برخصة المشاع الإبداعي: World Bank Photo Collection، فليكر
صندوق النقد الدولي

هل تكفي شهادة الصندوق لطمأنتنا على الاقتصاد؟

منشور الاثنين 7 أبريل 2025

بعد نحو شهرين ونصف الشهر من زيارة بعثة صندوق النقد لمصر، أقر مجلس إدارة الصندوق المراجعة الرابعة لاتفاق القرض الجاري، ما اعتبره محللون بمثابة تجديد للثقة في التزام مصر بالبرنامج الاقتصادي المتفق عليه في ديسمبر/ كانون الأول 2022.

لكن هل تكفي شهادة "الصندوق" لطمأنتنا بأننا على الطريق الصحيح؟ تشير التوقعات الاقتصادية الواردة في بيان الصندوق الأخير إلى أن الدين الخارجي لا يتراجع، بالعكس يُتوقع ارتفاعه بشكل أكبر قياسًا لإجمالي حجم الاقتصاد، فلماذا لا يتحسن الوضع رغم التزامنا بتعليمات الصندوق؟

توقعات الفترة المقبلة

ليس معتادًا أن يدرج صندوق النقد الدولي توقعاته للفترة المقبلة في البيان المقتضب الذي ينشره عن اعتماد مراجعات قروضه لمصر، وبما أنه فعلها هذه المرة فإن المؤشرات لا تبدو مبشرة.

يرى الصندوق أن معدل نمو الناتج الإجمالي الحقيقي سيتعافى خلال العام المالي الجاري، 2025/2024، ليرتفع من مستوى 2.4% إلى 3.6%، لكن حجم الدين الخارجي بالنسبة لإجمالي ما ننتجه سيزداد خلال الفترة نفسها، لترتفع نسبة الدين الخارجي للناتج إلى نحو 42% مقابل 39.9%، كما أن زيادة الأعباء الخارجية ستتزامن مع تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بشكل لافت، من 11.9% إلى 3.7% خلال الفترة نفسها.

"هذا الرقم يعكس زيادة كبيرة مقارنة بمستوى الدين الخارجي للناتج الإجمالي قبل عشر سنوات فقط، التي كانت تقتصر على 15% من الناتج" يؤكد علي متولي، الاستشاري الاقتصادي بشركة Ibis ومقرها جنوب إفريقيا.

ويوضح لـ المنصة أن استمرار الدين الخارجي عند مستوياته الضخمة ينعكس على الاقتصاد بأكمله "المشكلة لا تقتصر على حجم الدين فقط، بل تمتد إلى تكاليف خدمته، حيث إن الحكومة المصرية تدفع فوائد ضخمة على هذه القروض".

ويشرح متولي كيف تنعكس ضخامة الدين الخارجي حاليًا على فاتورة خدمة هذا الدين، أي تكلفة سداد أقساط الديون السابقة بالإضافة للفوائد بأنه "مطلوب من مصر سداد حوالي 20.6 مليار دولار في الربع الأول من السنة الميلادية، أي من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار 2025. يمثل هذا المبلغ جزءًا من إجمالي مستحقات تصل إلى نحو 60.8 مليار دولار خلال السنة المالية الحالية 2024/2025 حسب تقديرات البنك الدولي".

تشمل مدفوعات خدمة الدين، وفقًا لمتولي، أنواعًا مختلفةً من الالتزامات، منها ما يتعلق بسداد سندات سيادية بالدولار، حيث يُستحق على الحكومة حوالي 3.3 مليار دولار خلال العام المالي الحالي.

كما تشمل قروضًا ثنائيةً ومتعددة الأطراف، بما في ذلك ودائع من دول خليجية تصل قيمتها إلى 20.8 مليار دولار، وإن كان هذا البند يمكن تخفيف أثره عبرَ العلاقات المصرية الخليجية التي تؤدي لإقناع الشركاء الخليجيين بتجديد ودائعهم دون طلب سدادها في الأجل المحدد، كما حدث مع الكويت مؤخرًا، التي مددت وديعتين لدى المركزي يستحق سدادهما في أبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول المقبلين.

لماذا لا نشعر بنتائج الإصلاح؟

يُرجع متولي المؤشرات السلبية للدين الخارجي، رغم التزام مصر ببرنامج صندوق النقد، إلى بيئة التشدد النقدي عالميًا، التي استشعرنا أثرها خلال الفترة الأخيرة "ارتفعت مدفوعات خدمة الدين الخارجي لمستويات قياسية خلال العامين الأخيرين، ويعود ذلك إلى عدة عوامل، منها زيادة أقساط الديون والفوائد بسبب ارتفاع أسعار الفائدة عالميًا ومحليًا".

