متداولة على إكس
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو متحدثًا إلى قاعة شبه فارغة بالأمم المتحدة، 26 سبتمبر 2025

جعبة الساحر نتنياهو الخاوية ووعود ترامب الكاذبة

منشور الثلاثاء 30 أيلول/سبتمبر 2025

يشتهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بلقب الساحر من ضمن ألقاب أخرى عديدة، ذلك لأنه كلما ظن خصومه، سواء داخل أو خارج إسرائيل، أنه على وشك السقوط النهائي والاختفاء من المشهد السياسي، يخرج بحيلة جديدة من جعبته تزيد من شعبيته وتضمن له الاستمرار في منصبه لسنوات طويلة حتى حصل على لقب آخر يعتز به وهو بيبي ملك إسرائيل مع تجاوز فترة بقائه في منصبه أي رئيس وزراء إسرائيلي آخر بما في ذلك آباء مؤسسون مثل ديفيد بن جوريون وجولدا مائير.     

كشف الخطاب الأخير أمام الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، الجمعة الماضي، أن الحيل نفدت من جعبة الساحر البالغ من العمر 76 عامًا، فلم تُقنع كلماته المنمقة والسجع الذي يتقنه باللغة الإنجليزية جمهوره المستهدف؛ أولًا داخل إسرائيل وثانيًا في الولايات المتحدة، وهما الطرفان الأكثر أهميةً بالنسبة له، إذ لا يعني له ما تقوله كل دول العالم وما توجهه له من اتهامات ومطالبات بضرورة محاكمته مجرمَ حرب.

لم يقتصر الأمر على الانسحاب الجماعي لمندوبي نحو ثمانين دولة بشكل متعمد فور دخوله القاعة احتجاجًا على حرب الإبادة الجماعية، أو اصطحابه حشدًا من المؤيدين والمصفقين والمصفرين لتعويض الفراغ القائم في القاعة المتسعة، بل امتد إلى الإسرائيليين أنفسهم الذين استهجنوا تفاهته وتبنيه ممارسات مستوحاة من ممارسات ألمانيا النازية لإعلانه بفخرٍ أمام الجمعية العامة أن جنوده البواسل تخلوا عن مهامهم في القتال وخاطروا بحياتهم لوضع سماعات ضخمة في كافة أرجاء غزة ليستمع له الفلسطينيون والمحتجزون الإسرائيليون لدى حركة حماس في بث مباشر على الهواء.

نتنياهو اعتبر تصريح المستشار الألماني بأن إسرائيل تقوم بـ"الأعمال القذرة" نيابة عن أوروبا مصدر فخر لبلاده

وبينما قد يخجل بعض قادة العالم من لعب جيوشهم دور المرتزقة لصالح الولايات المتحدة، ويفضلون بقاء هذه الخدمات سرية، فإن نتنياهو تفاخر من منبر الأمم المتحدة بأن ما تقدمه أجهزته الأمنية لحليفه الأمريكي يعادل ما تقدمه خمسة أجهزة استخبارات بحجم وكالة المخابرات الأمريكية الشهيرة (CIA).

كما اعتبر تصريح المستشار الألماني فريدريك ميرتس بأن إسرائيل تقوم بالأعمال القذرة نيابة عن أوروبا والعالم مصدر فخر واعتزاز وتقدير لدور بلاده خادمة للغرب طالما يدفع ويوفر لها الحماية.

زعم نتنياهو أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي القوي اخترق كلَّ هواتف الفلسطينيين في غزة وبث خطابه عبرها في إعجاز تكنولوجي آخر يماثل عملية البيجر التي استهدفت قيادات ومقاتلي حزب الله اللبناني قبل عام ومثلت نقطة تحول مهمة في مسار الحروب التي تخوضها إسرائيل منذ هجوم السابع من أكتوبر على عدة جبهات.

