تصميم أحمد بلال، المنصة، 2025
حادث طريق الواحات الذي أُصيب فيه 3 فتيات، أغسطس 2025

حادث "الواحات" في الإعلام.. البحث عن فضيحة في أجساد الضحايا

منشور الأربعاء 3 أيلول/سبتمبر 2025

في الثالث عشر من أغسطس/آب الماضي انتشر مقطع فيديو على السوشيال ميديا لحادث مروري على طريق الواحات في مدينة السادس من أكتوبر؛ ثلاث فتيات يقدن سيارة ويصطدمن بشاحنة بسبب مطاردة 3 شباب بـ3 سيارات لهن.

أثار الحادث موجةً من الغضب بين متابعي السوشيال ميديا، وعقب تلقيها بلاغًا ألقت وزارة الداخلية القبض على المتهمين، وبدأت الصحافة والإعلام في تداول القصص حول الواقعة.

ما لفت الانتباه مسارعة بعض المنصات إلى نشر صور الفتيات وأسمائهن كاملة، بينما أخفت صور المتهمين واكتفت بما نشرته وزارة الداخلية في بياناتها بوجوههم المخفية، مع الإشارة إلى معلومات عن دراستهم كأنها وسام يُضاف لسيرتهم.

لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل أتاحت وسائل إعلام مساحة لذوي المتهمين، الذين حمّلوا الناجيات جزءًا من المسؤولية، متحدثين عن تبادل نظرات ونزول الفتيات في وقت مبكر (السابعة صباحًا) لشرب القهوة في كافيه في محاولة للتشكيك في سلوكهن.

ومع اتساع الجدل، انتقل الخطاب العام للحديث عن كُليات المتهمين وماركات سياراتهم ومستواهم الاقتصادي، كأن الانتماء لطبقة اجتماعية أعلى قد يمنحهم حصانة من الاتهام.

هي والفعل الفاضح

تحولت الضحايا ضمن كثير من التغطيات إلى متهمات؛ في أخلاقهن وفي سلوكهن، وانحرفت البوصلة من الجريمة الأصلية المتمثلة في مطاردة 3 شباب متهورين للفتيات وتجاوز السرعة القانونية والتضييق على سيارة الفتيات في طريق عام مما تسبب في الحادث، إلى رصد سلوك الفتيات باعتباره خروجًا على تقاليد المجتمع وتعديًا على قيم الأسرة المصرية. 

تثير سارة محمد نصر، الأستاذة والباحثة في الإعلام وشؤون المرأة، أسئلة حول قانونية منح مساحة لأهالي المتهمين لترويج ادعاءاتهم في قضية يمكن وصفها بأنها قضية رأي عام، بما لذلك من تأثير على سير القضية، فيما لا تُمنح المساحة ذاتها للضحايا وذويهن.

تتذكر سارة قضية نيرة أشرف، التي انخرط الإعلام خلال متابعتها في الترويج لخطاب القاتل ولوم الضحية وما نتج عنه من تعاطف قطاع واسع، حتى وصل الأمر لجمع تبرعات للدفاع عنه، ما دفع النيابة لحظر النشر.

تشير الباحثة إلى أن ترويج الخبر باستخدام صور النساء، سواء كن ناجيات أو متهمات، الهدف منه جذب القراء، "أحيانًا بيكون الصحفي حسن النية ومش قصده الإساءة للمرأة"، تقول لـ المنصة.

تتفق معها إيمان عوف عضوة مجلس نقابة الصحفيين، التي تلقي باللوم على التحدي اليومي أمام الصحفي المتمثل في الترند التي تجعله "يحتار بين قناعاته ومهنيته وبين السياسة التحريرية المعتمدة على العناوين الرنانة والصور الجذابة". 

الصحفي مرآة للمجتمع

لا يقتصر الأمر على الاستخدام الخاطئ للصور، لكن يتعداه للقضايا التي تخص النساء بشكل عام، إذ يتعامل الإعلام بالمنطق الأبوي الذكوري الذي يتبناه المجتمع نفسه، فيبدأ في ترديد أقاويل حول الساعة التي وقع فيه الحادث مثلًا وملابس الضحايا وأسباب وجودهن في كافيه بوقت مبكر.

