
وسقطت في بحر اللبن!
في حكاية "علي شار والجارية زمرد" استطاعت الجارية اصطياد أعدائها واستعادة حبيبها بفضل طبق أرز بلبن.
الحكاية طويلة، تبدأ في الليلة 308 من ليالي "ألف ليلة وليلة" وتنتهي في الليلة 327، أي أن عقدتها استمرت أكثر من عقدة سلسلة بـ لبن التي تفجرت في منتصف الشهر الماضي ووجدت طريقها للحل بفضل توجيه رئيس الجمهورية بعد أربعة أيام.
قصة الليالي في تبسيطٍ أرجو ألَّا يكون مخلًا تحكي عن شابٍ ورثَ ثروةً بددها بسفهه، وذات يوم ذهب وقد أصبح مفلسًا للسوق يتسلى بمشاهدة الخلق، وجذبه زحام مزاد على جارية جميلة جدًا، ألزم دلَّالُها نفسَه بألا يبيعها إلا لمن تختاره. رفضت زمرد المزايدين الأثرياء كبار السن واختارت الشاب الوسيم علي شار الذي يضاهيها حسنًا. أجابها بأنه لا يملك ثمن إفطاره، فأخرجت له ثمنها وعادت معه إلى بيته.
وكما أضاع ثروته بطيشه أضاع جاريته بغفلته. اختطفها مجرم لصالح شقيقه الثري الذي رفضته، ومن عقدة خطف إلى أخرى، استطاعت التخلص من آخر خاطفيها، وارتدت ثيابه وامتشقت سيفه وركبت حصانه ومضت هاربة، وإذا بها تقف على أبواب مدينة فكاهية أكثر من مصر!
من تقاليد المدينة أنها تنتظر أول غريب يصل إليها، فتوليه سلطانًا في حال موت السلطان بلا وريث. حكم الفارس المزيف المدينة الطيبة بهدوء، وبعد فترة اشتاق إلى الحبيب وإلى الانتقام من الأعداء؛ فأصدر مرسومًا يقضي بإغلاق المطاعم يومًا كل شهر. وفي ذلك اليوم يتناول الجميع الطعام على موائد السلطان. وكانت التقاليد التي يعرفها كل سكان المدينة أن طبق الأرز باللبن حكر على طبقة الحُكَّام.
وجه الشبه بين الروايات وواقع الدول اللطيفة التي تعيش حياتها كمعسكر جميل أنه في الحالتين تبدو مهنة الحكم سهلة
أخذت زمرد (السلطان المزيف) تراقب الموائد سرًا؛ فإن امتدت يدٌ إلى الطبق المحظور، تعرف أنها يد غريبة تجهل تقاليد المدينة، فيؤخذ صاحبها للتحقيق، وبهذه الطريقة أمسكت بأعدائها ونكَّلت بهم، وفي النهاية وصل الحبيب فعرفته، وأمرت أن يُحمَّم ويُكرَم ثم يؤخذ إليها عند الليل. "فلما سمع الناس بإرسالها إليه تعجبوا من ذلك وصار كل منهم يظن ظنًّا ويقول مقالة". دخل علي شار إلى المخدع وبدأ السلطان يتحرش به من باب السخرية منه، وهو مستحق لهذه البهدلة اللطيفة وأكثر.
ولم ينتظر السلطان الجميل كثيرًا قبل أن يكشف للزائر الأبله حقيقته، وأعد خطة هروبهما، تقول الليالي: فلما أصبحت زمرد أرسلت إلى كامل العسكر وأرباب الدولة وأحضرتهم وقالت لهم: أنا أريد أن أسافر إلى بلد هذا الرجل، فاختاروا لكم نائبًا يحكم بينكم حتى أحضر عندكم، فأجابوا زمرد بالسمع والطاعة.
على مدار الليالي يجيب العسكر وأرباب الدولة بالسمع والطاعة وهذا هو وجه الشبه بين الروايات وواقع الدول اللطيفة التي تعيش حياتها كمعسكر جميل، أنه في الحالتين تبدو مهنة الحكم سهلة. لكن في هذه القصة لم تكن زمرد تنتوي العودة لاستكمال مسيرتها في الحكم. وهكذا انتهى أغرب اختيار لحاكم بألطف واقعة تنحٍ عن السلطة!
