"آخر كلام"، "الصورة الكاملة"، "مانشيت"، "مساء الأنوار"، وبرامج أخرى كثيرة في قائمة طويلة، لا تضم مكونات لخريطة برامجية ستُقدمها قناة Ontv لمُشاهديها، بل محتوى إعلامي اشتهرت القناة بتقديمه على مدار سنوات، واختفى من يوتيوب بين عشية وضحاها، دون إنذار سابق أو تفسير لاحق من جانب القناة المصرية.
منذ اكتشاف اختفاء غالبية أرشيف القناة على يوتيوب، مساء الجُمعة، لم تكن علامات الاستفهام فحسب هي ما انطلق في الفضاء الافتراضي، لكن كذلك تأويلات للواقعة وردود فعل غاضبة خاصة وأن من بين المحذوفات برامج كانت تحتوي على ذاكرة مرئية لثورة 25 يناير وما تلاها من أحداث، قدّمها "إعلاميون يختلفون في منهجهم المهني عما يُقدم الآن للمشاهد المصري بتوجيهات من النظام" حسب وصف يسري فوده، الذي قال إنه "لم يُفاجأ باﻷمر إطلاقًا"، وإنه كان يتوقع حدوث هذا اﻷمر "قبل ٣ سنوات على الأقل".
أبواب مفتوحة
فتح اختفاء الأرشيف أبوابًا، ليس منها ما كان ينتقد القناة استياءً مما حدث، مثلما بدا في كلمات كتبها فوده عبر حسابه الشخصي على فيسبوك، أو فقط ما كان يطرح تساؤلات عن الواقعة، بل أيضًا أبواب للحديث عن القناة، ما كانته وما صارته.
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fyosri.fouda1%2Fposts%2F10155919317610733&width=500وفي تصريحات أدلى بها للمنصّة، استعرض الإعلامي الذي يُقدم الآن برنامج "السُلطة الخامسة" عبر البث العربي لقناة دويتشه فيله الألمانية، ما مرّت به نافذته الإعلامية السابقة منذ عهد 25 يناير وحتى الآن، قائلاً "أون تي في كانت أول قناة بادرت بوضع سيف على رقبتها أثناء الأيام الأولى للثورة (25 يناير)، واستمرت من بعد ذلك منبرًا مهنيًا لجميع التيارات الفاعلة".
وُلدت المجموعة الإعلامية أواخر يناير/ كانون الثاني عام 2007، بقناة Otv، قبل أن تظهر Ontv للنور، وارتبط اسمها بمؤسسها رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، وتحوّلت بعد الثورة إلى منصّة لإعلاميين كان منهم ريم ماجد وإبراهيم عيسى وجابر القرموطي وباسم يوسف.
من بين الأسماء التي ارتبطت بالقناة، قبل أن يرحل عنها عام 2014 مع ميلاد عهد نظام جديد في رأيه كان له تأثيره على القناة، يُسري فوده، الذي واصل استعراضه لوضعها قائلاً "كان من الواضح لدى نقطة بعينها أن هذا النوع من المحتوى ليس فقط متناقضًا مع ما يخطط له السيسي، بل أيضًا اتجهت الأمور إلى محاولة طمس كل شيء و أي شيء له علاقة سابقة بثورة 25 يناير من قريب أو من بعيد".
.. غضب نسبي
شاركت فوده في الغضب، ولو بنبرة أهدأ قليلاً، الإعلامية غادة الشربيني، وقد شاركته- من قبل- الشاشة نفسها عبر تقديم برنامج "الفن عنوان"، الذي كان له من ضرر الأرشيف نصيب؛ فضاق بالحذف صدر الإعلامية، التي كتبت في حسابها على فيسبوك "أون تي في مسحت توثيق لـ 168 فنان مصري وعربي معاصر".
أضافت الشربيني في انتقاد اختفاء أرشيف Ontv "التاريخ ده ملك للبلد قبل ما يكون ملك ﻷي حد، البرنامج كان بالنسبة لبعض الفنانيين التوثيق الوحيد اللي حصل طول حياتهم، والمرجع الوحيد الموثّق لهم".
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fghada.elsherbiny.5%2Fposts%2F10156008266536549&width=500معنويًا وأدبيًا، قد يكون "التاريخ ملك للبلد" والجمهور، حسبما تقول غادة، لكن على المستوى الرسمي يختلف الوضع، خاصة وأن القناة انتقلت من يد لأخرى، على مستوى الملكية التي كانت تستتبع تغييرات في الإدارة ومعها تغييرات في الخريطة البرامجية، وكذلك في السياسة التحريرية.
