كان الشهر هو اﻷول في عام 2017، حين قررت النيابة العامة حبس اثنين من عُمال شركة "إفكو مصر" لتصنيع الزيوت 15 يومًا، على ذمة التحقيقات معهما في اتهامهما بـ"تحريض زملائهم على الإضراب عن العمل ووقف الإنتاج".
كان الشهر هو الأخير في ذلك العام نفسه، حين صدّق الرئيس عبد الفتاح السيسي على مشروع القانون 213 لسنة 2017 الخاص بالمنظمات النقابية العمالية وحماية حق التنظيم النقابي، الذي لم يُفارقه الرفض الحقوقي والعُمالي في أيٍّ من اللحظات التي مرّ بها بين الطرح والمناقشة في البرلمان وصولًا للإقرار.
وبين شهري البدء والختام، ازدحم القطاع العُمالي عام 2017 بأحداث وقرارات إدارية وقانونية مثل الفصل التعسفي أو التعرض لقبضة أمنية تليها خضوع لتحقيقات، مُقابل احتجاجات عُمالية محدودة نسبيًا مقارنة بأعوام مضت، وثقّت بعضها جهات حقوقية معنية بالعُمّال، مثل دار الخدمات النقابية التي كشفت في تقرير أصدرته اﻷسبوع الجاري بعنوان "الحريات النقابية.. بين مطرقة الحكومة وسندان القانون"، ركّز باﻷساس على النصف الثاني من العام.
الوليد المرفوض
في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2017، ولِدَ رسميًا قانون التنظيمات النقابية بتصديق الرئيس عليه، لكنه كان الوليد المرفوض عُماليًا وحقوقيًا حتى قبل أشهر من إقراره.
ففي 14 يونيو/ حزيران 2017، عقدت لجنة المعايير بمنظمة العمل الدولية جلسة حول مصر، باعتبارها واحدة من 25 دولة على "اللائحة السوداء" للمنظمة بسبب أوضاع عُمّالها، شهدت دفاع وزير القوى العاملة وأمين عام الاتحاد العام لنقابات العُمال، عن الموقف المصري.
في تلك الجلسة، حسبما أورد تقرير دار الخدمات النقابية الذي حصلت "المنصّة" على نسخة منه، نقلًا عن ممثلته في الاجتماع رحمة رفعت، وجه مندوبو ألمانيا وإيطاليا والاتحاد الدولي للنقل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل في المغرب، انتقادات لمصر بسبب "الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة بحق العمال".
اقرأ أيضًا: مشروع قانون "المنظمات النقابية".. المعارضون يرفعون الجدال للسيسي
وفي جنيف، أثارت رفعت أمر مشروع قانون التنظيمات النقابية، إذ أعربت عن قلقها الشديد تجاهه ﻷنه "يقمع الحق في حرية التنظيم، ويفرض نموذجًا للنقابات العمالية مطابقًا للاتحاد العام الرسمي، ويعزز تدخل الدولة بواسطة وسائل قانونية تتناقض والمبادئ التي تتضمنها المادتان 2 و11 من الاتفاقية رقم 87 بشأن الحُرية النقابية وحق التنظيم النقابي.
وكان من أسباب رفض مشروع القانون، التي ساقتها رفعت أمام الاجتماع الدولي، أنه "يفرض نموذجًا للنقابات العمالية مطابقًا للاتحاد العام الرسمي؛ ويوحد الحركة النقابية ويعزز تدخل الدولة في أعمالها"، بالمخالفة للدستور والمعاهدات الدولية.
يكفل الدستور الحق في التنظيم النقابي بموجب مادتيه 67 و77.
وقالت ممثلة دار الخدمات النقابية في الاجتماع الدولي، إن الحكومة "التفت عن أحكام قضائية واجبة النفاذ (بشأن الحرية النقابية والحق في التنظيم النقابي) وعن النص الدستوري" واختارت الاستناد إلى رأي استشاري لمجلس الدولة صادر من قسمي الفتوى والتشريع في ديسمبر/ كانون الأول 2016، ينص على "عدم مشروعية تلقي وزارة القوى العاملة أوراق النقابات المستقلة" واستغلته كمسوغ "للهجوم على النقابات المستقلة بشكل واسع".
انتهاكات بلا احتجاجات
شهد العام 2017 تحركات ضد العُمال على مستويات مختلفة، بين الإدارية بقرارات الفصل أو النقل التعسفيين وبين القانونية بإصدار ذلك التشريع الذي رآه المعنيون "يحدّ من الحرية النقابية" وبين الأمنية بإلقاء القبض على من يحاول بين العُمال اللجوء للمسار الاحتجاجي، حسبما وثّق تقرير دار الخدمات النقابية، وكذلك المعهد المصري للدراسات في تقرير له عن ختام ذلك العام.
يتفق مع ما ورد في التقريرين، المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مُحمد عيسى، الذي لفت النظر إلى جانب آخر يتعلق بـ2017، العام الأول بعد قرار تحرير سعر الصرف "تعويم الجنيه"، المُطبّق منذ أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وسبب ارتفاعًا في الأسعار وتكلفة الإنتاج خاصة بالنسبة للشركات المتوسطة؛ ما ترتب عليه وجود إجراءات لتقليص العمالة بشكل كبير دون تحرك احتجاجي في أغلب الحالات، على حد قوله.
لا توجد إحصائية موثقّة حول العمالة المُسرّحة كردّ فعل تقشفي من الشركات والمصانع أمام التعويم، ساهم في غيابها ضيق المُناخ العام أمام العمل الحقوقي، على حد وصف عيسى، الذي أشار إلى أن اﻷوضاع الأمنية ووجود قانون التظاهر بجانب إحالة عُمال إلى نيابات ومحاكم أمن الدولة جرّاء احتجاجهم، كما في حالة عُمال النقل العام، ساهم في الحد من الحراكات الاحتجاجية أمام الانتهاكات والإجراءات التعسفية، خشية العواقب التي قد تصل للمحاكمات العسكرية.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسي أصدر قرارًا جمهوريًا بقانون يحمل رقم 136 لسنة 2014 بشأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية، والذي يقضي بمشاركة الجيش للشرطة في حماية تلك المنشآت، وقرر عام 2016 مدّ العمل به بعد أن كانت مدته سنتين فقط من تاريخ إقراره.
اقرأ أيضًا: ناجي رشاد.. عامل المطاحن يخوض معركة بقاء
وبحسب المحامي بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن هذا القانون يفتح الباب أمام المحاكمات العسكرية للعمال بالمصانع والشركات المملوكة للدولة، وذلك في حالة اعتبار احتجاجهم تعديًا على تلك المنشآت.
يدعم طرح عيسى، بيان صادر عن منظمة العفو الدولية مطلع مايو/آيار 2017 بمناسبة عيد العُمال، انتقد حالات "إلقاء القبض على عشرات العُمال والنقابيين في مصر، واحتجازهم او فصلهم من عملهم أو إخضاعهم لمحاكمات عسكرية؛ لمجرد أنهم مارسوا حقهم في التعبير وتكوين الجمعيات وحرية التجمع".
وبجانب المطالبة المتواصلة بإلغاء قانون التظاهر وفتح المجال العام، اختتم عيسى بمطالبة المُشرّع بتعديل قانون العمل، موضحًا أنه بصورته الحالية مُنحاز لأرباب العمل لا سيما في إجراءات الفصل وبخاصة للعمالة المؤقتة؛ ما يستدعي تعديل نصوصه بصورة تضمن حقوق العمال.