صفحة وزارة البترول على فيسبوك
وزير البترول كريم بدوي يستقبل سفينة تغويز أمريكية، 26 مايو 2025

تصل تكلفة إيجارها لـ9 ملايين دولار شهريًا.. لماذا تحتاج مصر 4 سفن تغويز؟

محمود سالم
منشور الأحد 1 يونيو 2025

قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، الأربعاء الماضي، إن الحكومة تستهدف تدبير 4 سفن "تغويز" خلال الفترة المقبلة لتجنب تكرار مشكلة انقطاعات التيار الكهربائي، وتمثل تكلفة استئجار هذه السفن عبئًا جديدًا على الموازين الخارجية لمصر، لكن الخبراء يقولون إنها باتت ضرورية مع ضعف الإنتاج المحلي وعدم انتظام توريد الغاز الإسرائيلي.

90 شحنة لمواجهة مشاكل الصيف 

حسب مصدر مسؤول في الشركة القابضة للغاز الطبيعي "إيجاس" التابعة لوزارة البترول، فإن الشركة تستهدف تشغيل 5 سفن تغويز (إعادة الغاز المسال إلى طبيعته الأصلية) خلال العام المالي 2025-2026، لسد فجوة استهلاك الغاز الذي يصل لذروته في فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الاستهلاك المنزلي.

وأوضح المصدر لـ المنصة، الذي طلب عدم نشر اسمه، إن 4 سفن سيجري العمل بها خلال الفترة من يوليو/تموز حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل، على أن تدخل السفينة الخامسة مرحلة التشغيل خلال 2026، مضيفًا أن السفن تتبع النرويج وأمريكا وألمانيا وتركيا وقبرص.

وبدأت وزارة البترول التوسع في استئجار وحدات التغويز في 2024 بالتعاقد مع سفينة شركة هوج جاليون الأسترالية، في ظل انخفاض إنتاج البلاد من الغاز وعدم انتظام تدفق الغاز الإسرائيلي خلال الحرب على غزة.

وتكررت مشكلة عدم انتظام ضخ الغاز الاسرائيلي مجددًا قبل نحو أسبوعين بسبب ما تردد عن أعمال صيانة في الحقول الإسرائيلية.

وحسب المصدر، فإن وزارة البترول لا تزال تعتمد في الوقت الحالي على سفينة "هوج جالون" فقط، القادرة على استيعاب نحو 5 إلى 7 شحنات غاز مسال شهريًا، قبل أن يبدأ التوسع في استخدام السفن خلال الأسابيع القادمة مع زيادة الاستهلاك.

وتشير تقارير إلى أن استهلاك مصر من الغاز يرتفع إلى 6.5-7 مليار قدم مكعب يوميًا خلال ذروة الاستهلاك في فصل الصيف.

"القابضة للغاز الطبيعي تقوم حاليًا بإتمام التجهيزات الفنية اللازم لتشغيل سفينة تغويز ثانية Energos Power والتي وصلت مصر الاثنين الماضي، سيتم تشغيلها تجريبيًا لمدة 5 أيام على أن تبدأ في استقبال كميات من الغاز المسال بداية من الأسبوع الأول لشهر يونيو" كما يضيف المصدر.

كانت وزارة البترول استقبلت الشهر الماضي السفينة Energos Power، التابعة لشركة نيوفورتريس الأمريكية، في ميناء الإسكندرية قادمة من ألمانيا، وتبلغ سعتها التخزينية 174 ألف متر مكعب من الغاز.

ويشرح المصدر أن تنامي عدد سفن التغويز يعود بالأساس للاحتياج المتزايد لاستيراد الغاز المسال، حيث تستهدف "البترول" لاستيراد 80 - 90 شحنة غاز مسال خلال الفترة من يونيو إلى ديسمبر المقبل، التي سيجري تدبيرها من خلال عدد من الموردين العالميين ليتم تغويزها وضخها للشبكة.

ويقول المصدر إن "إجمالي الغاز المتاح بالسوق يصل لحوالي 5 مليارات قدم مكعب يوميًا، الذي يشمل الإنتاج المحلي والكميات الواردة من إسرائيل، لذا اضطرت إيجاس للتعاقد على شحنات إضافية من الغاز المسال لسد الفجوة الحالية في السوق".

ويضيف أن إيجاس وضعت في اعتبارها فترات زيادة الاستهلاك عن المعدلات المعتادة، لذا خططت لأن تكون واحدة من السفن الأربعة "سفينة احتياطية" يتم الاعتماد عليها في فترات ذروة الاستهلاك.

وعن تكلفة استئجار سفن التغويز، يشرح المصدر أنها تتراوح من 7 إلى 9 ملايين دولار شهريًا، ما يمثل عبئًا على موازنة وزارة البترول الخاصة بتدبير احتياجات السوق المصرية من الغاز والوقود.

وأظهر الميزان التجاري لمصر عن النصف الثاني من عام 2024 ارتفاع واردات مصر البترول بأكثر من ثلاثة مليارات دولار  مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق لتصل إلى 9.6 مليار دولار.

