عبثت الكاتبة السعودية زينب علي البحراني بمشاعر المصريين الملتهبة وجعًا على أرضِ مصرية تُسلب من بين أيديهم جهارًا في وضح الشمس الحارقة لقلوبنا قبل وجوهنا في مقالٍ ردئ إنسانيًا تحت عنوان "عن تيران وصنافير.. ما يُعْرف ولا يقال".
وحاولت الكاتبة جاهدةً أن تسوّغ لآل سعود "جريمة" شراء قطعة من أرضِ مصرية بثمنِ بخس، حفنة من الريالات الملطّخة بالخزي والعار والخيانة، بمبايعة غير مشروعة دستوريًا وتاريخيًا وجغرافيًا وإنسانيًا.
صالت وجالت بين السّطور بشجاعة زائفة، وهي تٌشهر في وجوهنا سيلًا من غثيان غثّ تعتريه الأكاذيب والتلفيقات والافتراءات على هذا الشعب الكادح المناضل منذ فجر التاريخ.
راحت تروّج أباطيل عن (سيكولوجية) الشعب المصري بأنّه مجرّد شعب يحتوي أكثريّة غير وطنية باحثةً عن المال الوفير حتى وإن كان ذلك على حساب أرضه وعرضه وشرفه الوطني.
يجدر أن ننوّه على أنّ الحكومات حين تقترض، أو تبحث عن معونة لسد عجز سياساتها في الإنتاج لا ينتهج الأفراد " الأحرار" - ولا سيّما المصريين - مبدأ التسوّل من الدول، بل يطلبون العمل مقابل أجر.
إدّعت الكاتبة السّعودية أيضًا أنّ من يخالف وجهة نظرها في قضية تيران وصنافير هو مجرد مدّع، يفتقد الشّرف الوطني أمام أموال دولتها المملينة، أو الممليرة، مقابل أن تباع مصر كاملةً للسعودية.
الحقَّ أقول لها إن الشعب المصري العظيم قام بأعظم حدثٍ إنسانيّ في تاريخ البشرية بإجماع دولي، نادى بالحرّية والديمقراطية مدافعًا عن كرامته وحرياته كاملةً، وحقوقه المنهوبة والمسلوبة في موجات ثورية نورانية أطاحت بجبابرة طغاة، في حين أن نساء السعودية الحرائر لا زلن يطالبن بحقوقهنّ في قيادة السيّارة.
إذا كنتي تجهلين قدر الأرض في وجدان الشعب المصري فأصدقك القول أنك لا تعلمين عن شعبنا شيئًا. فقد طرد الشعب المصري كل احتلال غاشم حين انكسرت الجيوش النّظامية. تاريخ المصريين يزكّيهم، وحاضرهم يسطّرونه بثورات من نور لن تنتهي حتى الوصول إلى ضياء الحرية.
لا أعلم حقًا إن كنتي تعلمين، أو تجهلين دور جزيرتي تيران وصنافير خصيصًا في خدمة إسرائيل، العدوّ الأول لمصر في المنطقة، وخسارة مصر السياسية والإقتصادية حال تسليم السعودية السيادة على هاتين الجزيرتين، وإلغاء دور قناة السويس تمامًا بعد أن قامت إسرائيل بالشروع في حفر قناة أشدود.
هل تعلمين أنّ هذه المبايعة مرّت بسلام بعد موافقة إسرائيل كون هاتان الجزيرتان نقطتين هامتين في اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل؟
تعتقد الكاتبة أنّ حكومتها الميمونة لا تحتاج عمالة مصرية، وإنما تعطف علينا بمبدأ الشفقة تارة، وبمبدأ اتفاقات دبلوماسية تارةً أخرى، لينتهي بها المطاف إلى المجاهرة بتسويغ هذه المبايعة الرثّة إلى ملل حكومتها من الإنفاق المستمر على حكومة مصر دون عائد.
