قناة الندى على فيسبوك
لقطة من فيديو بعنوان انتبه قبل الرحيل، على صفحة قناة الندى في فيسبوك، 27 أبريل 2024.

حجازي محمد الذي أصبح أبو إسحاق الحويني

منشور الأربعاء 26 مارس 2025 - آخر تحديث الخميس 27 مارس 2025

رحلةٌ إلى إسبانيا كانت الانعطافةَ التي تغيّر عندها مسار حياة الشاب القروي حجازي محمد يوسف شريف، فأيٌّ من المسارات التي سار فيها ابن محافظة كفر الشيخ لم تكن لتنتهي به داعيةً سلفيًا ورمزًا من رموز الاتجاه الديني المتشدد في مصر والعالم الإسلامي في العقود الأخيرة.(*)

كان حلم حجازي الالتحاق بكلية الطب أسوة بأشقائه، لكن درجاته في الثانوية العامة لم تسعفه، فطرق باب كلية الشرطة إلا أنه رسب في اختبارات اللياقة البدنية. التحق بكلية الألسن جامعة عين شمس، أملًا في التعيين معيدًا بالجامعة، أو العمل في الترجمة أو الإرشاد السياحي. ولكن الأقدار وفرت له منحة للسفر إلى إسبانيا، أرض الأندلس المفقود.

وعندما وافته المنية يوم 17 مارس/آذار 2025 عن عمر ناهز التاسعة والستين عامًا، كان الداعية السلفي الذي نعاه الأزهر في قطر حيث عاش آخر سنواته مقيمًا هناك للعلاج، ليثير خبر وفاته جدلًا بين مؤيدي ورافضي أفكاره وفتاواه.

رحلة إلى الأندلس

تَفوَّق حجازي/أبو إسحاق في قسم اللغة الإسبانية في كلية الألسن جامعة عين شمس، وهو ما أهّله لمنحة ضمن بعثة صيفية مدتها ثلاثة أشهر، في عامه الجامعي الثالث، للتدرب على اللغة في بلدها الأصلي.

ولكن بدلًا من أن تزيد الرحلة معرفته باللغة الإسبانية، وبدلًا من معايشة الحياة العصرية في فترة ثرية شهدت تغيرات انتقال الحكم من الجنرال العتيد فرانكو إلى الجنرال خوان كارلوس؛ تخلى الشاب عن قميص وبنطال حجازي محمد وأطلق لحية أبو إسحاق الحويني لأول مرة.

ربما تغير تحت وطأة الغم الذي أصابه وهو يرى أثر أمجاد المسلمين الذين فقدوا الأندلس بعد حكم امتد لأكثر من 7 قرون، وربما تعرض للصدمة نفسها التي غيّرت مسار سيد قطب، حين زار الولايات المتحدة في أربعينيات القرن الماضي، ليتحول من ناقد فني إلى منظر رئيسي للجماعات الدينية الأكثر راديكالية.

وفق نظرية التحدي والاستجابة للمؤرخ الإنجليزي الشهير أرنولد توينبي فإن البشر كالحضارات يسلكون في الأزمات وحالات الضعف سلوكًا مشابهًا؛ فإذا واجه الإنسان/الحضارة تحديًا يفوق قدرته على الاستيعاب فقد يتجه إلى مرحلة زمانية قديمة لاستحضار صور النصر والقوة والعالم المثالي المفقود.

وما أدراك ما السبعينيات

في السبعينيات كانت مصر على موعد مع تحولات فكرية كبرى؛ بعد حرب أكتوبر 1973، أراد الرئيس السادات أن يبدأ عهدًا جديدًا يتخلص فيه من جماعات النفوذ التي تشكلت في عهد سلفه جمال عبد الناصر، وفي سبيل ذلك حرر جماعة الإخوان من السجن وعقد تحالفًا مع مرشدهم الشيخ عمر التلمساني، وأطلق العنان للتيارات الإسلامية في الجامعات والمجال العام، في مواجهة اليسار والأفكار الاشتراكية والتحالف مع السوفيت الشيوعيين.

