تصميم: أحمد بلال
مصر شهدت موجة صعود قوية لأسعار العقارات مع ارتفاع سعر صرف الدولار، 2025

الملكية الجزئية للعقار.. مخرج آمن للطبقة الوسطى؟

منشور الثلاثاء 13 مايو 2025

لعقود طويلة، لم يعرف القطاع الأوسع من المصريين ملاذًا آمنًا لأموالهم أفضل من البنوك. يذهب أحدهم إلى الخليج، يعود بتحويشة العمر ليضعها في البنك ويعيش على فوائدها، وتخرج موظفة على المعاش فتضع مكافأة نهاية الخدمة في أحد البنوك وتتكئ على فوائدها في أرذل العمر. لكنْ في الجمهورية الجديدة، لم تعد العشرة آلاف جنيه فوائد كافية في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار الناتج عن انهيار الجنيه أمام الدولار.

صحيحٌ أن البنك المركزي أحدث قفزةً كبيرةً في الفائدة في مارس/آذار 2024، وظل محافظًا على معدلاتها المرتفعة حتى الشهر الماضي الذي طبَّق فيه أول خفض للعائد منذ أكثر من أربع سنوات، لكن التضخم هو الآخر سجل معدلات قياسية، ورغم تراجع حدته خلال الأشهر الأخيرة فإنه لا يزال يحلق فوق المستويات المعتدلة.

تآكل الفائدة الحقيقية تحت ضغط التضخم دفع الكثيرين للبحث عن ملاذ آمن مثل الذهب، وهو الملاذ المعتاد لأكثرية من المصريين، إلا أنه ليس الوحيد.

"الملكية الجزئية للعقار" وسيلة آمنة ومربحة للجميع

هناك الآلاف ممن يبحثون عن ملاذات أخرى تدر دخًلا، بعضها تلوح معه شبح تجربة الثمانينيات عندما ذهبت أموال الطبقة الوسطى إلى وسائل الادخار غير الرسمية، وبزغت شمس شركات توظيف الأموال مثل الريان والسعد والشريف ومن شابههم. 

ولأن التجارة ليست متاحة للجميع، والبورصة ما زالت شفرتها عصية على الفهم لأغلب الناس، فإن المسارات الملائمة المتوقعة تنحصر بين ادخار الأموال في الذهب أو الدولار. تلك هي الخيارات المتاحة للباحثين عن ملاذ يضعون فيه أموالهم فلا تخسر قيمتها مع كل هبوط للعملة المحلية.

المسار الثالث الذي اعتاده قطاعٌ ليس بالهين من الطبقة الوسطى هو الاستثمار في العقارات. ضع أموالك في شقة، أو إن كنت تمتلك مالًا أوفر ابنِ عمارة، أجِّر الشقق واعتمد على الإيجار. لكن العقارات هي الأخرى ارتفعت بشكل جنوني، فضلًا عن أن هذا القطاع بطبيعته يحتاج إلى سيولة كبيرة للدخول فيه حتى وإن كنت تحتاج إلى شقة واحدة، فإن قيمتها كسرت حاجز المليون جنيه!

الملكية الجزئية

أين يذهب إذًا مواطنٌ يريد الاحتفاظ بقيمة 100 ألف جنيه هي ما يملك؟ البنوك صفقة خاسرة، والذهب والدولار تخزين جيد للمال لكن لا يدران عائدًا شهريًا، والعقارات ارتفعت أسعارها وبات من العصي الولوج لهذا القطاع بأموال محدود.

ولأن الفراغ يجد دومًا ما يملأه، ظهر في الآونة الأخيرة بابٌ جديدٌ للاستثمار يستهدف الباحثين عن حل للمعادلة الصعبة، إذ بدأ بعض المطورين العقاريين في طرح فكرة "الملكية الجزئية للعقار" وسيلةً آمنةً ومربحةً للجميع.

تعتمد الفكرة التي يطرحها المطورون العقاريون على تقسيم المبنى، سواء كان سكنيًا أو تجاريًا إلى حصص، ومن حق كل شخص أن يشتري عدد الحصص التي يريد. مثال، لنقل إن هناك مولًا تجاريًا جديدًا يُدشن، سيقسم إلى 1000 حصة، تُباع فرادى، ليصبح بإمكان الفرد شراء حصة أو اثنتين أو أي عدد من الحصص وفقًا للمبلغ المتوفر معه، على أن تتولى شركة متخصصة تلك المهمة، بالتالي يريح المستثمر الصغير نفسه من أعباء الإدارة وتحصيل الإيجار، وفي الوقت نفسه إذا أراد بيع حصته يمكن ذلك بسهولة، سواء بنفسه أو عن طريق شركة الادارة.

هنا يجني مالك الحصص مكسبين؛ الأول أن المول ستُؤجر وحداته، فيحصل صاحب الحصص على نصيبه من قيمة الإيجار وفقًا لعدد الحصص التي اشتراها، الثاني أن سعر المول يرتفع مع الوقت وعليه قيمة الاستثمار فيه تزيد، فلو رغب مالك الحصص في بيع حصته والخروج سوف يبيع بالسعر الحالي وليس بالسعر الذي اشتراها به.

