يغادر الرئيس الأمريكي جو بايدن واشنطن إلى الشرق الأوسط غدا الأربعاء في أول زيارة للمنطقة منذ توليه منصبه تصحبه أسوأ دعاية ممكنة، ستزيد من هزالة النتائج المتوقعة من اللقاءات والقمم التي سيعقدها في فلسطين وإسرائيل والمملكة العربية السعودية.
فآخر استطلاع للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز الاثنين 11 يوليو/ تموز، أفاد أن 33% فقط من الأمريكيين راضون عن أداء الرئيس العجوز الذي يتلعثم في خطاباته ويسقط من على دراجته ويغلبه النعاس أحيانا وسط الاجتماعات، بل إن 64% من أعضاء الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه بايدن يودون التقدم بمرشح آخر في العام 2024 ليخوض المنافسة العاصفة أمام المرشح الجمهوري المتوقع أن يكون دونالد ترامب.
القادة الذين سيلتقي بهم بايدن في فلسطين والسعودية يعرفون جيدًا حالة الضعف الداخلي التي يعاني منها الرئيس الأمريكي. بل إنه ما كان ليقوم بهذه الجولة أساسًا، وفقا لمحللين أمريكيين، لو لم يكن يعاني من ذلك الضعف الذي عكسته نتائج آخر استطلاعات الرأي.
فالرحلة خارجية نعم، ولكن أهدافها داخلية بامتياز وعلى رأسها إقناع السعوديين والإماراتيين بضخ المزيد من النفط لمواجهة آثار التضخم وارتفاع أسعار الوقود في الولايات المتحدة بعد دخول حرب روسيا ضد أوكرانيا شهرها السادس، وهو ما يهدد فرص الحزب الديمقراطي في الاحتفاظ بغالبيته الحالية في الكونجرس بمجلسيه، الشيوخ والنواب، في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
سيدعم بايدن بالتأكيد أي فرص لمزيد من التقارب والتطبيع بين إسرائيل وأصدقائها العرب، وهو المسار الذي بدأه ترامب عن طريق الاتفاقيات الإبراهيمية. فإسرائيل أيضا قضية شأن داخلي في الانتخابات الأمريكية، خاصة مع تنامي الأصوات المعارضة لسياسات إسرائيل داخل الحزب الديمقراطي، ودعوات التمييز بين دعم إسرائيل كدولة لليهود، ودعم الاحتلال غير المشروع لأراضي فلسطين وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني.
من المتوقع أن يعلن بايدن التوصل لتفاهم بين الرياض وتل أبيب بسحب القوات الدولية من جزيرتي تيران وصنافير، وتسليمهما بشكل كامل للسعودية
بايدن سيغادر إسرائيل الجمعة من مطار بن جوريون في رحلة مباشرة إلى جدة، ستكون الأولى من نوعها التي يقوم بها رئيس أمريكي في ضوء مقاطعة السعودية لإسرائيل ومنعها من استخدام مجالها الجوي. وذكرت تقارير أن بايدن قد يعلن التوصل لتفاهم بين الرياض وتل أبيب يسمح بسحب القوات الدولية من جزيرتي تيران وصنافير وفقا لاتفاقية كامب ديفيد، وتسليمهما بشكل كامل للسعودية بعد أن أقرت القاهرة بسيادة المملكة على الجزيرتين في 2017.
وفي مقابل ذلك من المتوقع أن تسمح السعودية لإسرائيل باستخدام مجالها الجوي في رحلات طيرانها المتجهة إلى آسيا، وكذلك استقبال رحلات مباشرة للحجاج المسلمين القادمين من فلسطين مباشرة.
كما أنه لا بأس من استخدام الحديث عن التحالف العسكري السري-العلني بين إسرائيل وعدد من دول الخليج، وخاصة الإمارات، في مواجهة إيران كورقة ضغط في المفاوضات الجارية للتوصل لاتفاق بشأن برنامجها النووي والتي تجري في فيينا.
