
اتفاق الغاز مع إسرائيل.. مخاطر أكبر من المكاسب
قبل ثلاثة أيام خرج وزير الطاقة الإسرائيلي متحدثًا عن صفقة وصفها بالتاريخية مع مصر، تفضي لزيادة كميات الغاز المصدر إليها من إسرائيل بـ130 مليار متر مكعب فوق الاتفاق الأصلي في إطار اتفاق طويل الأمد حتى 2040 وبقيمة 35 مليار دولار.
اشتعل النقاش على السوشيال ميديا بين معارض للصفقة، أو على الأقل لتوقيتها أو ربما توقيت الإعلان عنها، ومتفهم لضرورات عقدها في ضوء احتياجات مصر المتزايدة من الطاقة، وما يُشاع عن حصول مصر على سعر تفضيلي في إطار اتفاق يؤمِّن قدرًا من استهلاكها لسنوات طويلة قادمة بشكل منتظم.
سياسة وأمن واقتصاد
انطلق فريق من المعارضين من أرضية سياسية بحتة متصلة بحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة بلا هوادة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. يرى هؤلاء الاتفاق من زاوية معارضة لأي تطبيع بين مصر وإسرائيل من باب التضامن مع الشعب الفلسطيني من قبل أكبر دولة عربية (سكانًا).
أما الفريق الآخر من المعارضين، فيبنون موقفهم على اعتبارات أمنية تتصل بالتناقضات الاستراتيجية بين مصر وإسرائيل في ضوء الحرب على غزة، خصوصًا ملف تهجير الفلسطينيين من غزة، الذي لا يمكن أن يحدث إلا على حساب مصر بصورة أو بأخرى.
الاعتماد على دولة عدوانية ليس خيارًا جيدًا
حتى إن لم تتحقق مخاوف مصر في هذا الصدد، وحسب هؤلاء، فإن الاعتماد المتزايد على دولة عدوانية تحكمها مجموعات متطرفة وموغلة في التطرف لا يعد خيارًا جيدًا خاصة في ضوء الأهمية الكبيرة التي يحتلها الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة المصري، خصوصًا ما يتعلق بتوليد الكهرباء، ضاربين الأمثلة بما وقع لبلدان الاتحاد الأوروبي المعتمدة على الغاز الروسي مع اندلاع الحرب في أوكرانيا.
والتجربة القريبة تؤكد ذلك، فمع بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة توقف تدفق الغاز الإسرائيلي إلى مصر، وانعكس ذلك في نقص فادح في الطاقة، أدى لتخفيف أحمال الكهرباء لدرجة غير مسبوقة، فضلًا عن توقف المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة. وفي حالة دولة على هذه الدرجة من العدوانية فإن اضطراب إمدادات الغاز منها سيكون أقرب للقاعدة من الاستثناء.
أين الغاز المصري؟
لا شك أن المسألة خطيرة، إذ تفيد بيانات منظمة الطاقة الدولية في 2023 بأن الغاز الطبيعي بات المصدر الأكبر لتوليد الطاقة في مصر بنسبة 48.7% مقابل 43.8% للبترول، ويرجع هذا بالأساس إلى اعتماد قطاع الكهرباء شبه الكامل على الغاز الطبيعي، إذ بلغ نصيبه في 2023 نحو 76% أي ما يزيد قليلًا عن ثلاثة أرباع مصادر الطاقة التي نولد منها الكهرباء، التي تغطي 100% من سكان القطر منذ 2016.
ازدياد الاعتماد على الغاز الطبيعي مصدرًا لإنتاج الكهرباء جاء خيارًا منطقيًّا في ضوء اكتشافات الغاز الضخمة، بل وبالغة الضخامة حسب الإعلانات الحكومية وقتها في 2015 و2016 ما سمح بتغطية الاحتياجات المتزايدة من الاستهلاك المحلي، والتوسع في التصدير، خصوصًا في خضم الأزمة الأوكرانية في 2022، وصولًا إلى الحديث الرسمي المتواصل عن تحول مصر إلى مركز لتصدير وإعادة تصدير غاز شرق المتوسط.
