البيت الأبيض، فيسبوك
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في الكنيست، 13 أكتوبر 2025

فرح العمدة ترامب من الكنيست إلى شرم الشيخ

منشور الثلاثاء 14 تشرين الأول/أكتوبر 2025

جُمعتْ الكراسي وأُطفئت الكهارب بعدما انتهى ما خُطط له ليكون "فرح العمدة" دونالد ترامب في الكنيست الإسرائيلي ثم شرم الشيخ، المدينة المصرية التي عادت للمرة الأولى منذ سنوات طويلة إلى استضافة مؤتمرات سراب السلام الزئبقي بين فلسطين وإسرائيل.

ورغم أن مؤتمرات شرم الشيخ الدولية التي تلت اتفاق أوسلو، وتميزت بحضور دولي واسع لقادة العالم، لم تحقق الهدف الذي أقيمت من أجله لأكثر من ثلاثة عقود فإن مجرد السعي لاستعادة روح التفاؤل التي كانت تسود تلك الفترة تبدو الآن مهمةٌ شديدةُ الصعوبة، في أعقاب حرب الإبادة التي تعرض لها الفلسطينيون في غزة على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي طوال العامين الماضيين. لذلك قد لا يكون استضافة المؤتمر في شرم الشيخ فأل حسن بالضرورة.

ذهاب ترامب أولًا إلى إسرائيل، وإصراره أن يتزامن هبوط طائرته في مطار بن جوريون مع بدء إطلاق سراح آخر دفعة من المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة حماس، لم يهدف فقط إلى مواساة حليفه المقرب بنيامين نتنياهو وتعويضه عن غيابه عن مؤتمر شرم الشيخ الذي لم يتلقَّ دعوةً لحضوره، في مفارقة عجيبة لم تحدث من قبل في تاريخ توقيع اتفاقات إنهاء الحروب، أن تغيب الأطراف المتحاربة عن التوقيع.

لكنه كان مؤشرًا واضحًا على أن من يقود إسرائيل الآن بشكل فعلي، وتمكن من الإفراج عن محتجزيها، ليس رئيس وزرائها أو حكومتها المتطرفة المتورطة في جرائم حرب بشعة، وإنما الرئيس الأمريكي الذي فاق تصفيق وتحية وهتاف نواب الكنيست له ما حصل عليه نتنياهو.

الزعيم ترامب

يعلم الجميع أنه لولا ضغط ترامب على نتنياهو ومواجهته بحقيقة أنه "لا يمكن لإسرائيل محاربة العالم"، لما توقفت الحرب، ولا أُفرج عن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس بل غالبًا كانوا سيلقون حتفهم. فرئيس الوزراء الإسرائيلي واصل طوال العامين الماضيين حروبه التي لا تنتهي وتوسَّع فيها على سبع جبهات، ليضمن الاستمرار في منصبه وتجنب محاسبته على الفشل الذريع في منع هجوم السابع من أكتوبر 2023.

ولم يخيب ترامب آمال الإسرائيليين بصفته قائدهم الجديد، وتبنى بشكل كامل سرديتهم لتبرير أبشع احتلال عنصري عرفه التاريخ الحديث، ولم ينبس بكلمة واحدة تعكس تعاطفه مع الشعب الفلسطيني وتقر بحجم الكارثة التي لحقت به بسبب جرائم نتنياهو أو الاعتراف بحقهم في دولة مستقلة يعيشون فيها بكرامة على وجه المساواة مع أحبائه الإسرائيليين.

ليس بـ"الكاش" ولا بأفراح العمدة يتحقق السلام

بل إن ترامب، ومثله صهره جاريد كوشنر الذي عاد للواجهة مجددًا بعد ابتعاده مع بداية الرئاسة الثانية عن العمل السياسي وتركيزه على مجال التطوير العقاري بالشراكة مع حلفائه الخليجيين، وكذلك مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، كلهم أشادوا بـ"التضحيات الكبيرة" و"الأداء الرائع" لقوات جيش الاحتلال الصهيوني، الذي قتل نحو 70 ألف فلسطيني، نصفهم تقريبًا من الأطفال والنساء.

