يسعى وزير المالية الحالي أحمد كجوك إلى سَلك المسار نفسه الذي سلكه سابقوه بتقديم حوافز وتيسيرات ضريبية لتشجيع أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة على الانضمام إلى شبكة الممولين الضريبيين بهدف الحد من لا رسمية المعاملات الاقتصادية في مصر، وهو توجه قديم يعود لعهد حكومة أحمد نظيف (2004-2011).
وتشير تقديرات حديثة إلى أن الاقتصاد غير الرسمي في مصر لا يزال يمثل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو نسبة كبيرة تعكس فشل كل المحاولات لجذب الاقتصاد غير الرسمي إلى القنوات الاقتصادية الرسمية، فهل ينجح كجوك هذه المرة فيما فشل فيه سابقوه؟
تحب تتعامل مع الضرائب؟
في 2009 قدم وزير المالية يوسف بطرس غالي (2004-2011) قواعد محاسبية خاصة بالمشروعات الصغيرة تمثل امتدادًا لقانون الضرائب على الدخل رقم 91 لسنة 2005 الذي أثار جدلًا واسعًا وقت صدوره لما اشتمله من تغييرات واسعة في النظام الضريبي.
حرص وزير المالية وقتها على أن تكون القواعد المحاسبية الجديدة أكثر بساطة، لتشجيع أصحاب أصغر المشروعات على استخدام دفاتر الحسابات بشكل منتظم ليتسنى مراقبتها والاطلاع عليها ومحاسبتها ضريبيًا وتحقيق هدف متابعة الاقتصاد غير الرسمي، الذي تعتبره الحكومات المتعاقبة فيلًا في غرفة يتسم بضخامة حجمه لكن لا تتعامل معه الدولة.
هناك أزمة ثقة قديمة بسبب استخدام تقديرات جزافية للضرائب وتراكم الغرامات التي تُفرض على أصحاب المشروعات
وخلال الوزارات اللاحقة صدرت العديد من الإجراءات المشابهة التي استهدفت تغيير الانطباع السائد لدى صغار الممولين الضريبيين، بأن تعرُّف الدولة عليهم يورطهم في مشكلات متنوعة، كان أحدث هذه الإجراءات إصدار قانون تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة لعام 2020 الذي روج له الوزير السابق محمد معيط (2018-2024) وحدد ضريبة الكيانات الصغيرة بنسبة من حجم الأعمال السنوي لتسهيل طريقة محاسبتها.
"هناك أزمة ثقة متراكمة بين الطرفين على مدار سنوات طويلة، نتيجة عوامل عديدة، أبرزها تطبيق الدولة تقديرات جزافية للضرائب وتراكم الغرامات التي تُفرض على أصحاب المشروعات، لذا فإن تخطي هذه العقبة يحتاج إلى وقت أطول واكتساب مصلحة الضرائب مصداقية لدى الممولين المستهدفين" يقول مدير ضرائب وعضو جمعية خبراء الضرائب المصرية كريم حسن لـ المنصة.
يأتي عزوف المشروعات الصغيرة عن الضرائب في الوقت الذي بات فيه انتقالهم للاقتصاد الرسمي بمثابة حل لمشكلاتهم المالية. يقول صفوت حليم صاحب إحدى ورش الموبيليا في الأقصر إنه يدفع الضرائب بانتظام منذ أكثر من 32 سنة ومن أبرز مزايا التسجيل لدى الضرائب تسهيل إجراءات الحصول على قروض من البنوك.
ويقول صاحب ورشتين في مجال الصناعات المعدنية، طلب عدم نشر اسمه، إن الدافع الرئيسي وراء تفكيره في إبلاغ الضرائب عن نشاطه هو حاجته للحصول على قرض بنكي.
وفي تصريح إلى المنصة لم تنكر رئيسة مصلحة الضرائب الدكتورة رشا عبدالعال حقيقة أن أصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة لا يزال لديهم تخوف كبير من التعامل مع الضرائب.
لكنها قالت إن الحكومة تسعى لتغيير هذا التصور عبر طرح نظام جديد يعتمد على إجراءات بسيطة، مضيفة "المصلحة لن تتحدث مع أصحاب المشروعات عن الضرائب الخاصة بالسنوات الماضية بعد الانضمام للمنظومة الضريبية".
تفاصيل التيسيرات الجديدة
يقول رئيس لجنة الضرائب بجمعية خبراء الضرائب المصرية ممدوح فاروق لـ المنصة إن حوافز كجوك تتضمن تيسيرات ربما تسهم في طمأنة صغار المستثمرين إلى أن تعاملهم مع الضرائب لن يتسبب لهم في ضرر كبير، من هذه التيسيرات وضع حد أقصى للغرامات الضريبية بحيث لا تتجاوز 100% من أصل الضريبة، إضافة إلى عدم تحمل الممول لأعباء ضريبية ناتجة عن تأخر مصلحة الضرائب فى إجراء الفحص الضريبي أو طول فترة النزاع.
