تعقد محكمة العدل الدولية، الخميس والجمعة، جلسات استماع علنية في الدعوى التي أقامتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بشأن "الإبادة الجماعية" التي ترتكبها بحق الفلسطينيين في غزة.
اتهمت جنوب إفريقيا في دعواها إسرائيل بارتكاب أفعال لها سمة الإبادة الجماعية، وأنها تهدف عمدًا إلى "تدمير الفلسطينيين في غزة؛ من خلال القتل وإلحاق الأذى الجسدي والعقلي الخطير بهم، وفرض ظروف معيشية تهدف إلى تدميرهم جسديًا".
وتستند الدعوى إلى انتهاك تل أبيب اتفاقية "منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها"، التي وقعت عليها جنوب إفريقيا وإسرائيل عام 1948، والتي دخلت حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني 1951.
تتولى المحكمة الفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول طبقًا لأحكام القانون الدولي
وتصف الاتفاقية "الإبادة الجماعية" بأنها أفعال ارتكبت بقصد "التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية"، وحددت 5 أشكال لهذه الأفعال، تشمل: قتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، وإخضاع الجماعة عمدًا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا، وفرض تدابير تستهدف الحول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، ونقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.
ومحكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، تأسست بموجب ميثاق الأمم المتحدة في يونيو/حزيران 1945 وبدأت أنشطتها في أبريل/نيسان 1946.
وتتألف المحكمة من 15 قاضيًا تنتخبهم الجمعية العامة ومجلس الأمن، التابعان للأمم المتحدة، لمدة 9 سنوات، ويقع مقرها في قصر السلام في لاهاي بهولندا.
وتتولى المحكمة الفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، طبقًا لأحكام القانون الدولي، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
سابقة مهمة
اعتبر أستاذ القانون الدولي الدكتور محمد مهران دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل "خطوة مهمة نحو مساءلة الاحتلال الإسرائيلي وفق القانون الدولي".
وأوضح مهران أن المحكمة ستبدأ غدًا الخميس أولى جلسات الاستماع، وستنظر مدى اختصاصها، وهل الدعوى أقيمت على أسانيد قانونية، مضيفًا أنه يجوز للمحكمة اتخاذ تدابير مؤقتة لحماية حقوق الأطراف.
"القانون الدولي يجبر إسرائيل على المثول أمام المحكمة، ففي حالة تخلفها سيحق لجنوب إفريقيا المطالبة بالحكم لصالحها، وفق المادة 53 من النظام الأساسي للمحكمة"، يقول مهران لـ المنصة، مضيفًا أن "أحكام محكمة العدل الدولية مُلزمة ونهائية، بموجب المادة 59 من النظام الأساسي"، و"يتوجب تنفيذها بحسن نية وفق المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة".
ويؤكد أن إدانة الممارسات الإسرائيلية ستمثل "سابقة مهمة"، يمكنها وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان بحق الشعب الفلسطيني.
تحركات إسرائيلية
غير أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أعلن رفضه الاتهامات، قائلًا "لسنا نحن من جاء لارتكاب الإبادة الجماعية، بل حماس".
وزعم نتنياهو أن الجيش الإسرائيلي يتصرف "بالطريقة الأكثر أخلاقية"، و"يفعل كل شيء لتجنب إيذاء المدنيين".
وأصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية تعليمات لسفاراتها بالضغط على الدبلوماسيين والسياسيين في البلدان المضيفة لهم لإصدار بيانات ضد دعوى جنوب إفريقيا، وفقًا لنسخة من برقية حصل عليها موقع أكسيوس الأمريكي.
وذكر ثلاثة مسؤولين إسرائيليين أنه "قد تكون لحكم المحكمة آثار محتملة كبيرة ليس فقط في العالم القانوني، بل لها تداعيات عملية ثنائية ومتعددة الأطراف واقتصادية وأمنية"، حسبما جاء في البرقية.
وربما كان من أثر ذلك أن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية قال إن الولايات المتحدة "لا ترى أي أعمال في غزة تشكل إبادة جماعية".
كما رفضت جواتيمالا، البلد الواقع بأمريكا الوسطى، الدعوى، وزعمت في بيان لوزارة الخارجية أن إسرائيل "تُدافع عن نفسها ضد الهجمات الإرهابية".
قتل ودمار ونزوح
وكان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة اتهم إسرائيل بارتكاب 1944 "مجزرة" خلفت 23 ألفًا و210 قتلى، و59 ألفًا و167 مصابًا حتى أمس الثلاثاء.
