بعد سنوات طوال قضاها الفنان التشكيلي أحمد مجدي في الإبداع والعمل بمرسمه في حي الفنانين بمدينة هرم سيتي، حتى أصبح المكان جزءًا منه وأصبح هو جزءًا من المكان، يجد نفسه مهددًا بالطرد منه، وذلك بعدما رفعت الإدارة دعاوى قضائية لطرده من مرسمه.
حال أحمد مجدي، هو نفس حال الفنان محمد اللبان، وحال عشرات الفنانين، الذين باتوا مطالبين بترك مراسمهم التي أبدعوا فيها أجمل إبداعاتهم، حتى أصبح الحي معروفًا بـ"حي الفنانين"، وجرى الترويج لمدينة هرم سيتي بالصورة المثالية للمكان العامر بالفنون وبالموسيقى والتشكيلات والمنحوتات وغيرها من الإبداعات.
ومع أن البناءات التي صممت مراسمَ للفنانين صغيرةُ الحجم؛ متشابهة، ومتلاصقة، ومتراصة على جانبي 3 شوارع، فإن لكل منها روحًا تميزها عن غيرها، حيث يتوزع سكان الحي ما بين موسيقيين وتشكيليين ونقاد وأدباء وممثلين ومهندسي ديكور وشعراء حصلوا على مراسمهم بناء على بروتوكول أبرمه رجل الأعمال المصري سميح ساويرس، صاحب شركة أوراسكوم للإسكان التعاوني مع وزارة الثقافة.
بناء على البروتوكول، رشحت وزارة الثقافة متمثلةً فى قطاع الفنون التشكيلية وأكاديمية الفنون فنانين للتفرغ الفني والأدبي بمراسم المدينة الناشئة "هرم سيتي" في المقابل تحصل الشركة على أجور رمزية نظير الخدمات المقدمة من الكهرباء والماء وغيرها، وبالفعل تسلم 105 فنانين مراسمهم في المدينة، بمقابل 100 إلى 150 جنيهًا التزم الفنانون بدفعها شهريًا.
تقنين أوضاع ومضايقات للفنانين
بعد نحو 15 سنة، كان الحي فيها محفلًا فنيًا وتجربةً فريدةً جرى التفاخر بها كثيرًا، حوّل تغيرٌ في إدارة المدينة التي تبدل اسمها من "هرم سيتي" إلى "نيو سيتي"، الحلم الجميل إلى كابوس، إذ أقامت الإدارة الجديدة دعاوى قضائية لطرد الفنانين من مراسمهم، بحجة أن وضعهم غير قانوني.
تؤكد شركة نيو سيتي أنها ترغب في تقنين أوضاع الفنانين بما يتناسب مع شروط ولوائح مشروعات "الإسكان الاجتماعى" التى تضعها هيئة المجتمعات العمرانية، وحسبما توضح منال حسين رئيسة مجلس إدارة الشركة لـ المنصة فإن "المشكلة في عقد الشركة مع هيئة المجتمعات العمرانية الذي ينص على أنه لا يمكن تأجير الوحدات ويوجد نظام وشروط للبيع ومن لا تنطبق عليه الشروط عليه أن يترك الوحدة".
"احنا عايزين نرعاهم وما نغيرش الشكل العام اللي اتبنى بيه الحي"، تستبعد رئيسة الشركة بهذا أن يكون الغرض من تقنين الأوضاع إنهاء وجود الفنانين بالحي، لكن الفنان التشكيلي محمد اللبان لا يصدق هذا.
يقول اللبان، الذي يقيم فى مرسمه منذ 16 عامًا، وأصبح مهددًا بالطرد من الحي، لـ المنصة "استغلونا لعمل دعاية للمكان والشركة أنتجت فيلمًا تسجيليًا اسمه حي الفنانين، وأقيم معرض الصالون الأول لحي الفنانين في 2010، وبدأنا نعمر المكان لحد ما بقى أجمل بؤرة ومزارًا للفنانين من الخارج".
بدأت المشكلة بامتناع الشركة عن تحصيل الرسوم الشهرية، وتصديرها لبعض المضايقات والمشكلات للفنانين، حسبما يضيف اللبان "تتعمد مضايقتنا وإيذاءنا فى الخدمات المقدمة، يعني احنا بندفع ممارسة، بلغوا علينا الشركة، وقطعوا عننا الميه، ورفضوا تسليمنا قاعة كانت إدارة المدينة خصصتها لينا".
