المصدر: موقع صندوق النقد الدولي
جانب من جلسات قمة صندوق النقد والبنك الدوليين في المغرب

كيف أصبحت المؤسسات الدولية جزءًا من مشكلة الديون العربية؟

منشور الأحد 22 أكتوبر 2023 - آخر تحديث الأحد 22 أكتوبر 2023

بينما تتجه أنظار العالم إلى تطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، انعقد الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي بمدينة مراكش بالمغرب بين 8 و14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري. 

وينعقد خلال الاجتماع السنوي مجلسا محافظي مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لمناقشة مسار العمل في كلتا المؤسستين، وهما الجهتان اللتان تمثلان الدول الأعضاء، ومن هنا تأتي أهمية الاجتماع الذي يأتي هذه السنة في ظرف اقتصادي عالمي وإقليمي، أقل ما يوصف به أنه "متأزم" في الشرق الأوسط.

فها هو الاقتصاد العالمي مرشح لسنة أخرى من النمو المنخفض، على وقع الحرب في أوكرانيا والتوتر في مضيق تايوان، وضِف إليهما مخاطر اتساع الصراع في الشرق الأوسط، مصدر ربع إنتاج العالم من النفط، وذلك في أعقاب سنين عجاف بالفعل نتيجة جائحة كورونا.

أدى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، بما في ذلك العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة تلك الواقعة ضمن شرائح الدول ذات الدخل المتوسط مثل مصر والمغرب وتونس والأردن، إلى تضخم نسب الدين العام من الناتج المحلي، وهو مؤشر على حجم الاستدانة نسبة إلى حجم اقتصادات تلك الدول، فنجد أنه بنهاية 2022، كانت نسبة الدين العام في مصر 72.9% وفي المغرب 75.6% فيما كانت 46% و40% في الأردن وتونس على الترتيب.

تفوق نسبة الدين الخارجي من إجمالي الدخل القومي المصري متوسط الدول التي تقع في نفس شريحة الدخل

لكنَّ المثير للانتباه أن المكوَّن الأجنبي من الدين العام، أي المقيم بالعملة الصعبة خاصة الدولار الأمريكي، ارتفع بوتيرة خطيرة لدى أغلب هذه الدول في السنوات العشر الماضية (2013-2023).

في مصر على سبيل المثال، ارتفعت نسبة الدين الخارجي إلى الدخل القومي الإجمالي بشكل مذهل من 16.6% في 2013 إلى 36.57% في 2022، أي بما يفوق الضعف.

ولم تكن مصر استثناءً بحال إذ ارتفعت هذه النسبة في الأردن من 67.43% إلى 92.91% في نفس الفترة، وتضاعف تقريبًا في تونس من 55.26% إلى 91.39%.

وتفوق هذه النسب متوسط رصيد الدين الخارجي في الدول ذات الدخل المتوسط محل المقارنة، الذي بلغ 26.15% عام 2021، بل ومتوسطات أغلب المناطق الأخرى من العالم مثل جنوب آسيا (22.46%) وشرق آسيا (18.27%)، ما يعني أن الدول العربية ذات الدخل المتوسط، غير الغنية بالنفط والغاز، تواجه تحديات مديونية خارجية غير مسبوقة منذ الثمانينيات، إلى جانب تحديات المديونية الداخلية، وإن كان لهذا تداعيات مختلفة في طبيعتها، لأن هذا الدين لا يقيم بالعملة الصعبة.

تاريخ قديم/جديد لنا مع الصندوق

تمثل الثمانينيات نقطة مقارنة تاريخية بالغة الدلالة، فقد انتهى العقد بصفقات كبيرة لإعفاء بعض الدول، منها مصر والمغرب وتونس والأردن، من جزء كبير من ديونها الخارجية أو على الأقل إعادة هيكلتها.

تمت أغلب تلك الصفقات بوساطة صندوق النقد الدولي ورعاية من البنك الدولي، مقابل تبني إجراءات تقشفية بشكل تدريجي قبل الوصول لاتفاقات إعادة الهيكلة. ولكن هذه الإجراءات لم تتمتع بقبول شعبي، وأدت بالفعل إلى احتجاجات في المغرب (1984) وتونس (1983-1984) والأردن (1989)، وقبلها مصر (1977).

