صفحة ب لبن- B laban على فيسبوك
عمال "بـ لبن" في إفطار المطرية، 15 مارس 2025

رغم قرب انتهاء أزمة "بـ لبن".. كيف يدفع العمال ثمن الإغلاق ويُفلت صاحب العمل؟

أحمد خليفة
منشور الثلاثاء 22 أبريل 2025

في أقل من أسبوع أغلقت الحكومة 110 فروع لسلسلة محلات "بـ لبن"، المتخصصة في إنتاج وبيع الحلوى المُحضرة من منتجات الألبان، ليجد آلاف العمال أنفسهم، فجأة، معرضين للتشريد وفقد مصدر دخلهم.

شمل الإغلاق فروع محال ومطاعم كرم الشام، كنافة وبسبوسة، وهمي، عم شلتت، المملوكة لمؤمن عادل أحد أصحاب "بـ لبن"، إضافة لمصانع تابعة للشركات ذاتها، يعمل بها 25 ألف عامل، حسب بيان أصدرته "بـ لبن"، الجمعة الماضي، استغاثت فيه بالرئيس عبد الفتاح السيسي.

رغم بوادر انتهاء الأزمة، واقتراب "استئناف نشاط جميع فروع سلاسل المنشآت الغذائية التي تم إغلاقها فور التأكد من مطابقتها للمواصفات والشروط الصحية"، وفق بيان سابق لوزارة الصحة والسكان، تثير قرارات الإغلاق التساؤلات حول مصير العمال، حال الإغلاق الإداري للمنشأة، أو غيره من ظروف الإغلاق، وما المظلة القانونية التي تضمن حقوقهم، وما هي مسؤولية صاحب العمل والحكومة تجاههم.  

عمال "بـ لبن"..  الأجور وعقود العمل

ليس هناك شكل تعاقدي موحد لعمال "بـ لبن"، فبينما يتمتع أحمد راضي العامل بإدارة مصنع برج العرب، وكريم عوض، الشيف بالمصنع نفسه، بعقد عمل غير محدد المدة، يجدد تلقائيًا، فإن عبد الله قناوي عامل التحضير بأحد فروع "بـ لبن" في محافظة مطروح يوقع على عقد جديد كل ستة أشهر، منذ ثلاث سنوات.

ويؤكد عاملان آخران بمصنع العبور التابع لـ"بـ لبن" لـ المنصة أن عددًا كبيرًا بالمصنع تابعين لمكاتب توريد عمالة تتعاقد معها الإدارة.

قناوي لا يرى أزمة في عقده المؤقت "مفيش مشكلة، الشركة عمرها ما قالت لحد يمشي، في عمال بتمشي لأنها بتشوف فرص تانية، أو بتسافر، ولا مرة الإدارة اتسببت في قطع عيش حد".

لكن عاملًا آخر التحق بالشركة منذ 3 سنوات ويعمل في أحد فروع "بـ لبن" بالجيزة بعقد مؤقت يتم تجديده سنويًا، يشعر أنه مهدد "طالبنا بعقود مفتوحة، الإدارة وعدتنا لكن أول 2025 وقعنا عقد جديد بردو لمدة سنة"، متسائلًا، في حديث مع المنصة، "ليه يبقى في عمال بعقود مفتوحة وعمال مؤقتين في نفس الشركة! وليه مع كل تجديد نعيش في توتر؟".

يعلق مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية مالك عدلي بأن "هناك أزمة كبيرة في انعدام الوعي لدى غالبية العمال، فالكثير منهم لا يعرفون الفرق بين أشكال عقود العمل، وما يترتب على كل منها".

يضيف عدلي لـ المنصة "حتى لو امتلك العمال بعض الوعي، فإنهم مضطرون لقبول العقود المؤقتة، فالبديل هو البطالة والجوع". ويتوقع زيادة نسبة العمال المؤقتين داخل القطاع الخاص مع بدء تطبيق قانون العمل الجديد، الذي يتيح التعاقد مع عمال لمدة محددة إذا كانت طبيعة العمل تقتضي ذلك، دون أن يضع تعريفًا للأعمال المؤقتة وتركها لتقدير صاحب العمل.

وعن الأجور داخل "بـ لبن" يقول أحمد راضي لـ المنصة إن الحد الأدنى السابق للأجور (6 آلاف جنيه) جرى تطبيقه على عمال مصنع برج العرب منذ عدة أشهر، مع مراعاة سنوات مدة خدمة كل عامل، مضيفًا "كان الراتب 3500 جنيه، تم رفعه لـ5000، ومؤخرًا وصل لـ6 آلاف"، كما أشار إلى الفروق في المرتبات بين عمال الأقسام المختلفة.

