بعد جولات متواصلة من الطعون والاستبعادات والتأجيل، يستعد محامو مصر لانتخاب مجلس جديد لنقابتهم، في الثالث والعشرين من مارس/آذار، في انتخابات تشهد عودة قوية لوجوه قديمة متمرسة على منصب النقيب تحديدًا، وإن لم تغب عنها أحلام المستقلين، الحالمين بإعادة النقابة إلى مكانتها قلعةً من قلاع الحريات.
يخوض الانتخابات على منصب نقيب المحامين 16 مرشحًا أبرزهم النقيب الحالي عبد الحليم علام، والأسبق سامح عاشور، وآخرون ممن يتمتعون بالخبرة في العمل النقابي مثل مقرر لجنة الحريات بالنقابة نبيل عبد السلام. وهؤلاء هم الثلاثي الذين تدور بينهم المعركة، بعدما أعلن النقيب الأسبق حمدي خليفة انسحابه لأسباب عزاها إلى المناخ الانتخابي والصراعات التي تشهدها النقابة، موضحًا أنه لم يعتد العمل في مثل هذه الظروف.
يعود سامح عاشور محملًا بإرث ثقيل اكتسبه على مدار تاريخه في المعارك النقابية
إلى جانب منصب النقيب، يتنافس 250 مرشحًا على مقاعد عضوية مجلس النقابة العامة، وذلك بعدما شهدت الأسابيع الماضية جدلًا كبيرًا حول القائمة النهائية، ما أدى إلى تأجيل الانتخابات في ظل صدور حكم من محكمة القضاء الإداري باستبعاد بعض المرشحين، والحكم لصالح آخرين باستكمال المنافسة.
عودة عاشور
يعود النقيب الأسبق سامح عاشور إلى واجهة العمل النقابي بعد استقالته من عضوية مجلس الشيوخ، محملًا بإرث كبير اكتسبه على مدار تاريخه في المعارك النقابية، وهي العودة التي صاحبها جدل وسجال قضائي.
كان عدد من المحامين تقدموا بطعون ضده لاستبعاده من المنافسة على منصب النقيب بسبب عضويته في مجلس الشيوخ، على الرغم من إعلانه الاستقالة من المجلس، كونها ليست نهائية، وكونه ما زال يتمتع بالحصانة البرلمانية. لكن القضاء الإداري رفض الطعون المقدمة ضده، ليكمل عاشور مهمته نحو استعادة المنصب.
لعاشور إرث طويل مع منصب نقيب المحامين، إذ تولاه لدورتين متتاليتين بين 2011 و2019، وشغله أيضًا دورتين بين 2001 و2008، فيما خسر المنافسة لصالح الراحل رجائي عطية في 2020. وطوال هذه السنوات رسّخ عاشور هيمنته باعتباره المرشح الناصري الأقوى أمام ممثلي التيار الإسلامي الذي تصدره المحامي منتصر الزيات، الغائب عن المشهد الانتخابي حاليًا.
لم تخل الدورات المتعاقبة لعاشور من الاتهامات بالفساد وتبديد أموال النقابة، وتغييب ميزانية النقابة عن أعضاء الجمعية العمومية. وينفي عاشور ادعاءات خصومه بشأن إنفاق 400 مليون جنيه في التجديدات الإنشائية، ويتحدى خصومه لإظهار مستندات رسمية، مبينًا أن التجديدات لم تزد ميزانيتها عن 152 مليون جنيه.
جنى علام ثمار نشاطه النقابي بتولي منصب النقيب وحقق زيادة في ميزانية النقابة
كما فتحت نيابة الأموال العامة تحقيقًا في البلاغات المقدمة من النقيب الراحل رجائي عطية، بخصوص إهدار المال العام وشبهات الفساد داخل أروقة النقابة في عهد عاشور بين عامي 2011 و2019، خصوصًا في وقائع طالت عملية تجديد المركب السياحي بالنادي النهري للمحامين بالمعادي. إلا أن عاشور كشف لاحقًا أن النيابة العامة استبعدت شبهة العدوان على المال العام.
جبهة الإصلاح VS عودة عاشور
ينتمي النقيب الحالي عبد الحليم علام إلى جبهة الإصلاح، التي تأسست في خضم الاستعداد لانتخابات مجلس نقابة المحامين عام 2020، بهدف "مكافحة الفساد" داخل النقابة، واستطاعت إبعاد عاشور عن منصبه التاريخي.
جنى علام ثمار نشاطه النقابي بتولي منصب النقيب في 2022، وأسس للعمل المؤسسي داخل النقابة بعد 20 عامًا كانت تدار فيها ككيان تابع لفرد واحد، حسب تعبيره، فضلًا عن تحقيقه زيادة قدرها 433 مليون جنيه في ميزانية النقابة، عزاها إلى حسن إدارة موارد النقابة وتطبيق نظام الميكنة، الذي ساهم في غلق منافذ الفساد داخل النقابة.
