تصميم: سيف الدين أحمد، المنصة 2025
مصروفات الباصات عبء إضافي على أولياء الأمور

تكلفة الوصول للمدرسة.. عبء إضافي فوق مصاريف التعليم

منشور الأربعاء 22 تشرين الأول/أكتوبر 2025

مع الزيادات المتوالية في أسعار الوقود، التي طُبقت اثنتان منها هذا العام، آخرهما يوم الجمعة الماضي، باتت مصروفاتُ باصات المدراس تحلق فوق مستوى الـ20 ألف جنيه، ما يضيف أزمة جديدة لأزمات الأسر المصرية.

الاتجاه لتحرير سعر الوقود خلال العقد الأخير انعكس بشكل رئيسي في معدلات زيادة مصاريف الباص كل عام، وجعل قيمتها في بعض الحالات تصل إلى أكثر من 50% من إجمالي مصاريف التعليم السنوية، حسب أولياء للأمور.

ولا تجد آلاف الأسر وسيلة تغنيها عن هذه الخدمة، خاصة العائلات متوسطة الدخل التي لا يجد أربابها، سواء الأب أو الأم، وقتًا للتفرغ لتوصيل الأبناء بسبب ساعات العمل الطويلة، لتصبح تكلفة الوصول للتعليم مشكلةً إضافيةً لتحديات تدبير مصاريف التعليم.

كم يصل اشتراك الباص هذا العام؟

بداية العام الدراسي الحالي، تلقى أهالي طلبة المدارس الخاصة رسائل غير محببة لقلوبهم، تتعلق بالزيادة في مصروفات الباص السنوية.

وتكشف ميساء فهمي، صحفية، أن اشتراك الأوتوبيس في مدرسة ابنها التي تقع في ميدان الرماية وتبعد بضع كيلومترات عن منزلها في الهرم، ارتفع هذا العام إلى نحو 30 ألف جنيه مقابل 24 ألفًا في العام السابق.

وفي المنطقة نفسها، تلقى محمد فرج، صحفي، تنويهًا من مدرسة ابنتيه في بداية العام الدراسي بارتفاع اشتراك الباص من 16 ألف جنيه إلى 22 ألفًا.

في المهندسين، تفيد إنجي سمير، صيدلية، بأن اشتراك الباص في مدرسة طفلتيها ارتفع هذا العام من 18 ألف جنيه إلى 22 ألفًا. أما في منطقة المعادي، فقد زادت المصاريف على دينا تادرس، ربة منزل وأم لثلاثة أطفال، من 21 ألف جنيه إلى 25 ألفًا.

https://public.flourish.studio/visualisation/25723465/

نسبة ضخمة من مصروفات التعليم

بدفعٍ من برامج إصلاحية متوالية التزمت بها مصر مع صندوق النقد الدولي منذ 2016، أسست الحكومة في 2018 لجنة استشارية لربط سعر الوقود بالأسعار العالمية وسعر الصرف، وفي هذا السياق ساهمت الانخفاضات المتوالية بقيمة الجنيه في صعود قوي لسعر السولار؛ الوقود الأساسي لوسائل النقل الجماعي، خلال تلك الفترة.

وحسب بيانات آخر مسح للدخل والإنفاق للأسر المصرية، يمثل الإنفاق السنوي على التعليم نحو 4.5% من متوسط الإنفاق الاستهلاكي للفرد، بينما تفوق حصة الإنفاق على الانتقالات هذه النسبة وتصل إلى 5.9%، ما يعكس  العبء الأكبر لهذه الخدمة التي تتأثر تكلفتها بقوة بأسعار الوقود.

https://public.flourish.studio/visualisation/25737027/

وكما يتضح من حديث أسر الطلبة مع المنصة، فإن مصروفات الباص باتت تمثل نسبة كبيرة من إجمالي مصاريف التعليم في المدرسة، حيث تكشف دينا تادرس أن اشتراك الباص يعادل نحو 35% من مصاريف المدرسة المقدرة بـ70 ألف جنيه سنويًا.

في حالات أخرى يسجل الباص رقمًا أكثر ضخامة، فمصاريف مدارس أبناء محمد فرج تقدر بنحو 31 ألف جنيه للطالب؛ أي أن الباص يقل عنها بنحو 10 آلاف جنيه فقط، والفارق متقارب في حالة مدرسة ابنة ميساء التي تقدر مصروفاتها بـ45 ألف جنيه مقابل 30 ألف جنيه للباص.

ويضغط صندوق النقد الدولي منذ 2016 لتحرير أسعار الوقود، معتبرًا أن الدعم الموجه لهذا البند لا يصل لمستحقيه، إذ يدافع عن أنماط من الدعم تقتصر على الفئات الأكثر فقرًا وينتقد أشكال الدعم المعممة على الطبقات الوسطى والأعلى منها.

لكن أسر الطلبة تتفق على أن مصروفات خدمة توصيل الطلبة للمدارس باتت تمثل عبئًا ماليًا ضاغطًا لا يستطيع الكثيرون تحمله، ورغم ذلك يضطرون له ولو على حساب بنود أخرى فهم لا يملكون رفاهية توصيل الأبناء بأنفسهم للمدارس.