لا يخبرنا سرد الليالي إن كان شعب المدينة الطيب قد عرف شيئًا عن خدعة زمرد الجارية التي حكمتهم بصفتها رجلًا، أو إن حافظ طبق الأرز بلبن على وظيفته كحلوى للخاصة وفخ للغرباء. في سردية بـ لبن رأينا أن منتجاته طعام العامة من الشباب، وأنها ليست فخًا لعدو أو حبيب، بل للسلطة ذاتها.
ما جاء في الأرز باللبن
لبعض المصادفات طابعُ السحر، ولبعضها طابعُ السخرية، وقد اجتمع الطابعان في ثلاث من الأزمات الكبرى ترتبط بالأرز واللبن، رسمت معًا صورة المرحلة وطبيعة الحالة السياسية والاقتصادية والقانونية فيها.
أزمة "الأرز باللبن" التي تفجرت الشهر الماضي هي الثالثة، بينما تعلَّقت الأولى بالأرز وحده، في تسريب أو تزييف صوتي، سمِّه ما شئت، يظهر فيه بصورته المجازية عن وفرة الأموال لدى جيراننا في الخليج. وتركت هذه الواقعة ما تركت من ظلال على العلاقات بالأشقاء، وعلى صورة الدولة (النظام والشعب). والواقعة الثانية تتعلق بسحر اللبن وحده؛ وهي محنة صفوان ثابت صاحب شركة جهينة وابنه.
في الوقائع الثلاث، تعجب الناس وصار كل منهم يظن ظنًّا ويقول مقالة. وما يعنيه وصف "الناس" في عصر إعلام الفرد هو كل سكان مصر وكثير من سكان العالم حولنا. لم تترك سهولة التواصل مجالًا للسر بين المتخاصمين ولا المحبين، بعكس ما كان عليه الأمر في سالف العصر والأوان. ومن الصعب أن تتقبل طبيعة العصر الكثير من الغرابة أو المزاح اليوم، بينما أتيح ذلك في مدينة قديمة اختارت سلطانًا مزيفًا لم تعرف عنه حتى اسمه طوال القصة.
إذا لم تُعلن الحقائق، في هذا العصر، وإذا لم تكشف السلطة عن وجهها وتحكي القصص بوضوح، يكون من حق كل من هبَّ ودبَّ أن "يظن ظنًا ويقول مقالة".
اللي بنى مصر
في أزمة بـ لبن هناك حقائق أولية: معمل ألبان بسيط انطلق من الإسكندرية، وصار في ظرف أربع سنوات كيانًا اقتصاديًا ضخمًا له 160 فرعًا في مصر وعديد من الدول، ذاهبًا أبعد من الأرز باللبن إلى الشاورما والبسبوسة.. إلخ. وفجأة صدرت قرارات إغلاق فروع سلاسل مطاعمه في مختلف المحافظات، لأسباب بعضها إداري لعدم استكمال التراخيص، وبعضها صحي تتعلق ببكتريا ضارة وألوان محرمة دوليًا. السببان مختلفان اختلاف الزيت والماء، فما الذي أطلقهما معًا؟ وما الذي جعل سلطات الإغلاق (المحافظون في الغالب) تتخذ القرارات دون الاستجابة لإلحاح الإعلام كي يتحدثوا إليه لتوضيح الأمر؟ هل يملك المحافظ حق الإغلاق ولا يملك حق الكلام؟ أم أنه يتجاهل الإعلام تكبُّرًا؟
في بناء القصص مسموح ببعض الخفاء لكن يجب أن يكون بالقدر المناسب
بعد تكاثر المقولات والظنون، صدرت بيانات صماء من جهات الإدارة، كما صدر بيان عن مؤسس الشركة ورأسها مؤمن عادل، وبعد ذلك ظهرت لقاءات إعلامية لا تشفي غليلًا أو ترمم النقص في القصة لأنها قائمة على أساس ضعيف كأساسات بيوت العنكبوت.
في مداخلة هاتفية لمؤمن عادل مع عمرو أديب، كان الإعلامي الذي يعرف كل شيء يعدد على الضيف ظنون الناس ومقولاتهم في كيانه الاقتصادي، ولا ينتظر رده، بل ينصرف من مقولة تستكثر عليه "الملاءة المالية التي اتسعت في أربع سنوات" إلى سر تسميته محل الشاورما بـ"كرم الشام" بينما هو مصري، ثم سؤال آخر لا ينتظر إجابته، ليبدأ في إسداء النصح إلى ضيفه بتقليل كمية السكر إن أذن الرحمن وعادت السلسلة للعمل.
