"إرثي هو أنني بقيت على المسار.. من البداية للنهاية، لأنني صدقت في شيء ما موجود بداخلي"؛ جملة قالتها ملكة الروك آند رول تينا تيرنر، التي رحلت عن عالمنا قبل بضعة أيام، تاركة إرثًا من الإلهام والمثابرة والنجاح والتحقق، معاندة قدرًا مظلمًا كان يبدو حتميًا.
في مراهقتي، لم أكن من محبي الروك آند رول أو من معجبي تيرنر، إلى أن وقعت صدفة على كلمات أغنيتها What’s love got to do with it في مجلة قديمة. كانت بداية تعرفي على أغانيها ومسيرتها وفاتحة علاقتي بذلك النوع الموسيقي الذي سيرافقني لسنوات طويلة بإلهام من تينا نفسها، وقصة حياتها.
في الوقت الذي بدأت فيه المغنية الأمريكية حياتها المهنية في ستينيات القرن الماضي، لم يكن من السهل أن تدخل النساء عالم الروك آند رول، فما بالك بامرأة وسوداء أيضًا. كان لديها ألف سبب وسبب للفشل والاستسلام وإعلان هزيمتها أمام الظروف الصعبة، وما كنا لنلومها. لكنها قلبت المعادلة وغيرت مسار حياتها.
كانت في الحقيقة تعمل لدى زوجها وليست شريكة له في النجاح الذي حققته الفرقة
مغنية شابة من أصول فقيرة عالقة في علاقة سامة داخل زواجٍ استمر لستة عشر سنة، وصفتهم بـ"سنوات من التعذيب المستمر". حققت مسيرتها مع زوجها آيك تيرنر نجاحًا لا بأس به، وضع فرقتهما بين مصاف فرق الروك المعروفة حينها. لكنها دفعت ثمن ذلك غاليًا جدًا، إذ كانت في الحقيقة تعمل لدى زوجها وليست شريكة له في النجاح الذي حققته الفرقة.
كان آيك تيرنر الذي يدّعي أنه صنع تينا وجعل منها مغنية معروفة، زوجًا مُعَنِفًا، تعرضت تينا على يده لكافة أشكال الاستغلال والتعذيب، وكما تروي في مذكراتها "أنا تينا"، كانت تسعى دائمًا لإخفاء حقيقة علاقتها المرضية به أمام الناس، وكذلك آثار الضرب عن وجهها وجسدها في الحفلات والمناسبات العامة.
كانت تظن أن لحظة خروجها من تلك العلاقة المدمرة سيعني نهاية حياتها المهنية في عالم الموسيقى، حيث كان آيك يشكل البوابة التي أمنت لها دخول العالم الذي كان يرفضها.
وفي قصة حياتها، التي تحولت إلى فيلم لاحقًا، تقرر تينا بعد سنوات أن تغادر، لا تملك سوى بضعة قروش ولا تعرف إلى أين تتوجه، هدفها إيقاف ما تتعرض له من تعذيب وقسوة. لا خطة في الأفق أو معالم واضحة لما ستكون عليه الحياة بعد ذلك.
تملك صوتها وشغفها وإيمانها بأنها تستطيع أن تغير مصيرها، دون أن تعرف كيف، لكنها كانت تعرف شيئًا واحدًا بأن الحياة التي تحياها "أصبحت لا تطاق وأن الموت كان أهون من الاستمرار".
في عام 1984، أي بعد مرور خمس سنوات على طلاقها من آيك، أصدرت تينا تيرنر أغنيتها what’s love got to do with it التي أعادتها بقوة إلى المشهد، وتصدرت الأغنية المرتبة الأولى على Billboard Hot 100 chart.
كثيرون راهنوا على فشلها، وعلى عودتها له بعد طلاقها، أو على تنازلها عن حقوق أغانيها التي سجلتها مع زوجها السابق مقابل قطع كل الصلات معه. لكنها احتفظت بكنيتها من الزواج، وهو الاسم الذي اشتهرت به، خطوة وصفها النقاد بأنها دليل على حدس تينا في اختيار ما يناسب مهنتها ويؤسس لنجاحها، وتعاملت مع الكنية كأنها علامة تجارية استحقتها ودفعت ثمنها مقدمًا.
وبالرغم من كل الانتقادات التي طالتها، واصفين إياها بـ"الجدة تينا" بسبب كبر سنها مقارنةً بالمغنيين الشباب وقتها، فإن الجمهور كان له رأي آخر. حققت أغانيها وألبوماتها شهرة واسعة وباعت ملايين النسخ حول العالم.
الأمل مُنجّي
الملفت في تجربة تينا تيرنر، أنها لم تختزل نفسها في قصة تعنيفها على يد زوجها، فمثلًا لم تغنِ أغنية واحدة عن معاناتها الشخصية، وهو طريق سهل لاستغلال المعاناة واستدرار العطف، بل قدمت من خلال جميع أغنياتها دافعًا للاستمرار والتغيير وتحدي الألم، واستمر الأمل كثيمة واضحة لأعمالها.
أبحث هذه الأيام عن القصص الملهمة، كمعينٍ لي على الاستمرار والأمل بأنني أمتلك قدري
صوتها المميز وطاقتها المتدفقة على المسرح جعلاها بالفعل الملكة التي استطاعت في أول حفل عام مستقل لها، في البرازيل عام 1988، أن تجمع أكثر من مئة وثمانين ألف متفرج، وتفرض نفسها على عرش الروك آند رول دون منازع. بالإضافة إلى حصولها على عشرات الجوائز الفنية المرموقة التي جاءت بمثابة اعتراف رسمي بها وبفنها.
هل كانت تينا تخطط لكل ذلك وتضع الأفكار على الورق؟ على الأغلب لا، حيث لا تشير مذكراتها أو المنشورات التي تحدثت عنها إلى تفوقها في مسألة التخطيط، لكنها أجمعت على حدسها وإيمانها بنفسها، بغض النظر عن فترات الضعف في حياتها.
لماذا أحكي عن تينا تيرنر اليوم؟ ربما لأني كثيرًا ما أبحث هذه الأيام عن القصص الملهمة للنجاح والتحقق، ربما كمعينٍ لي على الاستمرار وبث الأمل في نفسي بأنني أستطيع أن أمتلك قدري ومسار حياتي، حتى لو بدا أن كل شيء يعمل ضدي في الوقت الحالي. قصص ملهمة لأشخاص تمكنوا من النهوض من تحت رماد خساراتهم، ولأكن أكثر صدقًا، أبحث تحديدًا عن قصص لنساء استطعن بالفعل صنع المعجزات من لا شيء.
ليس بهدف التماهي مع قصص بنات جنسي وحسب، وإنما أيضًا لأن النساء، أينما كانوا، أكثر عرضة للمحاربة وإطلاق الأحكام وبالتالي إزاحتهن من المعادلة. ولأننا بحاجة إلى التعامل مع هذا الإرث المكتوم والمسكوت عنه من نجاحات النساء رغم الظروف. ولكم أتمنى أن تلهمنا قصصهن كما في حياة تينا تيرنر، المرأة السوداء الفقيرة والمُعَنفة التي استطاعت أن تجترح معجزتها لتقول لنا أن لا شيء مستحيل.