن العروس بمحافظة بني سويف تشرح لـ المنصة أن توفّر المياه في حمامات المستشفى يتطلب استخدام موتور المياه، الذي يستهلك الكثير من شحن الكهرباء المخصص للمستشفى مما يعرض الموظف المسؤول عن الكارت للتحقيق والمساءلة، ليفضل غلق الموتور على الدوام.
خصصت الدولة 700 مليون جنيه من موازنة وزارة الصحة للسنة المالية 2016/ 2017 لتسويات الكهرباء والمياه والتليفونات للمستشفيات التابعة لوزارة الصحة خلال، وهو لا يبدو مبلغًا كبيرًا بالنظر إلى الارتفاعات المتتالية لأسعار المياه والكهرباء دون وجود أي تخفيض للمستشفيات الحكومية.
سالي لا تستطيع أن تلوم الموظف المسئول في الوحدة الذي "بيدفع أحيانًا ثمن الكارت من جيبه لحد ما تتوفر فلوس في إدارة المستشفى، ويبذل مجهودًا كبيرًا لاستردادها".
تذكر سالي بأنها وزميلاتها من الطبيبات خاطبن الإدارة مرارًا بشأن هذه المشاكل، ولكن الرد دايمًا يأتي شفويًا من أحد الإداريين "يعني نعمل لكم إيه اتصرفوا".
سكن آدمي أو راتب معقول لسكن آدمي
إلى ذلك فإن محمود طلعت قال لـ المنصة إنه عندما تسلم عمله كـ "طبيب مقيم" في معهد ناصر وقع على ورقة لدى شؤون العاملين تفيد بأن المعهد غير ملزم بأن يوفر له غرفة للسكن داخل المعهد، ما يعني أنه سيضطر للسفر يوميًا من القاهرة إلى محل إقامته في محافظة الشرقية.
الأمر لا يتوقف عند معهد ناصر، فعندما انتقل طلعت للعمل في مستشفى أحمد ماهر التعليمى كنائب تخدير وقع على ورقة مشابهة.
الطبيب العامل بمستشفى المطرية التعليمية صور غرف سكن الأطباء في المستشفى.
أطباء الامتياز بمستشفى الجامعة في بني سويف لديهم غرفة للمبيت وتبديل الملابس ولكن الطبيبة آية بركات لا تنام فيها مطلقًا خوفًا على أمنها الشخصي.
وتقول آية لـ المنصة إنها تخاف "من وقوع أي اعتداءات على المستشفى كما حدث في عدة مستشفيات في بني سويف من قبل أهالي المرضى، وللأسف فإن الأمن على البوابات لا يكون بالقوة الكافية لردعهم. لذلك أظل مستيقظة طوال الليل حتى انتهاء النبطشية".
آية لا تستطيع توفير سكن خاص لها بالقرب من المستشفى لأن راتبها لا يتعدى 500 جنيه.