صفحة المهرجان- فيسبوك
جانب من فعاليات كايرو كوميكس

مع محمد شناوي| عن "كايروكوميكس" وصناعة القصص المصورة

منشور الأحد 5 نوفمبر 2023 - آخر تحديث الأحد 5 نوفمبر 2023

يُثبت مهرجان القاهرة الدولي للقصص المصورة، المعروف باسم مهرجان كايرو كوميكس، الذي انطلق الجمعة الماضية ويختتم فعالياته اليوم الأحد، حضوره للسنة الثامنة، الأمر الذي يبدو لافتًا في ظل أن الفن الموجود منذ نهاية القرن التاسع عشر في أوروبا ما يزال يعاني عثرات التحقق في مصر.

وربما لذلك السبب، وأسباب أخرى تتعلق بالواقع العربي للفن وتحدياته، تستضيف المنصة الرسام محمد شناوي، أحد مؤسسي مهرجان كايرو كوميكس، في حديث يستعيد خلاله سنوات المهرجان السبع الماضية، محاولًا النظر إلى مستقبل تلك الصناعة في مصر.

انطلق "كايرو كوميكس" في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، مُتخذًا من ذلك التاريخ موعدًا يلتقي فيه كل عام بالمهتمين بالفن في مصر.

كتب المهرجان وجوده نتيجة محاولات لصناعة القصص المصورة سبقت قيام ثورة يناير، كان أبرزها رواية مترو (2008) للفنان مجدي الشافعي، الذي أضحى لاحقًا واحدًا من مؤسسي الفعالية السنوية، التي يعدها شناوي "منصة مهمة لالتقاء الناشرين المستقلين، بالإضافة إلى أن دور النشر بقت بتنشر كوميكس بالتزامن مع المهرجان".

من التحرير للأوبرا

في دوراته الثلاث الأولى حل "كايروكوميس" ضيفًا على حرم الجامعة الأمريكية في ميدان التحرير، قبل أن تنتقل الأخيرة بشكل كامل إلى مقرها الجديد بالتجمع الخامس، فتذهب فعالياته منذ الدورة الرابعة إلى ساحة متحف محمود مختار الكائن أمام دار الأوبرا المصرية، وبعد مئات حرصوا على زيارته في سنواته الأولى، وصل عدد المشاركين في حضوره من الجمهور إلى "3 آلاف"، بحسب الشناوي الذي يشير كذلك إلى زيادة العارضين من المستقلين ودور النشر "البداية كانت 8 عارضين، بالإضافة لفنانين مستقلين، لكن مع انتقالنا لمساحة أكبر في متحف محمود مختار، وصل عدد العارضين من المكتبات ودور النشر لـ16، وعدد المستقلين إلى 30 فنان".

جانب من فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان كايروكوميكس

على هامش المهرجان يُقام معرض للرسوم كل عام، واتخذت الدورة الأولى شخصية الكاريكاتير الشهيرة التي أبدعها الفنان الرائد محي الدين اللباد باسم "زغلول" أيقونة له، ومنذ ذلك الوقت يختار القائمون على "كايروكوميكس"شخصية لفنان مصري أو عربي في كل دورة، ووقع الاختيار هذا العام على شخصية "عصام" للرسام المصري-البلجيكي روجيه كميل.

لا يقتصر المهرجان على بيع مطبوعات الكوميكس فحسب، حيث تقام فعاليات على هامشه، من بينها جلسات تفاعلية يقوم فيها الفنان بالرسم أمام الجمهور، بالإضافة إلى نقاشات يتحدث فيها الضيف عن التحديات التي قابلته خلال عمله "ودي بتكون فرصة كويسة عشان الجمهور والفنانين يعرفوا إن فيه مشاكل برة زي ما فيه عندنا"، يقول شناوي.

مؤشر الحرية

تعارف الناس على أن الكوميكس في مصر فن موجه إلى الأطفال فحسب، لكنه في الحقيقة فن يستوعب كل الأعمار، ويُركّز مهرجان كايرو كوميكس على الأعمال الموجهة للشباب والكبار، لكسر الصورة النمطية "إحنا قرينا وإحنا صغيرين كوميكس للأطفال، ولما كبرنا شفنا كوميكس الكبار لكن في دول أجنبية، عشان كدا حبينا إحنا كمان نعمل كوميكس للشباب والكبار"، لذا فإن الفئة العمرية الموجه إليها المهرجان، ذو الطابع الشبابي، تتراوح بين الـ16 إلى 45 عامًا، بحسب شناوي، ويستضيف المهرجان كل عام عارضين وضيوف من العالم العربي، حتى يضمن التنوع.

يتأثر رسامو الكوميكس بالأحداث السياسية والاجتماعية البارزة حولهم، مما يجعل أعمالهم مؤشر لحجم حرية الرأي والتعبير في المجتمعات؛ يذكر شناوي أن موضوعات الكوميكس في موجته التي انطلقت في فترة الألفينات تناولت في أغلبها التيمة السياسية، كان على رأسها "توك توك"، واحدة من المجلات التي تمخضت عن تلك الموجة، وصدر عددها الأول في 10 يناير/كانون الثاني 2011، مع تغير حالة المجتمع المصري عبر السنوات اللاحقة اختفت السياسة بالتدريج، وحلّ مكانها التيمة الاجتماعية "أصبحت معظم القصص تدور حول الذات والحالة الاجتماعية"، يقول شناوي

جانب من فعاليات الدورة الثامنة لمهرجان كايروكوميكس

أحد نتائج المرحلة اللاحقة لثورة يناير، كانت زيادة عدد الفنانات من مبدعي الكوميكس، اللائي اتسمت أعمالهن بالتركيز على ما تتعرض له المرأة من مواقف في الشارع وسوق العمل "النوع ده من التناول مكنش موجود قبل كدا"، وتعد أبرز الفنانات اللائي ظهرن من ذلك الوقت؛ دينا محمد إسماعيل، من خلال سلستها "شبيك لبيك"، وكذلك سلمى صالح، وداليا كامل، "المهرجان مكنش له دور في ظهورهم طبعًا، لكن هو منح فرصًا متساوية للفنانين والفنانات يتجرأوا يبيعوا شغلهم"، يقول شناوي.

