برخصة المشاع الإبداعي، emi moriya، فليكر
نقود

فائدة منخفضة وتمويل مرتفع.. متى تنضبط معادلة الاستثمار؟

منشور الثلاثاء 30 أيلول/سبتمبر 2025

لم تؤتِ موجةُ التيسير النقدي التي بدأها البنك المركزي في أبريل/نيسان الماضي أكلَها بعدُ، فنتائج أعمال العديد من الشركات عن النصف الأول من العام الحالي أظهرت نموًا ملحوظًا في المصروفات التمويلية ما يعكس استمرار الأعباء التمويلية عليها.

يُرجع خبراء ذلك إلى أن ظهور الأثر الإيجابي لخفض الفائدة على الشركات لا يزالُ في حاجةٍ لمزيد من الوقت، خصوصًا مع احتياج بعض الشركات لتمويلات عاجلة لا يمكن تأجيلها.

ما الذي تقوله النتائج؟

على الرغم من تراجع الفائدة بواقعِ مرتين خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة إجمالية بلغت 3.25%، فإن القوائم المالية في الفترة ذاتها لعينةٍ من 10 من الشركات المقيدة في البورصة المصرية تعمل في قطاعات مختلفة، أظهرت زيادة واضحة في التكاليف التمويلية.

تشمل عينة الشركات المشار إليها أنشطة اقتصادية متنوعة، تضم الصناعات الغذائية، الإسكان، القطاع الطبي، صناعة الكيماويات والنشاط المالي.

https://public.flourish.studio/visualisation/25270544/

يؤكد عمرو الألفي رئيس قطاع استراتيجيات الأسهم في شركة "ثاندر لتداول الأوراق المالية" لـ المنصة على أن الأثر الكُلي لخفض الفائدة المتتالي خلال العام الجاري يحتاج لمزيدٍ من الوقت حتى ينعكس على نتائج أعمال الشركات، وهو ما يتفق معه أحمد عبد النبي رئيس قسم البحوث بشركة "مباشر لتداول الأوراق المالية".

يوضح عبد النبي لـ المنصة أنه في أعقاب خفض الفائدة عادةً ما تعيد الشركات ترتيب هيكل الدين الخاص بها للدخول في تعاقدات تمويل جديدة تستفيد من الفائدة المنخفضة السائدة، والمفاضلة بين مصادر التمويل بالفائدة الثابتة أو المتغيرة في ضوء توقعات الشركة للتضخم.

فيما يشير مصطفى شفيع رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية إلى أن توسع بعض الشركات في الحصول على تمويلات خلال النصف الأول من العام، حيث كانت مستويات الفائدة لا تزال مرتفعة نسبيًا، ساهم في زيادة أعباء الفائدة عليها.

يلفت شفيع لـ المنصة في هذا السياق إلى شركات مثل بالم هيلز التي ارتفعت فيها القروض البنكية بنحو 25% خلال النصف الأول من العام الحالي بجانب نموٍ قويٍّ للتسهيلات الائتمانية، وكذلك سيدي كرير للبتروكيماوات التي زادت قروضها خلال الفترة نفسها بنحو 60%.

كم تكفي الأرباح لتغطية الفوائد؟

يرى شفيع أن قيمة المصروفات التمويلية في حد ذاتها لا تمثل خطورةً طالما أن الشركة تتمتع بأرباحٍ تكفي لتغطية هذه المصروفات، لكن الضغوط الفعلية تكون على الشركات التي تتمتع بتدفقات محدودة لتغطية الفوائد المطلوبة منها.

وتعكس نتائج أعمال الشركات المشار إليها تفاوتًا في قدرتها على تغطية الفوائد، وذلك بحساب هامش صافي الأرباح التشغيلية إلى المصروفات التمويلية، الذي يقيس كم مرة تكفي أرباح الشركة لتغطية الفوائد المطلوبة منها.

