
مرّ الشرع فاختفى الطلاب.. سوريون عالقون خارج جامعاتهم المصرية
ضاع التِرم ولا استرداد للمستحقات
صيف 2024، كانت خطط وزارة التعليم العالي تحويل مصر إلى وجهة تعليمية لطلاب المنطقة تُحدث أثرًا، إذ قررت ميرا محمد، الشابة السورية المقيمة بقطر، والحاصلة على الثانوية القطرية بتقدير 98.6%، دراسة الطب بمصر.
اختارت جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، وسجلت عبر منصة ادرس في مصر التي دشنتها وزارة التعليم العالي لتيسير إجراءات تقديم الطلاب الوافدين في الجامعات المصرية، يونيو/حزيران الماضي، ودفعت نحو 16 ألف دولار رسوم تسجيل ورسومًا دراسية، حسب والدتها مها فنري لـ المنصة.
إلا أن ميرا لم تحضر سوى فصل دراسي واحد، ثم وجدت نفسها عالقة بالخارج هي ومئات الطلاب السوريين الملتحقين بالجامعات المصرية والمقيمين بدول خليجية، إذ فاتهم الفصل الدراسي الثاني من العام الدراسي الحالي، بعد القرارات التي اتخذتها الحكومة بخصوص دخول السوريين إلى مصر، عقب سقوط نظام بشار الأسد، ووصول الجماعات المسلحة إلى السلطة في دمشق 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
"دفعنا مصروفات التِرم التاني ولم تحضر فيه يوم، ولساتنا بندفع إيجار السكن، وأغراضها وكل شيء هناك. عنا أمل يسمحوا لها بالدخول، الفصل كله راح وقسط الجامعة راح"، تعبِّر والدة الطالبة السورية ميرا عن الوضع الذي وجدوا أنفسهم فيه، وتتمنى أن يحين قريبًا موعد حل أزمة حصول أبنائهم العالقين في الخارج على الفيزا.
ثلاثة قرارات
تحقق الجنسية السورية طفراتٍ في أعداد المقبولين للدراسة بمصر، حسب تصريحات وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الدكتور أيمن عاشور، في 2023.
وعهدت مصر لوزارة التعليم العالي بمهمة تيسير حياة الطلاب الوافدين، إذ تقدِّم لهم الخصومات على الطيران والمواصلات والحفلات، ومن قبل كل ذلك إتاحة الفيزا التعليمية، إلا أن الأمور على العكس مع الطلاب السوريين، تحديدًا من حاملي الإقامات الخليجية، فمنذ منتصف ديسمبر/كانون الأول، صدرت ثلاثة قرارات حالت دون دخولهم مصر، لاستكمال عامهم الدراسي.
ومع تأكيدات القاهرة سياسيًا على "وقوفها بشكل كامل مع الشعب السوري، ودعم تطلعاته المشروعة"، فإنها أمنيًا لم تُخف مخاوفها من وصول مسلحين إلى السلطة، وهو ما تُرجم في اشتراطات جديدة على دخول السوريين لمصر.
بدأت القرارات بعد نحو أسبوع من سقوط الأسد، إذ نقلت صحف عربية في 16 ديسمبر عن مصادر مصرية لم تفصح عن هويتها نبأ إلغاء استثناءات السوريين من حاملي الإقامات الخليجية والأوروبية من الحصول على موافقات أمنية قبل دخولهم البلاد.
والموافقة الأمنية، حسب منصة اللاجئين في مصر، هي إجراء إداري تقوم فيه الأجهزة الأمنية بفحص دقيق لخلفية مقدمي الطلب وتقييم حالتهم. يتطلب ملء استمارة بمعلومات تتضمن الاسم والجنسية ومكان الميلاد والغرض من الزيارة والمدة المتوقعة للبقاء في مصر.
واستكمالًا للقرارات، عمَّمت القاهرة في 29 ديسمبر على شركات الطيران العاملة بمصر قرار عدم السماح بقبول الركاب السوريين القادمين للبلاد من مختلف دول العالم، عدا حاملي الإقامة المؤقتة لغير السياحة بالبلاد.
