
"خطة ترامب من أجل غزة".. مجبرون على قبول المتاح
يكشف تسارعُ الترحيب الدولي والعربي بخطة السلام في غزة التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الاثنين، عن محدوديةٍ للخيارات المطروحة أمام الأطراف الفاعلة في القضية، فيما لا يعتبر دبلوماسيان تحدثا لـ المنصة هذا الترحيب موافقة على كل بنود الخطة، وأن الهدف الأساسي منه هو تشجيع ترامب على ممارسة دور فاعل لوقف الحرب على غزة.
وأعلِنت الخطة خلال استقبال ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، الاثنين، وتضمنت 20 بندًا، بعضها يمكن اعتباره بنودًا متفقًا عليها عربيًا ودوليًا كوقف الحرب فورًا، وعدم إجبار سكان القطاع على الهجرة منه، وإرسال المساعدات بشكل كافٍ إلى القطاع، وإعادة تأهيل البنية التحتية والمستشفيات والمخابز وإدخال المعدات اللازمة لإزالة الأنقاض وفتح الطرق.
وقال ترامب، خلال مؤتمر صحفي مشترك، إن الخطة حظيت بدعم دول عربية وإسلامية، إلى جانب مشاركة أوروبية في المفاوضات، متوقعًا "ردًا إيجابيًا" من حركة حماس.
ترحيب عربي ودولي
تباينت المواقف تجاه الإعلان الأمريكي؛ إذ قوبلت الخطة بترحيب فوري من دول غربية وعربية وإسلامية ومنظمات دولية، ودعمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لكنها واجهت تحفظات ورفضًا من حركات المقاومة، بينها حركة الجهاد الإسلامي، التي اعتبرتها "وصفة لتفجير المنطقة".
وفي بيان مشترك رحب وزراء خارجية مصر والأردن والإمارات وإندونيسيا وباكستان وتركيا والسعودية وقطر بمقترح ترامب "الذي يتضمن إنهاء الحرب، وإعادة إعمار غزة، ومنع تهجير الشعب الفلسطيني، ودفع عجلة السلام الشامل، وكذلك إعلانه بأنه لن يسمح بضم الضفة الغربية".
رحب البيان كذلك بما أسماه "الدور القيادي" لترامب، و"جهوده الصادقة" لإنهاء الحرب في غزة، مؤكدين "استعدادهم للتعاون بشكل إيجابي وبنّاء مع الولايات المتحدة والأطراف المعنية لإتمام الاتفاق وضمان تنفيذه، بما يضمن السلام والأمن والاستقرار لشعوب المنطقة".
إملاءات المنتصر للمهزوم
يصف اللواء محمد عبد الواحد، خبير الأمن الإقليمي والعلاقات الدولية، الخطة، في حديثه لـ المنصة، بأنها "إملاءات من منتصر إلى مهزوم"، وليست خطة سلام حقيقية، وتتجاهل الحقوق الفلسطينية، مبديًا استغرابه من ترحيب الدول العربية والإسلامية رغم كونها "خطة غامضة ومليئة بالثغرات وغير مفصلة"، لكنه لا يستبعد أن "تهديدات بعمليات تصعيد كبيرة" سبقت الخطة.
فيما يعتبر السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن ما أعلِن من ترحيب بالخطة لا يتعدى كونه "مجرد ترحيب مبدئي، حتى لا تكون هناك عملية صد من البداية"، ويلفت لـ المنصة إلى أنه من المتوقع أن تجري نقاشات حول تفاصيل الخطة خلال مفاوضات، "لأن الخطة فيها بنود بحاجة للمراجعة".
ستُحكم غزة بموجب حكم انتقالي مؤقت بلجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية
يشير رخا أيضًا إلى أن هذا الترحيب هدفه الأساسي "وقف الإبادة الجماعية والتدمير الممنهج الوحشي، ورحمة لشعب فلسطين، الذي يتم تهجيره كل فترة من مكان إلى آخر، وهي جميعها أماكن غير مؤهلة إطلاقًا لمعيشة البشر".
بدوره يصف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس أيمن الرقب، الخطة، بأنها انقلاب عملي على الانتفاضة الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ويؤكد لـ المنصة أن "ما يثير القلق من الخطة المعلنة هي مجموعة البنود التي تتعلق بإدارة القطاع أمنيًا وإداريًا"، موضحًا أن البند التاسع ينص على إنشاء "مجلس السلام"، وهو عبارة عن هيئة انتقالية دولية جديدة يرأسها ترامب، مع أعضاء آخرين ورؤساء دول سيتم الإعلان عنهم، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق توني بلير.
وفقًا لهذا البند ستُحكم غزة بموجب حكم انتقالي مؤقت بلجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية، مسؤولة عن تقديم الخدمات العامة والبلديات اليومية لسكان غزة، وستتكون هذه اللجنة من فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين، تحت إشراف المجلس.
برأي السفير رخا، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، فإن الخطورة الأكبر تكمن في تولي ترامب رئاسة الهيئة التي ستدير غزة، "لأنه بذلك سيحقق ما أراد بالسيطرة على القطاع وإعادة إعماره بالصورة التى سبق وخطط لها بغض النظر عن احتياجات السكان"، مضيفًا أن الخطة المعلنة مليئة بالألغام الخطيرة، إذ وفقًا لها سيعمل ترامب على "صياغة غزة بالصورة اللي كان هو بيقول عليها. والله أعلم هل هتعود إلى الفلسطينيين أم لا"، مشيرًا إلى عدم وجود نص في الخطة على ربط تنمية وإعادة الإعمار في غزة بالضفة الغربية.