تظل أفضال التكيّة المصرية، أو المبرّة المصرية، غيضٌ من فيض، إحدى المساعدات المادية والمعنوية من الدولة المصرية إلى أرض الحجاز ثم بالتبعية الزمنية ما تسمى حاليًا بالمملكة العربية السعودية، حيث كان يقدم بها أرز وخبز لفقراء المدينة ومكة، ثم إنشاء التكيات المصرية وكان يبلغ طولها تسعة وثمانون مترًا وعرضها خمسون مترًا، وكان يزورها أكثر من أربعمائة فقير يوميًا ويزيد هذا العدد الي أربعة آلاف فقير في اوقات الحج، وباعها مبارك دون علم "الأوقاف" في السادس والعشرين من مارس 1983.
ألم تعلمين أنّه لأكثر من ألف سنةٍ وكسوة الكعبة تُرسل من مصر إلى مكّة؟ ألم تعلمين أنّه لسنوات طوال كانت البعثات الطبّية المصرية هي أكثر ما ينفع الحجيج في مكة؟
إنّ نضال الشعب المصري دفاعًا عن أرضه وعرضه وشرفه يزكّيه التاريخ والحاضر، ففي هذه القضية انتفض المصريون دفاعًا عن أرضهم من براثن حكومتكم، وعرّض بعضهم حياته للموت عندما تظاهر في سبيل الدفاع عن أرضه، وبعضهم أثبت عن طريق القضاء أنه لا حقّ للسعودية في هاتين الجزيرتين المصريتين، وحكم على البعض بالسجن والتنكيل والبعد عن المال والأهل والرغد والعيش الكريم في غياهب السجون؟!
تعرّض المصريون الغاضبون للتشويه المعنوي والإعلاميّ المضلّل بالتخوين والعمالة.. يا لسخرية القدر!
أثرتِ في سطورك الواهنة أنكِ وشعب السعودية أصبحتم غير معنيين بالشّأن المصري، ولا تبحثون أحداثه السياسية، ولا تأبهون بأمر المصريين، وأبعث إليكِ وإيّاهم شكرًا جزيلًا، ونرجو أن تنأوا بأنفسكم بعيدًا عن حدودنا الحبيبة.
دعوا رمال مصر ودمائها الزاكية، وانتفضوا لحل مشاكلكم الحدودية، سواء مع الإمارات على حقل نفط الشيبة الذي تبلغ إنتاجيته من النفط يوميًا خمسمائة برميل، وخور العديد، أو مع اليمن على "جازان"، أو انتفضي لحثّ حكومتك على انتزاع حقوقكم في "خوفوس" التي تملكها قطر رغمًا عن إرادتكم.
ألم تملّوا الخنوع والرّضوخ مثلما مللتم الإنفاق على حكومة مصر؟!
اتركي لنا غضبنا على أرضنا، ونحن نصدق القول والنوايا في حبنا وعشقنا لتراب هذا الوطن، ولا ننتظر منكم تزكيةً، ولا نقبل طعنًا في وطنيتنا.
اغمدي حسامك إلى جرابه واعلمي أن مصر بالنسبة لنا وطن أغلى من كنوز الأرض، ولا نقبل عن حدودنا بديلًا. اعمدي إلى حكومتك وحثيها - إن استعطتِ - على حرية الرأي، وحرية الفكر، وحرية المرأة، وحرية الاعتقاد، وحل خلافاتكم السياسية، ومعضلاتكم الاقتصادية دون التنظير عن أحوال دول ترى النور في طريقها وتسعى للوصول إليه.
حملت مصر دائمًا هموم القضايا العربية - خاصةً الإنسانية - دون مباهاة بالمنّ والأذى، ودون استغلال محنة في خطف ما ليس لها، ويظل الشعب المصري شعبًا نبيلًا مُعلّمًا موجّهًا متفضّلًا ممتعضًا مما أثرتِ في مقالك.
تيران .. مصرية .. مصرية .. مصرية، وصنافير ..مصرية .. مصرية .. مصرية، ولن نرضى عن حدودنا بديلًا.