"قطع عندي من الساعة تسعة بالليل لحداشر ونص ومن الساعة واحدة لتلاتة وربع الفجر".
"أنا بقى قطع عندي تلات ساعات بس المشكلة إني ساكن في التاسع والمايه بتطلعلي بماتور يعني لا كهربا ولا مايه".
"ربنا يكون في عون العيال بتوع الثانوية العامة هيذاكروا ازاي يا عيني".
"أنا كشفت عند الدكتور على الكشاف بعد ما قعدت ساعتين مستني الكهربا ترجع".
هكذا تداول مصريون أخبارهم صباحًا في مترو الخط الأول، بعد يوم الاثنين 25 يونيو/حزيران، التي تعكس عشوائية انقطاعات التيار من منطقة لأخرى، مع مأساوية آثار غياب الطاقة عن البيوت المصرية لساعات طويلة، وعلى النقيض ترى الحكومة أنها تخفف الأحمال بصورة تتسم بالعدالة في توزيع العبء بين الجميع، كما سبق وصرّح محمد شاكر وزير الكهرباء حين قال "بيقطع عندي مرتين أو ثلاث مرات يوميًا".
بدأت الشركة القابضة لكهرباء مصر تطبيق برنامج لتخفيف الأحمال، بداية من 22 يوليو/تموز 2023، لمدة ساعة واحدة فقط على أن يتم الفصل بمدة زمنية 10 دقائق قبل رأس الساعة و10 دقائق بعدها، وفي يناير/كانون الثاني الماضي بدأت الحكومة تنفيذ خطة جديدة لتخفيف الأحمال تكون مدتها ساعتين، قبل أن تعلن مؤخرًا زيادة مدة الانقطاع إلى ثلاث ساعات، مبررة ذلك بزيادة الأحمال على الشبكة.
ومنذ يوم 10 أغسطس/آب الماضي، توقفت صفحة جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك على فيسبوك، عن نشر "النشرة اليومية" لأحمال شبكة الكهرباء، التي تبين مقدار أقصى وأدنى حمل على شبكة الكهرباء على مدار اليوم، وكذلك تحدد مقدار تخفيض الأحمال المفصولة.
وتؤكد وزارة الكهرباء في بياناتها أن خطة تخفيف الأحمال موزعة على مستوى الجمهورية، وهو ما تنفيه رغد أسامة، التي تعيش في مدينة المنيا الجديدة، وتقول لـ المنصة إن الحي الذي تقيم به "معروف أنه يسكن به ناس مهمين"، وتضيف "النور مش بيقطع عندنا خالص، من كام يوم النور قطع لكن مكملش نص ساعة لأن مستشار جارنا اتصل بشركة الكهرباء فرجعتها فورًا".
ما دفعنا للحديث مع مواطنين من محافظات مختلفة، لرصد مدد انقطاع التيار الكهربائي وتأثيرها في يومياتهم.
ساكن جنب إيه؟
الوضع الذي تتحدث عنه رغد، يفسره مهندس يعمل بشركة كهرباء جنوب القاهرة، تحدث لـ المنصة طالبًا عدم ذكر اسمه، بأن فصل التيار يكون يدويًا بمعنى أن هناك موظفًا أو مجموعة موظفين يقومون بفصل التيار، وأضاف "من المفترض أنهم يطبقون الانقطاع وفق جدول زمني يراعي المساواة بين المناطق"، ولم ينف المهندس في حديثه إمكانية أن يستثني موظف منطقة دون أخرى، واستطرد "يجب أن يكون هناك متابعة لتنفيذ خطة الوزارة".
ويقر رئيس قطاع الرقابة المركزية للأداء بشركة كهرباء مصر سابقًا، المهندس محمد سليم في حديث مع المنصة، بوجود اختلافات في تخفيف الأحمال، موضحًا أن عملية تخفيضها تتم وفق خطة تنفذها إدارة التحكمات في كل شركة توزيع، حيث يُطلب من كل شركة تخفيض نسبة معينة من الأحمال وهي من تقوم بتوزيع التخفيض على المناطق.
ورغم تأكيد سليم على أن "الشركات عادة ما تراعي أن يكون هناك عدالة في فصل التيار لأنه مش منطقي أن يكون في منطقة يفصل عنها التيار الكهربي 3 أو 4 ساعات ومنطقة أخرى لأ"، لكنه نبه في الوقت ذاته إلى أن هناك بعض المنشآت لا تدخل ضمن جدول تخفيض الأحمال مثل المستشفيات ومحطات المياه والصرف الصحي وأقسام الشرطة والأماكن السيادية حيث لا يمكن فصل التيار الكهربائي عنها، وتابع "اللي مش هيقطع عنه الكهرباء هيبقى أكيد جنب مستشفى أو مكان من اللي ذكرناهم".
