تصميم المنصة

خطة لابيد: لنورّط العرب في "العمل القذر"

منشور الاثنين 7 يوليو 2025

كان لزيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وزعيم المعارضة الحالي يائير لابيد إلى الإمارات نهاية الأسبوع الماضي، ولقاء رئيسها ووزير خارجيتها، ثم الظهور مع الإعلامي المصري عماد الدين أديب في حوار تسويقي انتخابي، معنى وحيد، أدركته الدوائر الإسرائيلية الموالية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سريعًا، خاصة بعدما غرّد الضيف متباهيًا بصداقته لحكّام أبوظبي.

صحيفة معاريف نقلت عن مصادر مقربة من نتنياهو "احتجاجًا وانزعاجًا" مما وصفه مساعدو رئيس الوزراء في تصريحات لهيئة البث الإسرائيلية بـ"التدخل غير اللائق في الشؤون المحلية" في إشارة إلى الدعم الإماراتي لمعارضي نتنياهو، خاصة وأن بن زايد التقى من قبل رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، ولم يدعُ نتنياهو لزيارة أبوظبي ولم يلتق به رسميًا منذ توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية في واشنطن عام 2020.

تتقاطع الإشارات التي التقطها نتنياهو ودائرته مع جهود لابيد الحثيثة لتقديم نفسه بديلًا، خاصة وأن الحوار أُفردت فيه مساحة كبيرة لقراراته لو كان في السلطة خلال طوفان الأقصى، وترويج خطابه في أوساط اللوبي الصهيوني بالولايات المتحدة وأوروبا، وجولاته المتتالية لمحاولة تعويض تراجع شعبيته في الداخل الإسرائيلي، وأظهرت استطلاعات رأي حديثة تراجعه بمعدل أكبر من تراجع نتنياهو نفسه، وبانتقال جزء من كتلة حزبه التصويتية إلى أفيجدور ليبرمان ويائير جولان، وبالتأكيد سوف يتراجع أكثر إذا خاض بينيت الانتخابات القادمة على رأس حزب جديد.

لكن لابيد ما زال يحمل توصيف "زعيم المعارضة" الذي يضفي عليه جديّة استثنائية، كتلك التي حظي بها خلال زيارته إلى واشنطن في فبراير/شباط الماضي ليقدم لدوائر اللوبي والسياسيين اليمينيين رؤية لإنهاء حرب غزة، جوهرها فرض وصاية مصرية على القطاع حتى 15 عامًا مقابل حوافز مالية لمصر تشمل إسقاط ديونها "لأنها دولة إسلامية سُنية ومعتدلة وبراجماتية ومحورية في المنطقة ولها خبرة في القضاء على الإرهاب" الأمر الذي استدعى ردًا رسميًا مصريًا بالرفض.

الوجه الآخر لعملة رديئة

وكما أن القوة كفيلة بقمع أي مقاومة وتحقيق المكاسب، بمنطق نتنياهو، فإن لابيد يحاول الترويج للوجه الآخر من العملة الصهيونية الرديئة: كل شيء قابل للشراء بمقابل مادي، بما في ذلك حمل العرب على أداء العمل القذر بدلًا من إسرائيل!

مستفيدًا من خبراته الصحفية في مخاطبة الرأي العام المحلي والدولي، يمضي لابيد مرددًا خطابًا لا يختلف كثيرًا في صلبه عن أفكار نتنياهو. اعتبرت جيروزاليم بوست ذلك أحد أسباب تراجع شعبيته. لكن الاختلافات تكمن في إطار الحركة ووسائل التنفيذ، وكأنه يتحرك في المساحات التي يتعمد نتنياهو تجاوزها ليبدو أكثر صلابة. فيهوّن من العقبات ويصوّر أن السلام مع العرب، بالشروط الإسرائيلية، كفيل بحل القضية الفلسطينية وتصفية حماس والمقاومة بتياراتها كافة، بجهود عسكرية أقل ونفقات مالية مُرشّدة.

بالمنهج التحليلي الغربي الجديد الذي اعتمده مؤخرًا بعض العرب تبدو تصريحات لابيد إيجابية

يعتاد لابيد دهس الحقائق، المزعجة لناخبيه والمخزية لدولته وجيشه في سبيل تكريس "حقائق بديلة" يستهدف من خلالها إقناع دوائر اللوبي بأنه القائد المناسب لإسرائيل بعد فواتير نتنياهو الباهظة ماليًا وسياسيًا. لن يسمح بالتراجع عمّا تحقق من أهداف أبرزها تحويل إسرائيل إلى أهم قوة عسكرية في المنطقة وإلحاق أضرار عسكرية واستراتيجية هائلة وغير قابلة للإصلاح بإيران وحلفائها، لكنه سيبدأ عصرًا جديدًا تقوم فيه مصر والحلفاء العرب الآخرون بما لم يستطع نتنياهو تحقيقه، وهو القضاء على المقاومة وتحويل غزة والضفة إلى منطقتين مدجّنتين إلى الأبد.

في سبتمبر/أيلول 2022 وقف رئيس الوزراء لابيد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، زاعمًا تأييد معظم شعبه لحل الدولتين شريطة أن يتخلى الفلسطينيون عن أسلحتهم وعدم سيطرة حركتي حماس والجهاد الإسلامي على الدولة الفلسطينية حتى لا تصبح غزة أو الضفة الغربية "قاعدة للإرهاب مرة أخرى تهدد رفاه ووجود إسرائيل" زاعمًا تحول الكيان الصهيوني إلى فسيفساء ثقافية رائعة.

هاجم نتنياهو، المعارض الأبرز المتربص آنذاك، خطاب لابيد واصفًا إياه بـ"خطاب الضعف والهزيمة وإحناء الرأس، وإعادة فلسطين إلى المنصة الدولية" واتهمه بتعريض مستقبل الدولة للخطر بذكر حل الدولتين.

حقائق يخفيها ركام الإبادة

وفقًا للمنهج التحليلي الغربي الجديد الذي اعتمده مؤخرًا بعض العرب، ويجعل من طوفان الأقصى لحظة بداية الصراع، تبدو تصريحات لابيد سالفة الذكر إيجابية، بل عظيمة، ومبشرة بإمكانية التعاون مع المعارضة الإسرائيلية لتخليص المنطقة من خطط نتنياهو لتكريس سلام الردع.

وتحت نير العدوان الحالي الموصول بالأكاذيب الدعائية، يتناسى أصحاب ذاكرة السمك أن فترة حكم لابيد شهدت بعض أسوأ الأحداث في السنوات الأخيرة قبل حرب الإبادة على غزة. فقد كان المسؤول السياسي الأول عن عملية "الفجر الصادق" التي استهدفت تحديدًا القيادة العسكرية للجهاد الإسلامي واعتبرت امتدادًا للنهج المعتاد بتوجيه الضربات الاستباقية، فضلًا عن استمرار إحكام الحصار على غزة لأن "ابنته المصابة بالتوحد كان عليها أن تركض إلى الملجأ في الثالثة صباحًا هربًا من صواريخ الإرهابيين" كما ذكر في الأمم المتحدة، قبل أن يهاجمه المحلل جدعون ليفي متسائلًا عن مشاعر أطفال غزة.

عارض لابيد التحقيق الأممي في الجرائم الإنسانية المنسوبة لعملية "حارس الأسوار" التي أطلقها نتنياهو صيف 2021، وهاجم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريتش بتصريحات شبيهة لما يردده قادة إسرائيل اليوم "نواجه سلسلة حوادث معادية للسامية وظاهرة واضحة العداء لإسرائيل في لجنة التحقيق الأممية، والافتراءات بشأن اللوبي اليهودي ونشاطه في الإعلام تذكرنا بأحلك الأيام في التاريخ الحديث".

وبعد شهرين من حديثه الساذج في الأمم المتحدة دافع لابيد عن المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، والتي شهدت إحداها اغتيال الصحفية بقناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، ورفض بشدة التحقيق الذي لوحت به أمريكا في الواقعة بمعرفة مكتب التحقيقات الفيدرالي، كما تصدى لمطالب الإدارة الأمريكية الديمقراطية بتعاون وزارة العدل الإسرائيلية في هذا الملف.