وكما يظهر من الرسم يرتفع الهامش لدى شركات مثل مصر لصناعة الكيماويات التي تمكنت من تغطية تكاليفها التمويلية على الرغم من نموها الكبير، بأرباح تفوق قيمتها أكثر من 17 مرة.

وتتخصص مصر لصناعة الكيماويات في إنتاج الصودا الكاوية ومنتجات أخرى، ويستحوذ نشاط التصدير على نحو 20% من إنتاجها، ويساهم النشاط التصديري في تعزيز أرباح الشركة.

https://public.flourish.studio/visualisation/25272862/

هذا إلى جانب الاعتماد القوي لبعض الشركات على الإيرادات المحققة من النشاط المالي، كما يبدو في حالة بلتون، التي بلغت مصروفاتها التمويلية نحو 2.7 مليار جنيه، لكن باعتبار أن النشاط المالي هو مجال تخصصها الرئيسي فإنها كانت قادرةً على رفع إيراداتها التمويلية لنحو ضعف قيمة الفوائد المطلوب منها سدادها، إذ بلغت 4.6 مليار جنيه.

وقد تحمل زيادة تكاليف التمويل مؤشرًا إيجابيًا على زيادة ديون الشركات من أجل التوسع، وإن أسهم ذلك في زيادة تكاليف الفوائد على المدى القصير، فإنه قد يساهم على المدى الطويل في توليد إيرادات أكبر، يظهر ذلك في حالتي شركتي راميدا وجهينة، حيث يبدو هامش تغطية الأرباح للفوائد منخفضًا نسبيًا لديهما.

ويشير أحمد جمال، المحلل المالي لدى شركة مباشر لتداول الأوراق المالية، إلى عدد من شركات قطاع الأغذية والمصرفات التي لجأت لزيادة معدلات الاقتراض خلال الفترة الأخيرة لتمويل توسعاتها، كما فعلت جهينة وإيديتا للصناعات الغذائية.

يوضح جمال لـ المنصة أن "جهينة أتمت خلال فترة النصف الأول من العام الحالي عملية ضم لمصانعها مما أدى إلى زيادة قروضها لتصل 970 مليون جنيه".

وكان الرئيس التنفيذي لراميدا العاملة في مجال الصناعات الدوائية صرح في مايو/أيار الماضي بأن مستويات المديونية ارتفعت لدى شركته مؤخرًا في سبيل تمويل عملية استحواذ، وتفاءل بأن يساهم خفض فائدة المركزي في تخفيف أعباء التمويل.

كذلك يتوقع محللون أن تحقق الشركات وفورات كبيرة من خفض فائدة المركزي تساعدها على زيادة حجم التمويل، حيث قدرت شركة إتش سي أن بالم هيلز العقارية يمكن أن تحقق 160 مليون جنيه مصري وفرًا في مصروفات الفائدة مقابل كل 100 نقطة أساس من الخفض في سعر الفائدة.

2 % انخفاضًا جديدًا في الفائدة هذا العام

يتوقع الألفي وشفيع خفضًا جديدًا لمعدلات الفائدة بواقع 200 نقطة أساس باجتماعات البنك المركزي المصري حتى نهاية عام 2025، وفيما يقدِّر الألفي أن يظهر حجم الأثر على الشركات المقيدة في البورصة المصرية على المدى المتوسط، يبدي تفاؤله بأن "تراجع الفائدة سيدعم قدرة الشركات بشكل كبير على الاقتراض البنكي مجددًا وزيادة تسهيلاتها الائتمانية لتمويل توسعاتها القادمة".

وهو ما يتفق معه رئيس  البحوث في "مباشر" أحمد عبد النبي، كاشفًا أن شركته توقعت في بداية العام خفض الفائدة بواقع 6%، لكنها عدّلت رؤيتها لتتوقع خفضًا بنسبة 7.25% حتى نهاية 2025، لتعكس توقعاتُ التيسير النقدي المقبلة رؤيةً إيجابيةً لبيئة الاستثمار تتيح للشركات فرصةً أكبر للنمو مع اتجاه تكاليف التمويل للمزيد من الاعتدال.