وتشير سارة محمد نصر لتعدد أشكال التمييز والتطبيع مع العنف ضد المرأة فيما ينشر من ميمز وكوميكس وحتى الكاريكاتير وعناوين الموضوعات الصحفية.

بالمثل توجه سامية قدري، أستاذة علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس، اتهامات لكثيرٍ من الصحف والمنصات بمغازلة شهوة الهمز واللمز وغريزة النميمة لدى المجتمع "عشان كده بتحب تتكلم عن لبس الستات وحقهن في التنقل بحرية لأنها موضوعات متسقة مع التصور أنهن مجرد جسد مباح وفق الثقافة الرجعية".

هذا ما تؤكد عليه حنان فكري، الصحفية والعضوة السابقة بمجلس نقابة الصحفيين، التي ترى أن الممارسة الصحفية انعكاسٌ لأفكار الصحفي التي تتسق مع توجهات المجتمع الذي يتخيل دائمًا المرأة "منحلة ويبحث عن العاهرة التي في عقله".

في هذا المجتمع تصبح المرأة متهمةً دائمًا وعرضة للملاحقة ثم التفتيش "كانت سهرانة للساعة كام، طب لابسة. إيه إزاي بنات يدخلوا كافيه يشربوا قهوة وسايقين من غير راجل! كما حدث في حادث الواحات"، تقول حنان لـ المنصة وتضيف "ينشئ المجتمع الأطفال بعقيدة إن البنت حقوقها أقل من الولد تتنازله عن حتة اللحمة بتاعتها، والصحفي ابن هذا المجتمع متأثر بأفكاره ولديه نفس الانحيازات".

فيما تضرب إيمان عوف رئيسة لجنة المرأة بنقابة الصحفيين مثلًا بتناول الصحافة لواقعة المحلة الشهيرة بـعنتيلة المحلة التي ركزت على الفيديوهات والأخبار الخاصة بها بطريقة تنطوي على الإثارة "حتى خبر البراءة جاء متضمنًا اللقب نفسه".

وتنوه لمقطع نُشر أخيرًا عن طفلة تعرضت لانتهاك جنسي "صوروها بوشها وذكروا معلوماتها كاملة دون مراعاة لنفسية الطفلة وإعادة سردها للتفاصيل ويخرج في النهاية بعنوان خدني وعمل فيا كذا"، منتقدة أداء صحفيي الحوادث واللايف، التي تتسبب حسب قولها في كوارث، إذ لا تُراعى قواعد الخصوصية وحماية المصادر في قضايا النساء ولا كود التعامل الصحفي في قضايا الأطفال الذي حدده المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

نجحنا في تجربة الطفل س

الالتزام بقواعد التعامل الصحفي المهني مع النساء ليس أمرًا صعبًا أو معقدًا، فقد نجحت الصحافة من قبل في التعامل المهني مع حالات عدة، من بينها واقعة الطفل س، بعد أن ناشدت النقابة الصحف والمواقع الإلكترونية تجنب نشر صورة الضحية واسمه بالكامل وبيانات سكنه أو مدرسته حفاظًا على مصلحته الفُضلى، ووقايةً له من أيِّ أذىً نفسي أو اجتماعي قد يلحق به وبأسرته حاليًا أو يطارده مستقبلًا.

التزمت غالبية المنصات بالكود الصحفي، وهو ما لاقى إشادات من القراء تفسرها إيمان عوف بأنه رغبة حقيقية من الصحافة بالابتعاد عن الممارسات غير الأخلاقية.

كما يجب الإشارة لتجارب ناجحة في التعامل مع قضايا النساء، من بينها تجربة يمنى حسن مؤسسة مبادرة جندريست المحلية بأسوان وحرصها على تقديم صحافة حساسة للنوع الاجتماعي، وتنظمها تدريبًا للشباب والشابات لإجادة مفرداتها. 