الملكية الجزئية للعقار بشكلها ليست جديدة على مصر فالصعايدة عرفوا هذا النمط من التعامل المالي مع العقارات بشكل بدائي

يقر رئيس مجلس إدارة أبتاون 6 أكتوبر للتطوير العقاري، أحمد أبو زيد، بوجود خلل في عملية التسعير في مصر  فالوحدة التي يبيعها المطورون الآن بـ10 ملايين جنيه، هي في حقيقة الأمر لا تتعدى تكلفتها الـ3 ملايين جنيه، لكن نظام الدفع على 10 سنوات حمّل الوحدة أعباء وفوائد أوصلتها لهذا السعر.

وهو ما يختلف في حالة الملكية الجزئية للعقار؛ فالمشتري لا يتحمل كل ذلك، لأن العقار يُباع بسعر الكاش، وغالبًا ما يكون بناؤه بدأ بالفعل، فيتفادى الجميع التضخم وسعر الفائدة، بما يحقق المعادلة الصعبة؛ مدخرات أقل ومخاطر أدنى، يؤكد أبو زيد لـ المنصة.

يرصد رئيس مجلس إدارة أبتاون 6 أكتوبر بدايات الفكرة حيث شرعوا في "دراستها منذ 10 سنوات، لكن الأجواء لم تكن مناسبة لطرحها. أما الآن، فمع تغير البيئة الاستثمارية في مصر وتطور البنية التحتية التقنية، أصبح السوق مهيأ لاستقبال ذلك النمط الاستثماري الذي يعتمد إلى حد كبير على وجود كافة البيانات والأسعار متاحة على الإنترنت".

تطرح الوحدات ضمن الملكية الجزئية من خلال موقع إلكتروني يمكّن المستثمر من البيع والشراء والمتابعة، وهو نمط موجود منذ سنين طويلة في أوروبا وأمريكا، و"في مصر لا نخترع العجلة، وكل ما يلزمنا للمضي قدمًا في ذلك المسار هو إدخال بعض التعديلات على البنية التشريعية حتى يتم التوسع في مجال الملكية الجزئية للعقار"، يقول أبو زيد.

مخاوف مشروعة

بدورها ترى الخبيرة المالية ماري مراد أن الملكية الجزئية للعقار بشكلها الواسع ليست جديدة تمامًا على مصر، فالصعايدة عرفوا هذا النمط من التعامل المالي مع العقارات بشكل بدائي.

مجموعة من الرجال من نفس القرية، يجمعون أموالهم سويًا، يبنون عمارة، ومع البيع يقتسمون أنصبتهم، "شارع فيصل كله اتبني كده"، تقول ماري لـ المنصة.

هذه هي البذرة الأولى للملكية الجزئية للعقار، وما يحدث الآن، حسب ماري، هو عملية تطوير وتنظيم أكثر تعقيدًا للفكرة البسيطة، فبدلًا من أن تنتظر لبيع العقار وتأخذ نصيبك من الربح، أصبحت شريكًا في عملية مستمرة وتحصل على عوائد شهرية وأرباح طويلة المدى".

مع ذلك تحذر  من "عدة مخاطر يجب تلافيها والاحتراز منها عند التعامل على الملكية الجزئية للعقار، أهمها التأكد من أن أرض المشروع مدفوعة الثمن بالكامل"، ناصحة من يقدم على هذا الاستثمار بألا يشتري في مشروع على الخرائط، بل يفضَّل أن يكون المشروع مقامًا بالفعل وجاهزًا على التشغيل أو على الأقل في طور التنفيذ وقُطعت أشواط فيه، "غير كده فلوسك في خطر" تقول الخبيرة الاقتصادية.

مصلحة الدولة

مع اشتباك الكثيرين مع هذا النمط الجديد من الاستثمار، تبرز أسئلة عن دور الدولة؟ والاتجاهات التي يفكر فيها صناع القرار في ذلك الملف؟يجيب عابد مهران عضو المكتب الفني بوزارة الاستثمار لـ المنصة بوجود توجه عام بالاهتمام بقطاع العقارات، وهو ما ظهر جليًا في تعديل الكثير من القوانين مؤخرًا.

يؤكد مهران أن صناديق الاستثمار العقاري ستلعب في المستقبل القريب دورًا محوريًا في مهمة البيع الجزئي للعقارات، أو ما يسمى بيع الحصص للمستثمرين وهو ما سيشجع تصدير العقار الذي تتبناه الدولة لجذب العملة الأجنبية. وتصدير العقار يعني بيعها لمستثمرين أجانب.

بين دولة تسعي لتصدير العقار، وشريحة ليست بالهينة تبحث عن فرص استثمار آمن، يبدو البيع الجزئي للعقار حلًا ملائمًا للكثيرين، شريطة أن تراقبه الدولة عن كثب وحسم، حتى لا يجد المصريون أنفسهم في براثن ألف مستريح جديد.