تصميم أحمد بلال، المنصة، 2024
بشار الأسد، الرئيس السوري السابق

بشار الأسد.. ابن الصدفة الذي دمر شعبه وأسقط حكمه

منشور الأحد 8 ديسمبر 2024

تحكمت الدراما في حياة بشار الأسد، بدايةً من وصوله إلى الرئاسة، ثم سنوات حكمه، والثورة عليه، وأخيرًا هروبه وسقوط نظامه.

ولد بشار في دمشق عام 1965، قبل وصول والده حافظ الأسد إلى رئاسة الجمهورية بست سنوات، ليكون أول رئيس بعثي علوي في التاريخ السوري.

درس بشار الطب وتخرج في جامعة دمشق عام 1988، واشتغل بطب العيون لأربع سنوات، ثم سافر إلى بريطانيا للالتحاق بمستشفى وسترن للعيون في لندن لاستكمال الدراسات العليا. وحسب ما جاء في السلسة الوثائقية "عائلة خطيرة.. آل الأسد"، الذي أنتجته بي بي سي عام 2018، كان بشار سعيدًا بالحياة في لندن، وتعرف هناك على زوجته أسماء الأخرس، التي تعود أصولها إلى مدينة حمص، والتي كانت تدرس علوم الكمبيوتر في جامعة كينجز كولدج. هكذا بدت حياته عادية جدًا.

حدث التحول الدرامي الأكبر لبشار بوفاة شقيقه الأكبر باسل في حادث سير عام 1994، في ذلك العام تغيرت حياته وانتقل من خارج دائرة الضوء إلى منتصفها، بعدما أصبح فجأة خليفة والده.

رسم له الإعلام صورة الشاب المُصلح الذي يحارب الفساد

عاد بشار إلى سوريا، ولأن أقرب طريق إلى السلطة في النظام الذي صنعه حافظ هو الجيش، التحق بالأكاديمية العسكرية في حمص، وتخرج فيها برتبة ملازم ما لبث أن ترقى ليصبح عقيدًا في الحرس الجمهوري السوري في 1999، قبل عام واحد من توليه مسؤولية ملف الوصاية السورية على لبنان بديلًا عن منافسه الوحيد المحتمل على رئاسة الجمهورية؛ عبد الحليم خدام نائب حافظ الأسد، الذي تولى هذا الملف منذ السبعينيات.

نجح حافظ في خلق ولاء لبشار داخل الجيش والأجهزة الأمنية، ورسم له الإعلام صورة الشاب المُصلح الذي يحارب الفساد.

في البداية، ظهر بشار قريبًا من الشعب يمشي في الشوارع ويُصافح المواطنين ويلتقط معهم الصور، رسخت هذه الصورة الصلاحيات الواسعة الممنوحة له في ملفات تتعلق بالناس بشكل مباشر، إذ أصبح رئيسًا لمكتب تلقي شكاوى وطعون المواطنين. كما بدا كرائد التحديث والتوظيف مع توليه رئيسًا لجمعية الحاسب الآلي، ودوره في دخول الإنترنت في سوريا، ثم الهاتف المحمول.

هكذا مُهدت الأرض أمام الشاب ليرث حكم أبيه، الذي توفي في 10 يونيو/حزيران 2000. غير أن المعضلة كانت في الدستور الذي كان يشترط أن لا يقل سن المترشح للرئاسة عن 40 عامًا. لكن لا شيء يُوقف الخطة، فمجلس الشعب نعى حافظ في الصباح وفي المساء عقد اجتماعًا طارئًا قرر فيه إجراء تعديل دستوري على المادة 83، لم يغير فيها شيئًا سوى تخفيض سن الترشح لمنصب رئيس الجمهورية إلى 34، وهو سن بشار وقتها.

بدا أن بشار جاء ليُجدد الدماء وخطى خطوات جادة نحو الإصلاح السياسي والاقتصادي

بعدها بنحو أسبوع فقط اجتمعت القيادة القُطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، وقررت، بالإجماع، ترشيحه لرئاسة الجمهورية. إذ كان الدستور السوري ينص وقتها على أن القيادة القطرية تُقدم مرشحًا للرئاسة، ثم يصوّت نواب البرلمان على اسمه، ثم يطرح للاستفتاء الشعبي.

كما في المشاهد المتعاقبة التي تجري على الشاشة مصحوبة بخلفية موسيقية، وصل الشاب بشار إلى رئاسة الجمهورية دون عقبات. ورغم معاناة السوريين من حكم الأب، بدا أن بشار جاء ليجدد الدماء، وخطى خطوات جادة نحو الإصلاح السياسي والاقتصادي، لدرجة أن بعض المتابعين وصفوا بدايات حكمه بـ"ربيع دمشق".

أفرج الرئيس الشاب عن مئات المعتقلين وسمح بأنشطة أحزاب المعارضة، وظهر أن المجال السياسي السوري يشهد وضعًا مختلفًا. على المستوى الاقتصادي انتهج سياسة الاقتصاد المفتوح، وسمح لرجال الأعمال بمشاركة الدولة، وافتتحت للمرة الأولى في دمشق فروع لسلاسل مطاعم أمريكية مثل كنتاكي، بعد أن كانت ممنوعة في عصر رجل الجيش الاشتراكي القومي حافظ.