وفي تفسير لهذه القرارات نفى الطيار عمرو الشرقاوي، رئيس سلطة الطيران المدني المصري، وجود "أي منع"، مبينًا أنه "يشبه القرارات الصادرة من قبل بشأن جميع الدول التي توجد بها نزاعات".
واستدركت القاهرة الأمر في 20 يناير/كانون الثاني، عندما تحدَّث القائم بأعمال السفارة المصرية في دمشق، السفير أسامة خضر، لوسائل إعلام سورية، عن استثناءات ستمنحها القاهرة لثلاث فئات من قرار المنع من دخول البلاد، وكان أولهم "الطلبة السوريين المقيدين للدراسة بمختلف المراحل التعليمية"، لكن يبدو أن هذا الاستثناء ما زال معطلًا رغم مرور شهور عليه، حسب شهادات الطلاب الذين تحدثوا لـ المنصة من خارج مصر، وأكدوا عدم السماح لهم بدخول البلاد، ومن ثم فوات الفصل الدراسي الثاني الذي بدأت امتحاناته الشهر الماضي.
ضوء أخضر مؤقت
يوضح رضوان أحمد، الطالب بالسنة الأولى بكلية الطب جامعة 6 أكتوبر، المقيم في الإمارات، لـ المنصة أنه وكّلَ في يوليو/تموز 2024 مكتبًا خاصًا للتسجيل على منصة "ادرس في مصر"، ودفع له 3000 دولار، وهي مكاتب تنوب عن الطلاب الوافدين في التسجيل بالجامعات المصرية بمقابل مادي يدفعه الطالب بالدولار.
وقبيل سفره إلى مصر زار رضوان القنصلية المصرية بدبي للسؤال عن الفيزا الدراسية، "قالت لي الموظفة إني لازم أحصل على موافقة أمنية للحصول على الفيزا الدراسية، ومشان ما أتأخر على الدراسة قالت لي أقدم على الموافقة وبتأخد شهر لتطلع، مع السفر على مصر بفيزا سياحية تبع الإقامة الخليجية".
وكانت مصر تسمح منذ أبريل/نيسان 2023 بدخول السوريين من حاملي الإقامات الخليجية بغرض تشجيع قطاع السياحة.
يشترط على الطلاب الحجز على شركة مصر للطيران حصرًا إذ تصل الشركة قوائم بأسماء الطلاب الحاصلين على موافقات أمنية
استجاب رضوان لنصيحة الموظفة "قدمت بتاريخ 17 سبتمبر على الموافقة الأمنية، وسافرت على مصر قبل الدراسة بأسبوع في 20 سبتمبر ، ودفعت رسوم التِرم الأول 4200 دولار".
حتى ديسمبر لم تكن الموافقة الأمنية قد وصلته، كما أن فيزته السياحية كانت على وشك الانتهاء، فاضطر رضوان إلى العودة إلى الإمارات في 12 ديسمبر "كنت امتحنت التِرم الأول، خرجت من مصر على أساس أرجع تاني بالإقامة الخليجية"، لكن ذلك لم يحدث "تاني يوم سفري صدر قرار منع دخول السوريين".
توجه رضوان إلى القنصلية المصرية بدبي، عقب تصريحات السفير المصري لدى سوريا باستثناء الطلاب من قرار منع الدخول، "هناك خلوني أقدم على موافقة أمنية تانية ع أساس تلت أسابيع وتطلع، ومن وقتها نفس الوضع لا في رفض ولا قبول ولا أي شي"، مؤكدًا أن "الموافقات الأمنية ما بتطلع".
وفيما تزور والدة ميرا السفارة المصرية بقطر كل أسبوعين للسؤال على الموافقة الأمنية "بلكي تطلع في أي لحظة"، فإن الطالب بالسنة الأولى بكلية الطب جامعة المنصورة محمد العمري، "طلعت له الموافقة، لكن الموظفة رفضت طباعتها"، كما تقول والدته ورد الجوري لـ المنصة.
منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي تلقتْ أسرة محمد اتصالًا هاتفيًا من السفارة بقطر "حصل ابنكم على الموافقة الأمنية، ولكنه لن يتمكن من تحويل فيزته السياحية إلى فيزا طالب هذه قوانين جديدة، لازم يخرج ويدخل بالموافقة".
