خلال الأسبوع الماضي ظهر خبران عن شركة الألبان والعصائر الشهيرة جهينة يبدو في ظاهرهما التناقض؛ الأول يتحدث عن أن إدارة البورصة من المحتمل أن تشطب الشركة من السوق، والثاني هو أن صندوق استثمار إماراتي يتطلع لشراء حصة منها.
الواقع أن الخبرين ليسا على قدر من التناقض كما يبدو لأول وهلة، فالشركة التي يتراجع سهمها منذ أشهر، بسبب أزمة اتهام رئيسها السابق، صفوان ثابت بتمويل الإرهاب، تتمتع بفرص قوية لتحقيق الأرباح، أيًا كان المالك لهذا الكيان.
ربما يكون أداء سهم جهينة في البورصة خلال الأشهر الأخيرة هو أفضل مرآة تعكس النظرة قصيرة المدى لهذا الكيان، فتراجع سعر السهم إلى أقل من خمسة جنيهات خلال مايو/ أيار الماضي، بعدما كان يقدر بحوالي 10 جنيهات في نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي.
ومنذ نهاية العام الماضي، تواجه عائلة صفوان ثابت، رئيس مجلس إدارة جهينة السابق، تطورات متسارعة في قضية اتهامها بوجود علاقات مالية مع أنشطة الإخوان المسلمين، في إطار القضية 865 لسنة 2020.
بدأت الأحداث بالقبض على الأب صفوان في ديسمبر/ كانون الأول 2020. وقتها قالت الشركة إن نجله سيف لديه الصلاحيات لإدارة أعمال جهينة، لكن الابن لم يكد يمارس مهامه حتى ألقي القبض عليه أيضًا ضمن نفس القضية في فبراير/ شباط 2021.
ورغم حرص الشركة على التأكيد من البداية على أن أزمة صفوان ثابت مسألة شخصية لا علاقة لها بالشركة، لكن التماس بين السياسة وأحوال الشركة الاقتصادية بدا واضحًا خلال رمضان الماضي، أحد أهم المواسم لتوزيع منتجات الشركة. حيث قالت الشركة في مايو إنها تعرضت لإجراءات "غير مفهومة وغير مبررة"، من إدارة المرور.
وقالت رئيسة قطاع العلاقات الخارجية بالشركة، بسنت فؤاد، إن "حملة مرورية تمركزت عند المصانع بتاعتنا في المنطقة الصناعية في 6 أكتوبر.. الحقيقة كانت الحملة دي موجودة الصبح وبالليل أحد الضباط كان يقود الحملة ومعه أفراد، تم سحب العديد من رخص سيارات البيع وسيارات النقل الثقيل وكمان سيارات المقاولين اللي احنا بيتم التعامل معاهم مما قاد إلى حالة فزع ورفض كثير من المقاولين أنهم يشتغلوا معانا (...) الأسباب اللي كانت بتُذكر أمن ومتانة".
ثم حلت الأزمة الثانية، مع إعلان البورصة المصرية نقل تداول الشركة إلى القائمة (د) اعتبارًا من بداية جلسة تداول 2 يونيو/ حزيران الجاري.
وقالت البورصة في بيان لها ، في 1 يونيو، إن "لجنة القيد كانت قررت نقل تداول الشركات التي لم توافِ البورصة بالقوائم المالية في 31 ديسمبر 2020 بحد أقصى قبل بدء جلسة التداول 1 يونيو 2021 إلى القائمة (د) اعتبارًا من بداية جلسة تداول 2 يونيو 2021".
الشركة أرجعت هذا التأخر في مايو الماضي إلى ظروف القبض على صفوان ونجله، وقالت في بيان إن تلك الأوضاع أدت إلى زيادة متطلبات ونطاق المراجعة من قبل مراقبي الحسابات نتيجة زيادة المخاطر.
ولا تزال جهينة تحاول طمأنة مساهميها إلى تماسك الأوضاع، حيث أعلنت عقب بيان البورصة الأخير أنها تعمل على الانتهاء من التقارير المطلوبة، وسترسلها فور الانتهاء منها، مشددة على أنه "لا يوجد داع للذعر.. شركة جهينة لا تواجه خطر الشطب من البورصة المصرية".
وتوقع مدير علاقات المستثمرين بالشركة، خالد دعدار، ألا يستمر القرار إلا أسبوعين.
ماذا يعني نقل شركة إلى القائمة "د"؟
استحدثت البورصة المصرية القائمة "د"، في أغسطس العام الماضي، وهي قائمة جديدة لإدراج الشركات، وبحسب بيان للبورصة، وقتها، تضم القائمة الأوراق المالية المحتمل شطبها في حالة عدم توافقها مع قواعد القيد والإفصاح، أو التي تعتزم الشطب الاختياري.