فضّل أبو إسحاق العمل في البقالة على الالتحاق بالإذاعة أو الإرشاد السياحي تجنبًا للاختلاط مع المتبرجات

سيطرت الجماعات الدينية على جوانب من الحياة في مصر، ومن بينها الجامعات حيث امتد نفوذ الجماعة الإسلامية، التي انضوت تحتها عدة تيارات فكرية متنوعة. ورغم اختلافاتها، اشتركت تلك الجماعات في مفهوم قائم على إحياء الماضي ورفض الموبقات التي عمت المجتمع الفاسد، والحكم بما أنزل الله من وجهة نظر قادتها.

بالتزامن، فتحت الجارة السعودية ذراعيها للكوادر الشابة التي تريد تلقي المذهب الوهّابي في الاعتقاد والتفسير ونمط الحياة، وأغدقت الأموال والكتب والرسائل والرواتب السخية والحياة الكريمة. 

البقالة أطهر من الوظيفة

الرئيس السادات أثناء خطابه في الكنيست الإسرائيلي، نوفمبر 1977

كل هذه الظروف وفرت أرضًا خصبةً ومغريةً لبدايات تشكّل شيوخ السلفية في مصر، ومن بينهم الشاب النابه حجازي، الذي سيسلك سلوكًا محافظًا، تحديدًا تجاه المرأة والمسيحيين والغرب، ليحتمي بحالة ذهنية تمجد الماضي وترى النصر في كتب التاريخ أكثر من الحياة الحالية.

عقب التخرج في الجامعة عام 1979، رفض حجازي العمل بالجهاز الإداري للدولة، سواء بالترجمة في الإذاعة أو الإرشاد السياحي أو التدريس في الجامعة تجنبًا للاختلاط بالنساء المتبرجات، واشترى لنفسه دراجة وعمل في محل للبقالة، وتفرغ لطلب العلم الشرعي.

في السبعينيات وبالأخص في خواتيهما وبداية الثمانينيات، بدأ أبو إسحاق المولود في 10 يونيو/حزيران 1956م، بقرية حوين بمركز الرياض، كفر الشيخ، تلقي العلوم الدينية. وحرص على حضور دروس الفقه للشيخ محمد نجيب المطيعي (1922 - 1985) في بيت الملايو، حيث يتجمع طلاب ماليزيا، بميدان عبده باشا بمنطقة العباسية. ورغم أن نجيب شيخ مستقل، لا ينتمي لمؤسسة معروفة، ولم ينل تعليمًا أكاديميًا، لكن الدعوة السلفية تعتبره أحد مراجعها الأُول.

 كما أعجب الحويني بالداعية الشهير عبد الحميد كشك خطيب مسجد عين الحياة بمنطقة دير الملاك بحي حدائق الزيتون في القاهرة. 

في هذه الفترة تماس حجازي أيضًا مع العمل السياسي حد أنه اُعتقل في حملة اعتقالات سبتمبر/أيلول 1981 الشهيرة، التي شنها السادات ضد ممثلي جميع التيارات السياسية والدينية والفكرية من المعارضين لسياساته.

بعدها لم تلبث الجماعة الإسلامية، المتسيدة على الفكر الديني خلال هذه الحقبة، أن انقسمت إلى ثلاثة توجهات؛ أولها يمثله جماعة الإخوان المسلمين التي حاولت الدخول إلى مجال العمل السياسي والنقابي وتحالفت مع أحزاب مدنية مخالفة لتوجهاتها، مثل الوفد في انتخابات 1984 والتجمع في انتخابات 1987.

وثانيها، جماعات سلفية جهادية ترى التغيير من أعلى وتدعو لمحاربة الحكام، وكان تمركزها في صعيد مصر.

وثالثها، جماعات سلفية علمية ترى أن التغيير يحدث من أسفل بتغيير المجتمع ودعوته إلى الالتزام الديني ومقاومة البدع وتقييد حرية المرأة وتحريم الفن، وهو التوجه الذي وجد فيه أبو إسحاق ضالته.

نجوم الكاسيت 

بعض السنين لها دلالات، مثل عام 1979،  ففيه اقتحم شاب سعودي يدعى جهيمان العتيبي الحرم المكي بالسلاح، وفيه اندلعت الثورة الإسلامية في إيران، وغزا السوفيت أفغانستان، وفيه اقترب رونالد ريجان من الوصول إلى السلطة في الولايات المتحدة. 

