تتنوع الأمراض النفسية التي قد يصاب بها أي شخص، بعضها كالاكتئاب، شائع وأعراضه معروفة بين غير المتخصصين، وبعضها الآخر لا يحيط بالمعلومات المتعلقة بأعراضه وطرق علاجه سوى المتخصصين.
وإذا كانت أكبر مساعدة يمكن تقديمها لأي مريض نفسي هي التخفيف عنه وإقناعه بالتوجه إلى متخصص، فإنه من المهم أن تتوفر لدى غير المتخصصين القدرة على التمييز بين الطباع والسلوكيات والميول المختلفة والمتنوعة، وتلك التي تندرج كأعراض لمرض نفسي.
والإصابة بمرض نفسي لا تعني بداية النهاية كما يتصور البعض، فمعظم الأمراض النفسية علاجها ممكن، ولكن الخطوة الأولى هي إدراك المريض ومحيطه الاجتماعي بأن هناك أعراض مرض نفسي، وهنا نستعرض بعض الأمراض النفسية غير المعروفة والتي لا يعتبر الوعي بها كبيرًا.
اضطراب الشخصية الحدية
هناك العديد من الأمراض المتعلقة بالاضطرابات الشخصية، ومن بينها "اضطراب الشخصية الحدية" أو "اضطراب الشخصية غير المستقرة عاطفيًا"، ويعاني صاحبه من عدم استقرار عاطفي وتقلبات مزاجية حادة بين السعادة والنشاط، ثم الاكتئاب والخمول والميل إلى العزلة.
ويشعر المصاب بهذا المرض بأنه شخص عديم القيمة، وأحيانًا يعتبر نفسه فاسدًا أو شريرًا، وتضطرب علاقاته بمن حوله بالرغم من أنه يرغب في إقامة علاقات سوية، لكنه يجد صعوبة في ذلك، كما تصل الصعوبات التي يواجهها إلى عمله، وتوجهه الجنسي كذلك.
وأبرز ما يجعل علاقة المريض بمن حوله سيئة ومتوترة هو تقلب مزاجه بشكل مستمر وسريع، فمن الممكن أن يحب شخصًا بشدة، وسرعان ما تتحول تلك المشاعر للكراهية لأبسط الأسباب.
كما تصل الأعراض لميول انتحارية وهلاوس سمعية وبصرية.
منظمة الصحة العالمية قالت إن علاج إضطراب الشخصية الحدية له شق نفسي وآخر عبر العقاقير الطبية. يستند الأول على أهمية إكساب المريض مهارات التعامل مع مشاعره، أما العقاقير الطبية فيكون أغلبها مضادات للاكتئاب، وهناك حالات تتطلب دخول المريض إلى مستشفى لتلقي علاج يشرف عليه معالجين مختصين.
تشرح إحدى المصابات بالمرض لـ"المنصة"، وقد فضلت عدم ذكر اسمها، الأعراض التي تواجهها "مخنوقة ومبسوطة وزعلانة، بحس كل الأحاسيس إيجابية وسلبية في نفس الوقت، ببقى مبسوطة وكويسة وفجأة أزعل وأكتئب من غير سبب واضح وأبقى مش طايقة الدنيا، ساعات بفضل أوقات كتيرة جدًا أسأل نفسي أنا مين وفين وبعمل إيه، الخلاصة مش لاقية هدف أعيش علشانه".
أسباب الإضطرابات النفسية دائما ما تكون معقدة إلا أن العديد من الأبحاث أجمعت على وجودة صدمة نفسية أو تجارب سيئة مر بها المصاب في خلال طفولته، كما أنه من الممكن انتقال المرض وراثيًا. ففي هولندا أجريت دراسة على مجموعة توائم خلصت إلى أن 42% من التغيرات الحدية لدي الأبناء ترجع لعوامل وراثية ونسبة 58% ترجع لعوامل بيئية.
ينصح دومًا غير المتخصصين بالتعامل مع مرضي اضطراب الشخصية الحدية بنوع من الحذر الشديد والابتعاد عن الجدل أو تقديم النصح، كما قال الدكتور أحمد حمدي أخصائي الطب النفسي، الذي أكد لـ"المنصة" أن الضغط على المريض قد يؤدي به لإيذاء نفسه، كما أن الاستماع إليهم منحهم فرصة للتعبير بحرية عن أنفسهم يعد من أفضل طرق احتوائهم.
السينما كذلك تناولت أمراض نفسية عدة ومنها اضطراب الشخصية الحدية كماء جاء بفيلم "We Need to Talk About Kevin" المقتبس عن رواية ليونل شريفر وتدور أحداثه حول أم تحاول التصالح مع نجلها المصاب بهذا المرض وتطرق الفيلم أيضًا لكيفيه تأثير هذا المرض على المحيطين والمقربين بالمصاب.
الانعزال الإجتماعي
الانعزال الاجتماعي هو أحد الأمراض التي قد تهدد حياة المصاب به، وتعتبره منظمة الصحة العالمية أشد خطورة من مرض البدانة ويماثل مخاطر التدخين.
والانعزال الاجتماعي هو حالة تصيب الدماغ البشري وتؤثر على العمليات الحيوية فيه، وتبدأ بشعور الفرد بعدم الارتياح داخل مجتمعه حتى تصل للانسحاب من المجتمع والابتعاد عنه، وتصاحبه أعراض مثل القلق والعدوانية بشكل مستمر، حتى لو بقي الشخص بمفرده، إضافة إلى التعب المستمر أثناء ساعات النهار والنوم المتقطع وتجنب الآخرين وعدم القدرة على التواصل معهم وصولًا للتدهور المعرفي الأمر الذي يظهر بشدة في الأعمار المتقدمة على المدى البعيد.