"في مجتمعي مش مقبول نشر صور النساء ومن تخالف تتعرض للوصم وعشان كده بنراعي حساسية السياق الاجتماعي، وبندرب شباب الصحفيين على أخلاقيات التعامل مع الصورة بالحصول علي موافقة مستنيرة وواعية"، تقول يمنى لـ المنصة إلا أنها تشير  للتعليقات التي يتلقاها موقع جندريست "بيهاجموا الصحفي لأنه راجل بيدافع عن ستات".

نشر صور وبيانات الضحايا يعد جريمة انتهاك للخصوصية يعاقب عليها القانون"

وترفض سامية قدري التعاطي مع الأزمات بالقطعة، حيث لا توجد استدامة لمواجهة المشكلات المتعلقة بالنساء و"مع غياب عقوبات رادعة ومعلنة سنظل نطرح نفس التساؤلات مع كل قضية".

فيما تدعو سارة نصر لتنظيم تدريبات متخصصة تقدمها مؤسسات المجتمع المدني والمجلس القومي للمرأة لمعالجة ما تسميه "الإخفاقات المهنية"، وتتفق معها إيمان عوف في أهمية تنظيم تدريبات ممتدة لفترة طويلة تتناول قضايا النساء والخطاب المراعي للنوع الاجتماعي الذي يستهدف الصحفيين العاملين بملفات المرأة واللايف والحوادث بغض النظر عن النوع.

تدعو رئيسة لجنة المرأة لوضع كود أخلاقي يعمم على جميع عناصر العملية التحريرية بداية من الصحفي مرورًا برؤوساء الأقسام ونهاية برؤساء التحرير، معلنة أن لجنة المرأة بصدد تشكيل لجنة رصد ومتابعة الخطاب الإعلامي وحساسيته للنوع الاجتماعي ومن يخالف ستوقع عليه عقوبات نقابية.

"سنعلن عن قائمة بيضاء كل فترة للصحف المنضبطة مهنيًا وقائمة سوداء وسيتم منح هذه الصحف الفرصة بالتكويد في النقابة وإلحاق العاملين بها بعضويتها"، نقول إيمان.

ردع القانون

بالمقابل، تقلل حنان فكري من أهمية التدريبات، فهي لا تقدم فائدة ملموسة، مؤكدة على أن "القوة الرادعة للقانون وتطبيقه هو الحل الجذري".

وتوضح المحامية الحقوقية عزيزة الطويل أن نشر صور وبيانات الضحايا يعد جريمة انتهاك للخصوصية يعاقب عليها القانون حسب المادة 113 مكرر مضافة لقانون 177 لسنة 2020. "ليس فقط الضحايا وإنما المتهمون أيضًا إذ لم تتم إدانتهم وفقًا للقاعدة "المتهم برئ حتى تثبت إدانته".

وتضيف لـ المنصة أن نشر صور النساء في اتهامات الدعارة وغيرها يعد جريمة، فقد تتدمر حياتهن وقد يتعرضن للقتل علي يد ذويهم، أو يعيشن الوصم والتشهير.

وتدين المحامية الحقوقية "نشر الصحف صور وبيانات وأقوال الناجيات وإخفاء صور المتهمين في حادث طريق الواحات"، مؤكدة على أن ذلك قد يؤدي لشحن الرأي العام ضدهن وتغذيته بعلامات استفهام حول ملابسهن ومواعيد وجودهن بالشارع، وهو ما يعد جريمة خطاب تحريض على الكراهية.

وتتعجب عزيزة من تجاهل نقابة الصحفيين للخروقات المهنية في تغطية قضايا النساء، بينما ناقشت تغطية الجنازات، مشيرة إلى المادة 4 من قانون تنظيم الصحافة 180 لسنة 2018 التي تحظر نشر المواد التي تحض على التمييز أو العنف أو العنصرية أو الكراهية، والمادة 19 التي توقف وتحجب الوسيلة التي تدعو للعنف أو الكراهية أو التمييز بين المواطنين وتحظر المادة 20 على وسائل النشر أو البث التعرض للحياة الخاصة.

وتشدد عزيزة الطويل على أن من حق الناجيات المطالبة بتعويضات من الصحف التي أساءت إليهن، وبحذف الصور المنشورة، وترى أن ذلك قد يشكل سابقة تكون مثالًا رادعًا لتكرار مثل هذه الممارسات.