لكن الضيف استطاع مع ذلك أن يلقي بما لديه، مقررًا أن محاله تستقبل تفتيشًا من كل الجهات الحكومية، ولم يسبق أن تلقى ملحوظة سلبية بعد أي مرة. ثم ألقى بالمهم "نحن مستعدون لطاعة الدولة في كل ما تريد"، وتلقف ناشطو السوشيال ميديا هذه الشفرة "وصار كل منهم يظن ظنًّا ويقول مقالة"، البعض يتبنى سردية غسيل الأموال تبريرًا لهذا الإغلاق، والبعض فسَّر إعلان الطاعة بأنه ذكاء المالك الذي فطن إلى أن السلطة رأت الفلوس كالرز في يده وأدرك أنها ضربت ضربتها ليجود ببعض من ملاءته المالية.
ذلك اللغط لا يقع على عاتق الناشطين، بل على الدولة وإدارة السلسلة، وقد عجز كلا الطرفين عن بناء قصة مقنعة. لا المالك تكلم عن أصول ثروته وسرعة نمائها، ولا الدولة قدَّمت تبريرًا لسكوتها عن التراخيص والاشتراطات الصحية أربع سنوات ثم القيام فجأة بتجريدة أو حملة لتصحيح الوضعين معًا، مع أن أحدهما يحتمل التأجيل.
بناء القصص بالغ الأهمية في بناء الدول، ومحال الحلوى على السواء، وجذر البناء واحد فنحن نعلم أن الذي بنى مصر كان في الأصل حلواني. وفي بناء القصص مسموح ببعض الخفاء، لكن يجب أن يكون بالقدر المناسب، فمن غير الممكن الإقناع بقصة تجري في عتمة ليل لا ينتهي.
تجارة الحلم
عدم إنصات مقدم برنامج "الحكاية" للضيف، حرمنا من تفسير سر "الملاءة المالية" ويا له من تعبير اقتصادي فخم؛ فظل الاتهام بغسيل الأموال قائمًا، مع أن شرعية الأرباح ومعقوليتها واردة أيضًا؛ لأن أرباح الحلويات عالية، وسريعة الدوران عند استخدامها في إعادة الاستثمار. وقد استند بـ لبن في منتجاته على الركيزة البسيطة التي تجعل الكيتش المطبخي (الذوق العامي في الطبخ) جذابًا، وهو المبالغة: زيادة الملح والسكر والدسم والحار هو الطريق الممهد أمام هذه السلسلة وغيرها من السلاسل التي تنشأ وتزدهر ثم تنهار بين وقت وآخر في مصر.
الركيزة الثانية لسلسلة بـ لبن هي التسويق الذكي. في عالم اليوم صارت مهارة الدعاية أهم من جودة المنتج. وقد أتاح الإعلام الجديد إمكانية تحقيق تسويق كبير بتكلفة صغيرة.
من أجل كتابة هذا المقال شاهدت الكثير من مقاطع دعاية بـ لبن بما فيها مقاطع العدوان على العلامات التجارية المنافسة. تلعب حركية العرض على الوفرة، وهي حيلة معتادة في دعايات الكيتش المطبخي، ومثلها الأعلى هو الشيف التركي بوراك أوزديمير.
تتخطى العين غياب التناسق بين الأشياء التي تُلقى فوق بعضها البعض في الفيديوهات التي تصور لحظات الطبخ: الأرز واللبن والحلوى والكنافة والشيكولاتة البلجيكي. ما يهم ويخطف النظر هو الوفرة، مع ذلك يمكنني القول إن آخر ما تبيعه إعلانات هذه السلسلة هو الطعام. تبيع قبل ذلك "الحلم" ككل الدعايات الناجحة في التاريخ، حتى المالك استغل مداخلته الدفاعية في لحظة محنة السلسلة وراح يكرر كلمة الحلم كثيرًا.
ولنا أن نتخيل ما تحققه تجارة الحلم في وقت الانكسار.