الأطباء يصنفون العزلة لنوعين النوع الأول "العزلة الدائمة" وهي تصيب الإنسان من الصغر وتستمر معه للكبر وهنا تجبره على البقاء بمفرده وتجنب الآخرين، أما النوع الثاني "العزلة الاختيارية" وهي التي يلجأ إليها الإنسان عقب تعرضه لصدمة يقرر إثرها الانعزال عن الجميع.
وحتى الآن لايوجد علاج دوائي لهذا المرض بل يعمل المختصون على إيجاد الطريقة المثلى لعلاج هذا المرض.
وترى الاستشارية النفسية نادية نصير أن الانعزال الإجتماعي من الممكن أن يبدأ إراديًا فيختار الشخص الإنعزال عن الأهل أو الأصدقاء ويصل لبقائه في المنزل لفترات طويلة حتى تصل لعزلة لا إرادية بسبب الوقت الطويل الذي يقضيه الشخص بمفرده، ولا يصبح أمامه سوى هاتفه المحمول فيمسك به طيله الوقت دون انقطاع ويخلق لنفسه عالمًا افتراضيًا على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت ولا يتعامل مع الآخرين نهائيًا.
الفصام
جسد الفنان أحمد حلمي بفيلم "أسف علي الإزعاج" شخصية مريض "الفصام" عن قصة العالم جون ناش الحائز على جائزة نوبل والذي كان مصابا بالفصام.
يري الدكتور محمد سامي الشعراوي أخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان بمستشفي العباسية أن معظم الأمراض النفسية غير معروفة او واضحة للإنسان كما أن هنك معلومات مغلوطة يتداولها الجميع فمثلًا مرض الفصام يعرفة الكثير بأنه تقمص الفرد لشخصيتين ولكن هو بعيد عن هذا الأمر تمامًا.
ومن أعراض الفصام إصابة الشخص بالهلاوس والتي تعتبر ضمن الإطار الإيجابي للمرض ومن الممكن أن يصل المريض للجانب السلبي حيث يصاب بحالة من عدم الاهتمام تصل إلى إهمال نظافته الشخصية وطعامه وشرابه، وعدم ترابط أفكاره واللعثمة، ولكن عند خضوع المريض لعلاج من العقاقير الطبية علي رأسها مضادات الذهان تتحسن حالته بشكل ملحوظ.
وأوضح الشعراوي أن الفصام يعد من أكثر الأمراض النفسية انتشارًا، وهناك حالات تتطلب علاجًا مستمر حتى بعد التعافي واختفاء الأعراض وهو الأمر الذي يحدده الطبيب المعالج.
وللفصام أسباب بيولوجية تتعلق بخلل في بيئة الدماغ، وهو أمر قد يكون متوارثًا، لذا يحدد الطبيب النفسي هذا المرض بعد عدة مقابلات مع المريض ومتابعته للتشخيص السليم.
يحتاج المصابون بالفصام لشكل من أشكال التشجيع والدعم لممارسة الحياة اليومية بشكل أفضل كما يري الشعراوي، وينبغي مساعدة المريض على فهم مرضه بطريقة سهلة ومبسطة من خلال القراءة عنه مثلا وخلق دافع قوي لدى المريض لتخطي تلك الأزمة والعودة لحياته الطبيعية.
اضطراب القلق الإجتماعي
لا يعني اضطراب القلق الاجتماعي الخجل أو الانطواء المتعارف عليه بل يمتد للخوف من المجتمع ككل؛ من التعامل معه أو الاحتكاك به.
المنظمة الأمريكية لأمراض القلق أو الاكتئاب قالت إن هذا المرض يبدأ من سن الـ13 ويستمر حتى البلوغ، وتتمثل أعراضه في الخوف الشديد عند الوجود في تجمع عائلي أو مقابلة شخص جديد والخوف من ردود أفعالهم التي قد تسبب القلق للأخرين.
كما يشعر المصابون باضطراب القلق الاجتماعي بالخوف الشديد من الرفض، فيخافون أن يرفضهم الأخرين فيبتعدون دائمًا عن المواقف التي تتطلب التجمعات لأن مصيرها غير معلوم بالنسبة لهم.
عادة ما يلجأ المصابون بالمرض لقلة من الأشخاص يحصلون على ثقتهم فمن الممكن أن يتحدثون أمامهم بدون خوف كما يعاني المريض بالرهاب من تناول الطعام في الأماكن العامة أو استخدام الهاتف أمام الآخرين.
المساعدة الطبية هي الحل والعلاج لهذا المرض، من مضادات معينة للخوف والتي تعمل علي توفير حالة من الهدوء والاسترخاء بالإضافة لجلسات علاجية بين المريض والمصاب.
المجتمعات التي يسودها التحفظ وطغيان السلطة الأبوية تفرز مصابين عدة بهذا المرض وبرغم تصنيف الأطباء لاضطراب القلق الاجتماعي بأنه مرض تحت السيطرة، إلا أن الكثير من الدراسات تحذر من تعقد حالة المريض عند الإهمال في العلاج وفي المقدمة العلاج السلوكي الذي يعمل علي تصحيح نظرة المريض لنفسه وللناس وإقحامه داخل العالم الذي يخاف منه.