تصميم: سيف الدين أحمد، المنصة 2025
سيدة تحمل أنبوبة بوتاجاز. الصورة الأصلية تصوير محمد شكري الجرنوسي، برخصة المشاع الإبداعي، ويكيبيديا

أنبوبة البوتاجاز .. لا أحد يشتري بالتسعيرة في هذا البلد

منشور الأربعاء 13 أغسطس 2025

قبلَ أسابيعَ تداولت السوشيال ميديا صورًا لمفتش تموين في السويس تنكر في هيئة مواطن لكشف مخالفات مستودعات توزيع أسطوانات البوتاجاز. هذه قصةٌ مبهرةٌ عن محاولات السيطرة على هذه المنظومة، لكنْ على أرض الواقع فإن أسعار الأنابيب تشهد انفلاتًا وتفاوتًا من منطقة لأخرى.

ونظمت وزارة البترول في شهر يوليو/ تموز الماضي حملةً للكشف عن الموزعين الذين يبيعون أسطوانات البوتاجاز بأسعارٍ تزيدُ عن السعر الرسمي. وبالرغم من نشاط هذه الحملة فإن الأسطوانات لا تزال تُباع بأسعار متفاوتة تتجاوز السعر الرسمي 200 جنيه، فلماذا تعجز الحكومة عن ضبط تسعيرة "الأنابيب"؟

المواطن يشكو

بعيدًا عن الأسعار الرسمية، تشير شهادات مواطنين من مناطق متفرقة، تحدثوا لـ المنصة، إلى أن السعر الحقيقي لأسطوانة البوتاجاز يبدأ من 200 جنيه إلى نحو 500 جنيه في بعض المناطق والمناسبات.

تصل الأنبوبة إلى ماجدة الشحات من المحلة الكبرى بسعر يترواح من 280 إلى 300 جنيه "أسرتي تستهلك أنبوبتين شهريًا وفى الشتاء يزيد استهلاكنا في بعض الأوقات، كده بدفع في الشهر 560 أو 600 جنيه حسب السريح اللى بيجيبها، وفى الشتاء ممكن نعاني من عدم توفرها".

في محافظة أسيوط، يتغير سعر الأنبوبة حسب الموسم "بس مش بيقل عن 300 جنيه وفى المواسم تصل إلى 500 جنيه، ولو فيه فرح عندنا واحتاجنا الأسطوانات عشان الفرح بتوصل لـ700 جنيه، والسريحة بيبلغوا بعض، يعني لو رفضت آخد من واحد بيبلغ زمايله عشان ما حدش يبيعلي"، كما يقول أحمد سعد.

ولا ينجو سكان العاصمة من انفلات التسعيرة أيضًا، وتؤكد نورا أبو عوف من مدينة نصر أنها تشتري الأسطوانة بـ300 جنيه، وتفيد علياء عصام من حدائق أكتوبر بأنها تحصل عليها بـ270 جنيهًا.

الحكومة تستجيب

على الرغم من تأسيس شركة حكومية في مطلع الألفية لتوزيع أسطوانات البوتاجاز، لكن بوتاجاسكو بعد ربع قرن من التأسيس لا تتمتع إلا بحصة محدودة لا تمكنها من ضبط منظومة التوزيع، في وقت توجَّه فيه الاتهامات لشركات التوزيع الخاصة برفع السعر. 

وفق مصدر مطلع في بوتاجاسكو، طلب عدم نشر اسمه، فإن الشركة لا تستحوذ حاليًا سوى على 18 إلى 22% من إنتاج بتروجاس، الشركة العامة المسؤولة عن توفير وتعبئة غاز البوتاجاز لشركات التوزيع، بينما يستحوذ القطاع الخاص على النسبة الباقية.

وتلعب الدولة دورًا رئيسيًا في منظومة تخزين وتعبئة البوتاجاز، الذي تعده استثمارًا استراتيجيًا لتجنب اختناقات توفير الطاقة لملايين الأسر التي لا يصلها الغاز الطبيعي، وتشمل هذه الاستثمارات رفع الطاقات الإنتاجية لبتروجاس، التي أنشئت بنهاية السبعينيات، أو تأسيس شركة "سونكر" بمساهمات حكومية، التي بدأ تشغيل منظومتها لاستقبال غاز البوتاجاز من الخارج قبل نحو خمسة أعوام.

لكن على مستوى قطاع توزيع الأسطوانات للمواطنين، فباعتباره مشروعًا جاذبًا لصغار المستثمرين يخضع لهيمنة القطاع الخاص، ويمثل عدد موزعي القطاع الخاص عدة أضعاف عدد فروع بوتاجاسكو، "القطاع الخاص يبيع الأسطوانة بهوامش أرباح مضاعفة دون تحمل أعباء تشغيلية مماثلة للقطاع العام"، يقول مصدر بوتاجاسكو.

يوضح الرئيس السابق لشعبة المواد البترولية باتحاد الغرف التجارية السابق، حسام عرفات، كيف تسببت الدولة في الأزمة بينما تسعى للحل، إذ سمحت للقطاع الخاص بدخول منظومة تداول أسطوانات البوتاجاز بهدف تخفيف الضغط على الكيانات الحكومية في عملية التوزيع، لكن بدلًا من ذلك سيطر على هذه السوق باستحواذه على 80% منه، "هناك نحو 3250 متعهدًا ومركز توزيع لأسطوانات البوتاجاز من القطاع الخاص مقابل 185 مركزًا فقط تتبع بوتاجاسكو".

