تصميم: سيف الدين أحمد، المنصة
من غير المتوقع أن تكبح السياسات الحالية الديون

استراتيجية الدَّيْن.. ماذا تحقق من النسخة الأولى وما سيتغير في الثانية؟

منشور الخميس 4 كانون الأول/ديسمبر 2025

تستعد الحكومة لإعلان نسخة جديدة من استراتيجيتها لإدارة الدين العام على المدى المتوسط، في إطار جهودها الممتدة للحد من أعباء الديون، والتي بدأت مع إصدار النسخة الأولى من هذه الاستراتيجية في 2020.

وبينما لا تفصح وزارة المالية عن الكثير من بيانات الدين العام، فإن المؤشرات الرئيسية التي تعلنها لهذا الدين تُظهِر أن الحكومة عجزتْ عن تحقيق أهداف الاستراتيجية السابقة، التي انتهت في يونيو/حزيران 2024.

فهل يمكن أن نتوقع أداءً أفضل في الاستراتيجية الجديدة؟ أم أنها ستكون مجرد تكرار لأهداف طموحة لا تتحقق على أرض الواقع؟

ماذا جرى في خمس سنوات؟

عادةً تُركِّزُ استراتيجيات إدارة الديون على خفض نسبة الدين إلى الناتج الإجمالي، بغرض تخفيف عبء ما يستنزفه من الاقتصاد، خاصة وأن هذه النسبة إذا تجاوزت 90%، مثلما حدث في مصر عامَي 2019 و2023، فإنها تؤدي إلى تراجع معدل النمو الاقتصادي.

في هذا السياق استهدفت استراتيجية 2020 خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي لنحو 80%، بحلول يونيو 2024، لكنَّ ما تُظهره بيانات وزارة المالية أن نسبة الدين العام تصاعدت حتى بلغت الذروة في 2023، ولم تصل للرقم المستهدف في 2024 و2025.

https://public.flourish.studio/visualisation/26489680/

ترى مسؤولة ملف الدين الخارجي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية مي قابيل، أن العجز الذي تكشفه البيانات المُعلنة عن تحقيق أهداف الاستراتيجية، لا يعكس حجم التقصير على أرض الواقع، إذ إن "مؤشر الدين للناتج يستبعد الديون العامة خارج الموازنة".

وألقى الدين العام بثقله على الموازنة العامة، مع استحواذ أقساط الديون والفوائد على 51.4% من إجمالي الإنفاق في الموازنة (الاستخدامات) خلال السنة المالية 2020-2021، ثم تزايدت هذه النسبة إلى 64.8% من إجمالي الإنفاق الحكومي في العام المالي الحالي، "فهل يمكن اعتبار هذا نجاحًا في إدارة الدين العام"، تتساءل مي قابيل.

أما الاقتصادية رشا حلوة، فتلتمس العذر للحكومة في عجزها عن تحقيق أهداف الاستراتيجية، لأن الصدمات الخارجية أعادت تشكيل مسار الاستراتيجية الأولى بشكل كبير.

وتشرح الخبيرة بمركز أتلانتيك كاونسل للأبحاث في الولايات المتحدة، التي تواصلت معها المنصة عبر الإيميل، أن فترة تطبيق الاستراتيجية 2020-2024 شهدت تصاعد التشديد النقدي من الولايات المتحدة، الذي ساهم في رفع تكاليف التمويل عالميًا، بجانب ارتفاع أسعار السلع عالميًا والمخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط، ما ساهم في رفع أعباء خدمة الدين العام في مصر.

تشير رشا حلوة أيضًا إلى أن تلك الفترة شهدت تعويمات متكررة للجنيه رفعت من قيمة المكون الأجنبي في الدين العام، علاوةً على الضغوط الناتجة عن الخروج المفاجئ للمستثمرين الأجانب في الدين العام؛ "الاعتماد على حيازات غير المقيمين من الدين المحلي جعلت الاقتصاد شديد الحساسية لتحولات المزاج العالمي تجاه المخاطر، مما أدى إلى تدفقات خارجة وزيادة الضغط على الاحتياطيات وسعر الصرف".