تختلف الأوضاع القانونية للفنانين في الحي، حيث كانت الشركة قد فتحت أبواب التمليك عام 2019، واعترض بعض الفنانين على صيغة بنود العقد التي تعتبرها وحدات سكنية وليست مراسم فرفضوا التملك، فيما سعى آخرون رغم اعتراضهم إلى امتلاك المرسم رسميًا وعددهم حوالي 35 فنانًا.
ومن بين الفنانين من دفع 10 آلاف جنيه وديعة صيانة من أصل 120 ألف جنيه، على أن يقسط الباقي على 5 سنوات سعيًا منهم لتملك المراسم، لكن الشركة امتنعت عن تحصيل الأقساط بعد شهر ونصف الشهر، وامتنعوا عن منحهم عقودًا، مكتفين بالإيصالات فقط، وهؤلاء لا يعرفون موقفهم القانوني تجاه مراسمهم حتى الآن.
حرب ضد الجمال
لا يرغب فنانو الحي سوى الحفاظ على الصيغة الأساسية التي أُقيم عليها المشروع الفني منذ عام 2008 إلى الوقت الحالي، مع توثيق المشروع كمراسم واستديوهات وليس وحدات سكنية، حيث أقلم الفنانون حياتهم على العمل في مراسمهم، يقول الفنان أحمد مجدي لـ المنصة "اشتريت بيت في هرم سيتي واتجوزت وعيشت فيه عشان أكون قريب من المرسم".
يؤكد مجدي أنه استلم وحدته عام 2012 كمشروع فني، وليس كمالك ولا مستأجر، ويصف حالته وقت استلامه بأنه كان "مبنى من الحجر مكونًا من دور واحد عبارة عن غرفة وصالة وحمام ومطبخ، والآن تصر الشركة على بناء دور ثانٍ، ما يعني أننا ملزمون بإخلاء المكان".
قطاع الفنون دوره كان مجرد وسيط بين الفنانين والشركة
ما يثير ضيق مجدي محاولة الشركة تحويل المشروع الفني إلى علاقة إيجارية، واصفًا هذه المحاولات بأنها "حرب ضد الجمال وضد توجه الدولة لدعم الفن والجمال"، متسائلًا "ليه يتشرد أكثر من 100 فنان في الشارع وأغلبهم لهم بيوت وأساتذة كبار فى كليات فنون جميلة".
محاولة للتهدئة
مع تصاعد شكوى الفنانين، حاولت الشركة امتصاص غضبهم، بعقد اجتماع مع ممثليين لهم، إلا أنه لم يسفر عن حلول مرضية.
اجتمعت رئيسة مجلس إدارة الشركة مع عدد من الفنانين لتعريفهم بالوضع القانوني، وخرجت معهم ببعض التوصيات، أهمها ألا مساس بالمراسم المملوكة على الإطلاق "أما المستأجر هنبيع له بعقود جديدة، والمراسم التي يوجد بها شروخ وقابلة للسقوط سيتم هدمها، ولكن قبل الهدم سيتم عمل عقود وعد بالبيع مسبقة تفيد بأنها لهم في النهاية".
يعترض الفنانون على تملك الوحدات بعد تجديدها لأن الاسعار لم تحدد بعد
توصيات الفنانين لم تجد كثير منها صدى لدى الشركة "ما أقدرش أنفذ كل اللي طالبينه مني في الآخر الشركة هتتسئل"، تقول منال حسين، ولا تنسى أن تؤكد على أن البيع سيكون لمن يستحق الدعم وتنطبق عليه شروط الإسكان الاجتماعي "الحكومة عاملة نظام".
عقبة أخرى تقف أمام حل مشكلة التمليك، أنه لم يتحدد سعر للوحدة بعد تجديدها لأن ذلك يتوقف على ما يحدده الاستشاري من الشكل العام للوحدة ومساحتها إذا كانت دورًا أرضيًا أم دورين، ومساحتها 34 مترًا أم 60 مترًا. لكن ما تؤكده منال أن "الدفع سيكون بالتقسيط".