ولا تقتصر تحديات بوتاجاسكو على ضَعف عدد الفروع، لكنها تعاني من سوء التوزيع الجغرافي، وانتشارها ضعيف في محافظات الأطراف مثل شمال وجنوب سيناء والإسماعيلية ومطروح والوادي الجديد والبحر الأحمر ، حسب مصدر بوتاجاسكو.

ورغم تعدد الجهات المسؤولة عن الرقابة على توزيع الأنابيب، التي تشمل البترول والتموين، فإن عرفات يؤكد غياب التنسيق بين هذه الجهات إلى حد كبير. "المنظومة تُدار حاليًا من خلال تعليمات تنفيذية فقط، دون وجود تشريع موحد يُنظم عمل جميع الأطراف، وهو ما يؤدي إلى تفاوت في تطبيق التعليمات، وغياب معايير موحدة للرقابة والتوزيع".

مفتش التموين مظلوم 

مع الأعباء الملقاة على كاهل مفتشي التموين، فإن جهودهم لا تكفي لضبط المنظومة، وكما تفيد المصادر فإن الدولة لا تتيح لهم الإمكانات الكافية للقيام بدورهم.

ويلقي مسؤول سابق في وزارة التموين، كان مطلعًا على قطاع التجارة الداخلية، في تصريح لـ المنصة بمسؤولية "أزمة تسعير الأسطوانة لتراجع دور الإدارة المركزية للرقابة على التموين التي أصبحت شبه غائبة بعد خروج معظم موظفيها على المعاش، دون تعيين بدائل حتى الآن".

وقبل عامين، أقر مساعد أول وزير التموين في حوار تلفزيوني بعدم كفاية عدد مفتشي التموين للقيام بدورهم الرقابي. ويشرح المصدر، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن وزارته هي المسؤول الرئيسي عن الرقابة على عملية التوزيع، بينما تقتصر مسؤولة وزارة البترول على تخزين وتعبئة غاز البوتاجاز، لذا فوجود خلل في "التموين" يؤثر بقوة على المنظومة بأكملها.

يشدد المصدر على أن عدم كفاية عدد مفتشي التموين أدى إلى انفلات الأسعار في العديد من المناطق، مؤكدًا أن الحل الجذري يتمثل في تعيين مفتشين جدد لدعم الدور الرقابي للوزارة.

القطاع الخاص يدافع

الأنابيب من السلع القليلة التي لا تزال تخضع لقوانين التسعير الجبري، لذا تمتلك الدولة صلاحية فرض عقوبات على المخالفين لـ"التسعيرة"، لكن عاملين في القطاع الخاص يرون أن هذه القوانين لا تُعبّر عن الواقع.

ويؤكد رئيس أحد المستودعات لـ المنصة أن شركات القطاع الخاص العاملة في منظومة البوتاجاز تسدد رسوم ترخيص سنوية للهيئة العامة للبترول، وتخضع للضرائب العامة باعتبارها كياناتٍ تجاريةً، ولا تحصل على امتيازات كافية مقابل ما تدفعه للدولة.

كذلك يرى الرئيس السابق لشعبة المواد البترولية حسام عرفات أن أرباح شركات التوزيع لا تتناسب مع حجم مصاريفها ما يضعها تحت ضغط مستمر قد يدفعها لزيادة سعر الأسطوانة عن السعر الرسمي.

وخلال السنوات الأخيرة طبقت الحكومة زيادات متسارعة على السعر الرسمي لأنابيب البوتجاز ضمن مساعيها لتخفيف عبء دعم الفارق بين سعر غاز البوتاجاز المستورد وسعر "الأنبوبة" في الأسواق، وهو ما يؤكد عليه جمال القليوبي أستاذ هندسة البترول والطاقة.

رغم الزيادات المتسارعة في أسعار إسطوانات البوتاجاز مؤخرًا فإنها ما زالت ضمن المواد البترولية التي تُدعم من الدولة، "السعر الحقيقي لإنتاج الأسطوانة المنزلية حوالي 385 جنيهًا بينما تباع للمواطن بـ200 جنيه فقط في المستودعات، أي أن الدولة تتحمل دعمًا قدره 145 جنيهًا لكل أسطوانة"، يقول القليوبي لـ المنصة.

تطور السعر الرسمي لأسطوانات البوتاجاز
العام سعر الأسطوانة بالجنيه
2012 5
2013 8
2016 15
2017 30
2018 50
2019 65
2021 70
2023 75
2024 150
2025 200

الحل منظومة رقمية 

يضع الدكتور جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة، مسارين لمواجهة مخالفات تسعيرة البوتاجاز؛ الأول هو التوسع في نشر الغاز الطبيعي بديلًا عن البوتاجاز الذي نعتمد بشكل كبير على استيراده، وهو المسار الذي بذلت فيه الدولة بالفعل جهدًا خلال الفترة الأخيرة.

يشرح أن مصر كانت تستهلك نحو 4.3 مليون طن بوتاجاز سنويًا قبل 2017 تستورد 2.3 مليون طن منها، ومع توصيل الغاز لأكثر من 9.2 مليون وحدة خلال آخر 7 سنوات انخفض استهلاك الأسطوانات إلى نحو 760 ألف أسطوانة يوميًا فقط وانخفضت الواردات إلى 1.4 مليون طن.

أما المسار الثاني فهو تأسيس منظومة رقمية شاملة لمراقبة مستودعات التوزيع بهدف تتبع عملية بيع الأنبوبة والسعر المباعة به. وفق القليوبي، نحن "في حاجة لمنظومة تتبع رحلة كل أسطوانة بوتاجاز حتى وصولها للمواطنين، ما يضمن عدالة التوزيع وعدم التلاعب في السعر أيضًا".