في هذا السياق، حدث توافق سعودي-أمريكي-مصري على إعطاء الضوء الأخضر للتيارات السلفية لأن تنشط على الأرض لمحاربة الإلحاد الشيوعي، ومهاجمة الشيعة باعتبارهم فريقًا مارقًا عن الدين، وتأكيد الحضور الديني الشعبي الذي يحمي الحكام من اتهامهم بأنهم لا يطبقون شرع الله. 

تغاضى مبارك عن تحول مساجد السلفية إلى مؤسسات دعوية وخيرية موازية للدولة والأزهر 

أخذت السعودية على عاتقها ضخ الأموال في المؤسسة الدينية لتثبت لشعبها أنها أكثر إيمانًا من هؤلاء الذين يخرجون عليها، وهنا دعمت المؤسسات السعودية التيار السلفي المصري الذي يعتمد على نمط تدين شعبي يتوافق مع البيئات المحافظة والبدوية، ويحرّم في الوقت ذاته الخروج على الحاكم.

خلال عام 1979 أيضًا تكونت مدرسة الإسكندرية السلفية على يد قيادات شابة من بينهم الدكتور ياسر برهامي والشيخ محمد إسماعيل المقدم والدكتور سيد عبد العظيم، ومعظمهم من خريجي كلية الطب، وعقدوا أول اجتماع لهم داخل مسجد عباد الرحمن بالإسكندرية، وفق النائب أشرف ثابت القيادي بحزب النور وعضو مجلس الشيوخ في حوار لذات مصر. 

كان لمدرسة السلفية العلمية في الإسكندرية شيوخها المؤسسون، ولكن لم يكن هناك ما يمنع وجود نجوم فرادى يغردون خارج المؤسسة السلفية التقليدية، وبالتنسيق معها. وكان أشهرهم محمد حسين يعقوب ومحمد حسان وأبو إسحاق الحويني. وكان هناك ما يشبه التقسيم الجغرافي لنفوذ كل منهم؛ يعقوب في القاهرة، وحسان في الدقهلية، والحويني في كفر الشيخ. 

لقطة تجمع أبو إسحاق الحويني والداعية الهندي ذاكر نايك والداعية الأمريكي يوسف إستس، 14 مايو 2023

ومع ظهور شرائط الكاسيت في السبعينيات والثمانينيات وجد مشايخ السلفية العصا السحرية للانتشار؛ فكما نشرت أفكار الخميني بين الإيرانيين رغم أنه كان منفيًا في فرنسا، كان لها الدور نفسه في انتشار نجوم الدعوة السلفية الثلاثة يعقوب وحسان وأبو إسحاق.

كان خطاب حسان يركز على الجانب الروحاني والعاطفي، ويتولى يعقوب الجانب التربوي، بينما تزعم الحويني التنظير العلمي ونبغ في علم الحديث بالذات، وسار على نهج الرمز السلفي الشهير الشيخ لألباني.

تلقفتهم شركات الكاسيت غير المرخصة في مناطق العتبة ووسط البلد في القاهرة، التي كانت تعمل ليل نهار على نسخ الأشرطة، في مقابل التمويل الضخم الآتي من الخليج. 

من حجازي إلى أبو الفضل وأبو إسحاق

مع الصعود الكبير للتيار السلفي تخلى الشيخ عن اسمه الأصلي، وعلى خطى القدماء اختار لنفسه كنية علمية. في البداية اختار أبا الفضل، نسبة إلى الفقيه المصري الحافظ بن حجر العسقلاني، ثم عدل عنه ورسى على أبا إسحاق وهي كنية الصحابي سعد بن أبي وقاص، والحويني نسبة إلى قريته حوين. 

باغتيال السادات في بداية الثمانينيات، برز اسم الحويني بين نجوم دعاة السلفية، وقتها لم يكن لدى الرئيس الجديد حسني مبارك، مانعٌ في صعود التيار الديني المحافظ طالما ابتعد عن السياسة. فالسلفية العلمية عمومًا كانت ترفض الخروج على الحكام، كما أنها كانت تقتطع من جمهور الإخوان المسلمين والجماعات الجهادية. ودارت بين الجماعات صراعات اجتماعية وفكرية انطلقت من المساجد إلى الفضاء العام، وخدم كل هذا مصلحة النظام في ضرب المنافس السياسي والديني بمنافس ديني أكثر تشددًا.