أحمد مجدي، الذي كان أحد ممثلي الفنانين بالإجتماع، أوضح أنه استمع لتعهدات بعدم هدم المراسم المملوكة، وكذلك الملاصقة لها وعددها 24 مرسمًا، على أن يتم بيعها بـ 500 ألف جنيه، على أن يقتصر الهدم على التي تحوي شروخًا، حسب كلام رئيسة الشركة.
مع ذلك فوجئ مجدي أن مرسمه سيهدم رغم أنه "لا يحتوي على شروخ ولم يأتِ أي شخص لمعاينته واسمي ليس ضمن الـ24 مرسم الملاصق ومع ذلك قالت لي إن مرسمي سيُهد"، مبديًا اعتراضه على فكرة عقد البيع المسبق، لأن الأسعار لم تحدد بعد "مش هنشترى سمك فى ميه".
وزير الثقافة: الموضوع محتاج مذاكرة
وفيما يلجأ الفنانون لوزارة الثقافة لمحاولة الوصول لحل، استغرب الدكتور أحمد هنو، وزير الثقافة، من أن يكون هناك مرسم مساحته 40 مترًا وإيجاره 100 جنيه فقط، يقول لـ المنصة "دي حاجة مالهاش مثيل في مصر كلها، كمان عرفت إن فيه ناس دفعت فلوس وما خدتش عقود بيع"، مستدركًا "طبعًا أنا محتاج أراجع الأوراق كلها الخاصة بالاتفاق بين الطرفين، الموضوع محتاج مذاكرة".
من جانبه ينفي قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة دكتور وليد قانوش أن يكون له دور في النزاع، فـ"القطاع ليس له أي صفة في التعاقد بين الفنانين والشركة".
لكن رئيس القطاع يقر في تصريح لـ المنصة بأنه لم تكن لديه أي فكرة عن دور القطاع في القضية، إلا مع ذكر اسمه، يقول "لما حصلت الأزمة طلبت المستندات، لقيت ورقة واحدة عبارة عن خطاب موجه من الشركة المالكة إلى رئيس قطاع الفنون التشكيلية في ذلك الوقت وهو محسن شعلان، تفيد بأن الشركة لديها 26 مرسمًا وتطلب منه دعم القطاع في شغل هذه المراسم مقابل إيجار من 150 إلى 170 جنيهًا شهريًا".
"تلخص دور القطاع في تلقي الطلبات وتزكية بعضها، لتتولى الشركة تسليم الوحدات للفنانين" يؤكد قانوش على دورهم كـ"وسيط".
قطاع الفنون التشكلية مغلول اليد
ويرى رئيس القطاع أن تداخل الصفات القانونية للفنانين الموجودين في الحي يصعب من دور الوسطاء في الوصول لحل، إذ يبلغ عدد المراسم حوالى 108 مراسم، تختلف ما بين إيجارات جددت بعضها الشركة، فيما يملك آخرون وحداتهم وأصبحت وحدات سكنية وليست مراسم.
"بعض الفنانين عقود إيجارهم منتهية وما زالوا يشغلون الوحدات، والشركة فى فترة من الفترات كانت ترفض الإيجار وتطلب تجديد التعاقد، وآخرون لا يمتلكون عقود إيجار وترفض الشركة تحصيل الإيجار منهم وهم مقيمون منذ سنوات دون دفع إيجارات أو عقود إيجارية أو تمليك"، يقول قانوش.
يزيد من تعقيد الأمر، كما يرى رئيس القطاع، أن "الشركة الأم التي قدمت الدعم من القطاع عام 2008 باعت حصة لآخرين بمسمى جديد، يعني حتى الطرف التاني مابقاش موجود".
كل هذا يجعل قطاع الفنون "مغلول اليد" أمام الشركة، حسب تعبير قانوش، الذي لا ينفي أن محاولاته في الوساطة الودية نابعة من الإيمان بأهمية حي الفنانين، الذي "اكتسب سمعة وشرعية وأصبح معروف على المستوى المحلى على الأقل".
ولهذا ينتوي مجدي، بصفته ممثلًا عن فناني الحي، تحديد موعد مع وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو لعرض قضيتهم عليه باعتبار أن "وزراة الثقافة مسؤولة عن إيجاد حل"، مع الاستمرار في الدفاع عن أنفسهم في ساحات القضاء المصري.