الكوميكس فن عالي التكلفة

على مدار السنوات الماضية زاد إنتاج دور النشر للقصص المصورة، خاصة داري نشر المحروسة وعصير الكتب، ورغم اختلاف نمط القارئ الذي يستهدفه كلا الناشرين، فالأولى طليعية-نخبوية، فيما تستهدف الأخيرة "الماين ستريم"، أو جمهور البوب الذي يمكن أن يتعاطى أكثر مع الأعمال الخفيفة، يبدي شناوي إعجابه بنموذج المحروسة الذي يعده ناجحًا "لأنهم راهنوا على نجاح فن الكوميكس الموجه للكبار، وقدروا يوصلوا مع الوقت إنهم يكونوا أكبر ناشر في الوطن العربي من حيث الكتب الأصلية".

وبسؤال شناوي عن سبب إحجام غالبية الدور الكبيرة عن نشر الكوميكس الموجه للبالغين، قال إنها "مخاطرة، حيث يستغرق إنتاج ونشر الكوميكس وقتًا كبيرًا، ويحتاج لتكاليف مادية كثيرة"، فالكوميكس لا يقتصر على الكتابة فقط، بل الرسم أيضًا الذي يحتاج إلى طباعة بجودة عالية، ويضم عناصر أكثر، فهناك الكاتب والرسام "بالتالي سعر كتاب الكوميكس أغلى من الرواية".

نشوف بكرة

بخلاف مصر، توجد أربع بلدان تُنتج الكوميكس في العالم العربي، هي لبنان وسوريا والعراق وتونس، لكن شناوي لا يرى إنتاج لبنان عربيًا خالصًا "فيه إنتاج لبناني مش قليل في دور نشر فرنسية".

ويعتبر عدد مهرجانات الكوميكس في العالم العربي محدودًا بعض الشيء، أشهرهم المهرجان الدولي للشريط المرسوم بالجزائر (FIBDA ) الذي تأسس عام 2009، لكن يعيبه التركيز على القصص المصورة الأجنبية، وفي تونس يوجد مهرجان تازركة، وتضم المغرب مهرجانًا في معهد الفنون الجميلة بمدينة تطوان، وفي بلاد الشام لا يوجد سوى مهرجان بيروت للشرائط المصورة الذي يعد مزيجًا بين ملتقى للفنانين ومعرض للمشاركين، بالإضافة إلى جائزة محمود كحيل التي انطلقت عام 2014.

الفنان محمد شناوي خلال فعاليات المهرجان

أما في القاهرة فثمة "عراقيل تكبل الفن" بسبب النظرة المحدودة التي يتلقى من خلالها القارئ المصري القصص المصورة، إذ تنحسر معرفته بها في قصص الأبطال الخارقين الأمريكية، التي كانت تُترجم ضمن المجلات الموجهة للأطفال والذين نشأ أغلبهم عليها، فضلًا عن القدرة الضخمة لهوليوود على إنتاج الكثير منها في سلاسل سينمائية، يراها شناوي "ناجحة كلها". 

غير أن شناوي يوضح أن الكوميكس لديه ثلاثة مدارس رئيسية في العالم "المدرسة الشهيرة هي المدرسة الأمريكية التي ترتكز على الأبطال الخارقين، أما المدرسة الأوروبية فتدور حول الإنسان والمجتمع والتاريخ والسياسة، وقصصها أقرب للناس، وبتنقل أحداث مختلفة من العالم"، وتعد المانجا هي المدرسة الثالثة ومنشأها في اليابان وكوريا الجنوبية.

يرى شناوي أن الكوميكس كفن طوّر من نفسه كثيرًا خلال السنوات الماضية، لكن مشكلته الرئيسية أنه كصناعة يواجه عقبات كثيرة تضعف من القدرة على إنتاجه وترجمته يقول "تكلفة النقل والجمارك بتصعّب توزيع الكوميكس في الدول العربية، ونادرًا جدًا لما يكون فيه حفلات توقيع للكوميكس"، فضلًا عن ضرورة تقدير واحترام العنصر الأهم في العملية، وهو الكاتب والرسام "لازم يكون فيه عقود، ومقابل مادي محترم يقدّر شغلهم".

ربما يكون في استمرارية مهرجان كايرو كوميكس، الذي يعقد بشراكة محدودة مع وزارة الثقافة المصرية عبر إتاحة مساحة في متحف مختار، بابًا لتعريف الجمهور بمدارس الكوميكس بصورة أكبر، غير أنه ما يزال يواجه مشكلة رئيسة في تدبير التمويل اللازم لانعقاده "عادة بيكون التمويل مأخوذ من المراكز الثقافية زي المعهد الفرنسي ومعهد جوتة والمركز الثقافي الإسباني، أو من أماكن ثقافية برة مصر، وأحيانًا الشركات التجارية".

بعد ثمان سنوات من إقامة المهرجان، يطمح شناوي أن تتسع المساحة لاستضافة عارضين أكثر "ونكون أقرب لمعرض الكتاب، ويزيد المشاركين العرب".