فبالنسبة لصقور الإدارة الأمريكية، لولا "الأداء البطولي" لجيش الاحتلال لما كان من الممكن الوصول إلى لحظة تحرير المحتجزين الإسرائيليين. كما أقر نتنياهو في خطابه المطول أمام رئيسه ترامب في الكنيست بأن جيش الاحتلال كان يتقدم نحو مدينة غزة ويدمرها بشكل ممنهج في الأسابيع الأخيرة بناءً على اتفاق مسبق وضوء أخضر من الرئيس الأمريكي. وأشار أيضًا إلى أنه كان "الوحيد في العالم" الذي قدم له هذا الدعم لزيادة الضغط على حركة حماس، ودفعها للقبول بإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين دفعة واحدة، دون ربط ذلك بالانسحاب الكامل من القطاع، كما كانت تطالب.

ولم يختلف الوضع كثيرًا في شرم الشيخ، حيث اضطر قادة العالم إلى انتظار ترامب بعد تأخّره عدة ساعات، لمنحه الإطراء الذي يعشقه ويفرج عن أساريره، ولتتويجه كما يرغب رئيسًا للعالم، ولو رآه غالبيتهم شخصًا جاهلًا أخرقَ، يثير مخاوفهم أكثر مما يمنحهم الثقة في قدرته على تحقيق السلام والاستقرار في أي مكان في العالم، وليس فقط في الشرق الأوسط الملتهب دائمًا وأبدًا.

ورغم إقرار كل الأطراف المعنية بصعوبة المهمة التي يتزعمها ترامب الآن، حيث كل نقطة من نقاط خطته العشرين تحتاج لمفاوضات شاقة وصعبة؛ فإن كل رئيس أو مسؤول سنحت له الفرصة للحديث في مؤتمر شرم الشيخ بدأ خطابه بالتأكيد على أن ترامب، وترامب وحده، هو القادر على تحقيق السلام في الشرق الأوسط، وأن العالم في حاجة ماسة لقدراته الفذة.

كان ترامب يستقبل هذه الإطراءات بسعادة بالغة وابتسامة عريضة، في رسالة موجهة للداخل الأمريكي في مواجهة خصومه من الرؤساء الديمقراطيين السابقين، الذين يلاحقونه في كوابيسه غالبًا، وعلى رأسهم جو بايدن وباراك أوباما، اللذان لا يُفوِّت فرصةً دون التصريح بأنه جاء لإصلاح الكوارث التي تسببا بها.

وطوال خطابيه في القدس المحتلة أمام الكنيست، أو في شرم الشيخ، لم يَدعْ ترامب المطور العقاري ورجل الأعمال ومقدم البرامج التليفزيونية مجالًا للشك في مبررات تزعمه مساعي التوصل إلى وقف الحرب في غزة، واعتبارها "صفقة تجارية رائعة" ستحصل بموجبها الولايات المتحدة، وكذلك هو شخصيًا سواء بشكل مباشر أو عن طريق أفراد أسرته والمقربين منه أمثال ويتكوف وكوشنير، على أموال طائلة من حلفائه في دول الخليج النفطية الثرية.

ليس بالكاش وحده

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب يوقعان اتفاقية السلام في غزة، شرم الشيخ، 13 أكتوبر 2025

كرر ترامب عدة مرات أن أحد أسباب سعادته لحضور مؤتمر شرم الشيخ هو أنه يوجد في قاعة مع قادة "لديهم ثروات هائلة والكثير من المال"، أعلنوا موافقتهم على تمويل إعادة إعمار قطاع غزة وكأنه لا توجد أي مسؤولية على حكومة وجيش الاحتلال عن كل ما لحق بالفلسطينيين من حجم مرعب من القتل والدمار. حتى إنه ردد مرتين "لديك الكثير من المال السائل" وهو يصافح نائب رئيس دولة الإمارات منصور بن زايد، الحاضر نيابة عن رئيسه محمد بن زايد الذي تسبب غيابه مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في إثارة تساؤلات حول رضاهما عن تصدُّر مصر وقطر وتركيا للمشهد.

