موقع شركة counsel masters
ممشى أهل مصر، القاهرة

ممشى أهل مصر.. للأغنياء فقط

منشور الاثنين 28 أبريل 2025

اصطحب أحمد راشد(*) خطيبتَه في تمشيةٍ على النيل، ولم يكن يعلم أنها ستكلفه 1700 جنيه. هو في الأصل اختار كورنيش ممشى أهل مصر كـ"خروجة" ممتعة لا تكلف الكثير. 

قطع الشاب العشريني تذكرتين لدخول الممشى مع خطيبته منى، سعر الواحدة 20 جنيهًا، لكنَّ الشابين لم يجدا مكانًا للجلوس سوى الكراسي الخاصة بالمطاعم المنتشرة على جانب الممشى، فقررا الجلوس "قلنا نشرب حاجة وأهي قعدة حلوة على النيل" يقول أحمد الذي فوجئ بأن الجلوس يتطلب حدًا أدنىً من الطلبات minimum charge بقيمة 850 جنيهًا للفرد. وإن لم ينطبق الحد الأدنى على جميع المطاعم فإنه سمة مميزة بالممشى. 

شعر أحمد، الذي يعمل محلل بيانات، بالحرج، أو كما يضيف لـ المنصة، "بَلِّمت شوية، وماكانش قدامي غير إني أعتذر للويتر وأمشي"، كأنه طُرد من المكان. وجد الخطيبان نفسيهما على الرصيف بصحبة عشرات الزوار الآخرين، الذين يقضون وقتهم قرب السور الحديدي وقوفًا يأكلون ما يحملونه من ساندوتشات خفيفة، مكتفين بالنظر إلى النيل.

وأعلنت الحكومة المصرية عن مشروع ممشى أهل مصر في أغسطس/آب 2019، وكان الهدف المعلن على موقع محافظة القاهرة "تحسين جودة الحياة للمصريين وزيادة نصيب الفرد من المسطحات الخضراء والمساحات المفتوحة للتنزه والترويح عن النفس". 

كورنيش أصلع

ممشى أهل مصر، القاهرة، 24 مارس 2025

حسب الموقع، يمتد ممشى أهل مصر على الضفة الشرقية لنهر النيل في قلب العاصمة القاهرة ليغطي مناطق حيوية تربط بين شمال وجنوب المدينة، صُمم الممشى بمساحات خضراء واسعة تبلغ 3100 متر مربع، تحتوي على أكثر من 235 شجرة و62 نخلة، إضافة إلى مدرجات ومسرح يسع أكثر من ألف فرد، ما يعزز من جاذبيته كمكان ترفيهي متكامل على ضفاف النيل.

افتتح الممشي في مارس/آذار 2022 في حفل ضخم، غير أن ما ورد وصفه في الخطة لم يتحقق على أرض الواقع؛ لا مساحات خضراء ولا مسرح بل كتل خرسانية والكثير من الأكشاك. 

الممشى الذي بدأ مساحةً مجانيةً يقف أفراد أمن على بواباته لحفظ الأمن فقط وليس لقطع التذاكر، لم يستمر على هذا الحال طويلًا، ففي يوليو/تموز من العام نفسه، بدأت Counsel Masters وهي الشركة التي تديره في تحصيل تذاكر للدخول، مبررةً القرار بمحاولتها منع ما وصفته بـ"السلوكيات غير الحضارية" و"الإشغالات العشوائية" التي وقعت خلال عيد الأضحى 2022، ونتج عنها تلفيات تجاوزت قيمتها 5 ملايين جنيه.

استقبل رواد المكان الخبر بقليل من التذمر، واعتبره البعض تمييزًا ضد محدودي الدخل، بينما رأى آخرون أنه ضروري للحفاظ على نظافة الممشى واستدامته.

ومع مرور الوقت بدأت وتيرة الشكاوى تتصاعد مع غلبة الطابع التجاري على الكورنيش. انتشرت المطاعم الفاخرة التي تفرض minimum charge ورسوم دخول، ما حوّل المشروع من كونه متنفسًا عامًا إلى واجهة سياحية للأثرياء فقط، فخلال الساعات التي قضتها المنصة في الممشى، رصدت أعدادًا من الزوار يفضلون الجلوس على الرصيف مع إحضار مشروباتهم من الخارج، بسبب غلاء الأسعار بالداخل.