كان محمد وقتها يؤدي امتحانات الفصل الأول، استقدمته الأسرة "على أساس يومين وبيرجع بعد تعديل الفيزا".
وصل الابن قطر في 19 ديسمبر، أي بعد 11 يومًا من سقوط بشار الأسد، "روحت معه على السفارة 21 ديسمبر لكن المفاجأة إنها رفضت طباعة الموافقة، قلت لها انتوا يلي اتصلتوا، اعتذرت وقالت توجيهات عليا"، تقول ورد.
تتابع "وجَّهتنا موظفة السفارة لمكتب شركة مصر للطيران، وبحثت الموظفة هناك عن أي معلومات لكن بلا فائدة". ويشترط على الطلاب الحجز على شركة مصر للطيران حصرًا، إذ تصل الشركة قوائم بأسماء الطلاب الحاصلين على موافقات أمنية.
ووفقًا لأحدث قائمة نشرتها الصفحة الرسمية للإدارة المركزية لشؤون الوافدين في مصر على فيسبوك، في 11 فبراير/شباط الماضي، للطلاب الحاصلين على موافقات أمنية، فقد غاب الطلاب السوريون تمامًا، فيما حصل الطلاب السودانيون على موافقات محدودة مقارنة بالطلاب السعوديين والإماراتيين الذين حصلوا على غالبية الموافقات.
"واسطة"
مع تأخر صدور الموافقات الأمنية، بحث الطلاب عن سُبل للدخول "لحتى ما تروح علينا الامتحانات"، هكذا تبرر هالة محمد الطالبة بالسنة الأولى كلية الطب جامعة المنصورة، المقيمة بالسعودية، محاولتها التسلل إلى مصر من مطار القاهرة، مستعينةً بـ"واسطة".
تحكي هالة لـ المنصة "حصلتُ على وعد من رفيق مصري لأبي قال إنه هيعمل محاولة لدخولي مصر". ويبدو أن الواسطة نجحت على الأقل في مطار جدة إذ "سمحت لي شركة الطيران مساء الخميس 17 أبريل بصعود الطائرة، هيك كان أكتر شي مخوفني إنهم ما يوافقوا أطلع"، فحسب تعميم سلطة الطيران المدني المصري على شركات الطيران العاملة بمصر يُعد صعود هالة الطائرة مخالفة للتعليمات.
وصلت الطائرة إلى القاهرة في الثانية عشرة صباحًا، "كنت أنا وابن خالتي، وقفنا ضابط بالمطار وحجزونا في غرفة بدون جوالات من الساعة 12 لحتى الساعة 2 الظهر تاني يوم"، تضيف هالة "دقينا الباب كتير عشان نطلع وسألني مسؤول: أحمد الشرع عمل إيه؟ قلت له أنا إيه دخلني بالشرع أنا محتاجة أدخل مصر عندي امتحان بكره".
فشلت "واسطة" هالة، واضطرت للعودة إلى السعودية عصر الجمعة 18 أبريل، صحبة ابن خالتها، بعد احتجازهما في مطار القاهرة 14 ساعة.
حصلت المنصة على قائمة من 70 طالبًا سوريًا مقيدين بالجامعات المصرية، أرسلها الطلاب إلى وزارة الخارجية السورية لمطالبتها بالتدخل لدى السلطات المصرية لفتح الباب أمام الطلاب السوريين المقيدين بالجامعات.
ويمثل "ملف جذب الطلاب الوافدين أولوية"، كما ورد في حديث الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي خلال حفل الإفطار السنوي للطلاب الوافدين الذي عقد في 24 مارس/آذار الماضي، والذي قال خلاله إنه بفضل مبادرة "ادرس في مصر" أصبحت مصر "وجهة السياحة التعليمية الأولى في الشرق الأوسط".