أدى بشار اليمين الدستورية في يوليو/تموز 2000، وفي خطابه تحدث عن الديمقراطية والشفافية والتحديث والمساءلة والفكر المؤسساتي، وهي جميعها كلمات لم يكن يسمعها الشعب السوري من حكامه.

لكن كما هو حال الربيع لم يدم طويلًا. بعد ستة أشهر فقط بدأ التحول الدرامي في مسيرة الأسد الصغير، نشطت آلة القمع من جديد، وعلق بشار أنشطة المنتديات السياسية، وبدأ الإعلام ينقل تصريحات للأسد ورموز نظامه تهاجم المعارضين، الذين أُلقي القبض على بعضهم ووجهت لهم اتهامات بالعمالة وتهديد نظام الدولة، ليستعيد البطل/الحاكم ملامح صورة والده.

العائلة الأسدية، حافظ وبشار وباسل، في لوحة بأحد الشوارع  السورية. الصورة: فليكر- برخصة المشاع الإبداعي

جاء الشتاء الدمشقي مع تغيرات عالمية وإقليمية كبيرة بدأت بهجمات 11 سبتمبر، ثم الحرب الأمريكية في أفغانستان، وفرض الحصار على العراق ثم محاربته انتهاء بإسقاط نظام صدام حسين. عارض بشار الحرب على العراق خشية أن تكون بلده المحطة التالية، واتهمته وقتها أمريكا بالسماح بتهريب المقاتلين والأسلحة إلى المعارضين في العراق عبر الحدود بين البلدين، ووافق الكونجرس الأمريكي بنهاية عام 2003 على قانون أسموه "محاسبة سوريا"، الذي سمح بفرض عقوبات على دمشق لأسباب عدة من بينها "دعم الإرهاب". 

تعقدت الأمور وتشابكت الخيوط باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ووُجهت أصابع الاتهام لسوريا وحزب الله حليفها في لبنان، اللذين أصرا على نفي هذه الاتهامات حتى بعدما أدانت محكمة دولية خاصة عام 2020، أحد أعضاء حزب الله بالتورط في تنفيذ العملية.

تحولت المظاهرات السلمية إلى مواجهات مسلحة بين القوات النظامية وفصائل معارضة

في 2011 بدأ الربيع العربي، في تونس ثم مصر، فخرجت مظاهرات سلمية محدودة في سوريا في 26 يناير/كانون الثاني 2011 تُطالب بإصلاحات سياسية، حاول الأسد امتصاصها بإلغاء الطوارئ وحل الحكومة واتخاذ بعض الإجراءات الإصلاحية، إلا أن المظاهرات ظلت مستمرة في بعض الجيوب، وكانت في العادة تخرج في الليل.

ثم تطورت الأحداث في مارس/آذار، عندما تظاهر نشطاء بالقرب من سوق الحميدية في دمشق، وبعدها بأيام قليلة انطلقت مظاهرات في درعا جنوبي البلاد، بعد اعتقال الشرطة لأطفال كتبوا شعارات على جدران المدينة تطالب بإسقاط النظام. تعامل النظام الأسدي مع الأطفال بوحشية فخرجت مظاهرات تطالب بالإفراج عنهم، ووجهت بالقمع الشديد هي الأخرى.

في الأيام التالية، تسارعت الأحداث واعتقل مئات السوريين في أماكن عدة، وأطلقت الشرطة والجيش النيران الحية على المدنيين لتنتشر المظاهرات في أغلب سوريا، وهو ما قابلته السلطات بمزيد من العنف، بدعوى أن هذه المظاهرات تُحركها جهات خارجية.

ولم تمض بضعة أشهر حتى تحولت المظاهرات السلمية إلى مواجهات مسلحة، بين القوات النظامية وفصائل معارضة حملت السلاح. طلب الأسد المساعدة من حلفائه روسيا وإيران وحزب الله الذين لم يتوانوا، ليصطفوا معه في مواجهة الجماعات المسلحة والتي صارت في ذلك الوقت مدعومة من تركيا وأمريكا.

بدأت مشاهد المعارك في السيطرة على الحكاية السورية إذ مارس الأسد وحلفاؤه كل أنواع الانتهاكات وجرائم الحرب، بداية من قصف المدن بالطائرات الحربية وإلقاء البراميل المتفجرة عليهم، واستخدام الأسلحة المحرمة، والقتل الميداني والقتل تحت التعذيب في السجون والمقار الأمنية.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، تم توثيق مقتل نحو 618 ألف شخص منذ اندلاع الثورة في 2011 وحتى مارس 2024، بينما هناك 6.8 مليون شخص من النازحين داخليًا، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، و5.6 مليون لاجئ في دول أخرى.

اليوم، رحل بشار عن السلطة بنفس الطريقة المفاجئة التي جاء بها إليها، دون مقدمات. تقدمت قوات المعارضة المسلحة وسقطت المدن السورية الواحدة تلو الأخرى وصولًا إلى دمشق، حيث القصر الرئاسي بلا رئيس. ذات المشاهد المتعاقبة على خلفية موسيقية بعدما تخلى عنه حلفاؤه؛ روسيا وإيران وحزب الله، ليبقى وحيدًا أمام شعبه، فلم تحتج الجماعات المسلحة أكثر من 11 يومًا للإجهاز عليه.