التعافي الهش.. هل بدأنا نستعيد استثمارات الطاقة الأجنبية؟
لأول مرة منذ خمس سنوات، حققَ الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع النفط والغاز فائضًا أظهرته بيانات ميزان المدفوعات عن السنة المالية الماضية المنتهية في يونيو/حزيران الماضي، بما يمثل ذلك من أهمية كبيرة للاقتصاد المصري.
ضرورة هذه الاستثمارات تأتي ليس فقط بسبب وزنها الكبير بين مجالات الاستثمار الأجنبي في البلاد، لكن لإنتاجها خامات بترولية تساعد في الحد من فاتورة استيراد الطاقة بعد أن وصلت إلى مستويات قياسية.
وبينما عزا خبراء تحدثت إليهم المنصة عودة الاستثمارات إلى حزمة المزايا الاستثمارية التي أعلنتها وزارة البترول العام الماضي من بين عوامل أخرى، فإنهم في الوقت نفسه يرون أن التعافي لا يزال هشًا أمام تحديات تراكم متأخرات الشركات ومصاعب استخراج المواد البترولية.
تحول ملحوظ
حمل ميزان المدفوعات عن السنة المالية 2024/ 2025 رسائل متناقضة عن واقع قطاع الطاقة في مصر. من ناحية وصلت وارداتنا من المواد البترولية في هذا العام مستوى غير مسبوق، مدفوعةً بشكل أساسي بالتوسع في استيراد الغاز المسال والمنتجات البترولية، في محاولة لتجنب تكرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي خلال فصل الصيف.
ومن ناحية أخرى، وعلى ميزان الاستثمار الأجنبي المباشر، أي الفرق بين الاستثمارات الداخلة للاقتصاد والخارجة منه، حققتْ استثمارات البترول عام 2024/ 2025 فائضًا بنحو 600 مليون دولار لأول مرة بعد سنوات من العجز في هذا الميزان خلال فترة أزمة الدولار التي أثرت سلبًا على شهية الشركات الأجنبية تجاه هذا القطاع.
https://public.flourish.studio/visualisation/26181114/يشير أستاذ هندسة البترول والطاقة جمال القليوبي إلى بدء سداد مستحقات الشركاء الأجانب، وما تلاه من إعلان الشركات العالمية تباعًا عن خطط استثمارية جديدة، فشركة إيني الإيطالية على سبيل المثال أعلنت مؤخرًا عن ضخ استثمارات تقدر بنحو 8 مليارات دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، وهو رقمٌ كبيرٌ يُعد الأضخم منذ استثماراتها في حقل ظُهر عام 2016.
وفي 2024، قدَّر صندوق النقد الدولي المتأخرات القائمة على الحكومة المصرية لقطاع البترول بما يتراوح بين 4 و5 مليارات دولار. مثّل ذلك ذروةَ الأزمة، وجاء الرد من الشركات الأجنبية بالتباطؤ في تنفيذ الاستثمارات.
وبينما كان عام 2023 الأسوأ مع اتجاه صندوق النقد لتجميد برنامجه الإصلاحي مع مصر، فإنه مع استئناف تنفيذ اتفاق الصندوق في الأشهر الأولى من العام التالي، بدأت مصر في سداد مستحقات الأجانب منذ مارس/آذار 2024، ووضعت آلية منتظمة لسداد المستحقات شهريًا، ومن المتوقع أن تنخفض هذه المتأخرات إلى ما بين 1.7 مليار إلى ملياري دولار في 2026.
بأي ثمن عادت الاستثمارات؟
تقدم إيني الإيطالية نموذجًا على تحول سياسات شركات البترول في مصر؛ من التهديد بخفض الاستثمارات خلال فترة الأزمة إلى الوعود باستثمارات مليارية ضخمة، بالتزامن مع سداد جانب من مستحقاتها.
