
دول جوار السودان.. المزيد من الحطب على نار الحرب المشتعلة
بدخول الحرب في السودان عامها الثالث، بدا أن الأزمة تتسع لتشمل دول الجوار، لا سيما مع اتهامات الجيش السوداني لقوات شرق ليبيا وتشاد وجنوب السودان بمساندة الدعم السريع، واعتبار مطاري أنجمينا وأم جرس في تشاد هدفين عسكريين مشروعين للجيش الذي تعرض لهزات عنيفة جراء استهداف مناطق حيوية في ولايات كان تصنّف على أنها آمنة ولم تصلها الحرب.
يتشارك السودان حدودًا بريةً مباشرة مع سبع دول هي مصر وليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا، وحدودًا بحرية مع السعودية.
وتحكم المصلحة والرغبة في تحقيق النفوذ مواقف دول الجوار، ودورها في تفاقم الصراع المستمر منذ منتصف أبريل/نيسان 2023.
ومؤخرًا اتهم الجيش السوداني قوات شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر، في بيان، صدر في العاشر من يونيو/حزيران الحالي بمساندة قوات الدعم السريع في الهجوم على المثلث الحدودي بين مصر وليبيا والسودان، وهو اتهام نفته قوات حفتر.
ومنذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي"، وجَّه طرفا الحرب اتهامات لأطراف إقليمية ودول جوار بتأجيج النزاع الداخلي، ما يثير المخاوف من تحول المناطق الحدودية بين السودان ودول الجوار إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية.
مصالح الجوار المتباينة
يشير محمد خليفة صديق، أستاذ العلوم السياسية بجامعة إفريقيا العالمية، وهي جامعة خاصة مقرها الخرطوم، في حديثه مع المنصة، إلى تباين مصالح دول الجوار وأهدافها من الصراع القائم، حيث تخشى تشاد مثلًا من أن تدفع هزيمة الدعم السريع في السودان حميدتي إلى اللجوء إلى أنجمينا، ما يجعلها تميل إلى مساندة الدعم السريع.
ولدى إثيوبيا مصلحةٌ في استمرار حالة السيولة الأمنية في المنطقة المتاخمة لحدود السودان الشرقية، ما يزيد وفق خليفة صديق من إمكانية استفادة أديس أبابا وتمدد مزارعيها في المنطقة.
يشير أستاذ العلوم السياسية إلى أن الأدوار التاريخية لهذه الدول تحدد موقفها من طرفي السودان، حيث يحظى حميدتي بتقدير لدى حكومة جنوب السودان بعد أن أدى أدوارًا سابقة في عمليات اتفاقيات سلام جوبا، كما يعد التقارب بين ليبيا وحركات دارفور المسلحة بما فيها قوات الدعم السريع التي شاركت في القتال إلى جانب معمر القذافي حتى سقوطه عاملًا نحو انخراط ليبيا في الصراع الحالي.
بشكل عام يهدد استمرار الصراع الاستقرار في دول الجوار، خصوصًا تشاد وجنوب السودان، وربما كان هذا السبب الذي دفعها للمشاركة في قمة دول جوار السودان التي استضافتها القاهرة في الأشهر الأولى من الحرب، في محاولة من محاولات عدة لوقف الصراع، لم تؤت ثمارها.
تدخلات تغير الموازين
"الفعل الإقليمي موجود في الأزمة السودانية منذ الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير وأضحى أكثر وضوحًا منذ اللحظات الأولى لاندلاع الحرب"، هذا ما تؤكده مديرة البرنامج الإفريقي بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام أماني الطويل لـ المنصة، لافتةً إلى أن موقع السودان الجيوسياسي يؤثر بشكل مباشر في الأمن القومي لدول الجوار، مع التداخل القبلي الواسع عند أطراف البلاد المترامية.
رغم الاتهامات لم تعترف دول الجوار بالتدخل في الحرب
انخراط القوى الإقليمية ودول الجوار في النزاع السوداني دفع إلى مزيد من التصعيد، فكل طرف من طرفي الحرب يتلقى دعمًا ومسيرات وتكنولوجيا من الخارج. وتتنافس عواصم عربية وإفريقية على النفوذ في السودان وإطلالتها الاستراتيجية على البحر الأحمر، ووفق مركز مجموعة الأزمات الدولية، وهو مركز بحثي دولي خاص، تدعم دول عربية عدة على رأسها مصر الجيش السوداني، بينما تدعم الإمارات قوات الدعم السريع.