تحولت مساجد السلفية بمرور الوقت إلى مؤسسات لإعداد الدعاة، تنشر منهجًا مخالفًا لمنهج مؤسسة الأزهر القائم على التعددية الفقهية، والمذهب الأشعري، والتصوف الفلسفي. وامتلكت الدعوة السلفية منافذ لتقديم الرعاية الصحية والإعانات الشهرية، لتتراجع الدولة أمام شبه دولة موازية، لها علومها الشرعية ومصادر تمويلها وأذرعها الخدمية.

وكان أبو إسحاق على رأس هذه الجماعة في تبنّي الأفكار الأكثر تشددًا، والتي لعبت أيضًا على وتر التدين الشعبي بالأخص بين الأجيال الصغيرة المتحمسة. استعادت تلك الأفكار آراء السلف وعلماء المسلمين الأكثر راديكالية، وعلى رأسهم ابن تيمية وابن قيم الجوزي. ووصلت في بعضها إلى درجة الشطط، ففي فيديو شهير يجعل الحويني من العالم كله دار حرب وغزو، ويفسر واجب الجهاد باستمرار العدوان واستباحة أموال وأعراض الغير واستعباد البشر، ويعتبر من ضمن الموارد الرئيسية للموازنة العامة للدولة السبي وسوق النخاسة والاتجار في البشر. 

ورغم تبنيه أفكار متطرفة، فإن هذا التيار وعلى رأسه أبو إسحاق، لم يقل بشكل مباشر بتكفير المجتمع والخروج على الدولة الحديثة كما فعلت الجماعات الجهادية المقاتلة، ولم يتورط في العنف، ما جعله آمنًا من استهداف السلطة التي لم تر خطرًا في تيار كل ما يعنيه المظهر، وأشهر فتاواه تتعلق بحكم إطلاق اللحية وحف الشارب وتقصير الثياب.

الأشعرية والصوفية أعداء ليسوا خطرين

بدلًا من الدخول في عداءات خطيرة، اختار التيار السلفي خوض معارك متوهمة، واختار أعداءً مسالمين. تبنى توجهًا فقهيًا وعقائديًا مغايرًا أطلق عليه عقيدة أهل السنة والجماعة، ومن خلاله بدأ يهاجم العقيدة الأشعرية الأزهرية.

وكان أبو إسحاق في مقدمة الهجوم، ودارت بينه وبين مفتي مصر السابق الشيخ علي جمعة حلقات من الهجوم المتبادل، فالأخير لم يلتحق بمدارس الأزهر منذ الصغر، لكنه خريج التعليم المدني حتى الجامعة، والتحق بالأزهر على كبر، ونال درجتي الماجستير والدكتوراه من كلية أصول الفقه، وهو صاحب حضور جماهيري وقدرة على تبسيط المفاهيم، ويتميز بحس دعابة واضح، ابن بلد، ويملك سرعة بديهة، وجرأة في النقد، ولا يخشى المواجهة.  

لقطة من محاضرة للدكتور علي جمعة يرتدي فيها زي الطريقة الصوفية الصديقية الشاذلية التي يرأسها، 22 يوليو 2020

وهي المهارات نفسها التي يمتلكها الحويني، فلديه أيضًا القدرة على النقد اللاذع مع مسحة فكاهة والدخول في خصومات عنيفة فيها اتهام وتجريح.

لذلك نجد أبو إسحاق ينتقد موقف جمعة في وفاة حفيد الرئيس مبارك، حين ظهر الشيخ في المساء من خلال برنامج البيت بيتك على التليفزيون المصري مع الداعية خالد الجندي، محاولًا أن يهدئ من روع الأسرة الحاكمة بأن الفقيد محمد علاء مبارك يرسل للأسرة رسائل طمأنة ونور وسلام، وأن الشيخ استشعر هذه الرسائل.

انتهز أبو إسحاق الفرصة في الهجوم على جمعة، ووصفه بأنه من علماء السلطان المتزلفين الذين لا مروءة لهم ولا شهادة عدل. 

لم يكن هجوم الحويني المتكرر على علي جمعة بسبب قربه من الحاكم فحسب، ولكن أيضًا بسبب نشاطه الصوفي وتأسيسه لطريقة صوفية خاصة به، ومن المعروف أن التيار السلفي يعادي الصوفيين ويتهمهم بالابتداع والضلال.