تصطدم طموحات علام في الاحتفاظ بالمنصب بوجود تيار قوي داعم لعاشور في هذه الانتخابات يريد للنقابة استعادة بريقها السياسي دون الاكتفاء بالدور الخدمي فقط، حسبما يوضح المحامي الحقوقي محمد صبحي، مؤسس مركز نضال للحقوق والحريات لـ المنصة.
"المحامون كحال كل النقابات المهنية الأخرى يبحثون عن نقيب ومجلس يحمي مصالحهم ويزيد من الخدمات ويحسن وضعهم المادي والمهني. لذا تتقدم الخطابات الخدمية على خطابات قضايا الحريات رغم وجود كثافة من المرشحين المحسوبين على تيار الاستقلال"، يضيف صبحي.
يعتبر صبحي أن عودة عاشور لقيادة النقابة سيعزز وضعها بعدما غابت عن الشأن العام لسنوات طوال، إلى حد جعل النقابة لا تشارك بفعاليات تضامنية مع فلسطين.
ومقارنة بجارتهم التي يفصلها عنهم سور، تشهد نقابة الصحفيين حراكًا ملموسًا بعد انتخاب خالد البلشي على رأسها. يعتبر صبحي أن عاشور لا يمكن وصفه بأنه رجل دولة فهو مرشح ناصري ويستقطب طيفًا واسعًا من المدافعين عن حقوق الإنسان.
في السياق ذاته، لا يتوقع المحامي بالنقض علي الفيل، المرشح على عضوية مجلس النقابة، أن تسفر الانتخابات المقبلة عن تغيير كبير في ظل الاستقطاب الحاد بين قائمتي عبد الحليم علام وسامح عاشور، كونهما القادرين على حشد الجمعية العمومية في شهر رمضان.
وأشار الفيل في تصريحات لـ المنصة إلى أن الانتخابات المقبلة يشوبها الكثير من العوار ما يعرضها للطعون، في ظل عدم إعلان اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات القوائم النهائية للمرشحين وإدراج بعض الصادر بحقهم قرارات استبعاد في قوائم المرشحين.
ينتظر المحامون إحراز تقدم في ملفات الحريات والخدمات
كان نقيب المحامين عبد الحليم علام أكد أن هذه الانتخابات شهدت طعونًا غير مسبوقة في تاريخ النقابة، بغرض إيقافها وتعطيل مصالح المحامين، وجر النقابة إلى نفق مظلم ووقوعها تحت الحراسة القضائية، مشيرًا إلى أن هناك طعونًا تُقدم حتى الآن.
الخدمات أولًا
تشغل البرامج الاجتماعية مثل زيادة المعاشات سنويًا حيزًا كبيرًا من دعاية المرشحين لعضوية المجلس، إذ تضمنت برامج عدد من المرشحين، اطلعت عليها المنصة، زيادة المعاشات سنويًا، وتفعيل نصوص قانون المحاماة وتعديلاته بشأن إنشاء أكاديمية للمحاماة، في وقت ركز أغلب المرشحين في برامجهم على تطوير وميكنة نقابة المحامين وتحسين الأداء الخدمي والنقابي.
لم تغب عن الساحة الشعارات الحقوقية، خصوصًا من الأعضاء الناشطين بملف الدفاع عن المعتقلين، مثل محسن بهنسي العضو السابق بلجنة تقصي الحقائق، وأحد محامي أسر الشهداء في قضية القرن، الذي يمني نفسه باستعادة لجنة الدفاع عن الحريات دورها لتدافع عن المحامين المحبوسين احتياطيًا في قضايا الرأي.
يعد بهنسي الانتخابات المقبلة فرصة يتبارى فيها الباحثون عن خدمة أبناء مهنتهم وتصحيح مسار العمل النقابي، لافتًا في حديثه مع المنصة إلى أنه يلمس رغبة قطاع واسع من النقابيين في تمثيل المدافعين عن الحريات المهنية وممن يتخذون موقفًا من القضايا العامة التي تمس الجماهير.
بدوره، أكد حسين الجمال، أمين عام النقابة، إجراء الانتخابات في موعدها في الثالث والعشرين من مارس الحالي، نافيًَا ما تردد عن بطلان إجراءات الانتخابات بعد تأجيلها من 9 إلى 23 بسبب استبعاد بعض المرشحين.
وأوضح الجمال لـ المنصة أن المشهد الانتخابي في المحامين ومعدل الطعون معتاد وسائد، "الطبيعي أن تشهد انقسامًا واستقطابًا بين كتلتي سامح عاشور وعبد الحليم علام في خضم دفاع كل فريق عن حظوظه وأحقيته في المنصب، وهو ما يتعين على الجمعية العمومية حسمه في انتخابات السبت".
ما لم يَجِد جديد، ينتخب المحامون نقيبهم وأعضاء مجلسهم بعد نحو شهرين من الشحن الانتخابي والطعون التي وصلت منصة القضاء، في انتظار إحراز تقدم في ملفات الحريات والخدمات.