لن يُحذف خيار الجنسية السورية من قائمة منصة "ادرس في مصر" خلال التسجيل للعام الدراسي 2025/ 2026
لتعزيز ذلك، تروج مصر لتقدُّم جامعاتها في التصنيفات العالمية، كما تسعى لزيادة عدد الجامعات واستقدام جامعات أجنبية وعقد شراكات مع جامعات عالمية. وارتفع عدد الجامعات في مصر، حسب عاشور، في يوليو 2024 إلى "108 جامعات ما بين حكومية وأهلية وخاصة وتكنولوجية واتفاقات إطارية ودولية، بدلًا من 49 جامعة عام 2014".
غير أن السياسات المنتهجة مع الطلاب السوريين، تدفعهم للهروب "في حال رجعت بنتي على مصر، هسحب ملفها" تقول والدة ميرا، مشيرة إلى أنها تفكر في الأردن أو رومانيا بديلًا دراسيًا.
لا رد للمستحقات
يؤكد الدكتور أحمد عبد الغني، رئيس الإدارة المركزية للطلاب الوافدين بوزارة التعليم العالي لـ المنصة أن الجامعات لديها آليات استيعاب للطلاب السوريين المتغيبين عن التِرم الثاني، "الطالب يقدر يخش تِرم صيفي أو يحتفظ بحقه الدراسي بطلب التأجيل"، وقدر فترة التأجيل المتاحة بـ"على الأقل سنتين".
ويجيب عن سؤال ماذا يفعل الطلاب العالقون بقوله "اللي ما قدرش يحضر وعايز ينتظم، الأفضل ليه إنه ينتظم مع بداية العام القادم".
وأكد أن الجامعات غير معنية برد المستحقات التي دفعتها بعض الأسر ولم يستفد بها أبناؤها، مفسرًا بأن "دفع المصروفات في هذه الحالة هو اختيار الأسر، ما أفهمه وما يجب أن نسير عليه أن الطالب لما بيوصل يعمل الكشف الطبي، ثم يقيَّد ويدفع المصروفات، لكن الأسر تبادر بدفع المصروفات، وده رسك بيحطوا نفسهم فيه".
ونفى عبد الغني حذف خيار الجنسية السورية من قائمة الجنسية المتاحة على منصة "ادرس في مصر" خلال التسجيل للعام الدراسي 2025/2026، وعلق "الدراسة قرار ما لوش علاقة بفكرة الحصول على تأشيرة أو لا، أنا بوابة تنسيق تشتغل في حيز المراجعات الفنية والأكاديمية، يعني الطالب بيتقدم أنا معايا شهادة كذا بمواصفات كذا بنرد عليه بإنك مقبول للدراسة".
وتابع "زي ما المصريين بيروحوا يراسلوا جامعة في إيطاليا أو بريطانيا هل دا معناه إني لو روحت السفارة بالضرورة هاخد فيزا؟". على ضوء إتاحة التسجيل للطلاب السوريين على منصة "ادرس في مصر"، فإن مكاتب عاملة في تسجيل الطلاب الوافدين، لا تمانع في تلقي استفسارات السوريين ووعدهم بالحصول على الفيزا.
وتواصلت المحررة مع أحد المكاتب وقدمت نفسها على أنها طالبة سورية ترغب في الالتحاق بجامعة مصرية في العام الدراسي 2025/ 2026، وجاءها الرد "أكيد حضرتك قلقانة بسبب عدم صدور الفيزا أحب أطمنك إن شاء الله هتكون متاحة مع بداية التسجيل على المنصة في بداية العام الدراسي الجديد".
وللتأكد من مدى إتاحة التأشيرات في المدى القريب للطلاب المتضررين والتعرف على أسباب تأخر التأشيرات الدراسية لهم، تواصلت المنصة في 31 مايو/أيار المنقضي مع المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير تميم خلاف، الذي وعد بمراجعة الجهة المختصة داخل الوزارة والعودة بالرد، إلا أن ذلك لم يحدث حتى تاريخ النشر.
ولحين إتاحة التأشيرات، تتردد أسر الطلاب السوريين على السفارات والقنصليات المصرية مشتتين ما بين رغبتهم في إعادة أبنائهم إلى مقاعد الدراسة أو سحب ملفاتهم لتقديمها في بلد آخر.