ساهمت صفقة رأس الحكمة في تدفق النقد الأجنبي لوزارة التموين هذا العام ما سيساعد على استيراد كميات ضخمة من السكر لتغطية الطلب المحلي. ويلمس المتعاملون في الأسواق في الوقت الراهن قدرًا من التحسن في توفر السكر.
ولكن لا تزال ملامح الأزمة تتجلى في ارتفاع السعر عن المستويات التي حددتها وزارة التموين للسكر الحر بمعدلات تصل إلى 10 جنيهات. كما تواجه الحكومة تحديات باستمرار الأزمة لا تتعلق بالدولار، مثل زيادة الطلب على السكر من القطاعين الاستهلاكي والصناعي، والميل لتخزينه.
دور أكبر للتموين في الاستيراد
في مارس/آذار الماضي أعلن مجلس الوزراء سماحه باستيراد مليون طن سكر، وهو رقم استثنائي يعد الأعلى منذ خمس سنوات، حيث اقتصرت الواردات خلال العام الماضي على 600 ألف طن.
ويأتي قرار مجلس الوزراء في إطار توسع دور الدولة في استيراد السكر خلال الفترة الأخيرة، والمدفوع بعجز القطاع الخاص عن الاستيراد في ظل شح النقد الأجنبي. فحسب تصريحات سابقة لوزير التموين امتنع القطاع الخاص عن استيراد السكر خلال النصف الأخير من العام الماضي، ما دفع الوزارة لاستيراده لسد الفجوة.
وتستكمل الوزارة هذا العام دورها في سد عجز استيراد السكر، مع الإعلان عن صفقة استيراد ضخمة للوزارة الشهر الجاري بنحو ربع مليون طن من السكر الخام.
"هناك سيولة من العملة الصعبة لاستيراد السكر بعد الانفراجة التي أعقبت صفقة رأس الحكمة"، كما يقول رئيس شركة السكر والصناعات التكاملية، عصام البديوي لـ المنصة.
ويضيف البديوي أنه من الأسباب التي شجعت التموين على التوسع في الاستيراد هذا العام هو تراجع الأسعار العالمية، "هناك انخفاض في السعر العالمي للسكر بنحو 27% حاليًا، فمتوسط السعر العالمي للسكر بلغ 580 دولارًا للطن، مقابل نحو 800 دولار في نهاية العام الماضي".
في المقابل، لا يتوقع مسؤول في شركة النوبارية للسكر، التابعة لوزارة التموين، أن يتوسع القطاع الخاص بقوة في استيراد السكر هذا العام، ما سيجعل للدولة دورًا أساسيًّا في سد عجز السوق.
"هامش الربح بين سعر السكر المستورد وسعر البيع الذي تطالب به وزارة التموين القطاع الخاص عند 35 جنيهًا يعد محدودًا للدرجة التي لا تحفز القطاع الخاص على الاستيراد" كما يقول المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه.
ولا تواجه الحكومة فقط تحديات ضعف واردات القطاع الخاص، ولكن طلب السوق المحلية، بجانب ممارسات بعض التجار لتخزين السكر، وهو ما قد يساعد على استمرار الأزمة.
لماذا يزيد الطلب على السكر؟
"من المتوقع أن يرتفع الطلب في السوق المحلية على السكر هذا العام بنحو 300 ألف طن مقارنة بالعام الماضي ليصل إلى نحو 3.5 مليون طن"، كما يقول مصدر في القابضة للصناعات الغذائية، التابعة لوزارة التموين، ومطلع على ملف الاستيراد.
ويرجع المصدر زيادة الاستهلاك إلى استضافة مصر أعدادًا كبيرة من اللاجئين، خاصة من السودان، بجانب توسع مصر في تصدير السلع الغذائية التي تستخدم السكر بكثافة.
ويضيف المصدر أنه من أسباب استمرار الأزمة تصدير كميات كبيرة من السكر في صورة سلع "صدرنا نحو 400 ألف طن سكر في صورة عصائر وصناعات غذائية إلى السودان واليمن وليبيا، بجانب الكميات التي دخلت قطاع غزة، وهذا تسبب في نقص السلعة".
وتفرض وزارة التجارة والصناعة حظرًا على صادرات السكر الخام منذ 2023، مع تزايد الإقبال على التصدير خلال العام الماضي في ظل شح النقد الأجنبي، ومددت الوزارة الحظر في مارس/آذار الماضي.