يقول فوده، في هذا الصدد، إن "الذين اشتروا القناة؛ اشتروا في الوقت نفسه ذاكرتها. ولديهم من الناحية النظرية/ القانونية حق التصرف في كل شيء يخصها، بما في ذلك أرشيف القناة".
يؤكد الإعلامي أهمية أرشيف قناته السابقه، على المستويين المعنوي والمادي الذي قد يستفاد منه في جوانب ترويجية ربحية، لكنه في الوقت نفسه يرى أن "مَن استحوذ عليها و على غيرها (من القنوات)، لم يستحوذ عليها من أجل هذا. بل من أجل العكس تمامًا".
انتقلت Ontv، قُبيل انتصاف عام 2016، من يد ساويرس إلى رجل أعمال بارز آخر هو أحمد أبوهشيمة، وصارت واحدة من كيانات إعلامية تتبع شركة "إعلام المصريين"، التي منحته في فترة قصيرة لقب "إمبراطور الإعلام في مصر"، قبل أن يرحل عن هذا السوق ببيع Ontv، وتستحوذ على شركته شركة أخرى هى eagle capital، ويحل محلّه المُهندس أسامة الشيخ، أحد الوجوه البارزة في قيادة التليفزيون المصري قبل ثورة يناير.
بالعودة إلى أزمة OnE الحالية، يبدو أن الغضب مما وقع ﻷرشيفها كان نسبيًا، فزميل آخر للإعلاميين الغاضبين هو جابر القرموطي، لم يكن يعلم شيئًا عن محو الأرشيف، وحين علم لم تتغير نبرة صوته الهادئة، بل استبعد أن يكون ما حدث بقرار من القناة.
يتصالح القرموطي مع محو الأرشيف، حد أنه قال للمنصّة، إنه حتى لو كانت القناة هي من قررت ذلك "ففي النهاية هذا رأيها، وهي علامة وقامة كبيرة في الإعلام، ولها الحُرية في ذلك".
بينما يقول القرموطي إنه "بالتأكيد سيكون لدى القناة أسبابها (في حذف الأرشيف)"، يوجّه فوده أصابع الاتهام بارتكاب هذا الأمر إلى "مَن يقف خلف أمننة الإعلام المصري كله تقريبًا".
في المقابل، وعن شعوره الشخصي حيال اختفاء أرشيف برنامجه "مانشيت"، يؤكد القرموطي إنه لا يُفكر في مُطالبة القناة بُنسخة منه (من مكتبتها)، فيقول "عن نفسي ماعنديش أزمة، ﻷني زي اللاعب المحترف، أرشيفي مُتجدد وممكن اصنع غيره في مكان تاني"، مُضيفًا "كما أن التاريخ الحقيقي عند الناس مش على يوتيوب".
.. وصمت من القناة
البحث في قوائم الفيديوهات، video lists على حساب يوتيوب الخاص بـOntv التي صار اسمها OnE، يُظهر الأمور على ما يُرام، حيث توجد فيديوهات برامجها الحالية دون مُشكلة، وعلى رأسها "كُل يوم"، الذي يُقدّمه الإعلامي عمرو أديب.
لكن بمواصلة التصفح يختفى غالبية محتوى القناة السابق، تحديدًا ما قبل عام 2017، كما رصدت المنصّة مع برامج كان منها الرياضي "مساء الأنوار"، والمقالب "أوعي يجيلك إدوارد"، وغيرهما من البرامج منذ بداية بث القناة في 2007 وصولا للثلث الأخير من 2016، عدا حلقات برنامج أديب.
حاولت المنصّة التواصل مع إدارة قناة Ontv للحصول على تفسير وتعليق منها على الأمر، إلاّ أن مدير مجموعة قنوات On عمرو رزق، لم يستجب للاتصالات أو الرسائل، وذلك حتى موعد نشر التقرير، كما لم تُصدر القناة أي بيانات في هذا الشأن.
يختفي أرشيف تليفزيوني ضخم يحمل أعوامًا من عهد الثورة وما بعدها؛ فيتساءل جمهور اعتاد الرجوع لمشاهدة برامج كانت بين مُفضلاته، بينما يزدوج في نَفس صُناع تلك البرامج شعوري الغضب والتحدي بما استطاعوا حفظه من حلقات برامجهم المحذوفة سواء على حساباتهم الشخصية، أو معنويًا في ذاكرة الجمهور، وهذا كله بينما القناة تلوذ بالصمت ويبقى اختفاء جزء كبير من تاريخها لُغزًا ينتظر الحل.