غير أن مي قابيل تشير إلى تمتع الحكومة بمساعدات استثنائية خلال فترة الاستراتيجية، وهو ما كان من المفترض أن تنعكس على بيانات الديون بشكل أفضل "الديون الخارجية لمصر تزايدت من 123.5 مليار دولار قبل تطبيق الاستراتيجية إلى 168 مليار دولار قبل انتهائها بستة أشهر، ولم تتراجع إلا بعد صفقة رأس الحكمة لتصل إلى 153 مليار دولار، ثم عادت لترتفع إلى 161.2 مليار دولار في يونيو الماضي بعد انتهاء أثر الصفقة" تقول لـ المنصة.

وتتفق الخبيرتان على عجز الاستراتيجية الأولى عن تحقيق أهدافها في مؤشر متوسط عمر محفظة الدين "فكلما استطاعت الحكومة إطالة عمر أجل ديونها قل عبء السداد"، وبينما استهدفت الاستراتيجية أن يكون متوسط الأجل بين 4.5 إلى 5 سنوات، اقتصر متوسط الأجل على 3.4 سنة.

https://public.flourish.studio/visualisation/26490232/

طموحات وخطة لترشيد الإنفاق العام

يكشف مسؤول في وزارة المالية، اطلع على الاستراتيجية الجديدة، أنها تستهدف مسارًا تنازليًا واضحًا للدين العام العام إلى الناتج المحلي الإجمالي ليسجل 77% بنهاية السنة المالية المقبلة التي تنتهي في يونيو 2027.

وتتطلع الاستراتيجية الجديدة إلى مد متوسط آجال الدين العام للمستوى الذي عجزت عن الوصول إليه الاستراتيجية الأولى، أي عند خمس سنوات، هذا بجانب خفض تكاليف الاقتراض وتعزيز القدرة على الاقتراض من الأسواق الدولية، كما يؤكد المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه لـ المنصة.

وتُظهر خطةُ إصدار أدوات تمويل الدين العام (أذونًا وسنداتٍ وصكوكًا) خلال الربع الأخير من السنة الجارية، التي وصفت بأنها أكبر خطة اقتراض فصلية، هيمنةَ الديون قصيرة الأجل، ما يزيد من ضغوط سداد هذه الديون.

https://public.flourish.studio/visualisation/26490898/

ويحدد المصدر أبرز الآليات التي ستعتمد عليها المالية لتخفيف أعباء الديون في الاستراتيجية الجديدة؛ "توجيه حد أدنى 50% من حصيلة الطروحات الحكومية لسداد الدين، وترشيد الإنفاق العام مع رفع الإيرادات الضريبية عبر إصلاحات هيكلية دون فرض ضرائب جديدة".

كان وزير المالية أحمد كوجك قال في تصريحات لـ المنصة الشهر الماضي إن نصف حصيلة الحكومة من صفقة بيع أراضي علم الروم لقطر سيوجه لتخفيف أعباء الدين العام.

ويشير المصدر إلى أن "الاستراتيجية الجديدة تتوقع ارتفاع فاتورة خدمة الدين العام، وهو ما وضعت له الحكومة عددًا من الإجراءات تتضمن الإبقاء على سقف للاستثمارات العامة (1 تريليون جنيه)، خفض الاستثمارات الممولة من الموازنة بنسبة 15%، ضبط نمو بند الأجور، كبح التضخم مما يسهم في خفض تكلفة التمويل المحلي". 

