بدءًا من وصفها بأنها "مسيرات تطالب الرئيس حسني مبارك بمزيد من الحرية والديمقراطية"، مرورًا بفترة من الحفاوة والتوهّج في سنوات انتصارها القليلة، وانتهاءً باعتبارها حدثًا عابرًا يتوارى في الأجندة الإعلامية من حيث الأولوية والأهمية خلف "عيد الشرطة"، مرّت ثورة 25 يناير بمحطات مع الصحف المصرية بين الألق وأفول النجم.
فبين حماس الصحف الخاصة وإنكار الحكومية، خرجت أعداد الصحف يوم 26 يناير 2011 بتغطية أحداث غير معهودة عاشتها مصر بعد ثلاثة عقود من الركود، ومنذ ذلك اليوم وفي كل 26 يناير اعتادت الصحف التعامل مع الثورة وذكراها، بصورة لم تكن أبدًا ثابتة، فما كان عام 2012 من تعددية وتنوع في صفحات الرأي بين التأييد والمعارضة حيال الثورة، خاصة في الصحف الخاصة، تراجع نسبيًا عامي 2013 و2014 لصالح الهجوم على الإخوان.
وبمرور الوقت، بدأ وهج يناير في الخفوت حتى على المستوى الخبري، واختلفت مفردات وأولويات عدد يوم 26 من الشهر اﻷول في كل عام، وأمام كفّة الثورة وذكراها بدأت ترجح كفّات أخرى اختلف محتواها بحسب العام بين "شهيدة الورود" أو "إفشال مخططات الإرهابيين" أو عيد الشرطة الذي عاد لدائرة الاهتمام الصحفي، حسبما كشف تتبع ﻷعداد الصحف المصرية في سبع سنوات.
عام الثورة
في عددها الصادر يوم 26 يناير 2011، قدمت صحيفة "اﻷهرام" تغطية لمظاهرات 25 في القاهرة والمحافظات، وصفتها بـ"الحاشدة السلمية" التي تطالب بأمور كان منها "المزيد من الحرية والديمقراطية".
واتهمت الصحيفة جماعة الإخوان المسلمين، التي وصفتها بـ"المحظورة"، بـ"الدفع بأعداد كبيرة من عناصرها" في التظاهرات، واتهمت بعض المتظاهرين في ميدان التحرير وحوله بـ"إتلاف بعض المنشآت وعرقة حركة المرور"، كما تحدثت عن "مخططات لإدارة المظاهرات".
وأفردت الصحيفة مساحة واسعة لوجهة النظر الرسمية حيال المظاهرات، كان على رأسها بيان وزارة الداخلية الذي طالبت فيه المتظاهرين بـ"إنهاء التجمعات تفاديا لتداعياتها التي تخل بالأمن العام"، وأكدت فيه التزام قواتها بتأمين الوقفات وعدم التعرض لها، في رواية تبنتها الصحيفة بالحديث عن "محاولات للاشتباك مع قوات الشرطة، التي اقتصر دورها علي تأمين المتظاهرين للتعبير عن آرائهم بمنتهي الحرية".
على العكس من "الأهرام"، أفردت صحيفة "الشروق" مساحة واسعة للتغطية الميدانية التي حملت الكثير من التفاصيل معنونة بـ: مصر "الغاضبة" في الشارع.
وتحت هذا المناشيت، قدمت الصحيفة صورة خبرية لـ"عشرات الآلاف الذين خرجوا في مظاهرات حاشدة للمطالبة بالتغيير والحرية والعدالة" وما صاحب ذلك من ترتيبات للاعتصام.
وذكرت الصحيفة أن تشكيلات الأمن المركزي والعربات المُصفحّة طاردت المتظاهرين واستخدمت ضدهم قنابل الغاز المسيّل للدموع، ووصفت ضحايا اليوم اﻷول من المتظاهرين بـ"الشهداء"، فضلاً عن نقل تصريحات من مصادر مختلفة رسمية وحزبية حول الأحداث الجارية مثل جماعة الإخوان والأحزاب السياسية ووزارتي الداخلية والخارجية.
.. وأول ذكرى
بافتتاحية تحت عنوان "الشعب يريد استكمال الثورة"، صدر عدد يوم 26 يناير 2012 من صحيفة "الأهرام"، وتعددت بداخله الموضوعات التي صارت تعتمد وصف الثوار وتفرد المساحة لتصريحات أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين.
نشرت الأهرام في ذلك العدد أخبار وتقارير تغطي الاحتفالات والمظاهرات التي شهدها يوم الذكرى الأولى لثورة 25 يناير، كان أحدها يغطي مسيرة نظمها رياضيين إلى ميدان التحرير، وخبر آخر يُغطي الاحتفالات في الميدان نفسه ومطالب المنصّات المختلفة التي تواجدت فيه بعنوان "الجماهير تهتف يسقط يسقط حُكم العسكر" عن مطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة، وفي مقابله خبر عن "حقائق ما قبل الثورة" نقلاً عن صفحة المجلس العسكري على فيسبوك.