كونشيرتو شكاوى

ممشى أهل مصر، القاهرة، 24 مارس 2025

لم يكن أحمد ومنى الوحيدين اللذين شعرا بهذا التغيير، فكثير من الزوار الذين التقت بهم المنصة اتفقوا على أن ممشى أهل مصر  المفترض أن يكون متاحًا للجميع، أصبح حكرًا على القادرين فقط، وإن كان البعض لا يزال يجد فيه فرصة للتنزه بعيدًا عن المطاعم والكافيهات.

أحمد سمك، 29 عامًا، يعمل في قسم المبيعات بأحد البنوك، اعتاد زيارة الممشى مع خطيبته، إلا أن الأسعار باتت عائقًا أمام الاستمتاع بالمكان، "الأسعار هنا مش لمحدودي الدخل، أي كافيه فيه حد أدنى للطلبات يبدأ من 350 جنيهًا، وفي بعض المطاعم لازم تطلب وجبة"، يقول لـ المنصة .

لا يختلف الحال مع محمد منصور، الذي يرى أن تكلفة الفسحة على النيل باتت تفوق الخيارات الأخرى، رغم أنها كانت أرخصها، "لو عايز أخرج مع مراتي، مش هدفع أقل من 1200 جنيه في مطعم أو كافيه، مع إن تكلفة استئجار مركب في النيل ساعتين بـ700 جنيه، فليه أروح الممشى؟"، حسب ما يقول لـ المنصة.

في المقابل، تكتفي فاطمة خالد بالجلوس على الدكك والسير على الكورنيش دون اللجوء للمقاهي والمطاعم، "إحنا بندفع 20 جنيه بس قيمة الدخول، بنشتري لب وعصير من بره ونقعد على الدكك ع النيل". قبل أن تشير إلى أن هذه الدكك اختفت منها مساند الظهر، ما جعل الجلوس عليها صعبًا "مش عارفة ده قرار من إدارة الممشى ولا أصحاب المحلات عشان الناس تقعد عندهم"، رغم أنها مقاعد لا تختلف كثيرًا عن سابقتها التي كانت موجودة على كورنيش النيل قبل افتتاح الممشى.

كريم صادق، مدرس حكومي وأب لطفلين، عبّر لـ المنصة عن إحباطه "كنا بنخرج دايمًا على كورنيش النيل ما بندفعش حاجة، دلوقتي بقيت مضطر أدفع 80 جنيه علشان أشوف النيل بس".

وتتذكر نسرين عبد الحميد ما كان عليه كورنيش النيل قبل التطويرات الأخيرة، تحديدًا في منطقة وسط البلد، "زمان كنا بنقف على الكورنيش ونشرب شاي بالنعناع من عربية شاي صغيرة، دلوقتي لا عارفين نشرب شاي ولا حتى نشوف النيل".

ويفضل محمد سليمان، مدرس وأب لأربعة أطفال، التوجه مع أسرته إلى الحدائق العامة المفتوحة أو كورنيش النيل في مناطق مثل شبرا وحلوان، حيث يمكنهم الاستمتاع بالنيل دون الحاجة لدفع رسوم دخول أو تحمّل تكاليف إضافية.

على الجانب الآخر، ترى ميرفت عرفة، شابة عشرينية، أن فرض الرسوم أمر منطقي "تطوير المنطقة واستغلالها سياحيًا فكرة رائعة، ومن الطبيعي فرض رسوم رمزية لدعم المشروع والاستفادة من أرباحه في تطوير مناطق أخرى" تقول لـ المنصة. يذكر أن هناك العديد من المطاعم التي تقدم عروضًا للإفطار أو الغداء على النيل بأسعار متوسطة. 

مركب في نيل القاهرة، 29 يناير 2025

المراكبية اشتكوا

يمتد تأثير تطوير الكورنيش وتغيّر طبيعة ونوعية زواره إلى أصحاب المراكب النيلية، حيث وجدوا أنفسهم يعتمدون بشكل أساسي على السياح العرب لتعويض تراجع الزبائن المحليين، وفقًا لاثنين من "المراكبية" التقت بهما المنصة.