ويؤكد كريم عوض، الشيف بمصنع برج العرب لـ المنصة تقاضيه الحد الأدنى للأجور السابق 6 آلاف جنيه مخصوم منه 350 جنيهًا قيمة التأمينات، وهو ما يؤكده أيضًا عبد الله قناوي عامل التحضير بإحدى فروع "بـ بلبن" في مطروح.

ويُجمع العمال سواء أصحاب العقود محددة أو غير محددة المدة في حديثهم لـ المنصة على أنهم يتمتعون بتأمين صحي، لكن هناك تباينًا في مستوى الخدمة، فبينما يوقع الكشف على عمال القاهرة والإسكندرية وبعض المحافظات في مستشفيات خاصة تتعاقد معها الشركة، يذهب عمال محافظات أخرى مثل مطروح إلى مستشفيات التأمين الصحي الحكومية.

وكان المجلس القومي للأجور قرر في اجتماعه الأول، فبراير/شباط الماضي، رفع الحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع الخاص إلى 7000 جنيه اعتبارًا من 1 مارس الماضي.

العمال كورقة ضغط

سعت إدارة "بـ لبن" إلى كسب العمال في صفها، ففي اليوم التالي للإغلاق صرفت إضافي شهر مارس/آذار قبل موعده، وتدولت أخبار عن صرف منحة مالية للعمال، لا تُرد، خلال أيام، حسبما ذكر عدد منهم لـ المنصة، لكن بعضهم قال إنه "مجرد كلام".

وحاول بيان "الاستغاثة" الذي أصدرته الشركة الضغط بورقة العمال، حيث أشار البيان أكثر من مرة إلى آلاف العمال الذين سيتم تشريدهم حال استمر الإغلاق.

وفي مداخلة هاتفية لبرنامج الحكاية مع عمرو أديب، قال رئيس مجلس إدارة "بـ لبن" مؤمن عادل "إحنا شغال عندنا 25 ألف عامل، 25 ألف أسرة هتتأثر نتيجة الغلق.. العمال قعدت في بيوتها، بيسألوني احنا قفلنا ليه، وهيحصل فينا إيه، مش عارف أرد عليهم".

ينتقد نائب رئيس اتحاد تضامن النقابات المستقلة ورئيس نقابة العاملين بأندية قناة السويس كرم عبد الحليم خطاب مؤمن عادل "دائمًا يتم استدعاء العمال في الأزمات من قبل رجال الأعمال، كمحاولة للضغط، تحدث صاحب بـ لبن عن آلاف العمال الذين سيتم تشريدهم، وأنه لا يعرف بماذا يرد عليهم، لكنه لم يتحدث عن التزامه تجاههم أو تكفله بدفع رواتبهم إذا استمر الغلق".

العمال والإغلاق الإداري

بينما يتخوف عمال بشركة "بـ بلبن" تحدثوا لـ المنصة من عدم صرف راتب أبريل/نيسان إذا استمر الإغلاق يرى آخرون أن الإدارة ستقوم بصرف الراتب "على الأقل هتصرف الـ15 يوم اللي اشتغلناها".

لا ينص قانون العمل الحالي 12 لسنة 2003 على إلزام صاحب العمل بدفع رواتب العمال خلال فترة الإغلاق الإداري، حسب مالك عدلي.

لكن مشروع القانون الجديد الذي اطلعت المنصة على نصوصه يعالج هذه المسألة في المادة 253 "وفي حالة امتناع المنشأة عن تنفيذ ما توجبه أحكام هذه المادة، والقرارات المنفذة لها في المواعيد التي تحددها الجهة الإدارية المختصة، وترتب على ذلك وجود خطر داهم على صحة العاملين أو المترددين أو سلامتهم، على الجهة الإدارية المختصة أن تأمر بإغلاق المنشأة كليًا أو جزئيًا، أو إيقاف معدة أو آلة أو أكثر حتى زوال أسباب الخطر، وينفذ القرار الصادر بالإغلاق أو الإيقاف بالطرق الإدارية مع عدم الإخلال بحق العاملين في تقاضي أجورهم خلال فترة الإغلاق أو الإيقاف الجزئي أو الكلي".

يعقب عدلي "حتى لو نص القانون على أن يدفع صاحب العمل أجور العمال خلال فترة التوقف، من سيمكنه إلزامه بذلك؟ لقد تابعنا العديد من الحالات التي امتنع أصحاب العمل عن دفع رواتب العمال، رغم استمرار الإنتاج مثل يونيفرسال، وسيراميكا إينوفا، ووبريات سمنود، فهل استطاعت الحكومة إجباراهم على صرف الرواتب؟ على العكس قُبض على العمال المطالبين بصرف رواتبهم".