ولم تتخلف "الأهرام"، في ذلك العدد، عن تغطية محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك ورموز نظامه.
ومن الجامعات والأقاليم بجانب ميدان التحرير، نقلت "الشروق" فعاليات إحياء الذكرى اﻷولى للثورة بمانشيت "الثورة مستمرة" وتحت عنوان رئيسي هو "صوت الملايين: يسقط يسقط حُكم العسكر".
نقلت "الشروق" أخبارًا عن المسيرات الشعبية التي انطلق فيها ما قدرته الصحيفة بـ250 ألف متظاهر، خرجوا لمطالبة المجلس العسكري بتسليم السُلطة، ومشاهد من ميدان التحرير منذ عشية ذكرى الثورة وحتى انتهاء فعاليات يوم 25 يناير، وغيره من الميادين الرئيسية.
كما أفردت الصحيفة مساحة لعرض وجهة النظر العالمية عن الثورة والأوضاع بعد عام من اندلاعها، تحت عنوان "العالم متفائل ومتخوف على الثورة المصرية"، سواء من قادة سياسيين مثل الرئيس اﻷمريكي- آنذاك- باراك أوباما أو ما نشرته الصحف الغربية من تحليلات عنها.
ضد الإخوان
وفي عام 2013 حين كانت موجة الغضب ضد حكم الإخوان بدأت بالفعل، جاء عنوان "الأهرام" عن الذكرى الثانية للثورة نصًا "العودة إلى الميادين بلا إخوان أو سلفيين"، وتحته قدمت تغطية لمظاهرات ومسيرات شهدها ميدان التحرير والشوارع المحيطة به من قوى ثورية، ذكرت أنها رفعت مطالبها بـ"القصاص للشهداء، وإعادة محاكمات رموز نظام مبارك، ورحيل الرئيس- حينها- محمد مرسي"، فضلاً عن تغطية مظاهرات أخرى أمام قصر الاتحادية الرئاسي.
وجاء عدد صحيفة "المصري اليوم" في 26 يناير 2013، تحت عنوان "الثورة تدخل جولة الإعادة"، وغطّى تفاصيل الفعاليات التي نظمتها القوى المدنية لإحياء الذكرى الثانية للثورة، وما تخللها من اشتباكات مع المتظاهرين، واقتحام مقار تابعة لجماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة، بجانب تغطية رأي السلطة أو أنصارها مثل تفاصيل المبادرة التي قدّمها الشيخ محمد حسّان "ﻹنقاذ مصر".
وداخل ذلك العدد، كانت صفحة الرأي تحمل مقالات ضد السلطة الحاكمة، ومنها مقال الكاتب عبد اللطيف المناوي تحت عنوان "النتيجة بعد عامين: ثلاثة أرغفة عيش وحزب"، وفيه تحدث عما آل إليه الوضع في مصر بعد عامين من الثورة، في ظل حُكم الإخوان الذين رآهم "لن يقدموا أي تنازلات لمصلحة الوطن".
.. و"ثورة" جديدة
كان صدى 30 يونيو ما يزال حاضرًا، فظهر تأثيره على تغطية الصحف للذكرى الثالثة للثورة، كما بدا في أخبار "المصري اليوم" بعدد 26 يناير 2014، تحت عنوان رئيسي "الميادين للإخوان: انتهى وقتكم".
وقدّمت الصحيفة تغطية للاحتفالات في بقاع مختلفة من البلاد، وعلى رأسها ميدان التحرير، حيث ترددت هتافات ضد الإخوان وأخرى تهتف باسم الرجل الأول خلال العام الانتقالي عبد الفتاح السيسي، الذي قالت الصحيفة إن المحتفلين طالبوه بالترشح، وذكرت وجود "محاولات من الإخوان لتعكير صفو الاحتفالات، بمسيرات محددوة". كما بدأت الصحيفة تربط الأحداث التي جرت في ذلك الوقت، بثورة يناير، وذلك بتقرير عن الحد الأدنى للأجور باعتباره مطلب الأولى الذي حققته الثانية.
بنفس اللغة تقريبًا خرجت تغطية "الأهرام" للذكرى الثالثة للثورة، إذ تحدثت الصحيفة عن "الشعب الذي يحتفل ويتحدى الإرهاب" وأبرزت مشاركة القوات المسلحة في الفعاليات، وكانت المساحة واسعة بالكلمات والصورة لنقل مطالبة محتفلين السيسي بالترشح للرئاسة.