مواقف رمادية من قضايا كبرى 

ظل أبو إسحاق والتيار السلفي في صعود حتى حانت لحظة فارقة، وهي ثورة 25 يناير، فما بعدها لم يكن كما قبلها. اندمج التيار السلفي في الانتخابات وشكل أحزابًا، على رأسها حزب النور الذي تأسس عقب يناير ونافس الإخوان وحصل على حصة كبيرة من مقاعد أول برلمان منتخب بعد الثورة.

مع هذه التغيرات الحادة بدأت تظهر التناقضات التي يتسم بها الفكر السلفي في قضايا عدة، ومن بينها الموقف من الخروج على الحكام، وهنا سقط أبو إسحاق.

في محاضرة له تحدث الشيخ عن تغير موقف السلفيين من الثورة باعتبارها خروجًا على الحاكم، وهو ما ترفضه أدبيات السلفية العلمية التي يمثلها الحويني، فيقول إنهم -أي شيوخ السلفية- كانوا ضد التظاهرات لكننا "نمر حاليًا بوضع جديد لم نعلم عنه شيء من قبل ولم ندرسه في كتب الفقه لأن الثابت أن الثورات كانت تدمر البلاد ولا تفيد في شيء".

الموقف نفسه حدث من جماعة الإخوان التي وصلت للحكم عن طريق الانتخابات في عام 2012 ولم تستمر فيه أكثر من عام. وكان للتيار السلفي في أغلبه مواقف متباينة من الإطاحة بحكم الإخوان في 3 يوليو، ففي حين شارك حزب النور في البيان الشهير تحالفت تيارات سلفية مع جماعة الإخوان؛ وقف أبو إسحاق والكثير من مشايخ السلفية في المنتصف بين هذا وذاك.

لا يطرح الحويني نقدًا سياسيًا أو اجتماعيًا لتجربة الإخوان في الحكم، أو لأسباب فشلهم في التواصل مع عناصر التغيير الشابة، أو التفاعل مع أجهزة الدولة العميقة، أو تقديم دستور حر وقوانين تضمن نزاهة السلطة. يتنصل من التجربة بشياكة، متهمًا الإعلام "الغادر الذي شوه صورة الإسلاميين" بأنه السبب في إفشال التجربة، وأن الله سلب من الإخوان الحكم "ليعرفوا أن التمكين لا يكون إلا بالعبودية لله".

وفي كلمة ألقاها عبد الفتاح السيسي، في 24 يوليو/تموز 2013، بمناسبة تخريج دفعتين جديدتين من كليتي الشرطة والحربية، وكان وقتها على رأس الجيش برتبة فريق أول، أشار إلى الحويني خلال حديثه عن التيارات الإسلامية التي كان يلتقيها عقب ثورة يناير، بحكم وظيفته السابقة مديرًا للمخابرات الحربية. كانت تلك إشارة خشي الحويني أن يُفهم منها تأييده للسيسي في دعوته للمصريين بالنزول للميادين وتفويضه لفض اعتصام أنصار الإخوان في ميدان رابعة العدوية بالقوة، فأصدر بيانًا يحث السيسي فيه على التراجع تجنبًا لإشعال حرب أهلية.

بعد البيان وبعد الفض، خرج أبو إسحاق من مصر إلى قطر للعلاج في 2015، وبقي هناك إلى أن مات، دون أن يتمكن ابنه حبيس السجون المصرية من وداعه. وبعد كل المناوشات مع الأزهر ورموزه، نعاه الأزهر في بيان وصفه فيه بأنه "سخر وقته وجهده لخدمة السنة النبوية وعلومها".

سقطت قداسات كثيرة في مصر عبر عشرية الثورة، ولكن هل يستطيع المصريون تجاوز الزعامات الدينية واستبدالها بقيادات مدنية تقنعهم أن حلول أزماتهم ستكون على يد كوادر تكتسب مكانتها من الكفاءة والعدالة والشفافية والمساءلة، أم أن المدنيين سيضطرون الجماهير إلى اللجوء لمناجاة السماء عبر وسيط سلفي أو صوفي.


(*) حدثت المنصة هذه القصة في 27 مارس 2025 لتصويب اسم الشيخ وتاريخ انتقاله إلى قطر.