أبطال العروض الإعلانية لسلسلة بـ لبن شباب مبتهجون، يتمتعون بالرشاقة بصرف النظر عن أجسام المستهلكين. يظهر اليوتيوبر في فضاء مفتوح مفعمًا بالأمل، متدثرًا بعَلَم ليعلن عن فتح بـ لبن في هذه الدولة أو تلك. وقد افتقد الشباب رؤية العلم؛ فالمظاهرات ممنوعة ومباريات الكرة صارت بلا جمهور لدواع أمنية؛ فصار عَلَم بـ لبن بديلًا عن علم المظاهرة والمباراة.
حلم بـ لبن حلو المذاق سهل التحقق وآمن في مقاطع فيديو ذكية. وهي ليست دعاية من فراغ؛ فالزحام أمام أبواب الفروع دعاية عالية التأثير، وتجلب مزيدًا من الزحام، تغذيه مسحة مازوخية أو عبثية لدى المستهلكين تجعل انتظار ساندويتش لثلاث ساعات أمرًا مقبولاً.
السردية الباقية
سريعًا وجدت القصة المثيرة الغامضة، طريقها للحل، في شكل أمر رئاسي للحكومة لمناقشة الأزمة. وبدلًا من أن تتبدد العتمة ويرتدع الذين "يقولون المقولات ويظنون الظنون" تكاثفت ظنونهم وتوالدت مقولاتهم. وقالوا إن إشارة مالك السلسلة إلى استعداده للطاعة فُهمت على الوجه الصحيح، وأيقنوا بسلامته متذكرين ما تعرَّض له من لم يُبد هذه الطاعة في سوابق مشهورة.
نَشر موقع "صحيح مصر" المستقل تقريره عن بـ لبن وملاكها وأشار إلى وجود شركاء آخرين بينهم كريم شقيق مؤمن، وأن بعض الفروع مؤسسة في عمان وبريطانيا وبعضها مسجل في ملاذ ضريبي كاريبي يحمل مؤمن جنسيته هو "سانت كيتس ونيفيس". هذه المعلومات يمكن أن تدمغ سلسلة بـ لبن عندما تكون مؤسسات الدولة فوق مستوى الظنون والتقولات، لكنها لا تثبت شيئًا مع أو ضد بـ لبن لأن هناك سوابق لشركات مصرية لا غبار عليها لجأت إلى حماية نفسها بتراخيص أجنبية، بعد عبرة اللبن المسكوب في جهينة.
كل محاولة لتبديد العتمة عن هذه القصة تزيد العتمة إحكامًا وسيتوقف مستقبل السلسلة على السردية التي ستسود وتسيطر فيما بعد
كل محاولة لتبديد العتمة عن هذه القصة تزيد العتمة إحكامًا. وسيتوقف مستقبل السلسلة على السردية التي ستسود وتسيطر فيما بعد. قد تسود سردية المظلومية ويستدر بـ لبن عطف جمهوره فيستأنف الإقبال عليه، وقد تتفوق سردية الشك في المنتج، وإجراءات توفيق أوضاعه بعد ما قيل عن استخدامه ألوانًا محرمةً دوليًّا، ثم تبرئة ساحته بشكل غير مقنع.
أعيد افتتاح الفروع بهذه السرعة، ودون اهتمام بشرح شيء للجمهور الذي تابع الدراما، وقد يكون هذا كافيًا لأصحاب السلسلة، لكننا في حديثنا اليومي نَصِف الخطأ الذي لا يمكن إصلاحه باللبن الذي تعكَّر. وقد تعكَّر بـ لبن.
بركة الرز بلبن
في قصة "ألف ليلة وليلة" لم يأت السرد على ذكر لقداسة أو طُهر الأرز باللبن الذي مكَّن السلطانة من العدو والحبيب، لكنْ هناك مسحة من قداسة لهذا الطعام في وعينا نحن المصريين قد تجعل الخطأ بحقه عصيًا على الإصلاح.
وتتعانق المكانة العالية مع القداسة في طبق الأرز باللبن، فهو طبق الأحلام، نتناوله مع الملائكة. عندما نتوقع أن أحدهم مستغرق في نومه نقول "بياكل رز بلبن مع الملايكة".