كما يلفت المحاسب القانوني وخبير الضرائب هاني الحسيني إلى أن الإصلاحات الجديدة اشتملت على إجراءات تقلل من تكلفة المحاسبة الضريبية للمشروعات الصغيرة، فهي أجلت أول فحص ضريبي للمنضمين لمنظومة الضرائب بعد خمس سنوات، وأطالت مدة تقديم إقرارات ضريبة الرواتب والأجور إلى عام بدلًا من 3 أشهر وإقرارات ضريبة القيمة المضافة إلى 4 مرات سنويًا بدلًا من كل شهر.
الإعفاءات لن يستفيد منها إلا الكيانات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 15 مليون جنيه
"أصحاب المشروعات الصغيرة كانوا يعاقبون بغرامات كبيرة حال تأخرهم عن تقديم الإقرارات المطلوبة كل ربع سنة أو كل شهر وهو ما تحاول أن تتجنبه الإجراءات الجديدة" كما يقول رئيس لجنة الضرائب بجمعية خبراء الضرائب المصرية ممدوح فاروق.
ويثني عضو جمعية خبراء الضرائب المصرية كريم حسن على إعفاء المشروعات الصغيرة والمتوسطة من رسوم دمغة التوثيق والعقود بمصلحة الشهر العقاري التي كانت مقررة بنسبة 0.5%، ويوضح "يعني لو فيه مشروع رأس ماله مليون جنيه يحصل الشهر العقاري على 50 ألف جنيه دمغة وده رقم كبير بالنسبة لأصحاب المشروعات الصغيرة".
الضرائب ليست سخيةً
ويرى حسن أن الحوافز الأخيرة غير كافية لأنها تتيح الاستفادة من الإعفاءات الضريبية والمالية للكيانات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 15 مليون جنيه "كان ينبغى رفع هذا الرقم حتى تتمكن العديد من المشروعات الصغيرة مثل المقاولات من الاستفادة منها، فهذا القطاع على سبيل المثال عانى من صعوبات كثيرة في الفترة الماضية بسبب ارتفاع أسعار الخامات".
ويرى رئيس لجنة الضرائب بجمعية خبراء الضرائب المصرية ممدوح فاروق أنه كان ينبغي ربط حجم الأعمال السنوي بمعدلات التضخم، في ظل ارتفاعها بقوة خلال الفترة الأخيرة "ما يمكن أن نطلق عليه مشروعًا صغيرًا في ظل مستويات الأسعار الحالية قد يصل حجم أعماله السنوي إلى 30 مليون جنيه".
ووصلت معدلات التضخم في مصر إلى مستويات غير مسبوقة خلال الفترة الأخيرة، وعلى الرغم من تبنيها اتجاهًا منخفضًا منذ مارس/آذار الماضي، تظل فوق مستوى 25% وارتفعت خلال الشهرين الماضيين إلى 26% متأثرة بارتفاع أسعار الطاقة.
حوافز غير كافية
ويرى فاروق أن قدرة الحزمة الجديدة من الحوافز على تجاوز ما عجزت عنه الحكومات السابقة يتطلب التوسع في منح التيسيرات "هناك حاجة لإعفاء أصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة بشكل كامل من الضرائب لمدة 3 سنوات لمساعدتهم للتوسع بحجم أعمالهم وتشجيعهم للتسجيل بمنظومة الضرائب، وبعد ذلك يتم تطبيق ضرائب ميسرة عليهم".
كما يطالب بالتوسع في نظام الفحص الضريبي بالعينة ليشمل جميع المراكز الضريبية والمأموريات، بحيث تكتفي المراكز الضريبية والمأموريات بفحص عينة عشوائية من الممولين بدلًا من فحص جميع الممولين لدعم الثقة وتخفيف الأعباء، فضلًا عن ضرورة النشر المسبق للمستندات المطلوبة للفحص الضريبى لتوفير الوقت والجهد، على أن تقدم المستندات لمرة واحدة فقط لفحص جميع الأوعية الضريبية من خلالها.
ويعتقد عضو جمعية خبراء الضرائب كريم حسن أن الدولة بات لديها أدوات كثيرة لتتبع الممولين ما يضمن لها القدرة على تحقيق نجاح أكبر، ويدلل على ذلك باستهداف الحزمة الجديدة من التيسيرات للفري لانسرز وأصحاب التجارة الإلكترونية لتشجيعهم على التعامل مع الضرائب "توسعت هذه الأنشطة بقوة خلال الفترة الأخيرة وأصبحت تحصل على تمويلات من البنوك لذا فهي بحاجة لإصدار فواتير والتعامل بشكل رسمي ما سيقودها للتعامل مع مصلحة الضرائب في النهاية".