إلى جانب تأثير المستحقات، يضيف القليوبي في حديثه لـ المنصة سببًا آخر لزيادة الاستثمار الأجنبي، وهو أن القطاع شهد مؤخرًا دخول شركات أجنبية جديدة مثل شيفرون الأمريكية للعمل في عدة حقول منها حقل نرجس، بالإضافة إلى شركة إكسون موبيل التي بدأت أعمال البحث والاستكشاف في غرب المتوسط خلال النصف الأول من عام 2025، وأسفرت عن حفر بئر نفرتاري.
سداد المتأخرات ودخول شركات جديدة ليسا عاملي الجذب الوحيدين، فالحكومة قدمت أيضًا عددًا من الامتيازات المالية للمستثمرين الأجانب، من شأنها زيادة أعباء الاقتصاد المصري على المدى الطويل.
من ضمن هذه الآليات ما تداولته تقارير صحفية متفرقة مؤخرًا عن الاتجاه لرفع سعر الغاز الذي تشتريه الحكومة من حصة الشريك الأجنبي، وهي خطوةٌ قد ترفع عبء تكلفة الاستخراج على الدولة. لكن محمد زيدان الخبير في قطاع البترول يؤكد لـ المنصة على أن التكلفة على الحكومة ستظل أقل من عبء الاستيراد "تتراوح أسعار الغاز المحلي حاليًا من 2.25 دولار إلى 4.50 دولار، مقابل الغاز المستورد 14 دولارًا".
هناك حافز جديد أُعلن عنه في مايو/أيار الماضي، وهو تطبيق نظام R-Factor على الاتفاقات البترولية، وهو آلية تسمح للشركة الأجنبية باسترداد تكاليفها بسرعة في البداية، أي أن الشركة تستعيد ما أنفقته على الحفر والتنقيب أولًا، وبعد أن تحقق أرباحًا، تبدأ الحكومة في الحصول على نسبة أكبر من الأرباح، وهو ما يدعو زيدان لدراسته دراسةً متأنيةً لما يشكل من عبء مالي.
يُضاف إلى ما سبق عودة السماح للشركات الأجنبية بتصدير شحنات من الغاز هذا العام، لكن هذه الوسيلة في التحفيز تضع الحكومة أمام اختيارات صعبة، بالنظر لتقلص نشاط التصدير بشدةٍ خلال العامين السابقين وفاءً لاحتياجات السوق المحلية للغاز، وهي الأزمة المستمرة إلى الوقت الراهن.
https://public.flourish.studio/visualisation/26259220/تحديات استمرار التعافي
يتوقع مصدرٌ في قطاع الاتفاقات بوزارة البترول استمرار نمو صافي الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى قطاع البترول خلال الفترة المقبلة، موضحًا لـ المنصة أن الوزارة تعمل حاليًا على تسويق 15 منطقة استكشاف جديدة في البحر المتوسط وخليج السويس، ومتوقعًا أن يتجاوز صافي التدفقات الاستثمارية في القطاع مليار دولار خلال السنة المالية 2025/2026.
ويشير المصدر إلى نجاح الوزارة هذا العام في إبرام حزمة كبيرة من اتفاقات استكشاف المواد البترولية، وهو ما من شأنه أن ينعكس إيجابًا على حركة الاستثمار الأجنبي في هذا المجال؛ "تنوع مواقع الاستثمار الجديدة بين البحر المتوسط، خليج السويس، الصحراء الغربية وشمال سيناء، والتوسعات الأخيرة لشركات عالمية كبرى مثل شل وإيني وبي بي وأدنوك يبعث رسالة واضحة للمستثمرين بأن السوق المصرية آمنة وجاذبة".
