بينما تستعد بسمة محمود* للذهاب إلى ورديتها في مستشفى خاص بالجيزة، وحسن سعيد* ينهي ورديته بمصنع للغزل في المحلة الكبرى، كانت الأخبار تتحدث عن توجيه رئاسي بزيادة الحد الأدنى للدخل من 3500 إلى 4 آلاف جنيه، ضمن سلسلة من الإجراءات "للتخفيف عن كاهل المصريين"، إلا أن بسمة وحسن لن يستفيدا بأي من هذه الإجراءات.
يعمل حسن منذ 9 سنوات في مصنع الجمال للغزل، وهو واحد من بين 300 عامل بالمصنع، ويحصل على 3800 جنيه، في حين يعمل 200 شخص بالمصنع دون عقود، وهو وضع مشابه لحال بسمة التي تعمل بنظام الورديات في مستشفى الإمام علي، شريطة ألا يزيد إجمالي أيام عملها عن 17 وردية شهريًا، مقابل 100 جنيه في الوردية الواحدة، أي ما يعادل 1700 جنيه شهريًا.
يأتي ذلك رغم أن قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 يُعرف العامل بأنه "كل شخص طبيعي يعمل لقاء أجر لدى صاحب عمل وتحت إدارته أو إشرافه"، ويُعد حسن من العاملين في القطاع الخاص، البالغ عددهم نحو 22 مليون شخص، وفق بحث الدخل الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2022، أما بسمة فمن العمالة غير الرسمية، والتي يقدّر البنك الدولي نسبتها في مصر بـ 62.5% من إجمالي قوة العمل.
تقول بسمة لـ المنصة "حاولت كتير رفع أجر الوردية؛ أو حتى الشغل أكثر من 17 وردية لكن الإدارة بترفض". تشير إلى أنها لا تمتلك أي غطاء تأميني ولا اجتماعي، وإذا تركت العمل في أي وقت لن يكون لها أي حقوق، فيما ينص قانون العمل أن صاحب العمل مُلزم بالتأمين الاجتماعي.
تعمل بسمة في مستشفى خاص منذ أربع سنوات، وارتفع أجر الشيفت فيها من 70 إلى 100 جنيه، موضحة أنها مطلقة وتعول طفلتها، وتقيم مع والدتها وشقيقتها، التي تعمل في محل ملابس، وراتبها بالإكراميات يصل لـ 3500 جنيه "مرتب أختي هو اللي بيشيلنا، لأن مرتبي مبيكفيش، كل حاجة بقت غالية مش عارفة لما بنتي تكبر هعمل إيه في المدارس" تقول بسمة.
وضع بسمة لا يختلف كثيرًا عن العاملين في التمريض، ففي جولة لـ المنصة على أربعة مستشفيات خاصة، وهي المقطم التخصصي، وابن سينا، والأندلسية، والسعودي الألماني، وجدنا تفاوتًا في الرواتب، فبعض المستشفيات تمنح موظفيها أجورًا تتجاوز الحد الأدنى؛ بينما آخرون رواتبهم أقل.
ففي أحد المستشفيات وصل راتب التمريض إلى نحو ستة آلاف جنيه، بينما يحصل العامل على أربعة آلاف، في حين لم يتجاوز راتب إبراهيم صفوت* مساعد تمريض، 2040 جنيه، إذ يبلغ سعر الشيفت 120 جنيهًا بمتوسط 17 إلى 22 شيفتًا شهريًا.
هنا، يقول هشام بدوي، مسؤول المكتب الإعلامي بوزارة الصحة لـ المنصة، إن مسؤولية الوزارة هي إصدار تراخيص المستشفيات الخاصة، ومراقبتها من خلال إدارة العلاج الحر ولا علاقة لها بالمرتبات أو تحديدها، وهو ما أكده مصدر بالإدارة "تقتصر مسؤوليتنا على تطبيق الاشتراطات، دون أي صلاحيات على المرتبات".
