أنا لا أعرف، ماذا حدث. ولكن، كان هناك هنودًا مبعثرين، على جميع جوانب الطريق السريع، ينزفون حتى الموت.
بتلك الكلمات في قصيدة "dawn highway" يستعيد جيم موريسون الحادث الهام الذى مر به في صغره، عندما كان في سيارة مع والده ووالدته وأخته في صحراء نيو ميكسيكو، فاصطدمت سيارتهم بأخرى محملة بعمال من الهنود الحمر، مما أدى إلى وفاتهم، أو بعثرتهم على الطريق، كيفما رأى جيم.
تلك الحادثة كانت نقطة فارقة في حياته، فقد جعلته مختلفًا.
لم يكن الطفل جيمس دوجلاس موريسون هو نفسه الذي عاد مرة أخرى، فالذي عاد هو شخص آخر، لم يعد ذلك الفتى الذي يُنتظر أن يشق طريقه كوالده دوجلاس موريسون قائد الأسطول البحري، وأن يكون تقليديًا في الحياة كأمه، ربة المنزل كارلا كراك. لن يكون منصاعًا للأوامر، إنما أميرًا للرفض، وسيعيش بهذا طوال حياته حتى الموت.
على الرغم من عدم الجزم بما حدث حقًا ذلك اليوم، وتأرجح أقاويل اﻷسرة حوله، فتارة تنفي، وتارة يؤكد الأب أن الحادث وقع بالفعل، ولكن أحدًا لم يمت، يؤكد جيم نفسه في أكثر من مقابلة أن تلك الحادثة غيّرت حياته، وأثّرت فيه كثيرًا، فهى التي حولته من الطفل جيمس دوجلاس موريسون، إلى جيم موريسون؛ الملاك الذي حلق فوق بحر من الدماء.
الملاك الذي أحب كتابات نيتشه وألدوس هاكسلي وآرثر رامبو وجاك كيرواك، فصقل هؤلاء موهبته الشعرية، وجعلوه نهمًا للكتابة أكثر فأكثر . ورأى صديقه راى منزاريك، الذي تخرج معه من جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس تلك الموهبة الشعرية فقرر استغلال ذلك، وأسسا سويًا فرقة روك ثم انضم لهم كل من جون دينسمور وروبي كرايجر بعد طلب راى وموريسون.
تشكلت الفرقة التى أطلق عليها جيم "the doors" تيمنًا بكتاب ألدوس هاكسلي "the doors of perception أبواب الإدراك" ، وتعتبر تلك نقطة تحدٍ محورية في حياة جيم، فهي عملت على فتح الأبواب الموصدة، في متاهات الكامن باللاوعي الذي رآه في صغره، أو حتى الذي يراه عندما يتعاطى المخدرات والكحول، الذين أصبحا محفزًا مع الماضي الذي عاش فيه الخوف في صغره، لينشئ جسرًا للعبور إلى عالم آخر، وضع هو قواعده بمفرده، وكان هو مالكه والمتحكم الوحيد فيه؛ عالم كان يسود فيه الموت الذي كثيرًا ماكتب عنه في أشعاره.
كان الموت حاضرًا دائمًا لجيم موريسون، وحينما سئل عنه أجاب "عندما تموت ينتهى الألم". كان هذا المبدأ هو محفز جيم موريسون في الحياة وفي تعاملاته مع الآخرين، حتى أعضاء فريقه، الذين أكدوا أنهم كانوا يرون دائمًا الموت معه حاضرًا في كل شيء. ومثلما وصفه روبي بأنه كان دائمًا يلامس وجه الموت الذي كان دائمًا حاضرًا معه في أشعاره. ذلك الموت الذي شعر بأنه يحوم حوله عندما رأى الهنود الحمر القتلى منذ صغره، والذين لم يتوقف عن الكتابة عنهم في قصائده وأغانيه مثل Ghost , newborn awakening ،peace frog
ظل جيم والفرقة من نجاح لآخر طوال سنوات؛ يترجم الأفكار التي تأتيه، وينشئ مع فريقه قوة موسيقية عظيمة ليتحول إلى أيقونة وملهم للكثيرين لرفضه الواقع وتصديه للحياة من دون خوف. ويرى الجمهور فيه ملكًا متوجًا لما يريدون أن يكونوا عليه، من خلال كلماته التي يشعرون بالغضب والحزن والخوف بين طياتها، بالإضافة إلى تصرفاته المتحررة على المسرح التي لا تعبأ بالنظام أو بأحد، والتي أدت في إحدى المرات إلى اعتقاله من قبل الشرطة على المسرح، ليصبح النجم الغنائي الوحيد الذي يُعتقل على المسرح أثناء العرض.
وسط كل هذا كان رأسه يمتلئ بألم يعلم أنه لن ينتهي إلا بالموت، فكتب قصائد تحمل في طياتها تطهيرًا للخطايا، وغسيلًا للألم الروحي، لنكون طاهرين مثله، ونطير فوق بحر، ليس من الدماء كالذي طار فوقه، ولكنه بحر من إدراك مستقبل نمضي فيه إلى الأمام بدون هدف محدد.
كان عقل جيم يعج بالأفكار ووسط كل الحفلات وصخب الجماهير والموسيقى من حوله لم يستطع أن يعبر عنها بشكل واضح، فقرر أخذ إجازة من فرقة the doors والذهاب مع حبيبته باميلا كورسن إلى باريس لتتسنى له كتابة القصائد.
وبعد إدمانه للكحوليات وتعاطيه الهيروين بصورة دائمة، توفي جيم بجرعة زائدة، ليصعد إلى السماء عبر جسر أنشأه بنفسه، من شعره الذي كتبه. ليكتب النهاية لجسد خاض اﻷلم لـ27 عامًا، وترنح على طاولة الألم ليحقق النهاية التي كتب عنها في قصيدته: