
لا نهاية سعيدة للهجوم الأمريكي على إيران
لن تكون هناك نهاية سعيدة لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التدخل مباشرة في الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل وقصف المواقع النووية الثلاث فوردو ونطنز وأصفهان، خصوصًا مع الوضع في الاعتبار الطريقة التي تتطور بها الأوضاع في المنطقة منذ هجوم السابع من أكتوبر 2023 من سيئ إلى أسوأ.
افتراض ترامب، والتقديرات المتفائلة، هو أن تصدِّق طهران ما ورد في خطابه بعد ساعتين من الهجوم بأن هذه ضربة منفردة للقضاء على برنامجها النووي، وتخضع لتهديده وتتجنب الرد حتى لا تواجه ضربات أكثر قسوةً وتدميرًا من ضمن قائمة أهداف طويلة.
إيران المتفردة في نظامها السياسي الذي يتحكم فيه رجال الدين الشيعة، ويخشاها كل جيرانها من دول الخليج النفطية الثرية ذات الأغلبية السنية، تمتلك بكل تأكيد كافة الإمكانات لإشعال المنطقة برمتها لو قررت العمل بمنطق الانتقام "عليَّ وعلى أعدائي" ردًا على الضربة الأمريكية، مثلما ترد على الحملة الإسرائيلية المكثفة التي كشفت في بدايتها مدى الاختراق العميق لدوائر الحكم مع استهداف كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين والعديد من المواقع العسكرية الحساسة.
سفينة أو اثنتان تكفي لإغلاق مضيق هرمز الذي يمر من خلاله 25% من النفط والغاز الذي يستهلكه العالم، خصوصًا الصين، ما سيضاعف سعر برميل النفط دافعًا الاقتصاد العالمي نحو كارثة محققة. عدة طائرات مسيرة متقدمة مزودة بالمتفجرات تكفي لتحويل كل دول الخليج إلى كتلة من اللهب لو استهدفت حقول النفط والغاز، على غرار هجوم الحوثيين على مواقع النفط السعودية في 2021.
وغير بعيد عن حقول النفط؛ هناك العديد من القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج والعراق وسوريا والأردن، وكلها أهداف مغرية على مرمى حجر من إيران ولا تحتاج صواريخ متطورة فرط صوتية أو عابرة للقارات. وبجانب كل هذه السيناريوهات الكابوسية المرعبة، تقف عدة ميليشيات وحركات مسلحة موالية لإيران على أهبة الاستعداد.
إيران ليست سوريا
لكن إذا اشتعلت المنطقة، فإن إيران أيضًا ستشتعل وهي تواجه هجمات أمريكية وإسرائيلية تهدف هذه المرة إلى الإطاحة بالنظام الذي ناصبهم العداء طوال العقود الأربعة الماضية، وتُحمِّله إسرائيل مسؤولية شرور العالم بما فيها طوفان الأقصى.
هذا الهجوم الذي أذلَّ إسرائيل في حينه، أصبح نقطة التحول التي سعى بعدها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى ما يصفه بـ"تغيير خريطة الشرق الأوسط" ليس فقط بالتخلص من وجود حماس في غزة، لكن بالقضاء على النظام الذي يقدم الدعم لكل ما يسمى بمجموعات "محور المقاومة". فبعد إعادة احتلال قطاع غزة وتحجيم حزب الله، وانهيار النظام السوري السابق الموالي لطهران، جاء الآن دور الراعي الرسمي نفسه في خطة نتنياهو كخطوة ضرورية لتمكينه من رسم خريطة الشرق الأوسط كما يشاء.
يحلم نتنياهو وأنصاره في إسرائيل بتكرار السيناريو السوري في إيران، خاصة بعد أن كشفت الهجمات الأمريكية والإسرائيلية مدى وهن النظام وسهولة اختراقه، لدرجة زرع عملاء للموساد داخل إيران أطلقوا صواريخ ومسيرات هرَّبوا أجزاءها على مدى سنوات. فما المانع من أن يصبح هجوم 13 يونيو ثورة شعبية تطيح بنظام الملالي المعروف بقبضته المتشددة؟
ولكن إيران ليست سوريا، ولم يواجه نظامها حربًا أهلية متواصلة تدخلت فيها كل دول العالم كما حدث مع نظام بشار الأسد. صحيح أن النظام يخضع لعقوبات أمريكية ودولية قاسية منذ قيامه، لكنه استطاع الصمود في مواجهتها بل وتمكن من تطوير قدراته العسكرية وتوسيع نفوذه في المنطقة.
ورغم كل السمات القمعية للنظام الإيراني وتمحوره حول مرشدٍ أعلى يمثل ظل الله على الأرض، فإن الضربات الإسرائيلية ثم الأمريكية، على عكس أمنيات تل أبيب وواشنطن، زادت شعبية النظام ولحمة المجتمع بدلًا من أن تضعف النظام داخليًا وتؤدي لانهياره.
الكرة الآن في الملعب الإيراني بكل تأكيد، ونظامها هو من سيقرر ما إذا كانت الأولوية هي الحفاظ على بقائه بابتلاع ما تلقاه من ضربات دون رد حقيقي، كما حدث عند اغتيال ترامب في رئاسته الأولى قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني في بغداد، أم أن الغلبة ستكون للتيار المتشدد الذي يود تصعيد المواجهة والاستفادة من كل أوراق الضغط العديدة لديه لإلحاق الضرر الفادح بالمصالح الأمريكية والنظم التي ناصبته العداء في منطقة الخليج.
ترامب رجل لا يمكن الوثوق به بعد أن خدع مع إسرائيل العالم كله وبحرفية كبيرة
يعلم النظام الإيراني جيدًا أن مشكلة الولايات المتحدة وإسرائيل في موقفه العقائدي من إسرائيل والولايات المتحدة، لا في قدراته النووية أو الصاروخية. ولكن النظام الإيراني رغم هذا الموقف العقائدي المعلن، يفكر أيضًا بشكل براجماتي ووفقًا لسياسة النفس الطويل. وبالتالي يمكن في حال استطاع احتواء الأهوج ترامب فيما تبقى من سنوات حكمه، أن تظل المعركة ممتدة مع الشياطين الكبرى والصغرى دون الحاجة إلى الذهاب نحو نقطة حاسمة يتطلب الوصول إليها إشعال المنطقة برمتها.
الدرس الأهم
يبقى في النهاية درس مستفاد من الاستهداف الأمريكي لإيران، وهو أن ترامب رجل لا يمكن الوثوق به، بعد أن خدَع مع إسرائيل العالم كله وبحرفية كبيرة، بمنح الجميع انطباعًا بوجود خلافات حقيقية بين واشنطن وتل أبيب بشأن الهجوم على إيران، وأن الرئيس الأمريكي يقاوم ضغوطًا إسرائيلية بتوريطه في الحرب بينما يسعى هو للتوصل لاتفاق مع إيران وتحقيق السلام في المنطقة، بزعم أن إسرائيل تشن حربها بشكل منفرد.
لكن اليوم، يتضح أن الاجتماعات التي عقدها ترامب مع نتنياهو منذ وصوله للبيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني شهدت توافقًا على توجيه هذه الضربة وتخطيطًا لها ولما سيليها، وأن الجانبين يمثلان معًا "فريقًا رائعًا" عمل بتنسيق كامل حسب خطاب ترامب بعد الضربة الأمريكية.
وحتى عندما استُدعي نتنياهو فجأة إلى واشنطن في أبريل/نيسان الماضي، لم يكن ذلك لإخطاره بنية ترامب البدء في التفاوض المباشر مع إيران من أجل التوصل إلى اتفاق، لكن لوضع اللمسات الأخيرة على الضربات العسكرية المقبلة بما يتماشى مع رغبة نتنياهو في إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.
المؤكد أن هذه الخريطة بدأت تتشكل. ولو لم ترد إيران على الضربة الأمريكية بشكل متهور يؤدي إلى تهديد النظام نفسه، فإن الغلبة على المدى القصير والهيمنة ستكون لإسرائيل ومعها حلفاء واشنطن من الدول الخليجية النفطية.
صحيح أن هذه الدول الخليجية، تحديدًا السعودية والإمارات، سارعت إلى إدانة الحرب الإسرائيلية على إيران، وعبَّرت عن خشيتها من اشتعال المنطقة، لكن النظم القائمة هناك ستشعر بارتياح لو حجَّمت الضربات الأمريكية والإسرائيلية المتتالية النظام الإيراني وأوقفته عن تهديد دولها بصفته القوة الإقليمية الأكبر في المنطقة.
وستبقى مصر بكل تأكيد عاملًا مؤثرًا وفاعلًا في تحديد مستقبل المنطقة بما لها من موقع جغرافي وقوة عسكرية لا يستهان بها، ولكن مركز صنع القرار في السنوات المقبلة سيكون في يد حلفاء ترامب الأساسيين في المنطقة؛ إسرائيل ودول الخليج النفطية التي وعدته بما يزيد عن تريليوني دولار من الاستثمارات.
مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.