"لا أمتلك إلا سيارة واحدة، أذهب بها إلى العمل، وإذا استطعت أن أذهب صباحًا إلى المدرسة لن أقدر أن أوفق مواعيد العمل مع مواعيد الانصراف من المدرسة"، يقول فرج. فيما لا تملك ميساء سيارة خاصةً، و"حتى لو لدي سيارة سيكون من الصعب أن أخرج من عملي، ألحق موعد انصراف ابني من المدرسة".

وتصل ساعات عمل المصريين سنويًا، وفق بيانات منظمة العمل الدولية، إلى 2263 ساعة للفرد، ما يعادل أكثر من 8 ساعات يوميًا بفرض العمل خمسة أيام في الأسبوع فقط.

من يراقب أسعار الباصات

تتحدد مصاريف الاشتراك في الباصات المملوكة للمدارس قبل بداية العام الدراسي، بناءً على الميزانية المتوقعة لتكاليف تشغيل الباصات في هذا العام، التي تمثل تكلفة الوقود أحد بنودها الرئيسية، كما يوضح بدوي علام، رئيس جمعية أصحاب المدارس الخاصة.

يشرح علام لـ المنصة أن هذه الميزانية تخضع لرقابة حكومية، حيث تعدها كل مدرسة وترفعها للمديرية التعليمية لتُبين حجم العجز في تغطية تكلفة الخدمة والذي يتطلب زيادة قيمة الرسوم.

ويُسمح للمدارس، وفق علام، بزيادة أسعار الباصات بنسب تصل إلى 25% بحكم قرار كان أصدره وزير التعليم الأسبق طارق شوقي في عام 2018، وهو ما يفتح الباب للزيادة السنوية بهذه النسبة.

نص قرار وزير التربية والتعليم في عام 2018 بتنظيم مصروفات باص المدرسة

ويشير رئيس جمعية أصحاب المدارس الخاصة إلى أن بعض المدارس تضطر لرفع المصروفات أكثر من 25%، لأن الباص أحيانًا لا يكون مملوكًا للمدرسة، وتابع لجهات أخرى مثل الشركات السياحية، وتتعامل معه المدرسة باعتباره مواصلة مؤجرة بسعر أعلى مقابل مستوى أفضل من الخدمة.

البحث عن سيارة أرخص 

دفع ارتفاع تكاليف الباص ميساء للجوء لسائق خاص يوصل ابنتها بمصاريف شهرية 2500 جنيه "ما يعادل حوالي 20 ألف جنيه في السنة، وهي تكلفة كبيرة لكنها الأفضل، فـعروض شركات التوصيل الخاصة لم تقل عن 3000 جنيه في الشهر".

وأسهمَ التضخم المتسارع في اشتراكات باص المدارس في إنعاش بيزنس موازٍ لتوصيل الطلبة، عبر الاتفاق مباشرة مع سائق خاص أو مع تطبيقات النقل الذكية المتخصصة في هذه الخدمة.

تتفاوت أسعار هذه الخدمات، لكن بعض أولياء الأمور يصلون لاتفاقات يوفرون من خلالها آلاف الجنيهات سنويًا من تكلفة النقل.

وحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يصل عدد الباصات المرخصة للخدمة المدرسية لأكثر من 14 ألف أوتوبيس يتركز أغلبها في المدن الحضرية. ولا يوجد حصر بالمركبات التي تقدم هذه الخدمة دون ترخيص، لكنها قد تقع ضمن أسطول الباصات الخاصة التي تتجاوز الـ70 ألف أوتوبيس.

https://public.flourish.studio/visualisation/25736717/

وتشير ميساء إلى أن خدمات النقل الموازية تحاول منافسة باص المدرسة بالاعتماد على جودة الخدمة "الباص سعره مرتفع بالرغم من عدم وجود تكييف!".

فرج هو الآخر قرر التخلي عن باص المدرسة وبات يوصل ابنتيه بالاعتماد على سيارة خاصة بتكلفة 1500 جنيه شهريًا، وتتبع إنجي سمير نفس النهج بتكلفة 1400 جنيه شهريًا.

بالمقابل يضطر بعض أولياء الأمور لتحمل تكلفة باص المدرس الأعلى سعرًا في سبيل أمان أبنائهم، "لا أضمن أمان ابنتي مع السائقين، ولو تأخر الباص ستتحمل المدرسة مسؤولية ذلك على عكس السيارة الخاصة"، تقول أسماء علي، محامية ووالدة لطفلتين لـ المنصة.

تعهدت الحكومة هذا الشهر بتثبيت أسعار الوقود لمدة عام، ما قد يمنح أهالي الطلبة هدنةً قصيرةً لالتقاط الأنفاس، مؤملين ألا تنتهي سريعًا بانعكاس الزيادة الأخيرة على تكلفة الباصات في التيرم الثاني، أو تحت ضغط زيادة جديدة في العام المقبل.