ولفت إلى أن هناك أنشطةً مكثفةً لتطوير وتنمية حقل ظُهر خلال العام الحالي، حيث أُضيفت بئران جديدتان إلى خطة التنمية لزيادة القدرة الإنتاجية، إلى جانب توسع شركة أباتشي الأمريكية في أعمال البحث والتنقيب بالصحراء الغربية، مما ساهم في رفع إنتاج شركة خالدة للبترول من الغاز الطبيعي.
| اسم الشركة | قيمة الاتفاق | التاريخ |
|---|---|---|
| خمس اتفاقيات امتياز استخراج مواد بترولية | 225.3 مليون دولار | فبراير 2025 |
| اتفاقيات مع مجموعة من الشركات لحفر 24 بئرًا إضافية | 221.23 مليون دولار | مايو 2025 |
| اتفاق تحالف BP وADNOC مع إيجاس لتنفيذ استثمارات في منطقة شمال دمياط البحرية | 109 ملايين دولار | أغسطس 2025 |
| اتفاقية بين شركة Shell والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية | 120 مليون دولار | أغسطس 2025 |
| اتفاق مع شركة Eni الإيطالية للاستكشاف في منطقة شرق بورسعيد البحرية | 100 مليون دولار | أغسطس 2025 |
| اتفاقية مع شركة دراجون أويل الإماراتية في منطقة خليج السويس | 40.5 مليون دولار | سبتمبر 2025 |
| اتفاق مع شركة Perenco Egypt لحفر ثلاث آبار في شمال سيناء البحرية | 46 مليون دولار | سبتمبر 2025 |
مع هذا يشدد محمد زيدان على أن تحديات تراكم متأخرات الشركات لم تنته بعد، وستظل تمثل تهديدًا أمام زيادة الاستثمارات في هذا القطاع "الالتزامات في قطاع البترول ديناميكية؛ فكلما استمر الإنتاج تتولد استحقاقات جديدة".
وترتبط القدرةُ على سداد مستحقات شركات الاستخراج بتوفر النقد الأجنبي، ويرى زيدان أننا لا نزال غير قادرين على الحد من نزيف العملة الصعبة في استيراد المواد البترولية بشكل فعال.
في هذا السياق، يشير الخبير في قطاع البترول إلى أن الاكتشافات الجديدة التي أعلنت مؤخًرا، وإن كانت مهمةً، فإنها تمثل نسبةً محدودةً من حجم العجز الذي نضطر لتغطيته بالاستيراد "عندنا عجز 1200 مليون قدم في الغاز (فرق بين الإنتاج والطلب الفعلي) لما يدخل 75 مليون قدم (إنتاج جديد إضافي) فهذا يعني أننا ماشيين بمعدل (زيادة) أقل من النمو الحقيقي (للطلب على الغاز)".
واحتفت وزارة البترول بربط بئرين إضافيتين في غرب البرلس تنتجان 75 مليون قدم يوميًا بشبكة الغاز في مصر معتبرة ذلك إنجازًا كبيرًا، ويشرح زيدان أن الطلب السنوي على الغاز في مصر ينمو في مصر بمعدل 10% إلى 12% سنويًا، فيما لا تمثل حصيلة الاكتشافات التي تخرج من الحقول القائمة أكثر من 10% من هذا الطلب.
وفي أغسطس/آب الماضي، قال الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء إن منحنى إنتاج الغاز الطبيعي في البلاد بدأ في الصعود مجدداً، بعد أن تراجع خلال الأعوام الماضية من أكثر من 6.6 مليار قدم مكعبة يوميًا إلى نحو 4.1 مليار، متوقعًا العودة إلى معدلات الإنتاج الطبيعية بحلول 2027.
يربط زيدان طموحات الحد من العجز في المواد البترولية، خاصة في الغاز، باكتشاف حقول جديدة ضخمة على غرار حقل ظهر، وهو ما تسعى إليه وزارة البترول حاليًا من خلال طرح مناطق جديدة، لكن ثمار هذه المساعي ستستغرق وقتًا طويلًا.
"الموضوع دا، البحث والاستكشاف والإنتاج وربط لخطوط الإنتاج من المناطق البحرية أو البرية بأقرب مناطق تجميع الغاز والزيت (يستغرق) مش أقل من خمس سنين"، يشير إلى إعلان وزارة البترول هذا الشهر عن مزايدة عالمية لاستكشاف أربع مناطق جديدة في البحر الأحمر.