أحيانًا يضطر أعضاء مجلس النواب إلى الموافقة الاضطرارية على مشروعات قوانين وقروض، مثلما يحدث في الموازنة العامة كل عام، وهو ما شهدناه في الجلسة العامة للمجلس الاثنين الماضي، إذ وافق نواب الأغلبية مضطرين على مشروع قانون وقرض جديد.
بدأت الجلسة بقانون يبحث عن بدائل لتوفير النقد الأجنبي، وانتهت بقرض اضطراري لصالح توسيع قاعدة المستفيدين من "تكافل وكرامة"، دائرة مفرغة ندور فيها حتى الآن سواء من جانب الحكومة أو النواب المضطرين للموافقة فدائمًا هناك مبررات.
لكن لم يكن هذا الملفت الوحيد في الجلسة، فانعكست على المناقشات أزمة تعيين المعلمين، والمظاهرات التي شهدها مبنى الوزارة في العاصمة الإدارية بعد تجاهل تعيين آلاف ممن تجاوزوا الاختبارات، وانتهت بفضها بالقوة، والقبض على بعضهم، ثم توجيه اتهامات لهم "بالانضمام لجماعة إرهابية" في وقت لاحق، بحسب مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت.
قانون فاشل يتجدد
مع تفاقم الأزمة الاقتصادية لجأت الحكومة لمبادرة تسهيل استيراد سيارات المصريين في الخارج، ضمن محاولاتها البحث عن حلول لتوفير العملة الأجنبية، ورغم عدم تحقيق المبادرة سوى 450 مليون دولار من الخمسة مليار ات التي استهدفتها، وافق مجلس النواب مضطرًا على مشروع قانون جديد يعيد تفعيلها مرة أخرى.
بادرت الحكومة في 2022 بطرح مشروع قانون يُسهل استيراد سيارات المصريين في الخارج، وعدلته في 2023 لمد مهلة العمل بالقانون التي انتهت في مايو/أيار الماضي، ويتيح القانون للمصري المقيم في الخارج إدخال سيارته الشخصية لمصر مقابل سداد 30% فقط من الضريبة الجمركية، يستردها بعد خمس سنوات.
ناقشت لجنة الخطة والموازنة في اجتماعها الأسبوع الماضي مشروع القانون، مررته بأغلبية أعضائها كما هو دون تعديلات، لم تستجب اللجنة أو ممثلي الحكومة للمقترحات التي قدمها النائب عن المصريين في الخارج، عمرو هندي لتعديل مشروع القانون، بحثًا عن سبل تفيد المصريين بالخارج، وفي الوقت نفسه تساعد في تحقيق الهدف منه في جلب العملة الأجنبية.
لم يتمكن هندي من عرض مقترحاته كاملة، فيما انتقد التمييز بين المصريين المقيمين في الخليج، والآخرين المقيمين في دول الاتحاد الأوربي، حاول أيضًا إقناعهم بفتح المدة وترك خيار استيراد السيارة بالإعفاءات غير محدد المدة، وفي محاولة لإنهاء الجدل؛ طلب رئيس لجنة الخطة والموازنة، فخري الفقي، تمرير مشروع القانون كما هو، مع فتح نقاش لاحق على مقترحات هندي، وتقديم تعديل تشريعي؛ إن لاقت اقتراحاته قبولًا من النواب.
الأغلبية توافق مضطرة
خلال المناقشات في الجلسة العامة، أول أمس الاثنين، تبين موافقة قطاع كبير من الأغلبية البرلمانية (حزب مستقبل وطن) على مشروع القانون المقدم من الحكومة، اضطراريًا، وليس إيمانًا بأهمية مشروع القانون وتأثيره. على العكس وجه بعض نواب الحزب انتقادات شديدة للحكومة ووزارة المالية وسياساتها.
كانت البداية من رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب، النائب محمد سليمان، الذي أكد أن المبادرة التي سبق وتم تطبيقها لم تحقق سوى 10% فقط من المستهدف، واعتبر أن كل التشريعات المقدمة من وزارة المالية للبرلمان لم تحقق أي نتائج؛ باستثناء التشريعات التي وجه بها الرئيس، مشيرًا إلى القوانين الخاصة بالعلاوات الاستثنائية والمعاشات.
خلاف ينقذ القانون
انتهت المناقشات من حيث المبدأ بالموافقة، وانتقل النواب لمناقشة المواد ثم الموافقة النهائية، عقب خلاف شهدته قاعة المجلس بسبب كلمة للنائب الوفدي محمد عبد العليم داود، أدت لأزمة في المجلس، فأمام توجيه نواب حزب مستقبل وطن والمعارضة انتقادات لمشروع القانون، قال داود "كله ضد الحكومة، هو مين جاب الحكومة، النواب أهم والحكومة موجودة، هنمثل على الشعب؟ حضراتكم مش انتوا اللي جايبين الحكومة؟"، وأضاف "حزب الأغلبية رفض القانون طب ما ياللا دلوقتي نخلص من الحكومة وآدي الجمل وآدي الجمال، ونحترم الشعب المصري".
كلمات داود لم تتوقف عند هذا الحد، تطرقت أيضًا لأزمة تعيين المعلمين، حيث أشار إلى المظاهرات التي شهدها مقر وزارة التربية والتعليم في العاصمة الإدارية، وقال "الحكومة ضربت مدرسات وطالبات بالشلاليت في العاصمة الإدارية، يا سيدات البرلمان، بنات مصر انضربت بالشلاليت في العاصمة الإدارية إمبارح".