ولكن ليس بـ"الكاش" ولا بأفراح العمدة يتحقق السلام. وكما أشار الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطابه أمام القمة، وكذلك المسؤولون القطريون والأتراك الذين وقَّعوا بصفتهم ضامنين للاتفاق في ضوء غياب ممثلي حماس وإسرائيل، فإن الطريق ما زال طويلًا ويتطلب الكثير من المفاوضات الصعبة بشأن المراحل التالية من الخطة وكل نقطة وردت فيها.

فعضوية ما يُسمَّى "مجلس السلام" الذي سيحكم غزة برئاسة ترامب لم تتضح بعد، وإن كان الرئيس الأمريكي قال إن هناك "منافسة قوية" بين قادة العالم للانضمام إليه، وكذلك "قوة الاستقرار الدولية" التي من المفترض أن تنتشر داخل غزة للإشراف على نزع سلاح حركة حماس، المطلب الذي سيتخذه نتنياهو في الغالب مبررًا لتأخير تنفيذ المراحل التالية من الخطة والانسحاب من قطاع غزة.

كما لا يعرف أحد حتى الآن شكل الحكومة المقبلة في غزة، وصلتها بالسلطة الفلسطينية في رام الله، إذا كانت هناك أي صلة من الأساس، وموقف حماس من تلك الإدارة الجديدة. ورغم تركيز ترامب المتكرر وسيلان لعابه على الأموال التي ستتدفق؛ لم تصدر أي تعهدات رسمية حتى الآن بمبالغ محددة، وربما تتضح الصورة أكثر بعد مؤتمر التعافي وإعادة الإعمار المقرر أن تستضيفه مصر الشهر المقبل.

كل ذلك يزيد من التحديات والمسؤوليات الملقاة على عاتق زعماء الدول العربية إذا قرروا بالفعل العمل بشكل مشترك لدعم الفلسطينيين والضغط على ترامب للقبول ولو تدريجيًا بالسير في طريق يؤدي لإقامة الدولة الفلسطينية التي لم يأتِ على ذكرها.

وليس خافيًا أنه، رغم كل خطابات الإدانة والشجب والاستنكار ومناشدات المجتمع الدولي بالتحرك العاجل التي كررها الزعماء العرب الحلفاء للولايات المتحدة خلال العامين الماضيين لوقف حرب غزة، فإن أمراء الخليج لم يبدوا تعاطفًا يُذكر مع الخسائر الفادحة التي لحقت بما كان يُعرف بـ"محور المقاومة" الذي تتزعمه إيران نتيجة حروب نتنياهو.

لكن ما يتناساه هؤلاء القادة العرب هو أن فشلهم في تقديم دعم حقيقي للفلسطينيين طوال سنوات ازدهار الحديث عن السلام، في مؤتمرات شرم الشيخ السابقة، هو ما تسبب في تصاعد نفوذ المحور الإيراني وشعبيته، بسبب ما قدّمته طهران من دعم للمقاومة الفلسطينية أيًا كان عنوانها، حماس أو غيرها.

والآن وبعد عامين من حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة تداعى وتراجع كثيرًا نفوذ المحور الإيراني، ما يشكل فرصة جديدة لمن يسمون أنفسهم بمحور دول الاعتدال العربي، حلفاء الولايات المتحدة، لأن يتصدروا المشهد مجددًا واعتبار فرح العمدة ترامب في شرم الشيخ نقطة البداية. فهل يفعلونها، أم تبقى القاعدة الثابتة هي غياب العمل العربي المشترك واستمرار التنافس بينهم على صدارة المشهد؟

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.