وأكد البيان، أن استحداث تلك القائمة يأتي في ضوء حرص إدارة البورصة المصرية على توفير مزيد من التوضيح لجمهور المتعاملين بالوضع المحتمل لهذه الشركات ومسببات إدراجها في القائمة "د"، والحرص على حماية حقوق المستثمرين في التعامل على الأوراق المالية المقيدة، وتجنب حجب السيولة بعد توضيح موقف هذه الشركات.
وأشار البيان إلى أن القائمة "د" تعد بمثابة قائمة فرعية تضاف إلى القوائم الثلاث المعمول بها حاليًا، التي تشمل القائمة "أ" للأوراق المالية الأكثر نشاطًا والقائمة "ب" للأوراق المالية متوسطة النشاط، والقائمة "ج" للأوراق المالية المقيدة، والتي لم يتوافر فيها المعايير الكمية والنوعية للإدراج بأي من القائمتين "أ" و "ب".
تاريخ من الصناعة والسياسة
لم يكن صاحب جهينة ورئيس مجلس إدارتها السابق رجل الأعمال صفوان ثابت بعيدًا أبدًا عن السلطة في مصر، فارتبط بعلاقات جيدة بالأنظمة المتوالية على مصر خلال الثلاث عقود الماضية، فتأسس نشاط الألبان، في بدايات حكم حسني مبارك، عام 1983 تحت اسم جهينة للألبان على يد صفوان ثابت وعدد من المساهمين، ثم تأسست شركة أخرى بعد سنوات تحت اسم جهينة للصناعات الغذائية.
الشركتان جرى دمجهما عام 2004 تحت اسم شركة جهينة للصناعات الغذائية، لتصبح بذلك شركة متخصصة في تصنيع منتجات الألبان والعصائر .
وكانت علاقات صفوان بنظام حسني مبارك قبل ثورة يناير جيدة، حيث زار مبارك مصنعه في مدينة 6 أكتوبر، حتى ترددت شائعات عن أن صفوان هو شقيق سوزان مبارك، نظرًا لتشابه اسم الجد "ثابت" عند الشخصين، وهو أمر غير صحيح.
وبعد ثورة يناير، كان ثابت من ضمن قائمة المؤسسين لجمعية ابدأ التي أسسها رجال أعمال ومستثمرون، واعتبرها البعض وسيلة للتقرب من الإخوان.
ووالدة صفوان هي خالدة حسن الهضيبي، ابنة المرشد الثاني للإخوان المسلمين، وهي شقيقة مأمون الهضيبي، المرشد السادس للإخوان.
ذهب مرسي، ووصل الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، وكان صفوان ضمن مجموعة من رجال الأعمال الذين التقاهم الرئيس الجديد في 2014، وعقب الاجتماع أعلن صفوان تبرع جهينة لصندوق تحيا مصر بمبلغ 50 مليون جنيه، "استجابة لمبادرة الرئيس لدعم الاقتصاد الوطني". لكن هذا لم يمنع التحفظ على أمواله في أغسطس/ آب 2015.
جاء ذلك على إثر قرار لجنة إدارة أملاك جماعة الإخوان المسلمين التحفظ على أموال صفوان ثابت صاحب "جهينة" دون التحفظ على الشركة ذاتها لأنها شركة مساهمة.
وفي مؤتمر صحفي عقده حينها، المستشار عزت خميس رئيس لجنة إدارة أملاك جماعة الإخوان، رفض الإفصاح عن أسباب التحفظ، قائلًا إن "اللجنة لا تُسأل عن أسباب التحفظ على صفوان ثابت أو أي شخص لأنها سرية".
وأوضح أنه تم التحفظ على 1345 شخصًا "بمعنى منعهم من التصرف في ممتلكاتهم السائلة والمنقولة والعقارية".
وعلى الرغم من تلك الإجراءات، ظل اسم جهينة محافظًا على بريقه، فاستمرت على قائمة أفضل 100 شركة في البورصة لعدة سنوات، وفقا لاستفتاء أجرته صحيفة أموال الغد الاقتصادية.
بل وظلت عائلة ثابت على علاقة طيبة بالسلطة، ففي 2018 وقَّع سيف ثابت قرار تبرع جهينة بـ15 مليون جنيه لصندوق تحيا مصر، لدعم حملة القضاء على فيروس سي، قبل عامين من بدء أزمة العائلة مع السياسة.