وأوضح المكتب في بيان يناير الحالي أن 23 ألفًا و210 قتلى وصلوا المستشفيات، من بينهم 10 آلاف طفل و7 آلاف امرأة و326 قتيلًا من الطواقم الطبية، و45 من عناصر الدفاع المدني و112 صحفيًا.
كما نوه بأن نحو 7 آلاف فلسطيني لا يزالون في عداد المفقودين، 70% منهم من الأطفال والنساء، ونحو 60 ألفًا أصيبوا بجروح مختلفة، منهم 6 آلاف إصابة بحاجة للسفر للعلاج لإنقاذ حياتهم.
وأشار البيان إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي اعتقل 99 من الكوادر الصحية و10 صحفيين، كما دمرت الهجمات 134 مقرًا حكوميًا و95 مدرسة وجامعة كليًا، و295 آخرين جزئيًا، إضافة إلى تدمير 142 مسجدًا كليًا، و240 بصورة جزئية، فضلًا عن استهداف ثلاث كنائس، و69 ألف وحدة سكنية دمرت كليًا و290 ألفًا جزئيًا.
طالبت الدعوى بوقف التحريض العلني على الإبادة الجماعية وإلغاء السياسات والممارسات ذات الصلة
واتهم المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إسرائيل بإسقاط 65 ألف طن من المتفجرات على القطاع، بالتزامن مع خروج 30 مستشفى و53 مركزًا صحيًا عن الخدمة، واستهداف 150 مؤسسة صحية بشكل جزئي وتدمير 121 سيارة إسعاف.
وذكرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين/أونروا، أن نحو 90% من سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، نزحوا قسرًا خلال 3 شهور من الحرب الوحشية، وأن هؤلاء يفتقرون إلى كل شيء.
الخطوة التالية
وطلبت دعوى جنوب إفريقيا من محكمة العدل الدولية إصدار تدابير مؤقتة، في مقدمتها دعوة إسرائيل لوقف حملتها العسكرية في غزة، من أجل "الحماية من أي ضرر إضافي وشديد وغير قابل للإصلاح لحقوق الشعب الفلسطيني بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية".
كما طالبت بوقف التحريض العلني على الإبادة الجماعية، وإلغاء السياسات والممارسات ذات الصلة، بما في ذلك ما يتعلق بتقييد المساعدات وإصدار توجيهات الإخلاء.
ويرجح أستاذ القانون الدولي أن يدين الحكم ممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، ربما مع توصية بضرورة تقديم تل أبيب تعويضات للضحايا، ووقف انتهاكات حقوق الإنسان.
لكنّ مهران يعتقد أن التحدي الحقيقي سيكمن في تنفيذ الحكم، خاصة في ظل احتمالات تهرب إسرائيل من الالتزام به، مدعومة بحماية أمريكية، ما يهدد بتقويض مصداقية المحكمة وفاعليتها.
دعم عربي-لاتيني.. وتوقيعات مصرية
وفيما أيدت فلسطين دعوى جنوب إفريقيا، طالبت المحكمة، في بيان لوزارة خارجيتها، بأن تتخذ إجراءات فورية لحماية الشعب الفلسطيني وتدعو إسرائيل إلى وقف هجومها لضمان التوصل إلى حل قانوني موضوعي، مؤكدة أن "وجود الشعب الفلسطيني يتعرض لتهديد غير مسبوق".
كما أيّد الأردن الدعوى، وأكد في تصريحات لوزير الخارجية أيمن الصفدي أنه سيقدم مرافعة قانونية للمحكمة.
بوليفيا أيضًا أيدت الدعوى، التي وصفتها بأنها "خطوة تاريخية في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية"، وطالبت المجتمع الدولي بدعم هذه المبادرة.
أما في مصر، فأطلقت أحزاب وحركات سياسية حملة جمع توقيعات تطالب القاهرة بالانضمام إلى دعوى جنوب إفريقيا، وأن تتشكل لجنة لجمع جرائم الاحتلال وتوثيقها وتوصيفها وإعداد مذكرة رسمية بالأدلة، وأن تستخدم مصر ثقلها السياسي لدعوة وتشجيع دول العالم الثالث في منظمة دول عدم الانحياز والمؤتمر الإسلامي والاتحاد الإفريقي إلى الانضمام للدعوى.
من جانبها، دعت الحركة المدنية الديمقراطية، الحكومة وكل الحكومات العربية والأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، الانضمام رسميًا إلى الدعوى، بوصفه "أقل إجراء يمكن اتخاذه".
يأتي هذا في وقت تستمر الاعتداءات الإسرائيلية على غزة، منذ السابع من أكتوبر، فهل يكون لمثول إسرائيل للمرة الأولى أمام المحكمة أثر في تخفيف وطأة الحرب أم تخرج دولة الاحتلال دون إدانة؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.