ممثلو أصحاب الأعمال كان لهم رأي آخر، يقول عبد الغني الأباصيري، نائب رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات، لـ المنصة إن العاملين في القطاع الخاص يحصلون على رواتب تفوق الحد الأدنى، "أقل عامل بالقطاع بياخد 5 آلاف جنيه"، لكن الأباصيري يُفرق بين العامل المُدرب والعامل المتدرب.
"مش من المنطقي حصول المتدرب على حد أدنى للأجور والمصنع بيدربه. المصنع بيصرف عليه وبيكون عبء على المنشأة". في وقت يُشير محمد عبد السلام، رئيس غرفة الملابس باتحاد الصناعات لـ المنصة، إلى أن 95% من العاملين في قطاع الملابس لا تقل أجورهم عن أربعة آلاف جنيه، لكنه يعود ويؤكد أن "الحد الأدنى للأجور لا يُطبق على جميع المصانع. كل مصنع حسب وضعه المالي".
محرومون من الحد الأدنى
في قطاع السياحة، يرى أحمد بكري، رئيس شركة سياحة، أن رفع الحد الأدنى للأجور يجب أن يقابله انخفاض في الضرائب والتأمينات والرسوم، فـ"متوسط الرواتب منخفض منذ أزمة كورونا، ويتراوح بين 2800 أو 3200 جنيه"، مبررًا ذلك بالأعباء المالية على الشركات.
أما في قطاع الإنشاءات، فغالبية العمالة غير رسمية؛ وتحصل على أجر باليومية من 100 إلى 200 جنيه، بينما المعيَّنون في الشركات تصل رواتبهم إلى نحو 4500 جنيه، وفقًا لما أكده هاني عزوز، رئيس شركة إنشاءات، لـ المنصة، مشيرًا إلى أن عمال اليومية بالمواقع الهندسية الكبيرة مثل العاصمة الإدارية، والمشروعات الكبرى "يوميتهم 500 جنيه". لكنّ أحمد الصاوي عامل نظافة بشركة إنشاءات يؤكد أن راتبه "ما بيوصلش 3000".
كذلك قال مسؤول الموارد البشرية بشركة نقل جماعي تعمل في القاهرة، رفض ذكر اسمه، إن الشركة تتعامل مع سائقيها بمرتب ثابت 500 جنيه للسائق، و20% من إجمالي إيرادات الوردية، يحصل على 10% منها والباقي نهاية الشهر، لضمان تحقيق أعلى إيراد يومي.
ولفت إلى أن باقي العاملين بالشركة تتراوح أجورهم بين ألفين وثلاثة آلاف جنيه، لفترة عمل 8 ساعات يوميًا، و"ليس في مقدور الشركة تحريك المرتبات بنفس معدلات التضخم، لأن هناك التزامات أخرى عليها"، يقول مسؤول الموارد البشرية.
وأردف بأن شركات النقل الجماعي تتحمل أعباءً لا تمكنها من صرف مرتبات مطابقة للحد الأدنى للأجور، بينها رسوم استغلال المسارات المقدرة بحوالي 10 آلاف جنيه تدفعها شهريًا عن كل أوتوبيس، منوهًا بأن عددًا من الشركات طالبت جهاز تنظيم النقل البري الإعفاء من الرسوم، لكنه رفض.
وأرجع مصدر مسؤول بالجهاز التابع لوزارة النقل، سبب رفض الطلب لـ المنصة، إلى "توجيه الجهاز الحصيلة المالية لصيانة الطرق والمحطات لتقديم خدمة مناسبة للمواطنين".
"مجرد كلام"
تصريحات ممثلي أصحاب الأعمال يراها حسن مراوغةً، لافتًا إلى أن الزيادة التي يُعلن عنها المجلس القومي للأجور لا تطبق على أرض الواقع، "صاحب المصنع بيعتبر إن التأمين الصحي مثلًا جزء من المرتب، يعني ممكن يبقى على الورق 3500 جنيه وباخد في أيدي 3000"، مضيفًا "من الآخر طالما مفيش حد بيراقب صاحب المصنع بيتعامل على إنه ملوش كبير".