المأساة أكبر خارج العاصمة
زيادة فترات انقطاع الكهرباء خلفت حالة من الغضب أعلنت عن نفسها على السوشيال ميديا بنهاية عيد الأضحى رغم أن المعاناة مستمرة منذ شهور حسب حسن عبد الله، أحد سكان قرية سندسيس مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية "إحنا أصلًا الكهربا بتقطع عندنا 3 ساعات عادي وفي أيام بتقطع بـالـ5 ساعات" يقول حسن لـ المنصة، مؤكدًا أن هذه الانقطاعات كانت تحدث قبل قرار الحكومة الأخير بزيادة ساعات تخفيف الأحمال من ساعتين إلى ثلاث ساعات.
انقطاع الكهرباء ليس جديدًا بالنسبة لحسن "بيحصل دايما، بس يمكن عشان بقى عندكم في القاهرة فبيتكلموا عنه دلوقتي".
ولا ينفي حسن تفاقم الأزمة الفترة الأخيرة، ما أثر في الحياة بقريته القريبة من مدينة المحلة الكبرى، التي تضم عددًا من المصانع الصغيرة والورش إذ اضطرت إلى التوقف عن العمل، ما سبب لها خسائر مالية كبيرة وصلت بها إلى الإغلاق الدائم.
في مدينة المحلة الكبرى تختلف مدة انقطاع الكهرباء بين المناطق وبعضها، يقول حسن "في مناطق بتقطع ساعتين ومناطق تانية تلات ساعات".
بالقرب من المحلة، وفي مدينة أجا بمحافظة الدقهلية، ما زالت مدة الانقطاع ساعتين فقط، تقول عزة سيد لـ المنصة "مواعيدها مظبوطة يوميًا تقطع من خمسة لسبعة"، وتضيف "بيقولوا المدة هتزيد يبقى 3 ساعات بس لسه ما زادتش لحد النهاردا".
اتفق السكان على شراء مولدات كهرباء صغيرة لاستخدامها خلال فترات انقطاع التيار رغم أن أسعارها ارتفعت أيضًا
في قرية العنانية بمركز دمياط، ليس ببعيد عن الدقهلية، يبدأ ميزان العدالة في الميل إذ ينقطع التيار الكهربائي أكثر من مرة يوميًا بإجمالي يصل إلى أربع ساعات، وبحسب فاطمة علي إحدى ساكنات القرية لـ المنصة "بتقطع على فترتين، الأولى من الساعة الثانية إلا ربع الضهر لحد الساعة الخامسة ونص تقريبا، والتانية قطعت من تسعة ونص لحد عشرة وربع مساء".
واشتكت فاطمة من عودة الانقطاع العشوائي دون الالتزام بالمواعيد المعلنة، حيث كانت الكهرباء تنقطع عن القرية من الساعة الثالثة ظهرًا وحتى الخامسة، لمدة ساعتين.
الأمر الذي انعكس على معايش أهل القرية التي تعتمد على الكهرباء بالأخص في تسيير أعمال صناعة الأثاث التي يعمل فيها أغلبهم، ما يتسبب في إغلاق الورش لمدة أكثر من 3 ساعات يوميًا.
إصلاحات وليس تخفيف أحمال
ما زلنا في محافظات الدلتا؛ في قرية الحديرة، بريف البحيرة، شكا محمود عريف لـ المنصة من انقطاع الكهرباء لثلاث ساعات بشكل متقطع يوميًا، معقبًا "منعرفلهاش معاد، ساعات تقطع ساعتين ورا بعض وتيجي، وبعدها تقطع ساعة، وساعات التلات ساعات مع بعض، ومرة تقطع الضهر، ومرة المغرب، ومع كل ده فاتورة الكهربا زي ما هي".
فيما كشف المزارع عزوز حمدي، من نفس القرية، شكوى مختلفة تتعلق بري المحاصيل، حيث تعمل ماكينات الري في المنطقة بالكهرباء، ضمن منظومة تطوير الري التي نفذتها الحكومة مطلع الألفية الجديدة، يقول لـ المنصة "يا نروي المحاصيل الصبح، يا بالليل، لكن نص اليوم الكهرباء بتيجي على فترات قصيرة".