حقبة جديدة

وكان اتجاه مصر للاعتماد على استيراد الغاز الاسرائيلي في 2020 مثار جدل واسع، ليس فقط بسبب الرفض الشعبي للتعامل مع إسرائيل ولكن لأنه كان ناتجًا عن تحول البلاد من مصدِّر صافٍ للغاز إلى مستورد، ومع تذبذب ضخ الغاز الإسرائيلي يبدو أن مصر تدخل حقبة جديدة من الاعتماد على الغاز المسال.

"فاتورة استيراد الغاز المسال ستثقل كاهل الموازنة العامة للدولة بما يتراوح من 1.5 إلى 2 مليار دولار شهريًا، كان من الأفضل أن نستغل هذه المبالغ في الاستثمار في عمليات استكشاف وتنمية للحقول" كما يرى رئيس جهاز تنظيم الكهرباء الأسبق حافظ السلماوي.

ويضيف السلماوي لـ المنصة أنه في ظل ضعف الإنتاج الحالي من الغاز، فإن التغويز "داء لا بد منه" لتفادي توقف محطات الكهرباء خلال فصل الصيف.

وكان مصدران قالا لـ المنصة في تقرير سابق إن نحو ثلث احتياجات محطات الكهرباء من الغاز يتم تلبيته بالاعتماد على الاستيراد، ما يزيد من مخاطر انقطاع الكهرباء في حال عدم تدبير الشحنات المستوردة.

"محطات الكهرباء التقليدية تستحوذ حاليًا على نحو 61% من استهلاك الغاز المتاح بالسوق ما يعني أن التعاقد على سفن التغويز وشحنات الغاز المسال هي السبيل الوحيد أمام وزارة البترول لتدبير احتياجات وزارة الكهرباء" كما يضيف السلماوي.

خسائر عدم الاستيراد 

التكلفة الكبيرة لاستيراد الغاز المسال تجنبنا خسائر أخرى قد نتعرض لها في القطاع التصديري، كما يرى الخبير البترولي رمضان أبو العلا في تصريح لـ المنصة

ويشير في هذا السياق إلى أن تعويض استهلاك المنازل للغاز على حساب الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، يعرض الأخيرة لمخاطر توقف ضخ الغاز، ومن ثم تتراجع صادراتنا من سلع مثل الأسمدة.

وخلال الشهر الماضي، كشفت شركة أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية، التي تصل صادراتها لأكثر من 31 دولة، عن تخفيض كميات الغاز الطبيعي الموردة لمصانع الشركة لمدة أسبوعين.

"تكلفة استيراد الغاز كبيرة في الوقت الحالي مع وصول متوسط سعر الغاز إلى 12 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية، لكنه السبيل الوحيد لعدم تضييع فرص تصدير منتجات كيماوية وأسمدة"، كما يضيف أبو العلا.

منذ توليه لوزارة البترول في 2024، كرَّر كريم بدوي تصريحات عن خطط لتحفيز الإنتاج المحلي، كان آخرها قبل أيام عندما تعهد بأن تناقص معدلات الإنتاج من البترول و الغاز سوف يتوقف خلال الشهرين المقبلين. ويقول الخبراء إن نجاح زيادة الإنتاج المحلي باتت ضرورة قصوى في الوقت الراهن للسيطرة على فاتورة استيراد الطاقة.

"الوضع الراهن لا يتعلق فقط بتراجع تدفقات الغاز الإسرائيلي لكن أيضًا بانخفاض الإنتاج المحلي من الغاز الذي يلامس مستوى أقل من 4.5 مليار قدم مكعبة في اليوم"، كما يقول الخبير البترولي مدحت يوسف لـ المنصة.

ويوضح مصدر مطلع على استكشافات النفط والغاز بوزارة البترول لـ المنصة أن "إنتاج الزيت الخام تراجع بنحو 10% خلال الفترة من 2022 وحتى الآن، في حين تراجع إنتاج الغاز بنحو 22 إلى 26% نتيجة تراجع معدلات التنمية للحقول الغازية، خاصة في المياه العميقة بالبحر المتوسط وخليج السويس".

ويضيف المصدر، طالبًا عدم نشر اسمه، أن ما زاد من عبء تدبير الغاز أن "تراجع الإنتاج تزامن معه ارتفاع في مستوى الاستهلاك، حيث شهدت السوق المحلية خلال 2025 ارتفاعًا بنحو 14% في استهلاك الغاز عن العام الماضي 2024".

وقدَّر المصدر قيمة الفاتورة الشهرية المتوقعة خلال الربع الأول من 2025 الحالي بنحو 1.9 مليار دولار، بسبب ارتفاع حجم واردات الغاز المسال التي سيتم استيرادها. 

وشدد المصدر على حتمية التوسع في عمليات البحث والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي من خلال الطروحات الجديدة للمزايدات لتعظيم موارد إنتاج الغاز وتعويض التناقص الحادث على مستوى الحقول القائمة حاليًا، التي تعتمد عليها مصر كرافد رئيسي لإنتاج الغاز الطبيعي وسد الجانب الأكبر من استهلاكات محطات الكهرباء والقطاعين الصناعي والتجاري.