محمود سعد، صاحب مركب "إمكان"، اضطر إلى رفع الأسعار لتعويض الخسائر بعد انخفاض عدد الرحلات بشكل كبير "قبل كده، كنا بنأجر المركب الساعة بـ800 جنيه، لكن دلوقتي بقينا نحسبها للفرد، وكل شخص بيدفع 50 أو 100 جنيه حسب اليوم، ومع ذلك، الإقبال مش زي الأول، لأن تكلفة الخروجة نفسها بقت غالية على الناس".

يضيف "قبل كده كان عندنا في المتوسط ما بين 20 و25 رحلة يوميًا، وكل رحلة كانت تستوعب حوالي 30 فردًا، مع افتتاح الممشى وقت ما كان مجاني، كان كل فرد يدفع 50 جنيهًا، لكن دلوقتي، الوضع اختلف تمامًا، وعدد الرحلات قل".

رفع الأسعار لا يرتبط فقط بقلة عدد الرحلات، حيث يشكو المراكبي محمد عبد العال بدوره من ارتفاع تكاليف الوقود، ما شكل عبئًا إضافيًا على أصحاب المراكب، حيث يستهلك المركب جركنًا ونصف من البنزين يوميًا، أي ما يعادل 30 لتر بنزين 80، الذي ارتفع سعره بعد الزيادة الأخيرة إلى 15.75  جنيه للتر. فهذه الزيادة في التكاليف، إضافة إلى الصيانة والعمالة، تسببت في أن يقل الربح كثيرًا عما كان عليه في الماضي.

لكن أكثر ما يلفت الانتباه هو تعليق عبد العال المراكبي بنبرة ساخرة "دلوقتي ممكن نسميه ممشى أهل الخليج مش ممشى أهل مصر، لأن المصريين العاديين ما عادوش قادرين عليه، كل اللي بييجوا دلوقتي من السياح، والمصريين بقوا يتفرجوا من بعيد".

وهو ما رصدته المنصة في الطابع الذي تعكسه أسماء بعض المطاعم والمقاهي المنتشرة على ضفافه، مثل "دالا كافيه" و"مذاق الأصالة" و"سعودي كافيه"، مع وجود زوار من السياح الخليجيين، جذبهم الممشى بمطاعمه ومقاهيه كما كان يجذبهم من قبل بمراكبه.

اعتراض برلماني ورد حكومي

جانب من ممشى أهل مصر حيث تنتشر الكافيهات المغلقة، 24 مارس 2025

تقليص المساحة المفتوحة على كورنيش النيل سبق وأثار نقاشًا بين عدد من النواب البرلمانيين عند افتتاح الممشى، وطالب بعضهم الحكومة بإلغاء رسوم الدخول. ووصفتها النائبة مها عبد الناصر بـ "المخيب للآمال".

لكن الحكومة لم تستجب للطلبات البرلمانية بإلغاء الرسوم، وبرر مساعد وزير الإسكان الدكتور عبد الخالق إبراهيم القرار، آنذاك، بأنه "لضمان الحفاظ على الممشى".

وأشار إلى أن المشروع كلف خزينة الدولة 750 مليون جنيه ويتطلب موارد مالية مستمرة للصيانة.

جدير بالذكر أن الجزء العلوي من الممشى مجاني تمامًا، بينما الجزء السفلي الذي يضم المطاعم والخدمات الاستثمارية هو فقط الذي تُفرض عليه رسوم دخول.

حاولت المنصة التواصل مع المهندس عمرو خطاب، المتحدث الرسمي باسم وزارة الإسكان، للحصول على توضيحات أكثر حول آخر مستجدات مشروع ممشى أهل مصر والمرحلة الثالثة من التطوير، في البداية، استجاب عبر تطبيق واتساب وأبدى استعدادًا للإجابة عن الأسئلة، لكن بعدها تجاهل جميع محاولات التواصل، وحتى موعد النشر، لم نتلق أي استجابة.

بعد تجربته الأخيرة السيئةِ في الفسحة على كورنيش ممشى أهل مصر، أصبح أحمد راشد يفضل الخروج مع خطيبته والسير في شوارع وسط البلد "على الأقل مفيش منيمم اتشارج بنخرج ونتغدى ونقعد على القهوة بأقل من 500، بس يا ريت ميطولهاش التطوير".


(*) اسم مستعار بناء على طلب المصدر