ولتأكيد أن إسرائيل هي القائدة في مجال العلوم والتكنولوجيا وضع على سترته زرًا ضخمًا يحمل QR code يمكن مسحه (scan) باستخدام الموبايل للوصول إلى صور قتلى إسرائيل في هجوم حماس في السابع من أكتوبر.

شخصيًا كانت لدي مخاوف من قيام نتنياهو بخطوة متهورة أخرى تتمثل في ضرب دولة عربية ما، أو قتل شخصية بارزة في مجموعات المقاومة (رغم أن معظم هذه الشخصيات لقيت ربها بالفعل) تمامًا كما فعل العام الماضي أثناء إلقاء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

فبينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يتحدث في نيويورك، تجهزت الطائرات الإسرائيلية لقصف مخبأ حسن نصر الله الزعيم التاريخي لحزب الله تحت الأرض.

وما زاد من قلقي تصريحه قبل توجهه لنيويورك بأنه لا يزال بجعبته الكثير من المفاجآت لقادة حماس وبقية أطراف المحور الذي تدعمه إيران، تحديدًا حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.

مثّلت الدورة الثمانون للأمم المتحدة بامتياز دورة تضامن واعتراف بفلسطين دولة مستقلة

لكن مضمون خطابه كان فارغًا وساذجًا، بل مضحك، خصوصًا عندما استخدم أسلوبه المعروف بالاستعانة بخرائط وصور لشرح حجم المخاطر التي تواجهها إسرائيل المسكينة الصغيرة المحاطة بالأعداء ومحور الشر، مضيفًا هذه المرة حيلةً جديدةً تتمثل في طرح "اختبار صغير" لمشاهديه القلائل في القاعة يسألهم فيها مستعينًا بلوحة وقلم ماركر عن المنظمات الأكثر تورطًا في قتل الإسرائيليين والأمريكيين؛ حماس، أم حزب الله أم القاعدة أم داعش أم إيران، أم كل ما سبق؟ ويرد عليه بالطبع كل أعضاء الوفد الإسرائيلي بحماس بالغ يشابه رد فعل الأطفال الصغار في الروضات قائلين بصوت عال "كل ما سبق".

مثلت الدورة الثمانون للجمعية العامة للأمم المتحدة بامتياز دورة تضامن واعتراف بفلسطين دولة مستقلة تضمنت الإقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره والتخلص من الاحتلال، خاصة مع انضمام دولتين تتمتعان بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن وحق الفيتو، بريطانيا وفرنسا، بجانب كندا وأستراليا، وكلاهما من المؤيدين التاريخيين للكيان للصهيوني، لكن نتنياهو قرر تحدي العالم وأكد في خطابه أنه لن يسمح له بأن يفرض عليه إنشاء دولة فلسطينية تمثل تهديدًا لإسرائيل.

ولم يتخل نتنياهو عن هذا التعهد بمنع قيام دولة فلسطين في مؤتمره الصحفي، مساء أمس، بينما كان يقف بجوار ترامب ليعلن قبوله بالخطة الأمريكية المكونة من 20 نقطة، وهو الأمر الذي أبدى الرئيس الأمريكي تفهمه له وتعاطفه معه، رغم أن خطة ترامب الأخيرة للسلام تدعو على المدى البعيد ومن دون مواعيد محددة لإعادة إطلاق مسار السلام من أجل تحقيق تطلع الفلسطينيين لإنشاء دولتهم.

هذه الخطة بتفاصيلها العامة في كل الأمور المتعلقة بانسحاب إسرائيل من غزة وتمكين السلطة الفلسطينية من إدارتها، لم تركز إلا على مطالب نتنياهو المتعلقة بإطلاق سراح الأسرى ونزع سلاح حماس وحققت مطلبه بألا يكون هناك دور لا لحماس ولا للسلطة في إدارة القطاع في المستقبل القريب.