فقادة دول الخليج يعرفون أكثر من غيرهم أن واشنطن ليست بصدد شن حرب ضد إيران، ولن تسمح أن يصل ذلك التحالف المزمع، بمشاركة المضطر من مصر، لدرجة قيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية منفردة لإيران، لأن ذلك من شأنه بالتأكيد توريط الولايات المتحدة في نزاع ستتجاوز آثاره أي حرب أخرى خاضتها في منطقة الشرق الأوسط.
والمؤكد أن إيران ليست العراق وأفغانستان، وليست لقمة سائغة. كما أن تغلغلها في دول المنطقة مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكذلك في دول الخليج عبر مواطنين من أصول إيرانية نالوا جنسيات تلك الدول كما هو الحال في الإمارات والكويت والبحرين، يجعل سيناريو شن حرب ضدها أقرب للمستحيل.
الأقرب إذن هو أن تسعى واشنطن، وبضغط من الأوروبيين، إلى العودة للاتفاق النووي مع إيران، والذي توصل له الرئيس السابق أوباما عام 2015، أملا في أن يساهم ذلك في تعويض النقص القائم في سوق النفط وارتفاع أسعاره مع تواصل حرب روسيا وأوكرانيا.
منذ أن تولى منصبه في يناير 2021، بدا واضحا للجميع أن التوجه العام لبايدن هو الابتعاد عن الشرق الأوسط ومشاكله التي لا تنتهي، واستكمال ما بدأه أوباما من سحب كامل للقوات الأمريكية من هذه المنطقة المضطربة.
ولا ننسى أن بايدن وصل البيت الأبيض على خلفية رفض التحالفات القوية التي أقامها سلفه ترامب، خاصة مع السعودية والإمارات ومصر، منتقدًا سجل الدول الثلاث في مجال حقوق الإنسان، واستمرار الرياض في شن حربها ضد اليمن بكل ما ترتب على ذلك من كوارث إنسانية.
الإمارات والسعودية ومصر لم يخفوا آمالهم أن يفوز ترامب بفترة رئاسية ثانية يتواصل خلالها التعاون اللصيق بينهم. في المقابل استطاعت قطر كسب ود الإدارة الجديدة سريعا على اعتبار أنها إحدى ضحايا الهيمنة السعودية على دول الخليج، ولاحقًا بعد أن قدمت باحتراف وذكاء مساعدات فورية لإجلاء الرعايا والجنود الأمريكيين المنسحبين على عجل من أفغانستان قبل عام.
ومقابل تعهده في حملته الانتخابية بالسعي لعزل السعودية وجعلها دولة منبوذة عقابًا على تورط ولي العهد محمد بن سلمان في إرسال فريق أمني رفيع المستوى إلى تركيا لقتل وتقطيع جسد المعارض جمال خاشقجي، يشاهد العالم الآن بايدن يكرر المشهد الشهير في فيلم "ابن حميدو" للفنان الراحل عبد الفتاح القصري وهو يردد الإفيه الشهير "خلاص تنزل المرة دى.. لكن اعملى حسابك المرة الجاية مش هتنزل أبدًا".
وفي مواجهة الهجوم القوي الذي تعرض له بايدن بعد أن قرر تغيير سياسته المعلنة والموافقة على لقاء ولي العهد السعودي، قال بايدن ومساعديه أنه لن يذهب للمملكة للقاء بن سلمان تحديدًا ولكن للاجتماع بقادة تسعة دول عربية، دول مجلس التعاون الخليجي الستة السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين وعمان، إلى جانب مصر والعراق والأردن، بهدف تعزيز الشراكة الأمريكية مع تلك الدول.
ولكن الواقع هو أن لا ابن سلمان ولا محمد بن زايد ولا حتى الرئيس عبد الفتاح السيسي، تعتمد سياساتهم على الحليف الأمريكي فقط، ويعلمون أن حقبة القوة العظمى الوحيدة في العالم قد انتهت مع بروز الصين وروسيا والمشاكل الداخلية والانقسام داخل الولايات المتحدة. وجاءت الحرب الروسية-الأوكرانية لتزيد من احتياج واشنطن للمنطقة العربية، وبطريقة اضطر معها الرئيس بايدن الذي سيختفي من المشهد السياسي غالبًا بعد عامين إلى "ابتلاع لسانه" كما يقولون باللغة الانجليزية، ويردد بالمصرية "هتنزل المرة دي".