"شهيدة الورود"
حلت الذكرى الرابعة للثورة بعد ساعات قليلة من مقتل الناشطة السياسية بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي شيماء الصبّاغ في مسيرة الورود لميدان التحرير، ما جعل من تغطية تشييع جنازتها خبر بارز في الصحف، كما كان في "الشروق" و"الأهرام".
لكن تغطية "الأهرام" للذكرى الرابعة للثورة اختلفت عن الأعوام السابقة من حيث المساحة التي تقلّصت نسبيًا وكانت مختلفة على مستوى الكيف أيضًا، إذ تبنت القول الذي يتردد عن "اختطاف الإخوان للثورة"، وتحدث بعض منها حول "ما الذي تحقق من أهداف الثورة"، وبالتبعية كذلك عن "فشل مخططات الإرهابية (جماعة الإخوان) في استغلال الذكرى لارتكاب أعمال عنف"وعن "الشعب الذي يرفض التخريب".
لكن هذه الموضوعات التي أكدت استتباب الأمن، لم تمنع وجود تقرير عن أعمال عنف اتهم فيها اﻹخوان بـ"زرع عبوات ناسفة في مناطق مختلفة، كمحاولة لإثارة الفوضى بالبلاد، بعد فشلهم فى حشد المواطنين فى الذكرى الرابعة للثورة".
أما "الشروق" فتناولت في تغطيتها ليوم 26 يناير في ذلك العام، 2015، عن حالة الاستنفار الأمني التي حكمت الذكرى الرابعة للثورة في صفحة عنونتها عبارة "العاصمة في قبضة اﻷمن"، وذكرت ما كان من غلق ميدان التحرير وأغلب شوارع وسط البلد بالمدرعات، وعن أحداث العنف التي وقعت في مناطق أخرى بين الشرطة والإخوان.
الشرطة قبل الثورة
وفي العام 2016، حين حلّت الذكرى الخامسة للثورة، تصاعدت حدة الهجوم على الإخوان باعتبارها "جماعة إرهابية"، نجح الشعب في "إفشال مخططاتها"، فضلاً عن إبراز دور الجيش المصري، أما الأبرز فكان عودة عيد الشرطة من جديد
وفي عدد صحيفة "اﻷهرام" الصادر يوم 26 يناير، وتحت عنوان "في ذكري عيد الشرطة وثورة 25 يناير.. الداخلية: هدوء بجميع المحافظات وانتشار أمني مكثف بجميع المواقع"، أبرزت الصحيفة "الاحتفالات الشعبية عرفانا بالجميل لرجال الشرطة، وتوزيع باقات الورد والزهور علي كمائن الشرطة، وزيارة المسؤولين لقبر الجندي المجهول".
ونشرت "الأهرام" مقال بعنوان "ما لا نعرفه عن وداع الشهيد" تحدثت كاتبته عن جنود وضباط الجيش من ضحايا العنف، كما نشرت اﻷهرام خبرًا عن "نجاح اتحاد المصريين في الخارج في إفشال مساعي الإخوان للتظاهر في ذكرى الثورة في عدة دول أوروبية".
وبالمثل تقريبًا خرج عدد "المصري اليوم" تحت مانشيت "ميادين الثورة.. فاضية يا افندم"، وشملت تغطيته أخبارًا وتقارير عن "ضربات أمنية للإخوان" وعن الميادين التي علت فيها الهتافات للأمن والسيسي، وعن الشعب الذي هو "يد واحدة مع الجيش واﻷمن في عيد الشرطة".
والصمت سيد الموقف
ولم تأت التغطية الصحفية للذكرى السادسة للثورة بجديد مختلف عن عام 2016، ودارت حول الاحتفال بالعيدين، بل خصصت صحيفة الأهرام تقريرًا منفردًا عن احتفال الشعب بعيد الشرطة، تحت عنوان "محافظات مصر تحتفل بعيد الشرطة.. هدايا تذكارية للمواطنين ..وتكريم ضباط وأفراد ووضع أكاليل الزهور على النصب التذكارى".
ونقلت الصحيفة كلمة الرئيس بمناسبة ذكرى الثورة، وذلك تحت عنوان تحدث عن 30 يونيو باعتبارها تصحيحًا للمسار، بجانب نشر حوار مع القيادي السابق في جماعة الإخوان ثروت الخرباوي، الذي حمل العديد من الاتهامات للجماعة سواء على مستوى ما دار خلال الثورة وبعدها أو فيما توقّعه هو مستقبلاً.
وبجانب كلمة السيسي بمناسبة الذكرى السادسة للثورة، اقتصرت تغطية "الشروق" لها في عدد 26 يناير 2017 على صفحة واحدة ضمّت موضوعات عن الصمت الذي ساد اليوم، والتعزيزات الأمنية، وما كتبه سياسيون من تدوينات إحياءً للذكرى.