وبينما يهدد الوزراء المتطرفون في حكومته بإسقاطه لو وافق على خطة ترامب وانسحب من غزة وامتنع عن ضم الضفة الغربية المحتلة، فإن الساحر الكذَّاب نتنياهو لن يفشل كالعادة في الخروج بحيل جديدة لمنع تنفيذ الخطة الأمريكية، والادعاء لاحقًا أمام الإسرائيليين أنه واجه العالم بأكمله لمنع قيام دولة فلسطينية وتهديد أمن الكيان المحتل، وهي خطوة ستعزز فرص فوزه في الانتخابات المقررة للبرلمان الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين الأول 2026.

الأكثر صعوبة هو التزام ترامب مع سجله الطويل المخزي في دعم الكيان الصهيوني منذ فترة رئاسته الأولى بخطة وقف حقيقي للحرب، فغرضه الإفراج عن كل المحتجزين الإسرائيليين دفعة واحدة كما يتمسك منذ أسابيع، ثم التساهل لاحقًا مع حليفه المقرب نتنياهو لو قرر العودة لاستئناف الحرب بأي حجة قد يتذرع بها.

يتردد في بعض أوساط الإعلام العربي أن اللقاء الذي جمع ترامب وعددًا من القادة العرب والمسلمين يتصدرهم الرئيس التركي وأمير قطر وملك الأردن في يوم افتتاح أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أسبوع، دفعه لتغيير موقفه والقبول بمطالبهم المتعلقة تحديدًا برفض تهجير الفلسطينيين من غزة أو ضم إسرائيل للضفة الغربية، ردًا انتقاميًا على اعتراف بريطانيا وفرنسا وبقية الدول الأوروبية بدولة فلسطين.

لكن خبرة التعامل مع إدارة ترامب المكتظة بعتاة اليمين الأمريكي ممن يعتبرون دعم إسرائيل واجبًا دينيًا مثل سفيره لدى إسرائيل مايك هاكابي، ورئيس مجلس النواب مايكل جونسون، ومندوب واشنطن لدى الأمم المتحدة مايكل والتز، وسجل ترامب الشخصي في الكذب والتلاعب، مثل توجيه ضربة مشتركة مع تل أبيب ضد إيران بينما كان يصرح بأن المفاوضات تتواصل معها للتوصل لاتفاق بشأن برنامجها النووي.

كذلك إقراره الضمني بشرعية الضربة الإسرائيلية ضد قادة حماس في قطر، حليفته المقربة التي لا يفوت فرصة دون توجيه الشكر لقيادتها، وأخيرًا الدور الذي يلعبه صهره جاريد كوشنير في صياغة الخطة الأمريكية، وهو المعروف بأنه أول من روج لفكرة تفريغ غزة من سكانها وتحويلها إلى منتجع سياحي مطل على البحر المتوسط، بالاشتراك مع سيئ الذكر رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، الشهير أيضًا بلقب الكلب المدلل للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش عندما شاركه في غزو واحتلال العراق.

كل هذه الحقائق تزيد من الشكوك في إمكانية التزام الرئيس الأمريكي بأي خطط لا يقرها حليفه نتنياهو وتخدم مصالحهما.

بعد عامين من الحرب المفزعة والمريرة في غزة، وفي ضوء الواقع العربي الرسمي المنقسم رغم كل الخطابات المعبرة عن التضامن والتمسك بحقوق الشعب الفلسطيني، أصبح من الصعب الآن وقف الحرب بسهولة.

لن تتوقف هذه المأساة غالبًا طالما بقي نتنياهو في منصبه مع تحالفه من الأحزاب المتطرفة مدعومًا من ترامب الذي لا يرى في مشاكل العالم سوى مجالًا للتسلية والترويج لمزاعم أنه الوحيد القادر على تحقيق السلام بينما لم يتمكن عمليًا من تحقيق أي شيء في كل الحروب والنزاعات التي تعهد في حملته الانتخابية بإنهائها خلال 24 ساعة فقط من وصوله للبيت الأبيض.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.