الموقع الرسمي لرئاسة الجمهورية
حقل غاز ظهر

صفقة Take or Pay.. ماذا نفعل بكل هذا الغاز من إسرائيل؟

منشور الثلاثاء 19 أغسطس 2025

تكررت التصريحات الرسمية خلال الشهور الماضية عن خطط الدولة من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، في الوقت الذي أُعلن فيه عن تعديل اتفاقية استيراد الغاز الإسرائيلي بما يضمن استمرار تدفقه حتى عام 2040. 

الاتفاق المعدل يُلزم الحكومة باستيراد كميات إضافية من الغاز، فضلًا عن اتفاقات استيراد طويلة المدى للغاز المسال، فلماذا تضع الدولة على نفسها مثل هذا الالتزام في وقت تعلن فيه عن خطط توفر العديد من المصادر البديلة؟

بلد منتج يستورد

جاء الكشف عن الاتفاق الجديد الذي تصفه إسرائيل بأنه أهم صفقة لها في شرق المتوسط عبر إفصاح لـنيوميد إنيرجي، أحد شركاء حقل ليفياثان الإسرائيلي، في بورصة تل أبيب عن البنود التي عُدّلت في تعاقدها مع مصر، الذي يعود إلى عام 2019 في صفقة بلغت قيمتها 35 مليار دولار.

نص التعاقد الأصلي على أن تصدر إسرائيل إلى مصر ما يقرب من 60 مليار متر مكعب حتى عام 2030، بينما مد الاتفاق المعدل هذه العلاقة حتى عام 2040، وألزم إسرائيل بتصدير 130 مليار قدم مكعب.

يمثل الغاز الإسرائيلي مصدرًا أساسيًا للطاقة في مصر منذ صيف 2023 مع انخفاض الإنتاج المحلي وعدم وجود بدائل أخرى للطاقة

واجه الاتفاق انتقادات سياسية واسعة باعتباره يمثل دعمًا للجانب الإسرائيلي في وقت تُمارسُ فيه الإبادةُ ضد الشعب الفلسطيني، ليس هذا فقط؛ على المستوى الاقتصادي أيضًا لفت آخرون إلى اعتماده على مبدأ Take or Pay، الذي يُلزم مصر بدفع القيمة الكاملة للكميات المتفق عليها سنويًا حتى إذا انخفضت الأسعار العالمية أو لم تستلم الغاز.

يؤكد النائب السابق لرئيس هيئة البترول مدحت يوسف أن تنفيذ صفقة الـ35 مليار دولار بات إلزاميًا حتى حال وصول إنتاج الغاز المحلي إلى 7 مليارات قدم مكعب باليوم، وهو معدل الاستهلاك الفعلي بالسوق المصرية.

يوضح يوسف لـ المنصة أن الاتفاقية تمد لنحو 20 عامًا، وهي مدة طويلة للغاية بالنسبة لاستيراد الغاز، إذ من المحتمل تحقيق الاكتفاء الذاتي خلال الفترة المقبلة.

ويمثل الغاز الإسرائيلي مصدرًا أساسيًا للطاقة في مصر منذ صيف 2023 مع انخفاض الإنتاج المحلي وعدم وجود بدائل أخرى للطاقة، ما دفع الحكومة لاستخدامه لأغراض محلية والتوقف عن تسييله وتصديره.

لكن المشهد اليوم مختلف، فالحكومة تعمل على تنمية الإنتاج المحلي، كما تستأجر أربع سفن تغويز لتنفيذ تعاقدات ضخمة لاستيراد الغاز المسال،  وتسعى أيضًا لاستيراد الغاز من قبرص.

ليس اكتفاءً كاملًا

حقل ظهر لاستخراج الغاز، 9 يونيو 2022

وفق مصدر بوزارة البترول مطلع على ملف إنتاج الغاز لـ المنصة فإن الزيادة المتوقعة في الإنتاج لن تكون كافية لتغطية كامل الطلب المحلي، لذا فإن اتفاق الغاز الإسرائيلي يهدف لتغطية الطلب المحلي المتوقع خلال الفترة المقبلة، الذي سيزيد سنويًا بنسبة تقارب 7%.

وتستورد مصر حاليًا من إسرائيل نحو  1.1 مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي، بينما سترتفع هذه الواردات إلى 1.5 و1.6 مليار قدم مكعب يوميًا بنهاية عام 2026 وحتى مطلع 2027.

لا يتوقع مصدر وزارة البترول، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن تتمكن الجهود الحكومية الحالية لتنمية الإنتاج المحلي من الوصول بمعدل الإنتاج إلى أكثر من 6.6 مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز، مقابل نحو 4.16 مليار قدم مكعب تنتج حاليًا، لافتًا إلى أنه حتى لو وصلنا إلى هذا المعدل بعد  ثلاث أو أربع سنوات حينها سيكون حجم الطلب لدينا نما لنحو 8 مليارات قدم مكعب من الغاز.

وينوه مصدر ثانٍ بالشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" بالتحديات التي تواجه الوصول لمرحلة الاكتفاء الذاتي، فمن أجل تحقيق قطاع البترول قفزة على مستوى الإنتاج العام من الغاز "يحتاج الأمر إلى سنوات من الالتزام التام في سداد مستحقات الأجانب واستكشاف حقول غازية ضخمة بدلًا من الاكتفاء بحفر آبار تابعة للحقول القائمة"، كما يقول لـ المنصة.