في قريتي، ولا أعرف إن كان هذا تقليدًا في كل ربوع مصر، كان غداء العمال الزراعيين يوم بَذر القطن هو الرز باللبن. لعله نوع من التبرك ومحاولة لجلب الحظ بمحصول وفير. هل التماثل في بياض الرز باللبن وزهرة القطن هو مبعث هذا التوسل للقدر بالوجبة الحلوة؟ ربما، لأن هذا الطبق لا يُقدَّم يوم زرع أي محصول آخر، ولا يقدم حتى يوم جني القطن نفسه!
بركة طبق الرز باللبن مركبة من بركتين؛ بركة حبة الأرز؛ فهي إحدى الحبوب السبع التي تُنقع بجوار المولود ليلة سبوعه لتباركه وتمنع عنه أذى الأرواح الشريرة، وهي رفيقة الملح ينثران معًا في شقة الزوجية وفوق العروس والعريس في موكب الزفاف، لتحقيق البركة والحماية من عين الحسود. كما يتمتع اللبن منفردًا بقداسة أكبر؛ فهو من أطهر النعم. يحرص منتجوه المتدينون على حق الفقير في عُشر ما تدره بهائمهم. من حيل المشعوذين لاستحضار الجن تدنيس اللبن وصفحات المصحف. لكن من التهور والشطط أن نلقي بأزمة بـ لبن على عاتق الجن، لأن أسباب الأزمة تكمن في طبيعة الدولة وطبيعة السلسلة.
أصول البزنس
واحد من أسباب الفشل في بناء قصة متماسكة في الكثير من أزماتنا، أنها لا تشبه أزمات غيرنا بقدر اختلافنا عن غيرنا. نتصرف على نحو غير مقنع وكأننا في اليوم الأول من خلق الكون، ونطلب أن تكون إجراءاتنا مصدَّقة. وهذا غير ممكن الآن العالم قديم وتجارب الإدارة الرشيدة معروفة.
بـ لبن في النهاية بزنس، وفي كل الدنيا التحقق من شفافية تمويل أي بزنس هو مسؤولية الدولة من لحظة البداية، لا تنتظر أربع سنوات ثم تداهم المشروع فجأة ودون إعلان للحقائق. وهو بزنس مطاعم، وللمطاعم قواعد رقابة صحية يعرفها العالم أجمع، صرامتها تجعل العمل في المطاعم النشاط الثاني بعد القطاع الصحي الذي يتعرض العاملون فيه للإجهاد النفسي والعصبي.
أكثر الكلمات ترددًا في الإعلام المصري بخصوص موقعة بـ لبن هي مداهمة وحملة، وكلتا الكلمتين تلقي بظلال الاستهداف غير البريء، وتخالفان القواعد التي تشترطها الدول للتفتيش على المطاعم. كما أن الإغلاق الكامل للسلسلة يخالف مبدأ تدرج العقوبة وتناسبها مع حجم المخالفة.
في الولايات المتحدة مثلًا تفرض السلطات الصحية في الولايات الأقل تشددًا تفتيشًا مفاجئًا على المطاعم مرتين في العام، لكنَّ ولاية مثل كاليفورنيا تفرضه ثلاث وأربع مرات، وتزيد عدد مرات التفتيش بالنسبة للمطاعم التي تقدم أطباقًا نيئةً أو غير مكتملة النضج، يُضاف إلى ذلك التفتيش بعد كل شكوى. وبالطبع تتولى التفتيش جهة صحية وليس كل جهات الدولة كما قال مؤمن عادل في مداخلته.
والعقوبات متدرجة تبدأ من عدم اتخاذ إجراء تجاه المخالفات البسيطة مثل العثور على دلو ممسحة غير نظيف، ثم عقوبة تخفيض التصنيف الذي يجعل المطعم أقل جاذبية للزبائن، ثم هناك الإغلاق المؤقت مع مهلة تصحيح. وفي ظل هذا التدرج العقلاني للعقوبة يفقد المطعم اهتمام الزبون، ولا تكون السلطة بحاجة إلى مداهمته. غالبًا ينهار المطعم من تلقاء نفسه.
هذا هو الطريق القويم، وغيره من الطرق يعزز ريبة الجمهور في العدالة ويجعله "يظن ظنًا ويقول مقالة"، ويجب إدراك ما يترتب على ذلك من تضرر لصورة الدولة، وهذا أهم بألف مرة من مشروع يقوم أو ينهار.
مقالات الرأي تعكس آراء وتوجهات كتابها، وليس بالضرورة رأي المنصة.