حساب ساري الحمد على إكس
حرق صورة بشار الأسد في دمشق، 8 ديسمبر 2024

مستقبل سوريا بعد سقوط الديكتاتور.. إعادة بناء أم صراع فصائل؟

منشور الأحد 8 ديسمبر 2024

 بدا المشهد اليوم مع سقوط بشار الأسد، وكأن سوريا تسير على خيط رفيع بين إعادة بناء دولة جديدة من جهة، والغرق في دوامة الفوضى من جهة أخرى. ففي أعقاب سيطرة فصائل المعارضة على العاصمة دمشق، منهيةً 24 عامًا من حكم الأسد الابن، بات السؤال الرئيسي مرتبطًا بمآلات الوضع في سوريا، وكيف ستُحكم البلاد مستقبلًا.

وفي ظل مخاوف من تكرار سيناريوهات الفوضى والنزاع المسلح على السلطة والانقسام الشعبي على غرار ليبيا أو الصومال، أو اقتتال الأحزاب في أفغانستان، أعرب خبيران في الشؤون العربية والإقليمية تواصلت معهما المنصة عن مخاوف من غموض مستقبل سوريا، في ظل ما قد تواجهه البلاد من اندماجات وتفاهمات بين القوى المسيطرة، خاصة مع طموح أبو محمد الجولاني في لعب دور سياسي أكبر.

بلد ممزق بأربع حكومات

يرى الباحث في الشؤون العربية والإقليمية أحمد سلطان أن الانقسام القائم الآن في سوريا ليس أثرًا ترتَّب على سقوط الأسد، لأن "البلاد كانت منقسمة بالفعل إبان حكمه إلى أربع حكومات رئيسية". 

يُشير سلطان إلى حكومة النظام السوري، المستمرة في إدارة دمشق بالتنسيق مع المعارضة رغم سقوط الأسد، وحكومة الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تخضع أغلبيتها لقوات سوريا الديمقراطية ذات الأغلبية الكردية، بالإضافة إلى حكومة الإنقاذ في شمال غرب سوريا التي تديرها هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني، وهي القوة الأكثر تنظيمًا بين فصائل المعارضة، وأخيرًا حكومة الائتلاف الوطني السوري، التابعة للجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا.

المسار الحالي يُظهر توجهات نحو اندماجات وتفاهمات

أما على صعيد النزاع المسلح، فيضم التحالف العسكري القائم على عملية  ردع العدوان التي أسقطت الأسد، فصائل بينها مجموعات إسلامية وجماعات كانت تدعمها الولايات المتحدة، في السابق ويتكون من نحو 10 آلاف مقاتل.

في ظل هذه التشابكات المعقدة، يُجزم سلطان، ويوافقه الكاتب الصحفي السوري المقيم في القاهرة عبد الرحمن ربّوع، بغموض مستقبل سوريا. فكلاهما أجمع على أن المسار الحالي يُظهر توجهات نحو اندماجات وتفاهمات بين القوى المسيطرة، في وقت شدد فيه الأول على أن أي استقرار لن يتحقق دون حل عادل للقضية الكردية.

سيناريو حلب

على المدى القصير، لا يستبعد ربّوع أن تشهد دمشق تحديدًا خلال الأيام المقبلة، تكرارًا لما حدث في حلب بعد سيطرة فصائل المعارضة عليها قبل نحو أسبوع "تمت إعادة كل الموظفين والمسؤولين في حلب إلى دوائرهم الحكومية، وإعادة كل مؤسسات الدولة للعمل"، لكن تبقى الطبيعة المختلفة لدمشق "وما كانت تتضمنه من وظائف سيادية وخارجية ودفاع وأمن ومالية" تحديًا يستلزم ترتيبات من نوع خاص، على حد وصفه.

معادلة الحكم في سوريا لا تنفصل عن التدخلات الإقليمية والدولية

وتابع ربوع "ما زلنا أمام مرحلة انتقالية ملامحها غير واضحة للجميع، خاصة وأن الأمور تسير بطريقة تلقائية"، وهو ما أكد عليه سلطان "المسار السياسي الحالي يتبلور بناءً على اللحظة الراهنة، ولكنه لا يمكن أن ينفصل عن الإرث السابق للأزمة، وهو ما سيحدد شكل وطبيعة الدولة السورية في الفترة المقبلة".