نوع آخر من المستثمرين
تعكس آخر البيانات المتاحة عن جهينة نموًا في أرباحها، خلال تسعة أشهر من 2020، التي ارتفعت إلى 383.7 مليون جنيه، بزيادة 32% عن الفترة المماثلة من العام السابق.
أرباح الشركة القوية تجعلها جاذبة في أنظار المستثمرين، ولكن نوع آخر من المستثمرين غير المضاربين في السوق الثانوي للبورصة ممن انتابهم القلق بشأن أزمات جهينة.
المستثمرون طويلو الأجل، ممن يتطلعون لشراء حصص كبيرة في الشركة، يرون أنها لاتزال قادرة على توليد الأرباح، وينظرون إلى مكانتها لدى المستهلكين وما تمثله ككيان ضخم في سوق السلع الغذائية الأساسية.
في هذا السياق، يمكننا أن نفهم الخبر المنشور على موقع بلومبرج الأسبوع الماضي، عن أن الشركة القابضة إيه دي كيو "ADQ" المملوكة لإمارة أبوظبي تدرس الاستحواذ على حصة في جهينة.
وعلى الرغم من تأكيد جهينة فور الإعلان عن الخبر عدم تلقيها أي عروض رسمية للاستحواذ على حصص فيها، فإن لاسم بلومبرج مصداقية كافية تؤكد على أن الشركة الإماراتية تفكر بجدية في التوسع بسوق الألبان في مصر، حتى وإن لم تقدم عرضًا رسميًا بعد.
قوة أداء جهينة من الناحية المالية، تعززه التقارير المنشورة عنها، ومنها تقرير نشر في مايو الماضي على موقع جورو فوكس الأمريكي، والذي يهتم بتقديم النصائح للاستثمارات طويلة الأجل.
وفي هذا السياق يقول التقرير إن الشركة كانت تسجل أرباحًا صافية على مدار السنوات العشرة الماضية، كما أن إيرادات الشركة كانت تنمو بمتوسط 15.2% خلال ثلاث سنوات، وهو ما يضعها في ترتيب متفوق على أداء 85% من الشركات العاملة في الصناعات الاستهلاكية المعلبة.
"المستثمر الذي يرغب في شراء شركة كاستثمار، يختلف عن المستثمر الذي يدخل لشراء أسهم في البورصة" كما يوضح هشام إبراهيم، أستاذ الإدارة والاستثمار بجامعة القاهرة.
ويضيف للمنصة أن "جهينة الآن لديها مشكلات في الإدراج، لكن هذا لا يعني أنها لم تعد شركة كبيرة، فلا تزال منتجات الشركة موجودة في السوق، ولها حصة فيه، بل والسوق ما زال فيه توسع، وعندها مزايا نسبية، وتكاليف الإنتاج ممكن وصفها بالجيدة بالمقارنة بالآخرين، بالإضافة إلى أنها تحقق إيرادات جيدة، وهذه كلها عناصر جذب".
من هو المستثمر الاستراتيجي؟
قوة الأداء المالي لجهينة ليست العامل الوحيد، ولكن اسم من يفكر في الاستحواذ أيضًا يحمل جانبًا من تفسير القصة.
إيه دي كيو واحدًا من الصناديق السيادية الحديثة في إمارة أبو ظبي، أنشئ في 2018، ولديه تطلعات قوية للتوسع خارج السوق الذي نشأ فيه.
ويعد الصندوق الذي يرأسه أحد أعضاء العائلة الحاكمة، الشيخ طحنون بن زايد، واحدًا من أكبر 20 صندوقًا سياديًا في العالم، وثالث أكبر صندوق من هذا النوع في الإمارات.
وتعد مصر ضمن الأسواق المستهدفة لهذا الصندوق، لذا قام بإبرام عدة صفقات في مصر مؤخرًا، بل وكان على تواصل مباشر مع وزيرة التخطيط، الدكتورة هالة السعيد، باعتبارها رئيسة للصندوق السيادي المصري.
ومن أبرز صفقاته في مصر كانت الاستحواذ على 100% من شركة للأدوية في أبريل/ نيسان الماضي، واستثمار مليار دولار العام الماضي في سلسلة محلات لولو بمصر، كما يتطلع الصندوق للاستثمار في شركة اللحوم والدواجن بمصر أطياب ومحطات تعاون للبنزين.
باختصار، فإن شركة الألبان المأزومة سياسيًا، التي يسجل سهمها خسائر متوالية، تمثل فرصة كبيرة للربح على المدى الطويل، بغض النظر عن كل ما يحيط باسم جهينة في الوقت الراهن من شبهات الارتباط بالإخوان، وهو ما يفسر تطلعات المال الخليجي للدخول في صفقة مع هذا الكيان.