حقًا تضاعف إنتاج الغاز الطبيعي محليًا في مصر بين 2015 و2021 ليقفز من مليون و309 آلاف تيرا جول إلى مليونين و431 ألف تيرا جول، قبل أن ينخفض بشكل دراماتيكي إلى مليونين و48 ألفًا فقط في 2023، وليواصل الانخفاض بعدها لأسباب لم تُفسر بصورة رسمية قط.
الميزان لصالح العدو
في هذا السياق، تحوّلت مصر إلى استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل بتوقيع اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في 2022.
كان الحديث في البداية عن استيراد الغاز من إسرائيل لإعادة تصديره إلى أوروبا عن طريق محطتي الإسالة في إدكو ودمياط، لكن مع الانخفاض الكبير والمستمر في الإنتاج المحلي تحوّل الحديث عن التوسع في استيراد الغاز من إسرائيل لتلبية الاحتياجات المحلية المتزايدة في مصر، وفي مطلع العام الحالي قُدّر نصيب تدفقات الغاز الإسرائيلي بنحو 14% مما هو متداول في السوق المصرية.
هيكل الصادرات الإسرائيلي لا يعتمد المواد الخام بما فيها الطاقة
ينذر الاتفاق الأخير بزيادة الاعتماد المصري على تدفقات الغاز من إسرائيل، ليس من أجل إعادة التصدير إلى أوروبا، الذي من شأنه أن يضع طرفًا ثالثًا، ومن ثم ضامنًا لاستمرار تلك التدفقات، بل في إطار علاقة ثنائية بحتة تعتمد فيها مصر على دولة ربما ليست عدوًا بالمعنى الرسمي، لكنها ترتبط بمخاطر استراتيجية جمة ليس أقلها ملف التهجير والحدود مع قطاع غزة، وبما يقلل من أهمية كون الاتفاق طويل الأجل أو بأسعار تفضيلية، وهو أمر بالمناسبة لا نعرفه على سبيل اليقين رغم ترديد بعض الأبواق له كأحد مكاسب الاتفاق المحتملة.
لا يبدو من التفاصيل حتى الآن أننا بصدد علاقة تقوم على الاعتماد المتبادل (من الزاوية الاقتصادية وبتجاهل الاعتبارات السياسية والأمنية المذكورة أعلاه) لأنه على الرغم من ضخامة مبلغ الصفقة (35 مليار دولار على مدار 15 سنة) فإن هيكل الصادرات الإسرائيلي لا يعتمد كثيرًا على تصدير المواد الخام بما فيها الطاقة.
تفيد بيانات 2024 بأن صادرات الطاقة الإسرائيلية مثّلت 7.3% من إجمالي قيمة الصادرات، فيما كان 50% من الصادرات مستندًا إلى منتجات ذات محتوى تكنولوجي وعلمي ومهاري مرتفع، بدءًا من الأجهزة الكهربائية والإلكترونيات (21%) مرورًا بالأجهزة الطبية (12%) والآلات والمراجل (8.3%) وقطع غيار الطائرات (3.5%) والأدوية (3%) والسلاح بالطبع (2.9%).
إذا أخذنا المتوسط السنوي لقيمة الصفقة الإجمالي سنكون بصدد 2.3 مليار دولار سنويًا، أي 3.8% من قيمة الصادرات الكلية في 2024، وهي نسبة قد تكون كبيرة لكنها قطعًا ليست غالبة، بالتالي لن تكون كافيةً لمنع أي حكومة إسرائيلية مستقبلية من استخدام اعتماد مصر على الغاز لتوليد الكهرباء ورقة ضغط في ملف التهجير أو غيره، الذي بات هدفًا معلنًا لدى الحكومة الإسرائيلية الحالية، كتطبيق لمبادرة الرئيس ترامب لتفريغ قطاع غزة من سكانه، التي كانت في صيغتها الأصلية تخاطب مصر والأردن لاستقبال الغزيين قبل 6 أشهر لا غير.
مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.