يتابع عدلي "طالما لم ينص القانون على إجرءات محددة تتخذها الجهة الإدارية المختصة المتمثلة في وزارة العمل لإجبار صاحب العمل على دفع رواتب العمال بشكل فوري خلال مدة الإغلاق الإداري، فإن هذه المواد لا تعدو كونها نصوصًا شكلية".

من يدفع  ثمن الإغلاق ومن يُفلت؟

"يبدو أن أزمة بـ بلبن، بصرف النظر عن أسبابها، سوف تنتهي قريبًا، لكن الأزمة نبهت إلى أن العمال في مصر في مهب الريح، وأنهم ليسوا في حسابات الدولة ولا داخل اهتماماتها"، يقول كرم عبد الحليم.

ويتابع "أصدرت الحكومة بيانًا لتوضيح أسباب الغلق، لكن لم يصدر عن أي من وزارتها كلمة واحدة عن آلاف العمال الذين أصبحوا بين يوم وليلة في الشارع فاقدين مصدر رزقهم".

يرى عبد الحليم أنه كان لزامًا على وزارة العمل كجهة إدارية مختصة التحدث عن حقوق عمال "بـ لبن"، خلال فترة الإغلاق، وأن تسارع بصرف منحة عاجلة لهم من "صندوق إعانات الطوارئ للعمال"، الذي لا يسمع عنه إلا عندما يدعم رجال الأعمال المتعثرين كما حدث في سيراميكا إينوفا.

ويعتبر مالك عدلي أن أزمة إغلاق "بـ بلبن"، وإن كانت لأسباب إدارية، دقت أجراس الخطر حول مصير عمال القطاع الخاص، وفرص حصولهم على حقوقهم، في حالات الإغلاق الكلي أو الجزئي لمنشآتهم، وهي غالبًا تكون لأسباب اقتصادية، بدعوى الركود والتعثر المالي.

يضيف عدلي "رغم أن القانون 12 نص على أنه في حالة الغلق الكلي أو الجزئي دون اتباع الإجراءات القانونية، يستحق العامل التعويض شهرين من الأجر الشامل عن  كل سنة عمل، وفي حالة الغلق باتباع الإجراءات القانونية يستحق شهرًا عن كل سنة من سنوات الخدمة الخمس الأولى، وشهر ونصف عن كل سنة تجاوزت ذلك، فالعمال غالبًا لا يتحصلون على شيء".

يوضح عدلي "هناك الكثير من القضايا حصل فيها العمال على أحكام بالتعويض، بعد غلق منشآتهم، لكنها لا تنفذ لأن ما يتبقى من أصول الشركات المغلقة لا يكفي لتعويضات العمال، حتى وإن تم الحجز عليها وبيعها بالمزاد".

ويضرب عدلي مثالًا بشركة "بـ لبن"، متسائلًا "لو افترضنا أن الشركة صفت عملها في مصر، وأغلقت مشآتها، فماذ لدى بـ لبن من أصول لاقتضاء تعويضات 25 ألف عامل؟".

يرى عدلي أن العمال سيظلون يدفعون ثمن الإغلاق، ويفلت أصحاب العمل من التزاماتهم، ولن تستطيع النصوص القانونية ولا الأحكام التي تصدر وفقًا لها، تقديم شيء لهم، طالما ليست هناك قواعد وأطر تنظيمية واضحة وجهات إدارية قوية تستطيع التدخل لاقتضاء حقوق العمال، وهذا يستوجب إلزام أصحاب العمل بتقديم ضمانات مالية وعينية تتناسب مع عدد من يعملون في شركاتهم، لضمان حقوقهم عند الإغلاق أو التصفية.

لكنه يعتقد أن مثل هذه الحلول لن تتبناها دولة تسعى لجذب الاستثمارات على حساب العمال، وتتحدث متباهية بـ"العمالة الرخيصة" في مصر.  

ويحيل عدلي وعبد الحليم جزءًا كبيرًا من الأزمة إلى ضعف التنظيمات النقابية أو غيابها في أغلب الأحوال خاصة داخل القطاع الخاص، حيث يحارب رجال الأعمال بقوة لمنع تأسيس العمال لنقابات حقيقية تمثل مطالبهم، وتحدث توازنًا في موازين القوة، فيما تدخل الجهات الأمنية لمساعدة رجال الأعمال في ذلك.