وعلى طريقة دفاعه في حواره الأخير من الإمارات عن الجيش الإسرائيلي "الذي يقدم المساعدات لأعدائه" لم يجد لابيد غضاضة وهو يتشدق بحل الدولتين في الإصرار على مقاطعة السلطة الفلسطينية ورفض لقاء رئيسها محمود عباس أبو مازن رفضًا لتصريحاته عن "خمسين محرقة عاشها الشعب الفلسطيني منذ النكبة".

من يسوّق لابيد وماذا يستفيد؟

صورة أرشيفية للقاء جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد مع وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد

من الصعب وصف لابيد بالاحتراف في المغالطة وترسيخ المنطق المعوج، لكنه يبذل قصارى جهده في تزيين الأفكار التي يصارح نتنياهو العالم بها ولا يمل تكرارها، ما يجعل أطروحاته أقرب إلى من لا يروق لهم التوحّش العاري.

على سبيل المثال: يتفق الاثنان على استحالة التنازل عن الجولان، لكن نتنياهو يجاهر منذ مطلع التسعينيات وحتى اليوم بأن بقاءها إسرائيلية للأبد أمر حتميّ لتعزيز قدرة الدولة والجيش على مواجهة التهديدات، وفي المقابل يتعامل لابيد مع "إسرائيلية الجولان" نتيجة منطقية لاعتبارها غير محتلة من الأساس! فاعتبرها في حديثه من الإمارات جزءًا لا يتجزأ من الكيان "لأننا سيطرنا عليها أكثر مما سيطر عليها السوريون" وعلى طريقة إغراء مصر بالمساعدات وإسقاط الديون للسيطرة على غزة أو استقبال أهلها، نجده يشدد على احتياج سوريا الجديدة إلى الإعمار والدعم مما يفتح باب التفاوض حول ملفات كثيرة للتقارب بعيدًا عن الجولان.

مثال آخر: بينما تحرّش نتنياهو إعلاميًا من قبل بالسعودية ودعاها لاستقبال الفلسطينيين في "أراضيها الشاسعة"، نجد لابيد يتحدث عن التطبيع مع السعودية في أعقاب طوفان الأقصى كأساس استراتيجي لشرق أوسط جديد، مبديًا في حديث إلى "المجلة" تفاؤله بأن هذا سيحدث "رغمًا عن الإرهابيين الذين أرادوا تقويض التطبيع بعملية 7 أكتوبر" زاعمًا ثبات العلاقة الخاصة والحوار المثمر مع المصريين.

المحصلة أن تسويق لابيد وخططه اليوم ليس اعتباطيًا وله أربعة تفسيرات محتملة. ربما يتحرك في إطار التنافس السياسي الشخصي بحثًا عن دور يتلقف به إنجازات نتنياهو. وقد يكون مدفوعًا من بعض دوائر اللوبي والشخصيات الأمريكية أو أطراف إقليمية لحكم إسرائيل لتقليص الإنفاق على الآلة العسكرية والتهدئة على بعض الجبهات. ومن الوارد أن بعض الأطراف تعلّق عليه آمالًا ساذجة لاستكمال هندسة المنطقة على الطريقة الصهيونية بأساليب أخف وطأة. أو أنه يُستخدم لإجبار نتنياهو على تخفيف ضغوطه، لا سيما تجاه بعض الأنظمة العربية.

تتفق تلك الاحتمالات الأربعة، منفردة أو متكاملة، في خطورة الآثار. فمن الواضح أن أفكار لابيد لـ"اليوم التالي" تتمحور حول توريط مصر واستنزاف إمكاناتها وبث بذور الفتنة بينها وبين الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة، إلى جانب استخدام أموال العرب ليس لإعمار غزة وتحسين الأوضاع المعيشية في الضفة الغربية بل لتأسيس حكومة دُمية عميلة، كان يتمنى إنشاءها في أعقاب 7 أكتوبر حسب حديثه من الإمارات، تتولى القمع المباشر بدلًا من الجيش الإسرائيلي، وتقضي على ما تبقى من أحلام لدولة فلسطينية قابلة للحياة.

مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.