برخصة المشاع الإبداعي، Mr.TinMD، فليكر
من مظاهرة ضد بشار الأسد في واشنطن، 18 يونيو 2011

من إدلب إلى دمشق… الأيام الأخيرة للطاغية

منشور الأحد 8 ديسمبر 2024

"لقد كانوا دائمًا يقولون إنهم هنا للدفاع عن المدينة، لكنهم تركوا مواقعهم فجأة. شاهدت سياراتهم تهرب باتجاه الشرق، تاركين خلفهم معداتهم الثقيلة"، يقول محمد الحمصي الذي كان شاهدًا في حلب على أكبر عمليّة غامضة في تاريخ الثّورة في سوريا.

يقدم الحمصي لـ المنصة شهادته على أكبر تحول عسكري وسياسي لسوريا منذ اندلاع الثورة "تبخّرت الميليشيات الإيرانيّة وسط مدينة حلب، فرّت من المدينة، اختفوا تمامًا من المشهد، عمّت الفوضى في المكان، ولا أحد يعلم ماذا يحدث".

تابع الحمصي وملايين السوريين بالداخل وبلاد المنفى شرارة التحرير الأولى من نظام الأسد، التي فتحت أبواب فرحة لم يشهدها السوريون منذ عقود.

 إدلب - شرارة السقوط

في صباح 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، اجتمع قادة الفصائل المعارضة في إدلب للإعلان عن تشكيل "إدارة العمليات العسكرية"، بقيادة هيئة تحرير الشام وفصائل مدعومة من أنقرة. الهدف المعلن كان استعادة ريف حلب. لكن الهدف الحقيقي كان أكبر وأشمل.

علت أصوات الزغاريد بمجرد الإعلان عن العمليات أطلقتها النساء من الشرفات، بينما الأطفال يجوبون الشوارع بأعلام الثورة. استطاعت المعارضة المسلحة السيطرة على كامل إدلب وبدأت التوغل في حلب.

"لم تكن مجرد عملية عسكرية. كانت لحظة أمل حقيقي بأن نظام الأسد يعيش أيامه الأخيرة"، يقول محمد العلي، أحد سكان إدلب لـ المنصة.

حلب - شرارة التحرير

مع ساعات الفجر الأولى يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني، بدأت قوات المعارضة هجومها على مناطق النظام في ريف حلب الغربي. خلال ساعات، انهارت خطوط الدفاع الأولى، ووصلت الفصائل إلى أحياء المدينة.

كان "النسر"، وهو اسم حركي لأحد قادة الدفاع الشعبي التابعة للجيش السوري، يراقب تقدم المعارضة المسلحة من سطح منزله في حي المشارقة "تركونا لحالنا. الإيرانيين انسحبوا، والروس مشغولين بترتيباتهم. نحن ورقة بلعبة الكبار"، يقول في أحد الاجتماعات السرية، وفق ما أخبر به المنصة.

لكن على الجانب الآخر من المدينة، كان الشعور مغايرًا تمامًا، فسكان حلب الذين عاشوا سنوات تحت القصف والجوع، خرجوا من منازلهم يهللون مع دخول المعارضة.

"كان الجميع يرقصون في الشوارع، حتى أولئك الذين كانوا يخشون النظام. كانت لحظة لا تصدق"، يقول خالد، أحد سكان حي صلاح الدين في حديثه مع المنصة.

أما "أم أحمد"، التي فقدت ابنها تحت التعذيب في سجون نظام الأسد فتقول "لم أكن أصدق أنني سأرى هذا اليوم. سقوط الأسد يعني أن روح ابني لم تذهب سدى".

حماة وحمص - الفرحة تعبر المدن

مع سيطرة المعارضة على حلب، بدأت تتحرك جنوبًا باتجاه حماة وحمص. في حماة، خرج الأهالي إلى الشوارع قبل دخول قوات المعارضة. استقبلت النساء قوات المعارضة المسلحة بالزغاريد، تعالت أصوات الهتافات "حرية! حرية!"، وكأن الجميع كانوا ينتظرون هذه اللحظة بفارغ الصبر.

لم يكن المعارضون وحدهم فرحين بسقوط الأسد، بل تخلت مجموعات اضطرت لتأييد الأسد السنوات الماضية عن صمتها "كنا نعلم أنه لن يبقى إلى الأبد. كنا ننتظر فقط لحظة أمان لننضم إلى الباقين" يقول محمود أحد سكان حماة المعروفين بتأييدهم للنظام.

لم أصدق عيني عندما رأيت ابني يخرج من السجن.. كانت معجزة

وفي حمص، المدينة التي شهدت أشرس المعارك في السنوات الأولى للثورة، كانت الفرحة مختلطة بالدموع. أبو طارق، أحد سكان حي الخالدية، يقول لـ المنصة "حمص دفعت الثمن غاليًا، لكن اليوم نحن أحرار. أحرار أخيرًا".

دمشق - بشار هرب

في 7 ديسمبر/كانون الأول، وصلت الفصائل المعارضة المسلحة إلى مشارف دمشق، المدينة التي كانت تعتبر معقلًا لا يمكن اختراقه، وحافظ عليها الأسد في أصعب فترات حكمه بعد اندلاع الثورة، أصبحت مفتوحة أمام الفصائل.

في قلب العاصمة، كان المشهد مختلفًا. انسحاب غير منظم للنظام، وفوضى في الشوارع، لكن هذه المرة لم يكن للخوف مكان، وحلت محله الاحتفالات. خرج الآلاف إلى ساحة المرجة يهتفون "الشعب يريد إسقاط النظام" لكن هذه المرة كان الهتاف موجهًا للاحتفال بالنصر.

"أم نزار"، التي فقدت زوجها وأبناءها في قصف سابق للنظام، تقول لـ المنصة "لم أتخيل أنني سأبتسم مجددًا، لكن اليوم ابتسمت لأول مرة منذ سنوات. دمشق أصبحت لنا".

حتى داخل الأحياء المؤيدة للنظام، خرج السكان للتعبير عن فرحتهم "لم نكن نجرؤ على الكلام، لكننا كنا نعلم أن هذا النظام لا يمثلنا. اليوم، نحن أحرار مثل الجميع" يقول وسيم، أحد سكان حي المزة.

البناء الجديد

بعد دخول دمشق، بدأت الفصائل المعارضة إعادة ترتيب المدينة. بشكل غير مسبوق، بدأت الخدمات تعود بسرعة، وانفتحت بوابات الزنازين، خرج عشرات الآلاف من المعتقلين من سجون الأسد. 

"لم أصدق عيني عندما رأيت ابني يخرج من السجن. كانت معجزة" تقول أم أحمد من حي برزة لـ المنصة.

أصبحت دمشق التي كانت رمزًا للطغيان، مدينة محررة تستنشق الحرية، وعلى عاتقها مسؤوليات كبرى. تتنازع التساؤلات بشكل المستقبل مع الفرحة تطغى إحداهما على الأخرى، فرح السوريون لسقوط الأسد، لكن كيف ستُبنى سوريا بعد سقوطه؟ كيف ستُدار هذه الفرحة الكبيرة لتتحول إلى استقرار دائم؟

مع هذه الفرحة يستعد السوريون لكتابة فصل جديد في تاريخهم، مليء بالأمل والتحديات، فقد رحل بشار إلى الأبد.