ويؤكد أن مصر لم تستطع حتى الآن خلق موارد خارجية مستدامة لمساندة اقتصادها، وهو ما ينعكس على توقعات الصندوق بخصوص الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي حقق طفرةً في العام الماضي بفضل صفقة رأس الحكمة، ثم تراجع في العام التالي بقوة، و"على الرغم من إجراء صفقات ضخمة مع مستثمرين خليجيين، لكن معظم هذه الأموال جاءت من صفقات لمرة واحدة، وليس من استثمارات طويلة الأجل مستدامة. بالتالي، فإن هذه الأموال ليست كافيةً لسد الفجوة التمويلية الكبيرة في مصر على المدى البعيد. أغلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة تتركز في قطاع الطاقة (النفط والغاز)، بينما لا تزال باقي القطاعات الإنتاجية ضعيفة".

هنا يشير متولي إلى أن صندوق النقد الدولي أكد على ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية حقيقية في مناخ الاستثمار، بهدف جذب استثمارات أجنبية مستدامة.

"السؤال المهم هو هل الإصلاحات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة كافية؟ في المراجعة الرابعة، أكد صندوق النقد أن مصر حافظتْ على استقرار اقتصادي رغم الظروف الصعبة، لكن الإصلاحات الهيكلية ما زالت تتحرك ببطء"، حسب متولي.

ويتحدث الرئيس التنفيذي لمعهد سيجنت البحثي أنجس بلير لـ المنصة عن طبيعة الإصلاحات التي يطلبها الصندوق وتأخرنا في تنفيذها، "مبيعات الأصول الحكومية لا تزال متأخرة عن الجدول الزمني المحدد".

ونفذت الدولة صفقة خصخصة محدودة خلال عام 2024 من خلال بيع البنك المركزي جزءًا من حصته في بنك المصرف المتحد، ورغم إعلان الحكومة عن نوايا لإبرام صفقات خصخصة ضخمة تشمل طيفًا واسعًا من المنشآت الإنتاجية في مجال الطاقة والبنوك وغيرها، فإن مصدرًا في وزارة المالية قال في تقرير سابق لـ المنصة إن عروض الشراء المقدمة كانت متدنية. 

يشير بلير إلى بعض العوامل السلبية أيضًا التي ليست في يد صانعي القرار، وساهمت في المؤشرات السلبية عن مصر مثل تأثير الاضطرابات في المنطقة على حركة الملاحة في قناة السويس.

بشكل عام يرى الرئيس التنفيذي لمعهد سيجنت أن مصر ستظل تعاني من ضغوط الدين الخارجي ومصاعب تدبير النقد الأجنبي في الأجل المتوسط، بسبب العوامل السابقة، التي تتزامن مع ضعف الصادرات "سيستغرق الأمر وقتًا ليتوازن القطاع الخاص بعد سنوات من معدلات التضخم المرتفعة والقضايا المتعلقة بتوفر العملة الأجنبية التاريخية".

النصف الممتلئ من الكوب

من جهة أخرى يشير الخبراء إلى أن بيان الصندوق يكشف في المقابل عن نجاحات حققتها الحكومة في بعض المجالات فـ"صندوق النقد الدولي توقع أن ينخفض إجمالي الدين العام حتى نهاية السنة المالية الحالية" كما يقول بلير.

ويرجح أن تقل ضغوط الدين العام في الأجل المتوسط "الخبر الجيد فيما يتعلق بالدين هو أنه مع الانخفاض المتوقع في معدلات التضخم، هناك مجال كبير لخفض أسعار الفائدة، مما سيساعد في تقليل العائد على إصدارات الدين المقبلة، وبالتالي تقليل عبء الدين على الحكومة، وأخيرًا تحسين قدرة الحكومة على ضبط سياستها المالية".

بخصوص مؤشرات الدين العام أيضًا، فإن توقعات صندوق النقد بتراجع مستوى هذا الدين تعني أن النمو في الناتج المحلي يفوق زيادة الدين وهو مؤشر إيجابي للاقتصاد بشكل عام، حسب محللة الاقتصاد الكلي في سي آي كابيتال، سارة سعادة.

"نسبة الدين العام للناتج المحلي تتكون من عنصرين؛ الأول هو الدين وهو من الطبيعي أن يزيد لتلبية احتياجات الموازنة والميزان التجاري، في حين أن العنصر الثاني هو الناتج المحلي الذي يقيم أداء الاقتصاد والقطاعات المختلفة، من الصحي جدًا في حالة الاقتصاد المصري أن يزيد الناتج المحلي بمعدل أعلى من معدل زيادة الدين، وهو ما يؤدي إلى انخفاض نسبة الدين للناتج إلى أقل من 90% في المدى القريب"، توضح محللة الاقتصاد الكلي لـ المنصة.

وعلى الرغم من أن الدين العام على مسار الانخفاض، لكن التقدم نحو ضبط أوضاع المالية العامة في النصف الأول من السنة المالية الحالية كان أقل قوة مما  يتوقعه الصندوق، ما يعني أننا نتقدم نحو الخروج من الضغوط الحالية ولكن ببطء.

وتتفاءل سارة سعادة بالمستقبل القريب للاقتصاد المصري مع التعافي التدريجي للنمو الاقتصادي "جميع المؤشرات تسير في الاتجاه الصحيح ونتوقع تقدمًا في برنامج الطروحات الحكومية مع تباطؤ في التضخم أو انخفاض في أسعار الفائدة وتحقيق فائض أولي في الموازنة".