يتفق الرقب في وصف مقترح ترامب بأنه "خطة إذعان" تحقق أهداف نتنياهو الخمسة التي تحدث عنها؛ غزة خالية من السلاح، تجريد سلاح حماس، حماس لن تكون في الحكم في غزة، سيطرة أمنية إسرائيلية على قطاع غزة، وحكم في غزة ليس تابعًا للسلطة ولا لحماس وهو تابع لعميل موالٍ للاحتلال الإسرائيلي، لافتًا إلى أن "هذا ما كان يريده الاحتلال وقد تحقق بشكل كامل".
المفارقة التي يرصدها الخبراء الذين تحدثوا مع المنصة هي تولي رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير عضوية مجلس السلام الذي سيدير غزة. وبينما يصف مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير جمال بيومي، بلير، في حديث مع المنصة بأنه "دلدول أمريكا"، مذكرًا بموقفه في عام 2003 بمشاركة أمريكا في الحرب على العراق، يشير السفير رخا إلى أنه رفض أكثر من مرة الاعتذار عن مشاركة بلاده في الحرب على العراق.
فصل غزة
أكد نتنياهو في المؤتمر الصحفي أن إسرائيل "ستحتفظ بالمسؤولية عن الأمن" في القطاع بموجب الخطة الأمريكية، وحسب البند 16 سيسلم الجيش الإسرائيلي تدريجيًا أراضي غزة التي يحتلها لقوات الأمن الإسرائيلية وفقًا لاتفاقية يُبرمها مع السلطة الانتقالية حتى ينسحب بشكل كامل من غزة، باستثناء وجود محيط أمني سيبقى حتى يتم تأمين غزة بشكل كامل من أي تهديد إرهابي متجدد.
وهو ما يفسره الرقب بأنها خطة واضحة لفصل غزة بشكل كامل عن الضفة الغربية، متوقعًا أن يذهب "الاحتلال والأمريكان إلى إنشاء ميليشيات شبيهة بالتي يقودها ياسر أبو شباب التي أنشئت في رفح لتقود الوضع المستقبلي".
يوضح أن الانسحابات الإسرائيلية حسب الخارطة "مجرد انسحابات تدريجية تبقي إسرائيل في عمق كبير جدًا في منطقة خان يونس ورفح"، بالتالي سيبقى لإسرائيل نفوذ أمني على مساحات كبيرة، مستدركًا "صحيح قيل إنها لن تبني بها مستوطنات ولكنها تقضم من مساحة قطاع غزة بالمتوسط الثلث، بالتالي تحصر الكتلة السكانية في هذه المنطقة الصغيرة".
هذا التغيير سيحول غزة إلى بيئة طاردة، بالتالي قد يتقلص عدد سكانها بشكل طبيعي، عن طريق مغادرتها، وهو ما يعتبره الخبير الأمني محمد عبد الواحد أخطر ما في الخطة، كونها "تتحدث عن بقاء الراغبين في غزة ورحيل غير الراغبين"، معتبرًا أنه إشارة خطيرة لإمكانية استمرار العمل على جعل غزة بيئة غير صالحة للحياة لإجبار أهلها على الرحيل".
ولم تنص الخطة بشكل واضح على إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 4 يونيو/حزيران 1967، وجاء ذكرها في الخطة بالبند قبل الأخير بالنص على أنه "مع تقدم إعادة إعمار غزة، ومع تطبيق برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بأمانة، قد تتهيأ الظروف أخيرًا لمسار موثوق نحو تقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة، وهو ما ندرك أنه طموح الشعب الفلسطيني".
قوة دولية
وفقًا للبند 15 ستعمل الولايات المتحدة مع الشركاء العرب والدوليين على إنشاء قوة استقرار دولية مؤقتة (ISF) للانتشار الفوري في غزة، هذه القوة ستدرب قوات الشرطة الفلسطينية في غزة، وستتشاور مع الأردن ومصر اللتين تتمتعان بخبرة واسعة في هذا المجال، وستكون هذه القوة الحل الأمني الداخلي طويل الأمد.
وهو ما يحذّر منه عبد الواحد، مشيرًا إلى أن هذا البند يهدف إلى تدويل القضية عبر اقتراح إنشاء "قوة دولية" دون تحديد مهامها أو مرجعيتها، متسائلًا "هل هي قوات مراقبة، أم حفظ سلام، أم فرض سلام؟"، ومحذرًا في الوقت نفسه من إسناد هذه المهام لقوات عربية، وأنها "ستكون بمثابة قوات مساعدة لإسرائيل في تنفيذ مهامها، وتؤدي إلى تحميل المنطقة العربية عبء ما حدث من انتهاكات على مدار الحرب".
ما أعلنه ترامب بالفعل من خلال ما أسماه خطته للسلام لم يُقدَّم بوصفه مشروعًا لإنهاء الحرب والتوصل لصيغة اتفاق، لكنها وُضع باعتباره الخيار الوحيد المتاح أمام الجميع؛ ليست مشروع اتفاقية للمناقشة، لكن خطة حدد فيها رئيس أمريكا دور كل طرف، وحدَّد أيضًا الأطراف التي ستُحرم من أي أدوار ولن يكون لها مكان في الخريطة التي يرسمها.