ورغم هذا الحظر، تراجعت صادرات السكر خلال الربع الثاني من العام الماضي، الذي تخلله تنفيذ القرار، بنسبة محدودة، مقارنة بنفس الفترة من العام السابق، نحو 8%، حيث يظل الباب مفتوحًا للتصدير تحت القرار في حالة ما إذا كان السكر يفيض عن احتياج السوق المحلية.
ولم تفرض الحكومة حظرًا مماثلًا على صادرات الصناعات الغذائية التي زادت بنحو 14% خلال العام الماضي.
"الصناعات الغذائية تحتاج لنحو مليون طن سكر سنويًا، أغلبها من الإنتاج المحلي عبر شركات الحكومة التابعة لوزارة التموين، مع استيراد نحو 10% من احتياجات الصناعة من الخارج" كما يقول رئيس شعبة السكر بغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات المصرية حسن الفندي لـ المنصة.
لكن الفندي يرى أن القطاع الصناعي "بريء من أزمة السكر التي حدثت العام الماضي، حيث إن الأزمة سببها تكالب المواطنين على الشراء خلال الربع الأخير من 2023، حيث قاموا بتخزين السكر بدون داعي".
مشكلة قصب السكر
في مواجهة الطلب المحلي الزائد، كان لتراجع توريد قصب السكر للمصانع العام الماضي دور كبير في الأزمة، وهو لا يزال تحديًا مستمرًا بالنظر إلى عدم الإعلان بعد عن سعر توريد القصب للمصانع.
وتراجعت المساحات المزروعة من قصب السكر خلال موسم 2023 إلى 300 ألف فدان، مقابل 350 ألف فدان فى الموسم السابق، مع ضَعف أسعار الشراء من المصانع التابعة لوزارة التموين، ما أدى لتراجع الإنتاج المحلي من السكر.
ويبلغ عدد شركات السكر التابعة لوزارة التموين 8 شركات تمثل أكثر من 55% من إجمالي إنتاج السكر في مصر، حسب المسؤول في شركة النوبارية.
ولا يزال خطر تراجع حجم القصب المورد للمصانع التابعة لوزارة التموين قائمًا خلال موسم زراعة قصب السكر للعام الحالي، الذي يمتد بين شهر مارس وحتى يونيو/حزيران، في حالة عدم عرض أسعار توريد مناسبة لتكاليف الزراعة الحالية، كما يقول مصدر في معهد بحوث المحاصيل السكرية لـ المنصة.
"تصل تكلفة زراعة فدان القصب إلى 45 ألف جنيه، بينما يبلغ سعر بيعه حوالي 58 ألف جنيه، حيث إن وزارة التموين حددت 1500 جنيه فقط لطن القصب إلى جانب بعض الحوافز بمتوسط 250 جنيهًا على الفدان" كما يضيف المصدر بمعهد المحاصيل السكرية، الذي طلب عدم نشر اسمه.
وأعلنت وزارة التموين الشهر الماضي عن صرف حافز إضافي بقيمة 300 إلى 500 جنيه على سعر شراء طن القصب، في محاولة لتجنب نقص التوريد الذي شهدته العام الماضي، لكن قيمة الحافز تتدرج بحسب الإنتاجية. ويقول علاء سعيد مزارع القصب بقنا لـ المنصة إن الحافز الأعلى يتم منحه لمن تتجاوز إنتاجيتهم 40 طنًا للفدان، بينما متوسط الإنتاجية الشائع بين المزارعين لا يتجاوز 33 طنًا.
ويرى نقيب الفلاحين حسين عبد الرحمن أنه من الصعب أن تقدم الدولة حوافز كبيرة لزراعة القصب بسبب قلقها من التوسع في زراعته لاستهلاكه الكبير للمياه.
ونقابة الفلاحين التي يمثلها عبد الرحمن، هي واحدة من أربع نقابات مستقلة تحاول تمثيل الفلاحين.
"فدان القصب يستهلك نحو 12 ألف متر مياه طوال العام، حيث يمكث القصب في الأرض نحو 10 إلى 11 شهرًا"، كما يقول عبد الرحمن.
وشدد نقيب الفلاحين على ضرورة التوسع في زراعة البنجر لتعويض الفاقد من نقص زراعة القصب، حيث إن البنجر يستهلك مياهًا أقل ويعطي إنتاجية للسكر أكبر، موضحًا أن كل 7 أطنان بنجر تنتج طن سكر، بينما يتم إنتاج نفس الكمية من كل 10 أطنان قصب.