أرخص من الغاز المسال 

يبدو الغاز الإسرائيلي في نظرِ صانع القرار بديلًا مغريًا عن الاعتماد على الغاز المسال المستورد من الخارج، خصوصًا مع ارتفاع تكلفة المصدر الأخير.

يكشف وزير البترول المصري الأسبق أسامة كمال لـ المنصة أن كميات الغاز التي تحصل عليها مصر عبر خطوط النقل من إسرائيل تُعادل نصف سعر الغاز المسال العالمي.

ميل الحكومة لتعديل الاتفاق مع إسرائيل جاء مدفوعًا أيضًا بالرغبة في تنويع مصادر الغاز المتاح لديها لمواجهة الأزمات

واضطرت الحكومة مؤخرًا للتوسع في تأجير سفن تغويز الغاز (أي تحويل المسال المستورد إلى صورته الطبيعية) بعد أكثر من انقطاع للغاز الإسرائيلي خلال الحرب على غزة، ويعزى انخفاض سعر غاز تل أبيب إلى استيراده عبر قنوات أرضية بين البلدين.

يرى كمال أن التعديل الأخير للاتفاق لم ينطو على أي بنود ترفع من تكلفته، فـ"التعديل لم يُغير من آلية تسعير الغاز الذي تحصل عليه مصر، وإنما اكتفى بتغيير موعد وكميات الغاز التي تحصل عليها".

وتتراوح أسعار الغاز المورد عبر الخطوط الدولية بين 7 و7.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، حسب جمال القليوبي أستاذ هندسة الطاقة بالجامعة الأمريكية، فيما تصل تكلفة الغاز المسال إلى 12 دولارًا شاملة تكلفة إعادة التغييز والضخ بالشبكة، بالإضافة إلى نحو 3.5 دولار تكلفة نقل وتأمين، أي تصل تكلفة المليون وحدة حرارية إلى 15.5 دولار.

مواجهة الأزمات الموسمية 

يضع المصدر بوزارة البترول ميلَ الحكومة لتعديل الاتفاق مع إسرائيل في إطار رغبتها في تنويع مصادر الغاز المتاح لديها لمواجهة أزمات مثل التي مرت بها خلال فترات مختلفة على مدار الأعوام الماضية.

يتوافق معه مدحت يوسف على أن الاتفاق يتيح لمصر مواجهة احتياجات زائدة من الغاز قد تطرأ بسبب أعمال بنية تحتية أو زيادة في الطلب، ويشير إلى أن الإمارات وهي منتج كبير للغاز تستورد الغاز المسال من دول مثل قطر لمواجهة ضغوط الطلب المحلي في بعض الفترات من السنة.

وبدأت مصر في استيراد الغاز الإسرائيلي وهي تتمتع بالاكتفاء الذاتي، ونجحت في إعادة تصديره، لذا يرى خبراء أن ميلها الحالي لزيادة وارداتها من إسرائيل قد يكون مدفوعًا بالرغبة في جني المزيد من الأرباح من خلال التصدير.

وصدَّرت مصر الغاز الإسرائيلي للاتحاد الأوروبي، عبر اتفاق أبرمه الثلاثة في 2022 بهدف تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي، كواحدة من أوراق الضغط لوقف الحرب ضد أوكرانيا.

لكن رمضان أبو العلا، أستاذ هندسة البترول بجامعة فاروس بالإسكندرية، ينبه في تصريح لـ المنصة إلى أن تسويق الغاز الإسرائيلي دوليًا لن يكون أمرًا سهلًا على الدوام "المنافسة العالمية تشتد خاصة مع دخول مشروعات إسالة جديدة في الولايات المتحدة وقطر، مما قد يضغط على الأسعار، لذلك فإن الوصول لسعر تنافسي يتطلب ضبط تكلفة الإنتاج وإيجاد مرونة في التسعير، حسب طبيعة كل سوق".

وأنشأت مصر محطتي إسالة الغاز في إدكو ودمياط مطلع القرن الحالي، وكان من أهداف اتفاق استيراد الغاز الإسرائيلي تحويل مصر إلى مركز لتصدير الغاز عالميًا بعد تسييله على الأراضي المصرية، وخلال العام الجاري وقعت مصر اتفاقية لتسييل الغاز القبرصي وإعادة تصديره.

ولا يبدي أبو العلا ثقةً في سياسات التضييق الأوروبية على روسيا بما له من أثر على تصدير الغاز من مصر، فـ"ليس مضمونًا استمرار التضييق طوال خلال فترة تنفيذ الإتفاقية التي تمتد إلى 15 سنة مقبلة"، ويضيف "قد يكون هناك حل للأزمة الروسية وستعاود الأسواق الأوروبية اعتمادها على غازها الذي يصل عبر خطوط أنابيب أقل تكلفة من الغاز المسال". 

يطرح البعض إمكانية استغلال الغاز الإسرائيلي في صناعات محلية كثيفة الطاقة، وهو ما يراه أبو العلا ممكنًا "على المدى القريب تحتاج الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة إلى كميات من الغاز لتعويض فترات النقص التي عانت منها السنوات الأخيرة"، لكنه ليس حلًا دائمًا "حين تصل الطاقات التشغيلية إلى ذروتها فلن تستوعب كميات جديدة من الغاز".

وينصح أبو العلا بدراسة فرص تسويق الغاز الإسرائيلي عالميًا لتقليل مخاطر الاتفاق، بجانب تشييد بنية تحتية جديدة من الصناعات كثيفة استهلاك الطاقة لإيجاد منافذ لاستغلال هذا الغاز حال تراكم فوائض منه غير مُستغلة.