لكن تبقى هناك مشتركات في الدعم الذي تقدمه دول الجوار لطرفي الصراع، إذ إن أيًا منها لا ينخرط مباشرة في الحرب أو يعترف بالتدخل، حيث ترفض الإمارات اتهامها بتسليح قوات الدعم السريع، كما تنفي القاهرة قصف قوات الدعم السريع وإن لم تنكر دعمها للجيش السوداني من منطلق دعم مؤسسات الدولة، وكذلك تنفي باقي دول الجوار ومن بينها تشاد أي مساندة أو تدخل في الحرب.
تشير أماني الطويل إلى محاولة قوى إقليمية توظيف دول الجوار لتحقيق مصالحها بتوجيه دفة موازين القوى لطرف على حساب آخر. وتضرب مثالًا بما جرى في مؤتمر لندن، الذي انعقد في الذكرى الثانية لاندلاع الحرب، وركز على الاستجابة الإنسانية غير أن خلافات مصر والسعودية والإمارات عرقلت الخروج ببيان توافقي مع وجود رؤية إماراتية مغايرة للتعامل مع الجيش السوداني بخلاف موقفي القاهرة والرياض.
الإسناد الذي يتلقاه الدعم السريع يتجاوز الأسلحة والذخيرة
وتحمل قيادات الجيش السوداني مسؤولية خسائرها لدول الجوار ومساندتها قوات الدعم السريع، ويقول التيجاني التوم، وهو قائد ميداني في متحرك الصياد بمحور الأبيض، وهو تشكيل عسكري يتبع الجيش السوداني، إن الإسناد الذي يتلقاه الدعم السريع يتجاوز الأسلحة والذخيرة والعربات المدرعة ويصل إلى المقاتلين الأجانب الذين يشاركون في المعارك، خاصة من دولة جنوب السودان، مشيرًا إلى أن "الجيش أسر مقاتلين من تشاد وإثيوبيا وجنوب السودان".
يؤكد لـ المنصة أن الحدود المفتوحة مع تشاد تشهد استنفارًا واسعًا لمجموعات قبلية وعسكرية، تنتشر أيضًا على الحدود المشتركة مع ليبيا، وهؤلاء هدفهم تأمين وصول الإمدادات لقوات الدعم السريع في دارفور.
ويتحدث الجيش السوداني عن تجنيد الدعم السريع مرتزقةً من دول الجوار، إضافة إلى حصوله على الإمدادات والصناعات والأغذية عن طريق الحدود مع إثيوبيا.
يلفت القائد العسكري الذي ينتمي لحركة العدل والمساواة الدارفورية، جناح جبريل إبراهيم، إلى أن انخراط دول الجوار في الحرب يأخذ أشكالًا مختلفة، وهناك عتاد عسكري وسيارات تستخدمها قوات الدعم السريع في الحركة الخفيفة تأتي من الحدود الليبية.
ورغم تأكيد خليفة صديق على أن التحالفات التي ينسجها الدعم السريع مع دول الجوار تبقيه أقوى من الجيش، ترى أماني الطويل أن الأوزان متكافئة وأن هناك قوة ضاربة مقابل قوة ضاربة، وبينما تتوفر لدى أطراف القدرة على تقديم الدعم اللوجيستي والمادي لشراء الطائرات المسيرة، فإن أطرافًا أخرى لديها قدرات منظومات دفاعية متقدمة يمكن أن تحقق التوازن المطلوب.
لكن في كل الأحوال ومهما بلغت درجة التكافؤ والتوازن، فإن انخراط دول الجوار في وحل السودان ونزاعه الداخلي يطيل أمد الصراع ويفاقمه، ويجعل البلاد أمام سيناريوهات مفتوحة، في حرب لا يستطيع أحدٌ التنبؤ بمآلاتها، ويفاقم الكارثة الإنسانية في البلاد.
ووفق الأمم المتحدة يحتاج أكثر من 30 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي إجمالي السكان، إلى رعاية صحية ومساعدات غذائية، فيما يعاني أكثر من نصف السكان انعدام الأمن الغذائي حد المجاعة في ولاية شمال دارفور وجبال النوبة الشرقية ومناطق أخرى في البلاد.