وفي محاولة لتجاوز المشكلة اتفق السكان على شراء مولدات كهرباء صغيرة، لاستخدامها خلال فترات انقطاع التيار، وهذه أيضًا أسعارها ارتفعت، يضيف "فيه تلات أربع بيوت جمب بعض ممكن يشتركوا ويشتروا مولد كهربائي، علشان يمشوا مصالحهم وولادهم يذكروا، لكن مش كل الناس تقدر تشتري المولدات، بس فيه محلات وورش متقدرش تستغنى عن الكهرباء فبيشتروها".
وفي قلين بمحافظة كفر الشيخ تنقطع الكهرباء حوالي 4 ساعات تزيد أحيانًا إلى 5، حسب حسن هيكل، الذي يقول لـ المنصة "لما بنتصل بشركة الكهرباء بيقولوا إصلاحات وما بيجيبوش سيرة تخفيف الأحمال".
الصعيد المظلوم دائمًا
مع التحرك جنوبًا يبدأ ميزان العدالة في الميل أكثر، في منطقة الحواتم بمحافظة الفيوم، ينفصل التيار الكهربائي مرتين في اليوم، المرة الأولى من الثالثة عصرًا وحتى السادسة مساءً، والثانية في حوالي العاشرة مساءً ولأكثر من ساعتين، ويتوسطهما انقطاع لحوالي ربع الساعة، حسب علي عبد التواب لـ المنصة.
ويضيف علي "بالنهار كنا عاملين حسابنا، وقت انقطاع الكهربا، قفلنا الأسانسير وخزنا مياه للاستعمال الشخصي، لكن لما قطعت بليل فجأة، الشارع كله ارتبك، والأمهات اللي ولادها كانوا بره البيت، كانوا بيصرخوا من الرعب عليهم ليكونوا ركبوا الأسانسيرات، في عمارتنا جرينا على الأسانسير ليكون حد محبوس فيه".
كلما توغلنا جنوبًا يختل ميزان العدالة، إذ أكد مواطنون أن مدة انقطاع الكهرباء تصل إلى 18 ساعة، وكتب حساب على إكس أن قرية دشلوط في مركز ديروط بمحافظة أسيوط النور يقطع فيها منذ 4 أيام 13 لمدة ساعة يوميًا، ورد عليه عدد من المعلقين مؤكدين المعلومة معلنين أنهم يقيمون في قرى أخرى بنفس المركز ويعانون أيضًا من انقطاعات تصل لـ 18 ساعة يوميا، وعلق مواطن بأن"قرى مركز ديروط كلها النور بيقطع فيها اكتر من 18 ساعة يقطع أربع ساعات ويرجع أقل من ساعة وفيه أماكن بيقطع فيها أيام".
فيما يؤكد محمد فتوح، المقيم في قرية حجازة، بمحافظة قنا، أن انقطاع الكهرباء يكون أربع ساعات يوميًا، بشكل منفصل في ساعات متغيرة وليست ثابتة، ويضيف لـ المنصة "ساعتين يكونوا بالنهار وساعتين آخرين في الليل وفي بعض الأحيان تكون مدة الانقطاع في كل مرة ساعة ونص".
معاناة قرية فتوح مركبة حيث يصاحب انقطاع الكهرباء انقطاع للمياه أيضًا "رغم أن محطة المياه بها مولد كهربائي يعمل في حالات الطوارئ ولكن بسبب تقصير العاملين لم يوفروا المعدات لتشغيله لتعاني القرية من انقطاع الكهرباء والمياه كل يوم أربع ساعات" يقول فتوح.
رغم هذه الانقطاعات فإنها لم تنعكس على فواتير الكهرباء "كنت بدفع 600 جنيه قبل أزمة تخفيف الأحمال وبعد الأزمة ليه الفاتورة لسه زي ما هي" يتساءل فتوح مندهشًا.
ويشكو فتوح من الخسائر التي تسبب فيها انقطاع التيار "جهد الكهربا بيزيد فجأة بعد رجوع التيار وده بوظ التكييف والتلاجة عندي".
وفي قرية وادي كركر بأسوان، يقول عادل السيد لـ المنصة "مدة انقطاع الكهرباء 4 ساعات مقسمة ساعتين نهارًا وساعتين ليلًا"، مشيرًا إلى أنه قبل قرار زيادة تخفيف الأحمال كانت مدة انقطاع الكهرباء تتجاوز ساعتين ونصف وأحيانًا ثلاث ساعات وسط درجات حرارة مرتفعة للغاية.
ولا يزال الظلام مخيمًا لساعات على معظم محافظات مصر رغم اعتذار الحكومة، التي تتوالى وعودها بتقليل ساعات انقطاع الكهرباء، في متتالية مستمرة منذ عام.