أثارت كلمة داود استياء في القاعة وتعرض لمقاطعات، وعقب عليه النائب إيهاب الطماوي، عضو مجلس النواب عن حزب مستقبل وطن ووكيل لجنة الشؤون التشريعية، الذي نفى الواقعة، وقال "النائب المخضرم يقول وقائع غير حقيقية عمرها ما حصلت، مفروض أنك لا تنحى باتجاه الجلسة في أمور أخرى ومواضيع جانبية وتفرغ طاقات النواب"، مضيفًا "في حوار ديمقراطي حقيقي يليق بمصر نلاقي نائب مخضرم يجعل الجلسة تنجرف في اتجاه آخر".
وسمح رئيس مجلس النواب، المستشار حنفي جبالي، لوزير شؤون المجالس النيابية المستشار علاء فؤاد، بالتعليق قائلًا "أنأى بالمجلس أن يقال داخله أن نساء مصر تعرضت للضرب بالشلاليت في العاصمة الإدارية"، ورغم نشر عدد من المواقع الإلكترونية أخبارًا عن فض المظاهرات من جانب قوات الأمن، قال فؤاد "لسنا في عهد فيه حد يُضرب لا ستات ولا رجالة، باسم الحكومة أقول هذا الكلام لم يحدث نهائيًا"، ووجه بعدها جبالي لحذف عبارة "ضرب نساء مصر بالشلاليت" من المضبطة.
لم يعلق أي من نواب المعارضة على القرض، في حين دافع عنه ووافق عليه نواب الأغلبية
ورغم حصول النائب محمد كمال مرعي، عضو الحزب عن مستقبل وطن، ورئيس لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، على الكلمة في نهاية الجلسة العامة بعد مرور نحو ساعتين على كلمة داود، انتهز مرعي كلمته ودافع عن أداء المجلس الذي شدد على أنه "يعمل لصالح الوطن"، رافضًا العبارة التي قالها داود خلال نقده الحكومة، وقال مرعي إن عبارة "هنضحك على الشعب المصري"، مرفوضة وطالب بحذفها من المضبطة.
فيما اتخذ رئيس مجلس النواب، موقفًا أكثر انفتاحًا "أرجو ألا تضيق صدورنا بالنقد"، وأضاف "أرجو أن تتسع صدورنا لمزيد من الديمقراطية، مجلسكم موقر وقوي جدًا، مقارنة بمجالس كثيرة لن أذكرها، رأيت بعيني مجالس كثيرة، مجلس النواب المصري في المقدمة".
أزمة المعلمين تقتحم الجلسة
وبينما لم يتم طرح أي مشروعات قوانين أو اتفاقيات أو طلبات مناقشة تتعلق بالتعليم، فرضت أزمة تعيين المعلمين نفسها على الجلسة العامة، وجاء ذكرها على لسان عدد من أعضاء المجلس خلال كلماتهم عن مشروعات القوانين الأخرى، فضلًا عن تقديم النائب ضياء الدين داود بيانًا عاجلًا مكتوبًا لجبالي، طلب مناقشته في الجلسة، إلا أن رئيس المجلس لم يفتح الباب للمناقشة.
ففي أثناء رفض النائب عبد المنعم إمام مشروع القانون الخاص بتيسير استيراد سيارات المصريين في الخارج، قال "أريد أن أعرف ما الذي يريده وزير المالية الذي يصدر أزمات متتالية، أمس مع المعلمين، واليوم مشروع قانون بلا عائد مع النواب، نكرر نفس الأخطاء، وقد اكتفينا من فشل الحكومة المتراكم، فلا وجود لقانون حكومي يحقق عائد حقيقي منه".
الأمر ذاته تكرر في كلمة النائبة هالة أبو السعد، خلال مناقشة مشروع القانون، وقالت "الوزارة طلبت 30 ألف معلم، واجتازوا كل الاختبارات المطلوبة منهم، وبعدما تعشموا في التعيين، تخلت عنهم في نصف الطريق"، وأضافت "لم يكن من الممكن أن يتم التعامل مع المعلمين والمعلمات بهذا الشكل"، ووجهت نداء للرئيس عبدالفتاح السيسي بالتدخل.
ورغم لفت نظرها من رئيس المجلس بالخروج عن موضوع الجلسة، مشيرًا إلى تفضيله تقدمها بطلب إحاطة ومناقشته في اللجنة المخصصة لذلك مع الحكومة، لم تتوقف محاولات النواب عن إثارة الأزمة، ما دعا جبالي لتوجيه الحكومة لبحثها، وتعهد وزير المجالس النيابية باتخاذ اللازم.
مع الصخب الذي أحدثته أزمة تعيين المعلمين ومظاهراتهم، انتهت الجلسة بموافقة سريعة على اتفاقية قرض جديد بين مصر والبنك الدولي للإعمار والتنمية بمبلغ 500 مليون دولار، يستهدف زيادة تغطية وفاعلية برنامج تكافل وكرامة.
لم يعلق أي من نواب المعارضة على القرض، في حين دافع عنه ووافق عليه نواب الأغلبية، فهو قرض ضروري مع التضخم والرغبة في توسيع رقعة المستفيدين من "تكافل وكرامة".
في جلسة واحدة كان البحث عن حلول لأزمة النقد الأجنبي، واللجوء لقانون ثبت فشله، ثم تمرير قرضٍ جديد، باعتباره ضروريًا لمساعدة الفئات الأكثر فقرًا، لنبحث فيما بعد عن عملة أجنبية تساعد في سداده وسداد فوائده، وبينهما قمع من الحكومة ونواب الأغلبية لنائب يتحدث عن اعتداء بالضرب على متظاهرات، لم تتح الفرصة حينها لهم للانتظار والتحقق منه. لنبقى محاصرين بين أزمة الاقتصاد ومظاهر القمع، رغم مطلب جبالي بـ"اتساع الصدر لمزيد من الديمقراطية".