ما الذي يجب عمله؟

لا تتوقع مي قابيل أن يكبح المسار الحالي للسياسات الحكومية الديونَ ما لم تكن هناك تغييرات أعمق في سياسات الاستدانة؛ "رغم إعلان الحكومة عن اتجاهها لتخفيض الدين، كما جاء في عرض البيان المالي أمام مجلس النواب، فإن موازنة 2025-2026 تعتمد على زيادة الاقتراض الخارجي بنسبة 186% مقارنة بسابقتها، لتبلغ قيمة الموارد المخطط اقتراضها دوليًا نحو 8 مليارات دولار".

وتؤكد أن الوصول لنتائج أفضل في استراتيجية الدين الجديدة يتطلب إجراءات من أبرزها وضع خطة واضحة لتقليص الاعتماد على الاقتراض كمورد أساسي، تكون مبنيةً على توجه جاد لتشجيع القطاعات الإنتاجية والخدمية المولدة للدخل والقيمة المضافة، إضافة للعمل على إعادة هيكلة السياسات الضريبية لتصبح أكثر عدالة وكفاءة، مع العمل على تضييق الاستدانة الخارجية لاعتبارات ضرورية يساهم البرلمان في تحديدها.

ويرى الخبير المصرفي ورئيس شركة راية للاستشارات، هاني أبو الفتوح، أن الحكومة حققت نجاحات لا بأس بها في الاستراتيجية القديمة، وما نحتاجه هو الاستمرار على نفس النهج السابق؛ "الركيزة الأساسية هنا هي استمرار تحقيق فوائض أولية مرتفعة، وهو عامل أثبت خلال العامين الماضيين قدرته على تقليص الدين بنحو 10% من الناتج، خاصة بعد توجيه حصيلة الطروحات والشراكات الاستثمارية لخفض الدين أو استبدال الديون الأعلى تكلفة".

حسب البيان المالي لموازنة العام الجاري، استطاعت الحكومة رفع قيمة الفائض الأولي من 164.3 مليار جنيه 2022/2023 إلى 597.2 مليار جنيه 2024/2025، وتستهدف رفعه إلى 807 مليارات جنيه خلال العام الحالي.

وينوه أبو الفتوح لآليات جديدة في السياسات الحكومية تبشر بتحقيق نتائج أفضل في المستقبل؛ "وضع سقف قانوني لصافي الدين عند 16.48 تريليون جنيه يمثل خطوة مهمة، لأنه للمرة الأولى يتم ضبط مسار الدين بشكل تشريعي واضح، مع الاستمرار في استهداف النزول إلى نحو 80% خلال عامين".

وبدأت الحكومة في وضع سقف للدين العام في موازنة 2024/2025، وهي أول مرة تتبع فيها هذا النهج، ويفرض هذا السقف عدم تجاوز المستويات المقررة من الاستدانة إلا بموافقة خاصة من رئيس الجمهورية.

"الخلاصة، ما نشهده اليوم هو مزيج من خطوات إصلاحية هيكلية حقيقية إلى جانب اعتماد مستمر على تدفقات قصيرة الأجل مرتفعة العائد وصفقات استثمارية استثنائية. واستدامة هذا المسار لن تعتمد على التشريعات أو إعادة الهيكلة المالية وحدها، بل على قدرة الاقتصاد على توليد نمو حقيقي قائم على الاستثمار المنتج والصادرات، بما يسمح بتقليل الاعتماد التدريجي على الاقتراض المكلف"، يقول أبو الفتوح لـ المنصة.

وتركز رشا حلوة على أهمية تعميق سوق الدين العام في مصر، بحيث يصبح أكثر اعتمادًا على المستثمرين الماليين وليس الأجانب، لتجنب أزمات الخروج المفاجئ أو ما يعرف بـ الأموال الساخنة.

يمثل رصيد المستثمرين الأجانب، وفق بيانات البنك المركزي، نحو 43% من إجمالي استثمارات أذون الخزانة، لذا تدعو رشا إلى تحفيز جهات محلية عدة على الاستثمار في الدين العام مثل صناديق التقاعد، وشركات التأمين، ومديري الأصول المحليين.