ولكن الجديد هذه المرة هو أن أنصبة مؤسسات التمويل الدولية، وهو ما يُعرف بالديون متعددة الأطراف، باتت تمثل نسبة بالغة الارتفاع من إجمالي الديون الخارجية التي تراكمت خلال السنوات القليلة الماضية على كثير من الدول العربية.

تظهر بيانات البنك الدولي ارتفاعًا ملحوظًا في نصيب الديون متعددة الأطراف من إجمالي خدمة الدين العام الخارجي للكثير من دول المنطقة العربية، إذ بلغ المتوسط في العشر سنوات الماضية (2009-2021) 26.51% في مصر، فيما كان 46% و45% و41% في تونس والمغرب والأردن على التوالي.

جزء من المشكلة لا جزءًا من الحل

وكما زادت أنصبة مؤسسات التمويل الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد، في إجمالي المديونية الخارجية لهذه الدول، زاد نصيبها بداهة من مدفوعات خدمة الدين الخارجي كذلك، سواء في صورة أقساط أو فوائد.

وبشكل عام، تفيد بيانات البنك الدولي أن خدمة الدين الخارجي ارتفعت بمعدلات كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية: ففي مصر تضاعفت نحو أربع مرات من 7.63% في 2013 من إجمالي الصادرات السلعية والخدمية والدخل الأولي (بما في ذلك تحويلات العاملين بالخارج) إلى 31.52% في 2021، وعلى نفس الشاكلة تضاعفت في تونس من 10.98% إلى 21.17% وفي الأردن من 6.17% إلى 20.28%.

ويعني هذا أن بلدانًا مثل مصر وتونس والأردن بات عليها أن تخصص ما بين خمس إلى ثلث إجمالي ما يتحقق لديها من إيرادات بالعملة الصعبة، لا لشيء إلا لخدمة ديونها الخارجية، أي لتبقي عجلة الاستدانة دائرة دون أن تتعرض لمخاطر الإفلاس.

وتقف مصر كمثال معبر للغاية، إذ تمثل الديون المستحقة للمؤسسات متعددة الأطراف، وعلى رأسها الصندوق والبنك الدوليين، 32% من إجمالي الدين الخارجي في الفترة من 2017 إلى 2022، وفقًا لبيانات البنك المركزي، كان نصيب صندوق النقد منها 42% أي ما يقارب من نصف إجمالي الديون متعددة الأطراف. وبالفعل فإن الأموال المستحقة لصندوق النقد في الحالة المصرية تمثل أكبر مدفوعات للأقساط والفوائد خلال العام المالي الجاري.

إن هذه بحق مشكلة لأنه على الرغم من أن المنطق وراء القروض متعددة الأطراف هو مساعدة أعضاء تلك المؤسسات من الدول على مواجهة اختلالاتهم الخارجية، أو لتوفير فرص تنموية للتمويل عن طريق إتاحة قروض بأسعار فوائد أقل من القروض التجارية، لكنها ديون غير قابلة لا للإلغاء ولا للتخفيض ولا حتى لإعادة الجدولة أو إعادة الهيكلة، ومن ثم فإن سدادها أولوية على غيره من الديون، ما يعطيها درجة من الحصانة فعليًا.

انتهى المطاف بنا إذن في المنطقة العربية، إلى تحوِّل ما كان مفترضًا به أن يكون حلاً لمشكلة الديون الخارجية إلى جزء من المشكلة، وصرنا نعاني تبعات تضخم بنود خدمة الديون المقيمة بالعملة الأجنبية، التي لا يمكن التفاوض بشأنها ولا الإعفاء منها، على عكس ما وقع في نهاية الثمانينات.

هذه هي المعادلة الصعبة التي حوَّلت قمة مراكش إلى مفارقة كبرى، فالصندوق المشغول بديون المنطقة، هو جزء كبير من المشكلة وليس الحل.