النقطة التي أشار إليها حسن بشأن مراقبة الالتزام بالحد الأدنى، أثارها كمال عباس، المنسق العام لدار الخدمات النقابية في حديثه مع المنصة، وقال إن الأزمة ليست في القرارات وإنما في تنفيذها "لا توجد آلية لإلزام رجال الأعمال". واتهم عباس بعض رجال الأعمال بالإعلان عن التزام بالحد اﻷدنى "نفاقًا" أو "خوفًا"، وفي الواقع "يتلاعبون في تعريف اﻷجر".
وقال عباس إن الحقوق الأولية لأي عامل في أي منشأة "ثلاثة حقوق، وتعتبر المدخل لأي حق بعد ذلك؛ أولها وأهمها الحد الأدنى، ثم تحديد ساعات العمل، وإلزام المنشأة بالتأمين، بعد هذه الحقوق يُمكن البناء على أي مطالب أخرى".
ويُشير عباس إلى أن سبب أزمة القطاع الخاص؛ هو غياب النقابات التي تمثل العمال تمثيلًا حقيقيًا، فـ"صاحب العمل يعارض إنشاء النقابات، والحكومة تُعرقلها إلا إذا انضمت إلى الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، وإذا حدث فغالبًا لن يكون لها أي دور حقيقي في الدفاع عن العمال"، مشددًا على أن إعلان الرئيس "مجرد دعاية لن تنفذ على الأرض".
من يملك مراقبة التطبيق
مجدي بدوي، عضو المجلس القومي للأجور، قال لـ المنصة إن المجلس من المقرر أن يعقد اجتماعًا نهاية العام الجاري لإقرار الحد الأدنى للأجور الجديد الذي أعلنه السيسي مؤخرًا، لافتًا إلى أنه "كان من المقرر أن يناقش الاجتماع زيادة الحد الأدنى إلى 3500 جنيه، وبعد إعلان الرئيس سنناقش زيادته 4000 جنيه".
وأوضح بدوي سبب تأخير الاجتماع بأن وضع موازنة القطاع الخاص يختلف عن موازنة القطاع الحكومي، إذ توضع موازنة القطاع الخاص في يناير/كانون الثاني، بينما الحكومي في يوليو/تموز.
ولفت بدوي إلى أنه لا توجد في الحقيقة سلطة على أصحاب الأعمال لتطبيق الحد الأدنى للأجور؛ سوى كتاب دوري أصدره وزير القوى العاملة الأسبق، محمد سعفان، اعتبر أن الحد الأدنى للأجور أحد أدوات الأجر ويُطبق عليه.
وفي حال مخالفته يُعاقَب صاحب العمل بغرامة ما بين 100 إلى 500 جنيه بعدد العمال، وفي حال تكرار المخالفة تضاعف العقوبة، بحسب بدوي. وهو ما يراه عباس "عقوبة لا تردع خاصة في غياب الآلية التي يطبق بها التفتيش على أصحاب الأعمال"، وهو رأي نقيب العاملين في القطاع الخاص شعبان خليفة.
وأوضح خليفة لـ المنصة أن عمال القطاع الخاص لم يستفيدوا من قرارين رئاسيين، أولهما صدر في مارس/آذار الماضي، والثاني قبل أيام، بسبب عدم اجتماع المجلس القومي للأجور منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، "واستفادوا بس من رفع حد الإعفاء الضريبي من 3000 لـ3800 جنيه شهريًا".
حسن وبسمة يأملان في وجود آلية محددة لإلزام أرباب العمل بتطبيق الحد الأدنى للأجور دون تلاعب؛ لأن "الدنيا بقت صعبة ومش قادرين نعيش" تقول بسمة.
* اسم مستعار بناءً على طلب المصدر.