أطراف خارجية

تدخلات الأطراف الدولية لم تكن بعيدة يومًا "فمعادلة الحكم في سوريا لا يمكن فصلها عن تدخلات قوى إقليمية ودولية، أبرزها تركيا، والولايات المتحدة، وإسرائيل، بالإضافة إلى دول أخرى لها مصالح استراتيجية في المنطقة"، يقول الخبير في الشؤون العربية والإقليمية أحمد سلطان.

وبعد ساعات من إعلان سقوط نظام الأسد؛ احتلت إسرائيل منطقة جبل الشيخ المتاخمة للجولان المحتل وأنشأت منطقة عازلة، بعد أن قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه أصدر أوامره لجيش الاحتلال بالاستيلاء عليها، معتبرًا أن سقوط الأسد "يوم تاريخي".

أشار سلطان إلى أن هذه الأطراف تلعب دورًا محوريًا في توجيه مسار الأحداث، وهو ما يجعل مستقبل سوريا أكثر تعقيدًا، حيث تتشابك المصالح الخارجية مع الأوضاع الداخلية وقد يستغرق إنتاج صيغة توافقية وقتًا طويلًا. 

ويلفت إلى أن النفوذ التركي، من خلال هيئة تحرير الشام وفصائل الجيش الوطني، يعزز فكرة الحفاظ على مركزية الدولة السورية كوحدة واحدة، بعيدًا عن نموذج الدولة الفيدرالية، لكن مع استمرار التعقيدات يبقى احتمال الفيدرالية قائمًا، وبالتالي يصعب التنبؤ بمستقبل النظام السياسي في البلاد.

بدأت المعارضة المسلحة التواصل مع مصر والسعودية

كما يؤكد سلطان أن الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، سيكون له دور بارز في المرحلة السياسية المقبلة، رغم تنافس العديد من الأطراف السياسية على تشكيل النظام الجديد.

وأشار إلى أن قيادات المعارضة المسلحة بدأت بالتواصل مع دول مثل السعودية ومصر للحصول على دعم يتيح لها المشاركة في الترتيبات المستقبلية، لافتًا إلى أن هيئة تحرير الشام، القوة المسلحة الأكبر حاليًا في شمال سوريا، تمكنت من تفكيك غالبية التنظيمات المعارضة لتوجهاتها، مما عزز نفوذها كقوة مهيمنة مقارنة بفصائل الجيش الوطني السوري التي تحظى بدعم تركي.

غير أن سلطان لا يستبعد حدوث اشتباكات محدودة في بعض المناطق مثل ريف حلب، خاصة مع قوات سوريا الديمقراطية، لكن هذه الصراعات "غالبًا ما ستنتهي بتفاهمات دولية بين الولايات المتحدة وتركيا، ما يرسخ استقرارًا نسبيًا في البلاد".

يستبعد الباحث في الشؤون الإقليمية والعربية اقتتال هيئة تحرير الشام مع الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا "ولو حصل فإن هيئة التحرير قادرة على تصفيته، لكن لن يحدث اقتتال لأن الدولة التركية تقوم بدور المنسق للطرفين".

يلفت إلى وجود فاعل أخير، مشيرًا إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي يحارب ضد كل هذه الأطراف ويتركز نشاطه في مناطق البادية وشمال شرق سوريا التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية للأكراد.

في الوقت نفسه، يعتبر الكاتب الصحفي السوري عبد الرحمن ربوع "أن هناك مساعي حثيثةً من الدول العربية للحيلولة دون انجراف سوريا تحت سيطرة المنظمات الإرهابية والمتطرفة".

شدد ربوع على أهمية السعودية وقطر والأردن والعراق ومصر  في "مساعدة السوريين للتوحد من جديد والتوفيق بين الأطراف المختلفة"، مؤكدًا أن ما سيساعد على ذلك أن غالبية السوريين كانت أزمتهم الأساسية في بقاء بشار على رأس السلطة "وما دام رحل فليست هناك مشكلة مع باقي أعضاء نظامه، لأنهم كانوا عبارة عن موظفين تنفيذيين، أما من أجرموا في حق الشعب السوري فمعظمهم قد هرب".

يبقى مستقبل سوريا غامضًا حتى الآن، رغم أن إدارة الشؤون السياسية التابعة للمعارضة المسلحة أعلنت أن "سوريا الجديدة ستكون دولة قانون يضمن الكرامة والعدالة والمؤسسات"، مشيرة إلى أن "المرحلة القادمة تتطلب مصالحة مجتمعية شاملة مبنية على العدالة والمساءلة".